مهندس - هاني توفيق يتساءل البعض عما إذا كان مبدأ الشفافية يعتبر فقط أحد مستلزمات العولمة مثله في ذلك مثل الافصاح وبرمجة المعلومات وسرعة الاتصالات؟ ولكن النظر بإمعان في معني هذه المبادئ أو العناصر يؤكد انها ليست رفاهية يمكن الاستعانة بها أو الاستغناء عنها تبعا للظروف، وان ضرورتها تنبع بالدرجة الأولي من أهميتها في تشجيع الاستثمارات الخاصة، المحلية قبل الأجنبية، علي التوجه لمنطقة معينة دون الأخري وتتعاظم هذه الاهمية في ضوء التنافس العالمي علي اجتذاب رؤوس الأموال المحدودة نوعا، في زمن غابت فيه الحدود الجغرافية، وتلاشت إلي حد كبير الاعتبارات النفسية والشعارات الوطنية الرنانة، لحساب عوامل أخري أكثر مادية مثل الربحية ومخاطر الاستثمار وفترة استرداد رأس المال. بعيدا عن التعريف العلمي للشفافية فإن للكلمة تعريفا اقتصاديا وسياسيا له دلائل كثيرة وهو توافر المناخ الذي يتيح للجميع المعلومات او البيانات او اساليب اتخاذ القرار المتعلقة بالافراد او الشركات ذوي الصفة العامة وفي هذا المجال يجب التفرقة بين مبدئي الافصاح والشفافية حيث ان الاخير أكثر عمومية من حيث انسحابه الي مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مجتمع ما. أولا: شروط الشفافية: وهناك عدة شروط يجب توافرها في أية معلومة او اجراء يتصف بالشفافية منها: 1- ان تكون الشفافية في الوقت المناسب، حيث ان الشفافية المتأخرة تكون عادة لاقيمة لها ويعلن عنها احيانا فقط لاستيفاء الشكل ونستشهد علي ذلك بميزانيات الشركات التي تنشر بعد شهور او سنوات من صدورها. 2- ان تتاح الشفافية لجميع الجهات في ذات الوقت، فهل هناك فائدة من نشر اعلانات التوظيف التي تصدر بعد تعيين الاقارب والمعارف. 3- ان تكون شارحة لنفسها بنفسها فما قيمة شفافية غامضة او غير شفافة؟ قد تقوم بعض الشركات بنشر قوائمها المالية بالصحف استيفاء للشكل القانوني بدون مرفقاتها أو بدون تقرير مراقب الحسابات أو تفصيل البنوك، علي انه يجب ملاحظة الا تخل الشفافية بالمبادئ العامة للحفاظ علي بعض المعلومات ذات الصلة بسرية العمل. 4- ان يعقب الشفافية مساءلة بالشفافية في حد ذاتها ليست غاية بل وسيلة لاظهار الاخطار ومحاسبة مرتكبيها وذلك بالطبع في اطار الوسائل القانونية المنظمة لذلك. ثانيا: معوقات الشفافية هناك العديد من العوامل التي تعوق سريان مبدأ الشفافية وهي تنتشر بصفة خاصة في الدول النامية ويمكن تصنيف هذه المعوقات تحت واحد أو أكثر من العوامل التالية: 1- الفساد: حيث تتسم الدول الناشئة والتي خرجت مؤخرا من مرحلة الحزب الواحد والتخطيط المركزي وهيمنة المؤسسات الحكومية علي وسائل الانتاج، بصفات متعددة لا تدري ان كان بعضها سببا للفساد ام نتاجا له، مثل الفقر الشديد وعدم احترام القانون وما يستتبعه من مظاهر البلطجة والارهاب النفسي والخوف من الحكومة والتهديد بالعزل او الحبس (او حتي التصفية الجسدية في الكثير من الدول الناشئة) وانتشار الشائعات ذات الأثر السلبي علي الروح المعنوية والرشوة والمحسوبية وسيطرة رأس المال الخاص علي معظم السياسيين أو علي اقل تقدير وجود شبكة من المصالح بين رأس المال والسياسة تعوق إلي حد كبير تطبيق الشفافية المطلوبة وقد قامت مجلة الشفافية الدولية بدراسة العلاقة بين الفساد والعولمة لتكون مقياسا للشفافية في بعض دول العالم، ووضحت الدراسة علاقة أكيدة طردية بين العولمة والحرية وعلاقة عكسية بين العولمة والفساد. 2- الجهل حيث ان العديد من القائمين علي الانتاج او تقديم الخدمات سواء علي المستوي الخاص أو العام هم نتاج مرحلة الحكم الشمولي في المجتمعات الناشئة في الستينيات والسبعينيات، وان افراد الشعب كمنتجين او كمستهلكين لهذه السلع والخدمات كان يهمهم فقط اثناء تلك المرحلة الحصول علي المنتج أو الخدمة بأفضل نوعية واقل سعر دون الالمام بالحد الأدني من المعلومات اللازم توافرها للمستهلكين (بلد المنشأ - الصلاحية... الخ). وهي الحقبة التي كانت لا تقيم وزنا للمواطن ولا لحقه في الحصول علي الحد الأدني من الشفافية المطلوبة، ليس فقط بخصوص ما يستهلكه، وانما أيضا بشأن أحوال الدولة بصفة عامة، ولا يقف هذا المعوق عند حدود الجهل بأهمية الشفافية، وانما يتعداه أيضا إلي معناه الأوسع والأشمل، والذي يتضمن عدم إلمام المنوط بهم تطبيق الشفافية بالمؤشرات التي يجب تطبيق مبدأ الشفافية فيها، ولا بأساليب احتساب هذه المؤشرات وللبرهنة علي ذلك راقب التضارب بشأن أرقام النمو في الناتج القومي الاجمالي أو معدل البطالة أو حتي الاحتياطي من العملات الحرة. 3- ضعف أو غياب الاطار القانوني اللازم لحماية المواطن من غياب الشفافية، أو علي الأقل ضعف الآليات اللازمة لتطبيق القانون مما يزيد من تفاقم المشكلة وصعوبة التعامل معها، بل ويرسخ إلي حد كبير السببين السابقين لدرجة لا ندري معها أيضا ايهما السبب