قد تبدو مسألة امتلاك برنامج نووي سلمي امرا طبيعيا في مناطق اخرى من العالم، لكن المفارقة في الخليج ان دولة الامارات تبني مشروعا نوويا في منطقة تعصف بها الازمات السياسية والامنية منذ عقود. ويدفع هذا الواقع المسئولين الاماراتيين ومديري البرنامج الى التشديد على الطبيعة الامنة لهذا المشروع الذي تقرر اقامته في العام 2009 ضمن مشروع ضخم بلغت قيمته اكثر من 25 مليار دولار. وتتطلع دولة الامارات الى ان يساهم البرنامج النووي بحلول العام 2020 في انتاج نحو 25 بالمائة من حاجتها من الكهرباء. لكنها تامل ايضا ان يعزز هذا البرنامج الطموح موقعها كدولة مؤثرة على الساحتين الاقليمية والدولية. وفي ظل أزمة الثقة بين دول الخليج وايران، والاحداث الامنية والهجمات التي شهدتها دول مجاورة بينها المملكة السعودية والكويت، يؤكد المسئولون الاماراتيون والاطراف المشغلة للبرنامج النووي ان هذا المشروع لن يتسبب مزيدا من التوترات كونه منحصر بخطط محلية لتنويع الطاقة. وسبق وان اعلنت عدة دول عربية بينها السعودية في الاعوام السابقة عن نيتها بناء محطات نووية مماثلة. الهدوء في أروقة مقر هيئة الرقابة النووية في ابوظبي لا يعكس وتيرة العمل الدءوب خلف زجاج مكاتبها: مهندسون وخبراء، نساء ورجال، يضعون اللمسات الاخيرة على برنامج ضخم يدخل دولة الامارات العربية المتحدة النادي النووي، ويعزز موقعها خليجيا ودوليا. على بعد نحو 300 كيلومتر غربا، عند الضفة المقابلة لايران التي تمتلك برنامجا نوويا مثيرا للجدل، يعمل موظفون آخرون، اماراتيون واجانب، في محطة براكة النووية للاجابة على مئات الاسئلة التي تطرحها هيئة الرقابة، أملين في ان ينالوا في 2018 رخصة تشغيل اول المفاعلات الاربعة. وكان من المفترض ان يبدأ المفاعل في توليد الطاقة في 2017، لتصبح الامارات أول دولة خليجية نووية، الا ان "مؤسسة الامارات للطاقة النووية"، المسئولة عن تشغيل المفاعلات، اعلنت مؤخرا التأجيل الى 2018 لاسباب تقنية. ويقول كريستر فيكتورسن المدير العام للهيئة الاتحادية للرقابة النووية المخولة منح الترخيص ، ان مؤسسة الطاقة النووية "تقدمت بطلب الحصول على رخصة تشغيل المفاعل الاول في مارس 2015، وكان ملفا ضخما يتضمن اكثر من 15000 صفحة". البرنامج النووي للطاقة السلمية في دولة الامارات، المشروع الاول في احدى دول الخليج العربية الغنية بالنفط يتلخص في الحقائق التالية: - مؤسسة الامارات للطاقة النووية: تأسست في 2009 وهي مؤسسة حكومية تتولى تصميم وانشاء وتشغيل البرنامج النووي. كما انها تعمل، بصفتها ذراعًا للاستثمار لحكومة أبوظبي، على جذب استثمارات في قطاع الطاقة النووية على الصعيدين المحلي والدولي. - "نواة": شركة للطاقة مملوكة بالشراكة بين مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والشركة الكورية الجنوبية للطاقة الكهربائية "كيبكو" التي فازت بعقد بناء المفاعلات، وهي المسؤولة بشكل مباشر عن تشغيل البرنامج. - الهيئة الاتحادية للرقابة النووية: جهة حكومية تأسست في 2009 وتتولى مسؤولية وضع اللوائح وإصدار التراخيص الخاصة بكافة الأنشطة النووية في دولة الإمارات، وفي الجهة الوحيدة المخولة باعطاء الضوء الاخضر لبدء انتاج الطاقة النووية في موقع براكة. العقد الرئيسي: أعلنت دولة الامارات في نهاية 2009 انها اوكلت الى كونسورسيوم بقيادة "كيبكو" بناء المفاعلات النووية بقيمة 20,4 مليار دولار. شركات محلية: وقعت الحكومة الاماراتية ايضا عقودا بنحو ثلاثة مليارات دولار مع اكثر من 1400 شركة اماراتية محلية تعمل في قطاعات مختلفة. - الوقود النووي: تشارك ست شركات عالمية في قطاع توريد الوقود النووي، بينها اريفا الفرنسية وريو تينتو البريطانية، في تزويد المفاعلات بالوقود النووي لمدة 15 عاما، ضمن عقود تقدر قيمتها بنحو ثلاثة مليارات دولار. - الانتاج: تقول الحكومة الاماراتية ان الدولة بحاجة إلى مصادر جديدة للحصول على الكهرباء حيث انه من المتوقع أن ترتفع ذروة مستوى الطلب الوطني السنوي إلى أكثر من 40 ألف ميجاواط في 2020. وبحسب الخطط الموضوعة، فانه من المفترض ان تؤمن المفاعلات الاربعة 25 بالمائة من حاجة البلاد من الكهرباء بحلول 2020. - المفاعلات: مفاعلات الطاقة التي يجري بناؤها من طراز "ايه بي ار 1400"، تعمل بالماء المضغوط وتصل القدرة الإنتاجية للمفاعل الواحد إلى نحو 1400 ميجاواط من الكهرباء، بينما يصل العمر التشغيلي للمفاعل الواحد إلى نحو 60 عامًا. - مواد البناء: استخدم أكثر من مليون و70 الف متر مربع من الخرسانة في إنشاء المفاعلات الأربعة، وهي كمية تمثل ثلاثة أضعاف إجمالي كمية الخرسانة المستخدمة في بناء برج خليفة، اطول برج في العالم. كما تم استخدام حتى الان اكثر من 250 الف طن من حديد التسليح وهي كمية تفوق كمية الحديد المستخدم في برج خليفة بستة أضعاف. - الاعداد: يبلغ عدد موظفي مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وحدها أكثر من 1700 موظف. تقول المؤسسة انها ستحتاج بحلول عام 2020 إلى نحو 2500 موظف وموظفة في مختلف التخصصات مثل المهندسين والتقنيين وموظفي الدعم. - الجنسيات: من الادوار الادارية والرقابية، الى ادوار التشغيل المباشرة، يعتمد البرنامج النووي الاماراتي على موظفين من جنسيات مختلفة بينها السويدية والروسية والبريطانية والكورية الجنوبية. لكن مؤسسة الطاقة النووية تؤكد انها ملتزمة بنسبة توطين لا تقل عن 60%. - برامج تدريب ومنح: أسست دولة الامارات برنامج "رواد الطاقة" لاستقطاب طلبة الثانوية العامة المتفوقين وخريجي الهندسة والخبراء من مختلف التخصصات لكي ينضموا الى قطاع الطاقة النووية. ويمكن لكل من يرغب بالانضمام إلى البرنامج الذي يشمل منحا دراسية في الداخل والخارج أن يقدم طلب التسجيل عبر الإنترنت.