انطلاق المبادرة الرئاسية تمكين لدعم الطلاب ذوي الإعاقة بالمنيا    مدير «تعليم المنيا»: المعلمين الركيزة الأساسية في بناء الأجيال وصناعة مستقبل الوطن    وزيرة التضامن تشهد الاحتفال باليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    تعرف على مواقيت الصلاة الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 في مطروح    كام سعر الذهب النهارده فى مصر.. تفاصيل    توقيع اتفاقية مصرية - إيطالية لإنتاج الغاز الحيوي ودعم الطاقة النظيفة    كل ما تريد معرفته عن التوقيت الشتوي في مصر 2025.. الموعد وطريقة الضبط الدقيقة    الأهالي يودعون صغيرهم سليم بعد سقوطه في بالوعة للصرف الصحي    إزاى تقدم على معاش تكافل وكرامة ؟.. خطوات الاشتراك والمستندات المطلوبة    البرهان ل"القاهرة الإخبارية": الجيش السودانى والمقاومة الشعبية قادران على تحقيق النصر    ألفاريز يقود هجوم أتلتيكو مدريد أمام بيتيس في الدوري الإسباني    حقيقة فيديو متداول ل«ترحيل السوريين من ألمانيا»    عبد المنعم سعيد: حماس دمّرت اتفاق أوسلو.. ومصر تبذل جهودًا كبرى لتوحيد الصف الفلسطيني    وادي دجلة يفوز على الاتحاد السكندري في الدوري    هدف عكسي.. أهلي جدة يتقدم على الباطن في الشوط الأول    الأمن يضبط المتهم بسرقة 20 جوز حمام وأدوات كهربائية من منزل بالمحلة    رمضان 2026| انضمام كارولين عزمي ل«رأس الأفعى» مع أمير كرارة    مريم سوليكا تكشف قصة اختيارها كأول شابة مصرية ضمن قادة الأمم المتحدة للشباب    انطلاق مبادرة «عيون أطفالنا مستقبلنا» في المنيا لفحص إبصار طلاب المرحلة الابتدائية    سماء إبراهيم تنضم لأبطال «فخر الدلتا» في رمضان 2026    ابن فريدة سيف النصر يكشف ل اليوم السابع سبب غياب والدته عن جنازة وعزاء شقيقها    خروج جثمان طفل شبرا الخيمة من مستشفى ناصر التخصصى بعد تصريح النيابة بالدفن    لدغتها تصيب بالحمى والقرحة.. مخاطر «ذبابة الرمل السوداء» بعد وفاة طفل في الأردن    نواب الأمة    بعد إعلان عرضه.. تفاصيل مشاركة مهرة مدحت بمسلسل كارثة طبيعة بطولة محمد سلام    الأديب الدبلوماسى أحمد فريد المرسى: أعمالى نوافذ على عوالم مغايرة    المخرج سعد هنداوى يطالب بتكريم عادل إمام ببناء دار عرض تحمل اسمه    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    استمرار محادثات السلام بين باكستان وأفغانستان لليوم الثالث في ظل توترات حدودية    ضبط 2800 لتر من زيوت السيارات مجهولة المصدر بالخانكة    في ملتقى عالمي بالرياض د.خالد عبد الغفار: العائد الاستثماري في الصحة يحقق أربعة أضعاف    «زي المطاعم».. كباب اللحم بتتبيلة الزبادي والبهارات    هل على العقارات المؤجَّرة زكاة؟.. أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح    الأهلي يختتم استعداداته لمواجهة بتروجيت وسط تركيز عالٍ وتظلم رسمي ضد الكاف    ملك الأردن: لن نرسل قوات إلى غزة ومستعدون لدعم الشرطة الفلسطينية    شيخ الأزهر للرئيس الإيطالي: ننتظر إعلان روما الاعتراف بدولة فلسطين (صور)    رئيس المركزي للمحاسبات يفتتح أعمال المجلس التنفيذي ال79 للإنتوساي بشرم الشيخ    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لأفضل 11 لاعباً فى العالم من فيفبرو    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    تأجيل محاكمة 89 متهما بقضية "خلية داعش مدينة نصر" لجلسة 11 يناير المقبل    بث مباشر.. الفتح في ضيافة الرياض الليلة الساعة 5.35 في دوري روشن السعودي 2025    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    لجنة فلسطين بالبرلمان العربي تعتمد مجموعة من التوصيات لدعم القضية    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    أول صورة لضحية حادث تصادم سيارتين ملاكي وتريلا في قنا    المشاط: الإحصاءات تُمثل ركيزة أساسية في صنع القرار ودعم مسيرة التنمية    شيخ الأزهر في القمة العالمية للسلام بروما: لا سلام بالشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    أسعار اللحوم اليوم الاثنين في شمال سيناء    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو الاعتداء على كلب في الدقهلية    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل ... المصالح المصرية في الحرب الباردة الجديدة

