في شهر الانتصارات.. رئيس جامعة الأزهر يفتتح أعمال تطوير مستشفى سيد جلال    اليوم، غلق لجان تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    الكنيسة الكلدانية تحتفل بختام ظهورات العذراء سيدة فاتيما في مصر    اتحاد الصناعات: الدولة تقدم دعمًا حقيقيًا لإنقاذ المصانع المتعثرة وجذب الاستثمارات الصناعية    وزير العمل: لا تفتيش دون علم الوزارة.. ومحاضر السلامة المهنية تصل إلى 100 ألف جنيه    بعدما نشرته «البوابة نيوز».. خدمة المواطنين بسوهاج: الشكوى قيد المتابعة وهيئة المساحة تتولى حسم الموقف    نتنياهو يحذر: إذا لم تلتزم حماس بالاتفاق "ستفتح أبواب الجحيم"    العكلوك: تكلفة إعادة إعمار غزة تبلغ 70 مليار دولار.. ومؤتمر دولي مرتقب في القاهرة خلال نوفمبر    تجمع القبائل والعشائر الفلسطينية في غزة يدعم الجهود الأمنية    موقف محمد الشناوي من مباراة الأهلي وإيجل نوار    قرار عاجل في الأهلي بشأن تجديد عقد حسين الشحات    مميزات وعيوب برج السرطان: بين العاطفة والخيال والحنان    داليا عبد الرحيم تهنئ القارئ أحمد نعينع لتعيينه شيخًا لعموم المقارئ المصرية    هيئة الدواء: تصنيع المستحضرات المشعة محليًا خطوة متقدمة لعلاج الأورام بدقة وأمان    ترامب يهدد بفرض عقوبات على إسبانيا بسبب رفضها زيادة الإنفاق في «الناتو»    ترامب: بوتين لا يرغب بإنهاء النزاع الأوكراني    أمطار في هذه الأماكن وسحب منخفضة.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة    زيادة كبيرة في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب ترتفع 600 للجنيه اليوم الأربعاء بالصاغة    نجم الزمالك السابق يكشف عن «أزمة الرشاوي» في قطاع ناشئين الأبيض    الأخضر يهبط لأدنى مستوى.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 15-10-2025    هتكلفك غالي.. أخطاء شائعة تؤدي إلى تلف غسالة الأطباق    ظهور دم في البول.. متى يكون الأمر بسيطًا ومتى يكون خطرا على حياتك؟    عمورة يوجه ضربة ل صلاح، ترتيب هدافي تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم 2026    رونالدو يحقق رقما قياسيا جديدا في تصفيات كأس العالم    بالفوز على كينيا وبدون هزيمة، كوت ديفوار تحسم تأهلها رسميا إلى مونديال 2026    حكومة غزة: شرعنا بتطبيق القانون ومستعدون لتسليم الحكم وفق قرار وطني فلسطيني    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    دماء في أم بيومي.. عجوز يقتل شابًا بطلق ناري في مشاجرة بقليوب    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طالبة بولاق الدكرور هنا فرج    العربية تهشمت، حادث مروع لسيارة الفنانة هالة صدقي بالشيخ زايد    ارتفاع مفاجئ في الضاني وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    بالصور.. محافظ الغربية في جولة بمولد السيد البدوي بمدينة طنطا    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8% في العام الحالي    تعرف على المنتخبات المتأهلة لكأس العالم بعد صعود إنجلترا والسعودية    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    وكيل صحة كفر الشيخ يتفقد وحدة طب الأسرة بقرية المرازقة    «توت عنخ آمون يناديني».. الكلمات الأخيرة ل «كارنافون» ممول اكتشاف المقبرة الملكية (فيديو)    لدورها الريادي في نشر المعرفة: مكتبة مصر العامة بقنا تحصد جائزة «مكتبة العام المتنقلة 2025»    معرض حى القاهرة الدولى للفنون فى نسخته الخامسة لمنطقة وسط البلد لعرض أعمال ل16 فنانا    أكرم القصاص: على الفصائل الفلسطينية إعادة ترتيب أولوياتها وتوحيد الصف    كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة؟ مندوب فلسطين يكشف    رسميًا.. موعد امتحانات الترم الأول 2025-2026 في المدارس والجامعات وإجازة نصف العام تبدأ هذا اليوم    كوت ديفوار تعود إلى كأس العالم بعد غياب 12 عاما    مصرع شخصين في تصادم سيارتي نقل على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا    انتبه لما بين السطور.. حظك اليوم برج الدلو 15 أكتوبر    في 3 أيام .. وصفة بسيطة لتطويل الأظافر وتقويتها    باختصار.. أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. تجدد الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية.. نتنياهو: لن ندخر أى جهد لإعادة رفات المحتجزين فى غزة.. 90% من شوارع قطاع غزة تضررت جراء الحرب    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء الأربعاء 15 أكتوبر 2025    متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيروقراطية والفساد والمال العام

تتوالى حاليا حملات محمودة لإصلاح الشأن فيما يتصل بالمال العام، ويعلن بين حين وآخر اكتشاف وقائع للرشوة أو تبديد المال، وعلى الرغم من الارتياح للكشف عن هذه الجرائم، فإن حالة من القلق تسود للخشية من أن يكون الفساد قد طال معظم نواحى الحياة، تعقبها حالة من الغضب إذا ما أسفرت التحقيقات عن براءة من وجهت إليهم التهم، بينما الحقيقة تكون فى أن بعض ما ظهر على السطح من تهم جاء نتيجة التسرع فى الاتهام أو تطبيق قواعد وإجراءات جامدة حاول متهم أو آخر تخطيها للحفاظ على الصالح العام وليس لإضاعة المال.
وعندما بالغ مسئول رفيع المستوى فى طرح تصوره لحجم الفساد وجرت مؤاخذته، استاء البعض ولم يفهم أن هذه المبالغات تضر أكثر مما تنفع، لأنها خلقت مناخا يسود بين كبار المسئولين لتلافى اتخاذ أى قرار فيه إحقاق الحق والحفاظ على المصلحة العامة على حساب قيود الروتين والتعليمات الجامدة التى قد تفوتها بعض الحالات.
وفى هذا الشأن مرت بى أو بغيرى -كموظفين عموميين- حالات اتخذت فيها أنا أو غيرى قرارات قد لا تتفق مع النظم واللوائح والتعليمات، لكنها حافظت على الصالح والمال العام، فى حين لو طبقت اللوائح لأهدرنا الكثير من المصالح ومن المال، ومن قبيل ذلك:
فى الحالة الأولى: كلفت بإدارة مشروع (مصرى/أجنبى) اتخذنا له مقرا جديدا لزم تأثيثه عن طريق مناقصة كانت إجراءاتها تستغرق 6 أشهر، وأثناء الأشهر الستة استأجرنا أثاثا وفقا للتعليمات، وعندما حل أجل المناقصة ورد إلينا عرضان فقط بينما يجب -وفقا لشروط المناقصة- أن تكون هناك 3 عروض، وكان علينا إجراء المناقصة مرة أخرى وضياع 6 أشهر جديدة، وتبين لنا أن إيجار الأثاث يتجاوز 30 ألف جنيه فى الأشهر الستة، بينما وجدنا كل ما نحتاجه فى أكبر محلات الأثاث بتكلفة 28 ألف جنيه فقط، أى أقل من الإيجار فى 6 أشهر، وكان من حقنا الشراء بالأمر المباشر فى حدود 5 آلاف يورو أى 40 ألف جنيه (وقتها)، فقررنا الشراء فورا ووفرنا 6 أشهر و30 ألف جنيه إيجار، لكن القواعد كانت ترى أننا تخلينا على المناقصة ورفضت الإدارات المالية الأجنبية اعتماد الشراء، لولا شجاعة الوزير المختص الذى اعتمد قرارنا وأمر بتدبير تمويل الشراء بوسائل أخرى.
فى حالة ثانية: جاءنا مفتشو شركة الغاز فى دولة أوروبية عملت بها وأفادوا بأن الغاز يتسرب داخل المبنى ويهدد بمخاطر كبيرة، وأوصوا بقطع الغاز فورا عن المبنى، وكانت السفارة تستخدم الغاز لفرن المطبخ فقط، فقطعنا الغاز على الفور، واشترينا فرنا يعمل بالكهرباء، بينما التعليمات تمنع شراء تجهيزات (جديدة) للسفارات، واعتبر مراجعونا أننا صرفنا المال العام دون مسوغ، ولم يراع أيهم أن السفارة كلها كانت معرضة للانفجار أو الحريق على الأقل.
