نستكمل ما بدأناه بخصوص ما تحقق من إيجابيات على الصعيد الاقتصادى بعد انقضاء العام الأول لبرنامج الإصلاح الاقتصادى (نوفمبر 2016 إلى نوفمبر 2019) وكذلك تقييم الآفاق المستقبلية لأدائه، سنستعرضها فيما يلى: أولا: تتلخص النتائج الإيجابية والآفاق الاقتصادية فى ستة جوانب أساسية وهى: 1- ارتفاع معدل النمو الحقيقى من نحو 2% كمتوسط سنوى للفترة (2011-2014) إلى نحو 4.5% فى السنة الأولى للبرنامج (2017) كذلك، من المتوقع أن يرتفع هذا المعدل إلى مستوى 5.5% فى العام الثانى للبرنامج (2018). جدير بالذكر، أن هذه الزيادة تأتى فى مجملها من قطاعات حقيقية سواء كانت سلعية أو خدمية. فالقطاعات السلعية شهدت نموا ملحوظا فى كل من الغاز والكهرباء والإسكان والتشييد وشبكات الطرق وعدد من الصناعات التحويلية والمنتجات الزراعية واستصلاح الأراضى. أما القطاع الخدمى، فقد شهد تحسنا فى خدمات النقل بما فيها خدمات النقل عبر قناة السويس، وخدمات الاتصالات (الشبكة الرابعة والجيل الرابع) وخدمات الرعاية الصحية (الجهود الجبارة لمكافحة مرضى فيروس سى) والنمو الملحوظ فى الخدمات السياحية والفندقة وكذلك خدمات الموانى وكذا التجارة الداخلية والخارجية إضافة إلى الخدمات المالية (المصرفية وغير المصرفية) ... إلخ. من الطبيعى أن ينعكس ذلك إيجابا على زيادة المعروض من الإنتاج الحقيقى اللازم لتلبية الزيادة المطردة فى الطلب عليها ومن ثم تخفيف الضغط على أسعارها مستقبلا. 2- زيادة نسبة الاستثمارات الإجمالية (العامة والخاصة) إلى الناتج المحلى الإجمالى من 14% كمتوسط سنوى للفترة (2011 -2013) إلى نحو 17% عام 2017، ومن المتوقع أن ترتفع تلك النسبة إلى 19% العام القادم 2018، مع جهود الدولة الجادة نحو تحسين مناخ الاستثمار. 3- انخفاض معدل البطالة من 13.5% من قوة العمل (29.5 مليون فرد فى سن عمل قادر وراغب فيه) كمتوسط للفترة (2011-2013) إلى نحو 11.5% فى العام الأول (2017) من البرنامج، ومن المتوقع أن ينخفض هذا المعدل إلى نحو 10.5% فى العام الثانى (2018) من البرنامج. معنى ذلك أن الزيادة المتحققة فى الاستثمارات سوف تنعكس على زيادة قدرة جسم الاقتصاد المصرى على خلق مزيد من فرص العمل الدائمة والمؤقت، بشكل يمثل بعدا اجتماعيا مهما. 4- انخفاض عجز الموازنة الحكومية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى من 13.5% كمتوسط سنوى خلال الفترة (2012/2011 - 2014/2013) إلى نسبة 10.8% عام (2017/2016) التى من المتوقع أن تنخفض إلى مستوى 9.5% فى العام المالى المنتهى فى يونيو 2018. هذا الانخفاض فى عجز الموازنة سوف يحمل معه ثلاثة تطورات إيجابية مهمة، الأول يتمثل فى احتواء الزيادة فى الدين العام المحلى الذى ما زال يشكل عبئا ثقيلا على جهود إصلاح الخلل المالى فى موازنة الحكومة. والثانى، يتمثل فى انخفاض المدخرات السالبة للحكومة (اى عجز الموازنة الجارية) ومن ثم ارتفاع المدخرات المحلية اللازمة لتقليص الفجوة التمويلية بين المدخرات المحلية المتواضعة (13% من الناتج المحلى الإجمالى) وبين الاستثمارات الطموحة المراد تنفيذها (18%)، أما التطور الثالث فيتمثل فى تراجع مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص فى الحصول على التمويل المصرفى اللازم لدفع عجلة النمو. 