هى الحلقة الثالثة فى مسلسل المشروعات القومية التى بدأ العمل عليها منذ انتخاب المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا للجمهورية. وأملا فى توفير 11 مليون فرصة عمل جديدة وجذب أكثر من 34 مليون نسمة أعلن المهندس ابراهيم محلب - رئيس مجلس الوزراء - نهاية أغسطس الماضى عن تدشين المشروع القومى لتنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيره الصحراوى. وتتلخص الأهداف الاستراتيجية للمشروع وفقا لما أتاحته الحكومة على الموقع الرسمى للهيئة العامة للاستعلامات فى تحقيق النمو الاقتصادى وهو الهدف لجميع المشروعات التى تتبناها الدولة من اجل مستقبل افضل للاجيال القادمة. وأن من أهم الأهداف الإستراتيجية للتنمية الاقليمية للساحل الشمالى الغربى تحقيق معدل نمو اقتصادى مرتفع لا يقل عن 7% فى السنة والارتقاء بالأوضاع الاجتماعية وتحسين الأحوال المعيشية للمجتمعات المحلية بحيث لا يقل مؤشر التنمية البشرية عن 77% وكذلك تطوير شبكات البنية الاساسية وتعزيز علاقات التبادل بين منطقة الدراسة وباقى الاقاليم المحيطة. وجاء حوارنا مع الدكتور شريف دلاور - الخبير الاقتصادى واستاذ الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا - ليعطى رؤية لا يمكن تجاهلها ازاء تنمية هذه المنطقة، حيث أكد أن تصريحات محلب بها الكثير من المبالغات التى يجب التوقف عندها واضعا تصورا شاملا لتطوير المنطقة التى يعتبرها عددا من السواحل الشمالية وليست ساحلا واحدا. تصريحات محلب مبالغ فيها! يقول دلاور إن ما أعلنته الحكومة من تنمية لهذا المكان الحيوى أمر هام جدا ولا يقل أهمية عن العديد من المشروعات القومية التى شهدتها وتشهدها البلاد الان وآن الأوان للنظر فى هذا الأمر بكل جدية إلا أن تصريحات رئيس الوزراء الأخيرة المتعلقة بأن المشروع من المنتظر أن يوفر 11 مليون فرصة عمل ويستهدف جذب 34 مليون نسمة يراها دلاور تتسم بنوع من المبالغة حيث يقول إنه كان من الأولى أن يقوم المهندس ابراهيم محلب بالاعلان عن تفاصيل هذا المشروع وعدم الحديث عن فترات زمنية بعيدة وتوضيح كيف يمكن استيعاب هذا العدد من البشر وتوفير هذه الملايين من فرص العمل خلال الفترة التى أعلن عنها. فهل استطاعت الحكومات المتعاقبة مثلا أن تجعل القاهرة والمدن الجديدة منذ بدء المشروعات التنموية فى 1981 أن تستوعب مثل هذا العدد؟ قائلا: "تصريحات محلب بها الكثير من المبالغات لابد من التغاضى عنها واعلان رؤية واضحة فى هذا الشأن". الساحل الشمالى ليس ساحلا واحدا ويؤكد دلاور أن الحديث عن الساحل الشمالى على اعتبار أنه منطقة واحدة هو خطأ كبير معتبرا أن الساحل الشمالى مقسم إلى ثلاث مناطق لكل منها خصائصها التى يجب مراعاتها فى مشروع التنمية وتشمل منطقة الطريق الجنوبى عند العلمين والمنطقة الممتدة فيما بعد العلمين ومرسى مطروح والمنطقة الممتدة من الكيلو 21 كرير والعلمين. الطريق الجنوبى وأزمة الألغام وفيما يتعلق بالطريق الجنوبى يوضح أن هذه المنطقة ستكون - ضمن مشروع التنمية - من أكثر الأماكن جذبا