فشلت المؤامرة الكبرى على العلاقات المصرية الخليجية خاصة العلاقات بين القاهرةوالرياض، التى بلغت ذروة تجلياتها التسريبات الأخيرة التى سعت الوسائط الإعلامية المعادية للطرفين الى نشرها على أوسع نطاق ممكن سواء عبر قنوات إخوانية تنتشر فى الفضاء عبر دعم مالى واستخباراتى من قبل دوائر إقليمية ودولية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعى التى تحظى بتركيز إخوانى عليها بحسبانها وسيلتهم الأهم للتأثير المباشر على الرأى العام. وكان لافتا أنه فور الإعلان عن وصول الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الى مقاليد الحكم عقب وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز فى الشهر الماضى مسارعة دوائر إخوانية سواء داخل مصر أو فى المنطقة العربية أو فى أوروبا للترويج لفكرة التغيير القادم فى العلاقات بين القاهرةوالرياض استنادا ربما الى أوهام سيطرت عليهم بأنه مختلف عن العاهل الراحل بحسبانه ينتمى الى التيار المحافظ داخل الأسرة الحاكمة وأن له أسلوبه المغاير فى التعاطى مع الشأن العربى وفى القلب منه العلاقات مع مصر وتصور البعض أن له موقفا مناهضا للسياسات التى تبناها الملك عبد الله تجاه جماعة الإخوان المسلمين التى وصلت الى حد اعتبارها جماعة إرهابية ضمن إجراءات تم اتخاذها خلال العام الأخير ضد الجماعات والتنظيمات المتطرفة فى إطار استراتيجية محاربة الإرهاب اشتملت الى جانب الجماعة على تنظيمات عديدة سواء فى الإقليم العربى أو على المستوى العالمى بل إن قياديا كبيرا فى حماس بغزة هو الدكتور محمود الزهار توقع أن يشهد الموقف السعودى من جماعة الإخوان وتجاه مصر تحديدا بعض التغيير خلال فترة زمنية وجيزة. وبالطبع سبق ذلك التفسيرات المغلوطة لعدم مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مراسم تشييع جنازة الملك الراحل بعدما قطع زيارته لجنيف التى كان يشارك فيها بواحد من أهم المؤتمرات الدولية ذات الطابع الاقتصادى ونظرا للظروف الجوية السيئة لم يتمكن من التوجه الى الرياض فى اليوم ذاته المحدد لتشييع الجنازة وهو ما فسرته الدوائر الإخوانية بأنه رفض من قبل القيادة الجديدة لمشاركة السيسى، واعتبروه مؤشرا أوليا للتغييرات التى يحلمون بها، وحتى عندما توجه الرئيس السيسى الى الرياض فى اليوم التالى لتقديم واجب العزاء للملك سلمان بثت المواقع المنتمية لهم ما يعنى أن الصور التى نشرت عن اللقاء هى صور قديمة وقد تحريت عن الأمر شخصيا وقارنت الصور التى نشرت للملك مع قادة الدول الأخرى الذين شاركوا فى العزاء الى جانب السيسى فلم أجد تغييرا على وجه اليقين فالعباءة والغترة التى كان يرتديها الملك هى هى التى التقى بها مع من قدموا له واجب العزاء، والى هذا الحد هم يعتمدون على منهجية الكذب فى تسويق مواقفهم. ولكن التسريبات الأخيرة جاءت لتؤكد سقوط هذه المنهجية التى على الرغم مما يبدو من تقنيتها العالية وانتشارها الواسع عبر الوسائط الإعلامية فوفقا لمسئول أمنى كبير تحدث ل»الأهرام الاقتصادى« فإنه يستحيل على أى شخص مهما كان أن يتمكن من تسجيل حوار يجرى بين وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وكبار معاونيه على هذا النحو، فالحلقة الأمنية عند هذا المستوى ضيقة للغاية، معربا عن قناعته وتيقنه بأن وراء هذا التسجيل المزعوم أجهزة استخبارات