على طريقة "سيب وانا اسيب" تتعامل شركات الأدوية مع الحكومة تجاه ازمتها مع تسعير الادوية، ففي ظل الرفض القاطع الذي تأكده وزارة الصحة في كل مناسبة لتحريك اسعار الادوية، وانه لا اتجاه لاضافة اي زيادة فيها، تعلن شركات الدواء عن وقف استيراد الخامات وذلك لارتفاع اسعارها بعد تعويم الجنيه، ومن ثم تلقي تلميحا واضحا بالتوقف عن الانتاج بمجرد انتهاء المخزون من الخامات لديها، وهو ما يعني زيادة حدة نقص الادوية والمقتصر حاليا على الادوية الحيوية التي تمس حياة المريض، وامتداده لاختفاء تام لغالبية الاصناف الادوية التي تنتج محليا. وتستند شركات الادوية في موقفها إلى ان علاج المواطنين مسئولية الدولة وليست مسئولية شركات الادوية، مشددة في تصريحات خاصة ل"الاهرام الاقتصادي" في لهجة أصبحت أكثر غضب وحدية: "أن الشركات لن تتحمل مسئوليات هي من المهام الاصيلة للحكومة، وإنه صناعة الادوية هي مشروعات استثمارية تهدف للربح في المقام الاول، وان تكبدها مزيد من الخسائر سيؤول بها إلى التوقف والاغلاق". ورغم أن الحكومة في مأزق حقيقي وأن شركات الادوية مهددة بالتوقف وبضياع استثمارات تقدر ب150 مليار جنيه، إلا أنه يظل المريض في النهاية هو أكبر الخاسرين، فيدفع المرضى خاصة البسطاء منهم ضريبة هذه الازمة، وذلك من نقص حاد في الادوية الحيوية من أمثله ادوية السرطان ومشتقات الدم، والفشل الكلوي، والضغط، والانسولين، إلى جانب صعوبات بالغة في اجراء العمليات الجراحية نتيجة اختفاء العديد من المستلزمات الطبية كالمحاليل الطبية والسرنجات والفلاتر وغيرها من مستلزمات الضرورية خلال العمليات الجراحية وما بعدها. من جانبه، قال مجدي حسن رئيس الشركة القابضة للصناعات الدوائية سابقا أن تحريك أسعار الدواء أصبح أمر لا مفر منه وليس له بدائل، مؤكدا أن التسعيرة الجبرية للدواء والموضوعة منذ سنوات عديدة ماضية، وكان الدولار وقتها لا يتجاوز سعره 4 جنيهات، لا تتناسب إطلاقا مع حجم تكاليف انتاج صناعة الدواء حاليا بعد ان كسر سعر الدولار حاجز ال 17 جنيها. وأضاف أن المعارضة الشديدة التي تواجهها مطالب الشركات بتحريك الاسعار من قبل الحكومة ليست في محلها وغير مقبولها على الاطلاق، مؤكدا أنه من حق الشركات إعادة تسعير الأدوية المحلية وفقا تكاليفها الجديدة وكذلك وفق جودتها الانتاجية ومطابقتها للمواصفات القياسية العالمية للدواء، بما يقضي بموافاة شركات الدواء لحقها ومعاملتها منتجاتها معاملة عادلة. وتابع حسن أنه لابد أيضا أن يصاحب تحريك الاسعار إتاحة المجال لتسجيل عدد أكبر من الاصناف الدوائية، مؤكدا أن التقييد بالاصناف القديمة وعدم فتح باب التسجيل إلا في أضيق الحدود، يعود بالسلب على أعمال الشركات وكذلك توافر الادوية بالاسواق. وعن تأثير ذلك على المواطنين وخاصة محدودي الدخل والبسطاء، قال حسن أن علاج المرضى والمواطنين مسئولية الحكومة وليست مسئولية شركات الدواء، مؤكدا أن شركات الدواء هي شركات استثمارية صناعية تستهدف الربح، وان تحملها فوق طاقتها سيؤدي لخسارتها وصعوبة استمرار نشاطها، وذلك بلا أي ذنب أو تقصير في دورها. وقال مستنكرا: "كيف تتعامل الحكومة مع شركات الدواء بسياسة التسعير الجبري والرفض القاطع لتغييرها، وفي نفس الوقت تنتظر من الشركات الاستمرار والنجاح وتغطية احتياجات السوق من الدواء" ، مؤكدا ان ذلك غير معقول ولا منطقي ويفتقر للعدالة في معاملة الشركات. وعاد رئيس الشركات القابضة للصناعات الدوائية سابقا ليتحدث عن المواطنين البسطاء، فقال أن التأمين الصحي يعد من أفضل الحلول لمواجهة احتياجات البسطاء من الدواء، وذلك بما لتحقيقه عدة اهداف في ذات الوقت، اولا ضمان وصول الدعم لمستحقيه، ثانيا وقف نزيف الخسائر التي تتكبدها شركات الدواء بسبب التسعير الجبري، ثالثا ضمان علاج المواطنين وتوفير الادوية لهم باسعار مخفضة تتناسب معه امكانياتهم. من جهته، قال الدكتور محي حافظ نائب رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، ورئيس شركة "دلتا للصناعات الدوائية" أن أزمة صناعة الدواء تتطلب حل