للسياحة الأجنبية إلا أن هذه المنطقة تعانى من مشكلة خطيرة لم تنجح مصر طوال ما يقرب من 70 عاما فى التخلص منها ألا وهى الألغام التى تشبعت بها المنطقة كأحد أهم آثار الحرب العالمية الثانية. ويكشف دلاور أن عددها تخطى 20 مليون لغم وهى بذلك تعد أكبر منطقة بها ألغام فى العالم وظلت هذه المنطقة على حالها خاصة أن وفود الدول التى شاركت فى هذه الحرب تعتبرها ذكرى عظيمة تأتى لاحيائها فى شهر نوفمبر من كل عام، مؤكدا أن ذلك تحد كبير يواجه مشروع التنمية ويجب وضعه فى الاعتبار. ويرى أنه آن الاوان لحل هذه الأزمة بأن تدخل مصر فى مفاوضات قوية ومباشرة مع تلك الدول خاصة بريطانيا وألمانيا علي اعتبار أن مصر لم تكن طرفا فى هذه الحرب على الإطلاق وهذه المفاوضات من شأنها القضاء على هذه المشكلة التى تحتاج إلى أجهزة عالية الدقة وذات تكلفة كبيرة جدا يصعب على الدولة توفيرها فى الوقت الراهن إلا أن التفاوض سوف يضمن الالية اللازمة لتحقيق هذا الهدف مقترحا أن يتناول المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ المزمع اقامته فى شهر فبراير المقبل تلك القضية ويطرح حلولا عملية لها. الكيلو 2 كرير وإهدار الثروة القومية أما عن المنطقة الممتدة من الكيلو 21 كرير حتى قرب العلمين فيوضح دلاور أنها منطقة يغلب عليها انتشار القرى السياحية الخاصة بالهيئات الحكومية والنقابات وهذه المنطقة غير مستغلة بالشكل الأمثل نظرا لأن الوحدات السكنية بها لا تكون مأهولة سوى فى أشهر قليلة جدا خلال العام مقترحا أن يتم ادخال عدد من الأنشطة الحكومية جنوب الطريق ناحية العلمين كى ينعكس على هذا المكان بالنشاط المطلوب حيث إنه لابد أن يقابل الاهتمام بالسياحة الاهتمام بايجاد نقاط جذب للمصريين أيضا كما أن هناك وحدات يمتلكها أفراد لها نفس الخصائص بما يعد اهدارا كبيرا للثروة القومية هناك. محافظة للساحل الشمالي وفى حديث عن المنطقة الممتدة فيما بعد العلمين إلى مرسى مطروح يؤكد دلاور أنه لابد من النظر لهذه المنطقة بنظرة مختلفة خاصة أنها يمكن أن تكون من أهم مناطق جذب السياحة العربية على خلاف مناطق اخرى بالساحل الشمالى مشيرا إلى أن هذه المنطقة بالفعل أصبحت منطقة استثمارية بالدرجة الأولى وتم بيع معظم أراضيها لصالح عدد من القرى السياحية الكبرى أما منطقة الضبعة فلابد أن يواكب البدء فى المشروع النووى بها اقامة منطقة صناعية كبرى واسكان للعاملين ومجمعات للخدمات لتحقيق التنمية المطلوبة بتلك المنطقة. ووجه دلاور كلمة إلى جميع المعنيين بالأمر بأن يتم تناول المشروعات القومية باسلوب علمى سواء فى التصريحات أو فى التنفيذ وأن يبتعدوا عن الوعود البراقة جدا خصوصا حينما يتحدثون عن أزمنة محددة والوضع فى الاعتبار أن أياما قليلة تفصلنا عن وجود برلمان منتخب سيكون له الدور الأكبر فى تحديد سياسات واجراءات تلك المشروعات. وعلى الحكومة ايضا قبل تدشين المشروعات القومية الكبرى أن يتم توضيح المشروعات بشكل تفصيلى من خلال وسائل الإعلام حتى تتسنى المشاركة الشعبية والمدنية المطلوبة تحقيقا