ربما تكون مكافحة الفساد هي من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع المصري في المرحلة الراهنة, وأكثر تعقيدا وصعوبة. فقد ظل الفساد يتسلل ويتراكم في مصر بأساليب منهجية طوال ما يربو علي ثلاثة عقود. عزز من ذلك بزوغ ظاهرة الرأسمالية الطفيلية منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي وتوجيه رأس المال للأنشطة غير الإنتاجية أو غير المشروعة أو تلك التي تقوم علي المضاربة في أسواق المال والعقار أو غيرها من الاسواق, كما عززه التحالف غير المشروع بين المال والسلطة. ويتخذ الفساد صيغا وأشكالا وأنماطا متعددة, منها: الفساد الإداري كالرشوة والتزوير والمحسوبية, والفساد القانوني كاستغلال الثغرات في القوانين لتعطيل مفعولها, والفساد السياسي كتزوير الانتخابات, والفساد المالي كغسل الأموال القذرة, والجرائم المتعلقه بأنشطة الائتمان المصرفي, والفساد المجتمعي كالدعارة أو تجارة الأعضاء البشرية, أو العقاقير المخدرة.. الخ. وكلها ممارسات فاسدة تعتور أو تنتقض من نزاهة مؤسسات الدولة, ونظمها, وقوانينها. إن صور الفساد وأشكاله كافة جديرة بالدراسة والبحث ليس لسبب تعددها وتنوعها فحسب, بل بحكم تداخلهاوتشابكها اقتصاديا واجتماعيا وإداريا, وأنها يغذي بعضها بعضا. أما من حيث نطاق انتشار الفساد في المجتمع, فيمكننا التمييز بين الفساد الصغير المحدود النطاق, والفساد الكبير المتسع النطاق, الذي يجري في إطار منظومة من الترتيبات والإجراءات تضم بعض الفئات ذات النفوذ. وقد تتسع شبكة العلاقات والاتصالات بحيث تصبح متعددة الجنسيات أو عابرة للقارات. والفساد الذي نعنيه ليس مجرد جريمة واحدة يرتكبها شخص ما, بل هو في الحقيقة نشاط إجرامي يجري في إطار منظومة من العلاقات بين عدة أطراف تجمع بينهم قواعد واتفاقات يترتب عليها حقوق والتزامات. ومع وصول الفساد أو اقترابه من بعض مواطن العفة في المجتمع( كالقضاء والشرطة والجامعات والمؤسسات الدينية) وهي القطاعات التي تحفظ للمجتمع تماسكمه وأمنه, مع وصول الفساد لهذه القطاعات نصبح إزاء' الدولة الرخوة' أو' الدولة الهشة' وهي الدولة التي تجملها المصالح والمنافع الفردية أو الفئوية في ظل شفافية غائبة, وقوانين شكلية لا تطبق إلا بشكل انتقائي, أو هي الدولة الفاشلة الضعيفة الاستجابة لمطالب المجتمع واحتياجاته. لذلك يرتبط نمو الفساد بفساد التنمية في عملية جدلية يتبادل طرفاها التأثير والتأثر, أي أنها علاقة تغذية مرتدةFeedback, يصعب تحديد أيهما المتغير المستقل, وأيهما المتغير التابع. والفساد في نموه وانتشاره وتشعبه وتغلغله يحتاج إلي توفير مناخ يلائمه يتسم بالآتي: 1 غياب الحكم الرشيد: يتضمن مصطلح الحكم الرشيد أو الحكم الصالح شقين أساسيين.. أولهما: تعظيم فاعلية الدولة, بحيث تكون أكثر قدرة علي إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية, وكفاءة تخصيصها وبالتالي أكثر قدرة علي تحقيق التنمية المستدامة, مع كفالة عدالة التوزيع. أما ثانيهما: فيتمثل في وجود قنوات اتصال فعالة بين الأجهزة الحكومية والمجتمع. 2 ضعف سلطة القانون: إن الهدف الأسمي من وجود قانون يخضع له الجميع, هو أن يشيع الإحساس بالعدالة بين أفراد المجتمع, حيث يصبح القانون هو المرجعية التي تحدد الأوامر والنواهي, وبالتالي المساءلة والمحاسبة عنها. فإذا كان تطبيق القانون يتم بشكل مختل, فيعاقب المختلس الصغير, أما فساد الكبار وحصولهم علي قروض بنكية ضخمة بضمانات غير كافية, ثم تراخيهم في السداد, بل وتهريب هذه الأموال, فعادة كما كان يحدث في العهد الماضي تحفظ التحقيقات, بل وقد يتم التنازل عن جزء من المديونية تيسيرا عليهم, بدون مساءلة ومحاسبة المسئولين عن ذلك. 3 غياب الشفافية: ينمو الفساد ويترعرع في غياب الإفصاح والشفافية, لذلك كانت هناك ضرورة للعمل علي تحقيق مزيد من الشفافية, وحرية تدفق المعلومات للحد من الفساد. وسعيا نحو تحقيق مجتمع أكثر شفافية يمكن العمل علي عدة محاور في مقدمتها: * شفافية المالية العامة للدولة, بالإفصاح عن البيانات المالية. * الإفصاح عن ممتلكات ودخول المرشحين لشغل المناصب العامة, وأعضاء الهيئات التشريعية. * نشر التقارير السنوية التي تصدرها الجهات الرقابية علي أوسع نطاق ممكن.