5- ارتفاع الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى من 16 مليار دولار (يعادل 3.5 شهر واردات) كمتوسط للفترة (2014-2011) إلى 36.7 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر الماضى فى 2017 (يعادل 7.5 شهر واردات). صحيح أن نحو 70% منها التزامات مستقبلية واجبة السداد عند حلول آجال استحقاقها، إلا أنها تعد أصولا مستحقة لمصر تستطيع أن تستخدمها كيفما تشاء سواء فى استيراد القمح والسلع التموينية وسداد الديون إلى أن تتعافى مصادر مصر النقد الأجنبى (السياحة والصادرات وقناة السويس والتحويلات والاستثمارات الاجنبية) التى بدأت تتحسن بالفعل بدرجة مكنت مصر من الاستمرار فى سداد التزاماتها الخارجية دون توقف، فضلا عن أن تحسن تصنيف مصر الائتمانى أصبح يمكنها الآن من اللجوء إلى أسواق المال العالمية للاقتراض بالنقد الأجنبى بضمان سندات حكومية لتمويل استثماراتها الإنتاجية ومشروعات البنية الأساسية. 6- تحقيق الاستقرار فى سوق الصرف الأجنبى بعد أن اتخذ البنك المركزى خطوته الجريئة بالتحرر من جميع القيود على التحويلات والسحب والإيداع، كان آخرها إلغاء سقف السحب والإيداع لمستوردى السلع غير الضرورية. لقد ساهمت تلك الإجراءات فى استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار . لقد أدى ذلك إلى تحقيق المزيد من النتائج الإيجابية، منها زيادة تنافسية الصادرات المصرية حيث استقر سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار عند مستوى 17.7 جنيه/دولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فضلا عن أنه من المتوقع أن ينخفض سعر صرف الدولار إلى مستوى 16 جنيها/دولار بنهاية 2018 بما يساهم فى انخفاض معدلات التضخم. ثانيا: أهم التحديات التى تواجه السلطات المصرية (البنك المركزى والحكومة) وتتمثل فى تحديين رئيسيين، وهما: 1- ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، حيث ارتفع هذا المعدل من نحو 14% كمتوسط سنوى فى الفترة (2014-2011) إلى ما يزيد على 30% خلال عام 2017 وهو معدل غير مسبوق له آثاره الاجتماعية الخطيرة، لذا فإن البنك المركزى يعمل بالتنسيق مع الحكومة على استخدام سياسته النقدية المقيدة للنمو فى السيولة النقدية ورفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل بهدف تخفيض معدل التضخم إلى نحو 13% بنهاية عام 2018. ومن الطبيعى أن يؤدى ذلك إلى انخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات مقبولة تساهم فى تحفيز الاستثمارات واحتواء الدين العام المحلى وتحسن أداء البورصة المصرية مع طروحاتها القادمة. 2- ارتفاع مستوى الدين العام (المحلى والأجنبى) ومعدلات الزيادة فيه مؤخرا. لقد تنبهت السلطات المصرية إلى ضرورة العمل على احتواء الزيادة فى الدين العام بخفض سعر الفائدة مع بداية عام 2018، بالتوازى مع بذل الحكومة مزيدا من الجهد فى خفض العجز فى موازنة العام الحالى برفع أسعار التبغ والسجائر بهدف تأجيل الزيادة القادمة فى أسعار المحروقات فى موازنة العام المالى القادم 2019/2018 إلى شهر يناير 2019 بدلا من يوليو 2018 حتى يستطيع المواطن أن يتحملها، ولتحقيق ذلك سوف تستخدم الحكومة حصيلة تلك الزيادة فى المحروقات لضخها للفئات الأكثر احتياجا، فى إطار حزمة أخرى جديدة تبلغ قيمتها نحو 85 مليار جنيه مصرى. كل هذه التحليلات والتوقعات تتوقف دقتها واستمرار تحققها على قدرة واحترافية القائمين على إدارة السياسة الاقتصادية التى أثق بقدرتهم على تحقيق وإنجاز ذلك. بالطبع لا يفوتنى فى هذا المقام أن أدعو للمهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس وزراء مصر، بالشفاء العاجل والعودة سالما معافى جزاء ما بذله من جهد وعمل متواصلين وشاقين من أجل مصر لتكون أكثر استقرارا وأمنا.
أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الخبير السابق بصندوق النقد الدولى