فى حالة ثالثة: استدعانى رئيس دولة، كنت ممثلا غير مقيم فيها، لمقابلته فى بلدته، وكان الوصول يتطلب السفر إما لمدة 12 ساعة بالسيارة، على أن تكون ذات دفع رباعى، لأن الطريق غير معبد ولا يسمح بسير السيارات العادية، والطريقة الثانية كانت استئجار طائرة خاصة تتكلف 12 ألف دولار، بينما تقضى التعليمات بعدم استئجار سيارات للسفر، ومع ذلك استأجرنا سيارة بالمخالفة للوائح لأنها كانت تكلف 1200 دولار مقابل 12 ألف دولار للطائرة، وفعلا حملتنا الشئون المالية 1200 دولار لأن صرفها يخالف التعليمات التى تسمح بصرف 12 ألف دولار للطائرة، لكن الوزارة حسمت الأمر وأقرت الصرف ولكن لم توجه لنا الشكر.
وأثيرت مؤخرا قضية تتعلق بتأجير مساحات تمتلكها الدولة للغير، والهبوط بالإيجار عن المعتاد، ووجهة النظر هنا أننا لسنا دائما بصدد بيع بضاعة يمكن تخزينها حتى يحصل ثمنها، لكننا كمن يدير قاعة مسرح إذا بدأ العرض وهناك كراسى شاغرة فهى خسارة، أو كمن يدير شركة طيران إذا طارت الطائرة بمقاعد شاغرة فهى خسارة مؤكدة، ولهذا فمن سياسة شركات الطيران أن تخفض سعر المقاعد للمسافر فى آخر لحظة وتكسب هذا المسافر رغم أنه دفع أقل من جاره فى الطائرة، وفى حالات تأجير مساحات فى المعارض فإن نوعية العارض يجب أن تعطيه تسهيلات مقابل حسن تمثيل واجهة مصر فى الخارج والداخل، وقد قبلت أجهزة المحاسبة فى حالات كثيرة بهذا المنطق، وأمكن تحقيق أرباح أكبر فى النهاية، والمطلوب ليس مخالفة القواعد وإنما السماح بقدر من المرونة ومنح صانع القرار الثقة ليأخذ القرار الأكثر ملاءمة الذى يؤدى لدرء الخسارة وتحصيل المكاسب.
وعندما كنا بصدد شراء سيارة لإحدى سفاراتنا واجهتنا التعليمات التى كانت تقضى بشراء سيارة للسفارة لا تزيد على مقاس 200 وأبلغتنا الشركة المنتجة بأن مقاس 200 غير متوفر وسيظهر مرة أخرى بعد 3 أشهر بسعر أعلى، بل أعلى من مقاس 230 المتوفر بالفعل، وعندما خالفنا التعليمات حصلنا على سيارة أكبر بسعر أقل يوفر 3 أشهر فى التوريد وسعر أرخص من المتوقع، لكن تظل تهمة تبديد المال العام قائمة.
ومثال صارخ صادفنا فى شأن تبديد المال العام عندما كنا بصدد اعتماد مشروع للتعاون كان البنك المركزى الأوروبى طرفا فيه، ولأن هذا البنك هو الوحيد الذى يدير مجموعة منطقة اليورو فقد كلفناه بالمهمة بالأمر المباشر، لكن جهات محاسبية أثارت التساؤل عن سبب عدم إجراء مناقصة لتوريد الخدمة بين البنك المركزى الأوربى (ونفسه) وبالطبع كنا أمام احتمال لوم بسبب مخالفة قواعد ولوائح المناقصات.
أفضل ما سمعته عن إدارة المال العام من السفير القدير جمال منصور رحمه الله الذى قال لى مرة: أنت تدير المال العام إدارة المرء لماله الخاص، وفى هذا علمنى أبي، رحمة الله عليه، قاعدة فى شأن إدارة المال العام وهي: من خدم الأحرار لا يسأل عن الأسعار، فإما أن تثق أو لا تثق .
تلك هى المعضلة، وإذا كانت العدالة عمياء لا تفرق بين الناس، فعلى الذين يطبقون العدالة أن تكون لديهم بصيرة وبصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.