* هل يمكن أن تستفيد مصر من الحرب الباردة الجديدة كما استفاد الآسيان من الحرب الباردة السابقة في تعظيم اقتصادهم
* يمكن لروسيا أن تفوز ببناء المحطة النووية في الضبعة نظرا للعروض الروسية المتميزة بانخفاض الأسعار وللخبرة الروسية العالية, بالإضافة لضمانات الصيانة الدائمة التي تقدمها
* أحرز الروس تقدما كبيرا في تحلية مياه البحر, من ناحية تخفيض التكلفة والتقنيات المستخدمة مع بساطة المعدات وتركيبها وصيانتها ونقلها من مكان لآخر
* روسيا لن تجد لنفسها مكانا أبدا في منظمة حلف شمال الأطلنطي أو في الاتحاد الأوروبي, لذا فعليها أن تسعي إلي خلق بديل لهذين الكيانين, أو إمبراطورية خاصة بها
* ليس هناك دولة, أو مجموعة من الدول, تريد المناورة بنفسها للوقوع في موقف سيكون عليها فيه مواجهة العداوة الأمريكية
* علي مدي عقود مقبلة لن يكون من المرجح أن تنجح أي دولة في الجمع بين الموارد والخصائص الجغرافية ومعدلات النمو اللازمة لتشكيل تحد حقيقي للقطب الأمريكي
* حذر نيكولاس كالدور, من' التراجع عن التصنيع'. حيث إن التحول في القيمة المضافة من الصناعة إلي الخدمات أمر بالغ الضرر, لأن الصناعة تقوم علي التقدم التكنولوجي
------------------
لم تسنح لمصر طوال تاريخها الحديث فرصة كبيرة مثل هذه الفرصة في اللحظة التاريخية الفارقة نحو الانطلاق علي درب النمور الآسيوية, الذين استغلوا اللحظات الفارقة في التاريخ أحسن استغلال, فهل يمكن أن تتكرر نماذج القوي الاقتصادية مع دولة مثل مصر, خاصة أن كثيرا من المفكرين والاقتصاديين المصريين يعلقون آمالا كبيرة علي أن تكون هي النموذج القادم في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ومن ثم بضرورة إعادة النظر في مشروع التنمية الذي ساد طوال العقود الخمسة الماضية, وإخضاعه لنوع من التقييم الجاد, حتي يمكن استخلاص أهم الدروس التي تفسر لنا لماذا كانت مواقع الفشل أكثر من مواقع النجاح في ظل وجود نماذج عدة لمست طريقها إلي النجاح بقوة من خلال الاعتماد علي الذات. فالاعتماد علي الذات الذي ننادي به لا يعني الانغلاق أو قطع التعامل مع الاقتصاد العالمي أو تحقيق الاكتفاء الذاتي, فهذه أمور غير ممكنة فضلا علي أنها غير صحيحة من الناحية الاقتصادية ولعل تجربة كل من الصين والهند توضح كيف اختارت كل دولها طريقها الصحيح, ففي حين اعتمدت الصين بشكل هائل علي تصدير السلع التامة الصنع اكتسبت الهند سمعتها كدولة مصدرة للخدمات الحديثة, والواقع أن الهند تجاوزت مرحلة التصنيع, فانتقلت من الزراعة إلي الخدمات مباشرة. فالاختلافات بين نماذج النمو في البلدين مذهلة. والذي يميز كل النمادج الناجحة هي اتباعها لخطط اقتصادية شاملة, فلقد اعتبر وضع شكل ما من أشكال التخطيط علي المستوي القومي جزءا هاما من جهود التنمية, بهدف توجيه استخدام موارد البلاد الاستثمارية. وفي منطقة شرق آسيا, طورت كل من اليابان وكوريا وتايوان وسنغافورة صنفا خاصا بها من الخطط, ربما كان أفضل وصف لها أنها خطط تعاونية شاملة. وكما هو الحال في جنوب آسيا, فقد استهدف هذا النهج إدارة الموارد القومية, ولذلك انصب التركيز علي شمول الاقتصاد كله. وكان من ضمن العوامل التي أسهمت في ذلك الحماس, النجاح الظاهري الذي حققته الخطط الخمسية الروسية, وتجارب التخطيط القومي في أوروبا, والولايات المتحدة أثناء فترة الحرب, ونجاح برامج الإنعاش الاقتصادي التي نفذت في أوروبا عقب الحرب, والتي اعتمدت بشدة علي جهود التخطيط القومي التي نسقتها الحكومات المختلفة. وقد عزز الدعوة إلي التخطيط كثيرا, تطوير