يولى الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه المسئولية أهمية كبيرة لاستعادة العلاقات القوية بين مصر والدول الإفريقية، وفق إستراتيجية لاستعادة دور مصر إقليميا وعالميا، تنطلق من بناء علاقات ترتكز على المصالح والاحترام المتبادل، حققية الأمر أن الرئيس السيسى يحاول أن يرمم تداعيات سنوات طويلة من إهمال الدولة المصرية للقارة الإفريقية، بعدما كانت مصر تتمتع بعلاقات قوية مع هذه الدول انطلاقا من مساندتها فى التحرر الوطنى من الاستعمار خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وربما هذا ما يدعو للتفاؤل فى إحياء هذا الرصيد من العلاقات التاريخية والبناء عليه. عندما تزور أى دولة إفريقية تدرك وتعرف عن قرب، المكانة المتميزة التى تتمتع بها مصر لدى المسئولين والمواطنين، هم يحفظون لمصر الفضل فى دعم حركات التحرر والاستقلال، والبناء والتعمير بعد الاستقلال، كثير من العواصم الإفريقية تطلق على أبرز شوارعها اسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وتضع تمثالا له فى أهم الميادين، ولكن عندما تتحدث مع المسئولين فى تلك الدول يلومون على مصر انسحابها من تلك الدول، ليس فقط على مستوى الصعيد السياسى، ولكن –وهو الاهم– على مستوى الشركات المصرية التى كانت موجودة هناك على مدى سنوات طويلة تقوم بتنفيذ مشروعات البنية التحتية، وتسهم بدور بارز فى تعزيز التبادل التجارى والتصدير لتلك الأسواق. المصالح الاقتصادية أفضل ضمانة لإقامة علاقات دولية متينة، وليست الدول الإفريقية استثناء من ذلك، فبدلا من تعزيز العلاقات الاقتصادية مع تلك الدول، أو حتى الحفاظ عليها بوضعها، إلا أنه يبدو أن السياسة تغلبت على المصالح الاقتصادية، فقد انسحبت شركة المقاولون العرب من بعض هذه الأسواق بعدما كانت تتمتع بالنصيب الأكبر من تنفيذ المشروعات، وهو ما يحقق للشركة أرباحا جيدة، ولا سيما أن نسبة العائد على الاستثمار فى إفريقيا هى الأعلى عالميا. شركة النصر للتصدير والاستيراد لم تكن بعيدة عن منهج شركة المقاولون وربما سبقتها فى الانسحاب من الأسواق الإفريقية، بعد أن كان لها الباع الأكبر فى تصدير المنتجات المصرية لتلك الدول، طبيعى أن تملأ هذا الفراغ شركات من دول أخرى سواء إسرائيل أو تركيا أو الصين والهند. أقول ذلك بمناسبة زيارتى الحالية إلى أكرا عاصمة غانا، واللقاءات التى جمعتنى بعدد من المسئولين وأحاديثى مع بعض المواطنين، يتحدثون جميعا عن صلة المصاهرة بين الشعبين، والعلاقات الخاصة التى تربط بين البلدين، منذ مساندة مصر لتحررها من الاستعمار البريطانى فى 1957 بقيادة الزعيم نيكروما، وزاد العلاقات خصوصية زواجه من السيدة فتحية المصرية، وعندما تتحدث مع أى مسئول يبدأ كلامه بالعلاقات المتميزة التى تربط البلدين، وأنها علاقة مصاهرة ذاكرا السيدة «فاتيا» زوجة الزعيم نيكروما، وأشهر شارع فى أكرا يحمل اسم الزعيم عبدالناصر، والعلاقات التاريخية مهمة، ولكن استمرارها وتطويرها يتطلب تعزيز التعاون الاقتصادى. غانا هى بوابة دول غرب إفريقيا وجنوب الصحراء، وهى عضو فى تجمع الإكواس الذى يضم 15 دولة سكانها سوق يتجاوز حجمه 350 مليون نسمة، هو إذن سوق كبير. دول كثيرة بدأت تدخل السوق الغانى، وفى مقدمتها تركيا وإسرائيل وجنوب إفريقيا والصين والهند، ولكن الأمر مختلف بالنسبة لمصر، فبدلا من تعزيز وضع وحصص الشركات المصرية العاملة هناك وتنمية الصادرات لتلك السوق الواعدة، فقد فوجئت بأن شركة المقاولون العرب التى قامت فى السابق ببناء جميع المقرات الحكومية، واستحوذت على النصيب الأكبر من تنفيذ المشروعات ولا سيما فى البنية التحتية، هذه الشركة انسحبت من غانا، وحلت محلها شركات تركية وصينية وإسرائيلية. ولكن ما يدعو للتفاؤل أن القطاع الخاص المصرى بدأ يدخل هذا السوق ويضخ استثمارات كبيرة، بدافع المناخ الاستثمارى المحفز واستثمار الفرص ولاسيما أن العائد ضخم، والسؤال: كيف يمكن دعم القطاع الخاص فى الأسواق الإفريقية بدلا من عرقلة جهود بعضها من جانب بعض الهيئات العامة؟ وفى ذلك قصة غريبة وجديرة بأن يفسح لها المجال فى الحلقة القادمة.