التى باتت تلجأ الى تقنيات بالغة الدقة فى تجسيد مواقف أشخاص مستهدفين للتشويه سواء من حيث التعبير عن ملامح الصوت وهى عملية شديدة التعقيد والذين فعلوا ذلك لم يضعوا فى اعتبارهم أن الأشخاص المنسوب لهم التسريب هم من قيادات المؤسسة العسكرية وهى معروفة بانضباطها الشديد خاصة عند التعبير عن مواقف ذات طابع سياسى فضلا عن أن المؤسسة ذاتها ليس من صلاحياتها التدخل فى العلاقات الخارجية ذات الطابع الاقتصادى. وبالطبع لم يكن بالإمكان أن تترك الأمور دون حسم وقطع كل طريق أمام هذه الأكاذيب التى بدأت فور الإعلان عن رحيل الملك عبد الله فسارعت القيادة المصرية بالاتصال هاتفيا مع قادة الدول الأربع التى ترتبط بمصر بعلاقات تقترب من التحالف الاستراتيجى وهى السعودية والإمارات والكويت والبحرين مساء اليوم نفسه الذى تم التسويق فيه على نطاق واسع لهذه التسريبات - وذلك كان من الضرورة بمكان - لتوضيح الحقائق خاصة أن الرئيس السيسى لم يكن قد مر على زياراته لعواصم هذه الدول سوى فترة وجيزة منها ثلاث زيارات للرياض وحدها فجاءت تأكيدات قادة الدول الأربع لتصب جميعا باتجاه ثبات الموقف من مصر فى استمرار العلاقات معها بنفس الزخم والقوة والثبات فى دعم أمنها واستقرارها وهو ما مثل ضربة موجعة لمخطط الإخوان الذى كان يرمى الى عرقلة هذه العلاقات فضلا عن التأثير على المواقف السياسية لمصر واستضافتها للمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ فى الثالث عشر من مارس المقبل الذى ستكون فيه الاستثمارات الخليجية والسعودية بالذات رأس الحربة فى المشروعات التى يتم التخطيط لها حاليا. وفى لقاء خاص مع أحمد بن محمد الجروان رئيس البرلمان العربى وهو شخصية تنتمى الى المدرسة الدبلوماسية التى تتميز بطابعها الوطنى والقومى الرفيع المستوى سألته: هل تعتقد أن ما جرى مؤخرا من بث تسريبات مكذوبة ومغلوطة ينطوى على محاولة مقصودة للإضرار بالعلاقات المصرية الخليجية وعلى وجه الخصوص العلاقات المصرية السعودية؟ فعلق قائلا: وفق قناعتى ليس بوسع أى طرف - مهما كان - أن ينجح فى تقويض هذه العلاقات لأنها قائمة على أسس متينة والثقة المتبادلة، بيد أن من الأهمية بمكان ألا يتم التركيز على مثل هذه النتوءات وتضخيمها على نحو يحقق أهداف الجهات التى تقف وراءها والتى تتمثل فى أن تتحول الى مادة إعلامية تستفيد هى منها بالدرجة الأولى وهو ما يؤكد أن هذه الجهات باتت مفلسة فى تعاطيها مع هذا الملف ولم يعد لديها ما تقدمه الا العبث بهذه العلاقات من خلال نشر الأكاذيب والسموم، ورب ضارة نافعة فالعلاقات المصرية الخليجية برزت بحسبانها قوية للغاية وليس بمقدور عاقل سواء فى المنطقة أو فى العالم أن يشكك فى قوتها ومداها وطابعها الاستراتيجى، وكما تعلم فإن المواجهات تنطوى فى العادة على بعض الخدع والمؤامرات وما جرى يأتى فى هذا السياق، لكن الشارع العربى لا يسمح بأن يستخف به طرف ما مثلما حاولت الجهات التى تقف وراء هذه التسريبات أن تفعله به، وهو ما فشلت فيه بكل تأكيد نظرا لأنها تتحدث عن القيادة المصرية بكل ما تتسم به من خصائص تجردها من القيام بمثل هذا العبث بحكم مكونها الثقافى والسياسى فضلا عن الخلفية العسكرية المنضبطة بالإضافة الى أنها تناست أنها تتناول دولة مثل مصر وشعبها بموروثه الحضارى والثقافى والقيمى، فضلا عن تطاولها على علاقات راسخة الجذور بمعطياتها الاستراتيجية فى المقام الأول وترابط مصالحها. إن ما جرى لا يعدو كونه فقاعة ألقيت فى نهر النيل فما الذى يمكن أن تحدثه من تغيير فى مجراه؟ وفى هذا السياق، فإننى أدعو الوسائط الإعلامية بألا تقف عند هذا المنحنى، حتى لا تظل تردد ما تسعى الجهات أصحاب المصلحة الى تسويقه فى المشهد العربى على نحو يضر بمصالحه والعلاقات بين أطرافه المحورية، خاصة أن بعض القنوات المعادية للأمن القومى العربى عملت على تضخيم الأمر، واستضافت من تصفهم بالخبراء والمحللين عبر الأقمار الصناعية سعيا لترسيخ الأكاذيب التى تضمنتها هذه التسريبات، وهو ما انطلى على البعض فسارعوا بالركض خلفه، بيد أن الشارع العربى بكل مكوناته من نخب سياسية ودبلوماسية فضلا عن مؤسسات ومنظمات العمل العربى المشترك وفى مقدمتها البرلمان العربى، على دراية بمدى الإفلاس التى تعانى منه الجهات التى وقفت وما زالت تقف وراء هذا الأمر، ولكن ألم يلفت انتباهك سرعة ردة فعل القيادة المصرية التى بادرت بالتواصل هاتفيا مع قيادات أربع دول خليجية، وهى السعودية والإمارات والكويت والبحرين، الذين أكدوا فى المقابل بالسرعة ذاتها ثبات مواقف بلدانهم الى جانب مصر ورفض أى محاولات مغرضة للنيل من استراتيجية العلاقات مع القاهرة ؟ * بكل تأكيد، وذلك يعكس أن الأمة العربية جسم واحد يمتد من المحيط الى الخليج، وليس بوسع أحد أن يندس ليفت فى عضد قوة ومتانة هذا الجسم، ولاشك أن ما عبر عنه القادة الأربعة فى حديثهم للرئيس السيسى ليس ردود فعل على هذه التسريبات، بقدر ما هو قطع الطريق على هذه الجهات التى تقف وراءها، التى بات من المؤكد أنها تتسم بقصر نظر فى التعاطى مع هذه الملفات، وتفتقر الى القراءة العميقة لمفردات وطبيعة العلاقات المصرية الخليجية وبالذات مع الدول الأربع، فضلا عن أنه يعكس أن هؤلاء القادة يعون تماما متطلبات المرحلة، ويدركون أن كل هذه الترهات التى جرت لن تؤثر على الروابط التى أضحت راسخة بين دولهم ومصر، ولن تهز مرتكزاتها القوية البنيان إن لم تبعث على السخرية من الذين يقفون خلفها. وأخيرا سألته: هل ترى أن هذه المحاولة العبثية كانت تهدف ضمن ما تهدف اليه الى إجهاض بناء التحالف الاستراتيجى المصرى الخليجى وهو ما يؤثر سلبا على الجهات التى تقف خلفها بعد النجاح الذى تحقق على هذا الصعيد خلال الأشهر القليلة الماضية إثر الزيارات الناجحة التى قام بها الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى الى عواصم السعودية والكويت والإمارات ؟ * دعنى أستذكر فى هذا السياق الآية القرآنية الكريمة »وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم«، فما جرى يعكس مؤشرا بالغ الأهمية يكمن فى أن مسار العلاقات بين الطرفين: مصر من ناحية ودول الخليج من ناحية أخرى، تمضى فى سياقها الصحيح وتحقق نجاحات يوما بعد يوما، وإن كنت أنظر الى المسألة من منظور شامل يتصل بالعلاقات العربية العربية التى تشكل مصر قلبها بعد أن تمكنت من عبور المطبات والمعوقات التى وضعت أمامها خلال الأعوام الأخيرة ونجاح الشعب المصرى فى الخروج من عباءة دوائر لا تمت له بصلة، وفى ضوء كل ذلك فإن ما جرى من بث الأكاذيب والتشويهات المتعمدة بل الخزعبلات، يؤكد أننا نمضى فى الاتجاه السليم، ولو أن ثمة أخطاء هنا أو هناك ما كانت هذه الجهات قامت بمثل ما قامت به.