علي الرغم من أن المثل الشعبي القديم:' الخواجة لما يفلس بيدور في دفاتره القديمة' ارتبط في أذهاننا بالعديد من المفاهيم والايحاءات السلبية.. فإنني أعتقد أن هذا المثل مفيد إذا ما تم تطبيقه في بعض الحالات خاصة في حالة تحصيل المتأخرات الضريبية ومواجهة المتهربين, وعلاج التشوهات في منظومة الضرائب ككل. من هنا أعتقد أن قيام الحكومة بالبحث في دفاترها القديمة وفرض ضريبة أرباح رأسمالية مقدارها10% علي صافي أرباح المتعاملين في البورصة, كما حدث خلال الايام القليلة الماضية, هي خطوة في الطريق الصحيح, كما أن قيام الحكومة بفرض ضريبة بنسبة5% علي كل من يزيد دخله علي مليون جنيه هي أيضا خطوة مهمة علي الطريق الصحيح. لكن دعونا نناقش بعض الامور الجوهرية المتعلقة بهاتين الخطوتين.. فمثلا من العيب علي وزير مالية مصر أن يؤكد أن حصيلة ضريبة الارباح الرأسمالية علي تعاملات البورصة التي تقدر بحوالي3.5 مليار جنيه سيتم توجيهها, بالتحديد, لعلاج عجز الموازنة والانفاق علي المشروعات التي تخدم البعد الاجتماعي..!! وليت الامر اقتصر علي وزير المالية وحده لكنني فوجئت بالمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء يكرر نفس كلام وزير المالية, بل ويزيد عليه مؤكدا أنه سيتم توجيه وفورات تلك الضرائب التي تصل الي حوالي10 مليارات جنيه لتوسيع قاعدة المستفيدين من معاش الضمان الاجتماعي لحوالي3.5 مليون, وتوجيه جزء من الوفورات للمرأة المعيلة والمشروعات الصغيرة, وزيادة الانفاق علي التعليم والصحة لتنفيذ استحقاقات الدستور..!! ووجه العجب في مثل هذا الكلام الذي قاله رئيس وزراء مصر, ومن قبله وزير ماليتها, هو أنه يتعارض تماما مع اثنين, علي الاقل, من قواعد ومبادئ الموازنة العامة للدولة, وهما مبدآ شمول أو عمومية الموازنة, وعدم التخصيص.. فلا يجوز في الموازنة العامة للدولة تخصيص ايرادات بعينها لمواجهة نفقات بعينها, بل يتم تجميع كل الايرادات في جانب ويقابلها في الجانب الاخر كل النفقات, بحيث لا يكون هناك أي ارتباط بين الايرادات والنفقات, وإنما توجه الموارد للصرف منها حسب أولويات خطة التنمية..!! وهذه الملاحظة الاقتصادية القانونية لا تعني بالطبع أنني ضد أن تبحث الحكومة في دفاترها القديمة لتعيد مستحقات الدولة الضائعة للخزانة العامة, أو ضد فرض ضريبة علي صافي أرباح المتعاملين بالبورصة, أو فرض ضريبة مؤقتة علي أصحاب الملايين, لكنني فقط أتمني لو أن الحكومة أتمت جميلها وأفصحت لنا عن خططها, إن كانت هناك خطط, لتحصيل حقوق الدولة من المتهربين, الذين لا وجود لهم في دفاتر مصلحة الضرائب.. أو خططها لتحصيل المتأخرات الضريبية, التي تتجاوز عشرات المليارات من الجنيهات.. وقتها فقط تستطيع الحكومة وبملء الفم أن تؤكد أنها نجحت في تطبيق العدالة الاجتماعية.. لأن العدالة التي تتحدث عنها الحكومة الان عدالة منقوصة بتمشي علي سطر وبتسيب عشرين سطر.. لا مؤاخذة..! وربنا يجعل كلامنا خفيفا علي' حكومة المقاتلين'.. اللهم آمين..!