للديمقراطية التى لا تقتصر على الانتخابات فقط. وطالب بضرورة أن يتم تحويل الساحل الشمالى إلى محافظة مستقلة تماما عن محافظتى الاسكندرية ومطروح كما تم بالفعل بالنسبة لسيناء ليكون لها الاستقلالية الكاملة وأن تدعمها الدولة فى إطار مشروع التنمية. أزمة الدين العام وبالانتقال بالحديث إلى المشهد الاقتصادى المصرى الراهن خاصة فيما يتعلق بأزمة ارتفاع الدين العام المحلى قال دلاور: "للأسف الدين العام فى مصر يعانى من مرحلة الخطر منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وتحديدا فى عهد وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى فالحدود الخطرة تراوحت بين 30% و60% من الناتج القومى ووصلنا حاليا إلى نسبة 90%". وبسؤاله حول كيفية الخروج من هذه الأزمة أكد انه لا يمكن الحديث عن الدين العام المحلى لمصر بمعزل عن الموازنة العامة للدولة، فاذا نظرنا إلى الموازنة نجد أن 25% منها مخصص للانفاق على رواتب موظفى الدولة البالغ عددهم 6 ملايين موظف على أقل تقدير و25% منها مخصصة للدعم و25% منها يذهب لسداد فوائد الدين المحلى والكارثة أن ال25% المتبقية هى المخصصة لاستثمارات التعليم والصحة وغيرها وهى نسبة ضئيلة جدا بالنسبة لأهمية وحيوية هذه المجالات، مشيرا إلى أن الحكومة - منذ انتخاب المشير عبدالفتاح السيسى رئيسا - خطت خطوات جادة فى مسألة الدعم والأهم من ذلك أن المواطن المصرى قابل هذه الخطوات بتفهم كبير وترحاب شديد كما اعترفت بها جهات دولية عدة على رأسها صندوق النقد الدولى خاصة فيما يتعلق باسعار البنزين واقرار نظام الشرائح فى استهلاك الكهرباء وتطبيق نظام الكروت الذكية فى الحصول على التموين الذى يسد حاجات أساسية لدى المواطنين الذى لا يمكن بأى حال من الأحوال اقرار رفع الدعم عنه لأنه جزء من مسئولية الدولة تجاه المجتمع خاصة أنه يؤمن حاجات أفراده الأساسية. وعليه فانه يجب ضخ الأموال التى تم توفيرها الى استثمارات الصحة والتعليم والمجالات الحيوية الأخرى. تصور شامل للخروج من الأزمة ويضع دلاور تصورا شاملا لاحتواء أزمة الدين العام من خلال خطة تتضمن اعادة النظر فى النسبة المخصصة لرواتب الموظفين بتطبيق اللامركزية بمعنى فصل المحليات عن الجهاز الإدارى للدولة بمعنى أن يكون لكل منها حق التشريع المحلى وحق التمويل المحلى - كما هو الحال فى دولة مثل فرنسا مثلا - وبالتالى لابد من فصل المحليات عن موازنة الدولة كما لابد من النظر فى مسألة تحسين نوعية الموظفين بالتعاون مع رجال الأعمال دون الاستغناء عنهم وهذا كله من شأنه حل أزمة الدين العام على أن يتواكب مع ذلك التفكير فى كيفية زيادة موارد الدولة وانتاجيتها فمصر ليست شحيحة الموارد ولكنها تعانى من سوء ادارتها. ويضيف أنه يجب أن تعيد الدولة هيكلة أكثر من 60 جهة اقتصادية على مستوى الجمهورية بأن يتم فصل ميزانياتها عن الميزانية العامة وأن تتحول إلى مؤسسات تحقق ربحا والالغاء الكامل للدعم على الطاقة بالنسبة للأنشطة الصناعية وتشجيع الاستثمارات فى مجال الصناعة بما يعزز مبدأ القيمة المضافة.