سريع وجذري لحماية القطاع من انهيار مؤكد حال استمرار الوضع على ما هو عليه، مؤكدا أن قطاع صناعة الدواء في مصر يمثل حصة كبيرة ومهمة من الصناعات الوطنية، حيث يبلغ عدد مصانع القطاع 154 مصنعا، تبلغ استثماراتها أكثر من 150 مليار جنيه، وتستوعب نحو 35 ألف عامل، فيما يقدر حجم مبيعات الدواء بنحو 60 مليار جنيه. وقال حافظ أن الزيادات الاخيرة في اسعار الدواء مطلع العام الجاري، لم يسعفها الوقت لتحقيق هدفها في توفير الادوية الناقصة، حيث يبلغ عدد الادوية التي تشهد نقصا بالسوق المحلي نحو 4 ألاف صنفا، مشيرا إلى أن الزيادات الاخيرة في الاسعار بلغت نسبتها 20 % على الاصناف التي يقل سعرها عن 30 جنيها بحد ادني في الزيادة جنيهين وبحد أقصى 6 جنيهات للشريط الواحد. وأضاف أن صناعة الدواء هي الصناعة الوحيدة المحكمة باسعار جبرية ودون ان تحصل على أي دعم من الحكومة، مشيرا إلى أن الخبز والمواد البترولية محكمين باسعار جبرية ولكن يحصلان على فارق التكلفة من الحكومة، مؤكدا أن هذه السياسة في التعامل مجحفة لحقوق صناع الدواء. ورأى حافظ أن الحل المتاح حاليا لسرعة علاج أزمة صناعة الدواء، هو تحريك انتقائي لاسعار الدواء بحيث يقتصر التسعير الجديد على الأدوية الحيوية التي تمس حياة المواطن، مثل ادوية السرطان ومشتقات الدم. من جانبه، قال الدكتور محمد غنيم عضو غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات ورئيس نقابة مصنعي التل "التصنيع لدى الغير"، ورئيس شركة "ميدل إيست" للصناعات الدوائية، أنه لا مفر عن تحريك اسعار الدواء لمواجهة ازمة خسائر صناعة الدواء، مشددا على ضرورة مراعاة علاج التشوهات السعرية للادوية خلال هذه الخطوة. واوضح غنيم أن هناك تشوهات سعرية قديمة في اسعار مختلف انواع الادوية، حيث تم تسعير ادوية باسعار مرتفعة في حين أن تكلفة انتاجها في الاصل منخفضة، والعكس فتطرح ادوية باسعار منخفضة رغم ارتفاع تكلفة انتاجها، مؤكدا أن المستفيد الاول من وراء هذه التشوهات السعرية هي الشركات العالمية، وذلك على حساب الشركات المصرية. وأردف غنيم أن الممارسات الفاسدة من قبل لجان التسعير قبل عدم سنوات السبب الرئيسي وراء هذه التشوهات، حيث كان يتم التسعير بما يخدم مصالح الشركات العالمية ويحقق لها هامش ربح مرتفع، والعكس بالنسبة للشركات المصرية التي تشكو حاليا من ملاحقتها بالخسائر نتيجة انخفاض اسعارها مقارنة بتكلفة الانتاج، مؤكدا أن الشركات العالمية للدواء في مصر لن تتكبد اي خسائر تذكر جراء هذه الازمة، وذلك لارتفاع هامش ربحها الطبيعي من الاصل. في المقابل، نفي الدكتور هشام الحجر رئيس شعبة الدواء بغرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، ورئيس شركة "برج" للصناعات الدوائية، ما يتردد حول ارتفاع ارباح الشركات العالمية للدواء في مصر، مؤكدا ان اكبر ربح ممكن تحصل عليه شركة دواء لا يتجاوز 25 % ويكون بفضل التصدير للخارج وليس بسبب مبيعات السوق المحلي، مؤكدا أن حالات الربح المبالغ فيها التي يذكرها البعض وتتذرع بها الحكومة لعد تحرك الاسعار هي حالات استثنائية نادرة لا يمكن تعميمها على الاطلاق. وأضاف الحجر أن تحريك سعر الدواء أصبح ضرورة ملحة وفي غاية الاهمية، وذلك لحماية الصناعة من كارثة محققة تزحف نحوها حال استمرار الوضع على ما هو عليه، موضحا أن الاعتماد الدولاري الذي كانت قد طالبت به الغرفة لتغطية احتياجاتها الاستيرادها قبل التعويم كان يقدر ب2.6 مليار دولار ما كان يقدر بنحو 23 مليار جنيه، إلا أنه بعد التعويم أصبح يصل أكثر من 40 مليار جنيه، اي ما يوازي قيمة مبيعات القطاع باكمله بالسوق المحلي، الامر الذي يجعل هناك استحالة في توفيره. وحول مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتخصيص 188 مليون دولار لشراء 146 نوع من الادوية التي ليس لها بديل محلي، أكد الحجر اشادته بالخطوة لخدمة المرضى، وأنه لا خلاف حول البعد الانساني والاجتماعي الايجابي من وراء الخطوة، غير أنها لا تمت بمشكلة صناعة الدواء المحلي باي حل يذكر، حيث لا تزال الازمة قائمة.