أجهزة الكمبيوتر إلي جانب تطبيق تقنيات البرمجة, وإعداد النماذج التي بدا أنها سهلت ممارسة التوجيه الاقتصادي المركزي بصورة مفصلة. كما تلقي التخطيط دفعة إضافية من وكالات المعونة الدولية التي اعتقدت أن فعالية مساعداتها ستزيد إذا ما أدمجت ضمن برامج تنمية شاملة.. لذلك لا يمكن أن نبني نمودجا للتنمية في مصر دون اتباع نهج التخطيط القومي. فمصر من أوائل الدول التي استخدمت نماذج البناء الاقتصادي الرياضي والقياسي في إعداد الخطة. واستعانت باثنين من أعلام التخطيط اللذين نشأ علي يديهما علم التخطيط الاقتصادي. والنقطة الثانية التي يجب أن نعيها ونحن بصدد وضع نمودج تنموي خاص لنا أن نعيد رسم علاقاتنا بالدول الكبري من منظور المصلحة المصرية, فمصر تدخل بعد الثورة مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات المصرية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا, وعلينا أن نعي مجموعة من الحقائق لكي نفهم مستقبل العلاقات المصرية معهما, فالعلاقات مع الولايات المتحدة في حاجة إلي الشفافية والمصارحة وإلي فهم حقائق العصر الدي نعيشه, فهي أولا علاقات ذات طابع استراتيجي, لكل طرف فيه مصالح واضحة دون أن يعني ذلك التطابق في كل المواقف, ودون أن يعني ذلك قبول إملاءات من الطرف القوي. ثانيا: أن مصر بحكم موقعها وواقعها وأوضاعها لا تملك التطرف سواء في الانغلاق أو في الانفتاح ولعلها بهذه الصفة تحتاج في الظروف الطبيعية إلي صيغة تجمع بين الانغلاق والانفتاح. وثالثا: أنها تحتل موقع الريادة في الوطن العربي, وهي الدولة الأولي التي وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل وهي الراعية للاعتدال في المنطقة العربية, وحين أرادت واشنطن وضع قواعد قانونية وعملية وسياسية لمحاربة الإرهاب, لم تجد سوي مصر, لكنها ليست مستعدة أن تقبل إملاءات حول وسائل محددة معلبة, قادمة من الخارج. رابعا: علينا أن نرحب بالمعونات غير المشروطة لأن حجم هذه المعونات لا يستهان به, فهو إيراد ريعي لا يقل عن بقية الإيرادات الرئيسية للخزينة المصرية. وأن نفعل الأجهزة الرقابية بشأن هذه المعونات بحيث توظف في المجالات التي تدعم الاقتصاد المصري. خاصة أن سجل هذا المجهود جاء مخيبا للآمال. فقد كانت المعونة في معظم الأحيان غير فعالة أو ذات نتائج عكسية أكثر من تحقيقها لهدفها المقصود وهو تحفيز النمو والتنمية الاقتصادية ولم تكن النتائج متناسبة مع الأموال التي أنفقت ولا مع مئات الألوف من ساعات العمل التي كرست لهذه المهمة. وإن كانت قد أسهمت في حقن بعض مواطن ضعف الاقتصاد المصري بجرعات من التدفقات المالية أسهمت بشكل مرحلي في تحقيق بعض الأهداف ذات الطابع الجزئي في قطاعات ومواقع مختلفة من هذا الاقتصاد. وكان الجزء الأكبر من المعونة منصبا في تمكين الآخرين من جمع المعلومات عن مصر, من خلال البحوث المشتركة والمسوحات التي أجريت علي المجتمع المصري والمؤتمرات والندوات, والتي سنشهد المزيد منها في الفترة المقبلة حيث إن استخدام المعلومات اليوم أضحي عملية مرعبة من حيث القدرة والفاعلية. ومعظم من يتناولون موضوع المعونة الاقتصادية يتفقون علي أنها لا تتفق مع درجة الحالة بل مع درجة المصلحة, ومن ثم فتاريخ تطور المعونات الاقتصادية هو تاريخ تطور مصالح الدول التي تقوم بتقديمها. ومن ثم فالتلويح المستمر بقطع المعونة علي مصر من حين لآخر يؤكد تأخر الدبلوماسية الأمريكية في إدراك التغيير الذي لا يرغبون في رؤيته مستقبلا, فالدبلوماسية الأمريكية في حاجة إلي الانفتاح والرؤية الصحيحة. فهي لا تدرك أن هناك تغييرا جوهريا واحدا علي الأقل حدث بالفعل, ألا وهو أن لا أحد بعد الآن سوف يتمكن من حكم أي بلد في المنطقة من دون أن يضع الرأي العام المحلي نصب عينيه. ولن يرضي المصريون بأقل من الديمقراطية الكاملة وبترسيخ قدر أعظم من المساءلة الرسمية وتحسين الظروف الاقتصادية.
والنقطة الأخري التي يجب أن نعيها ونحن نحدد مصالح مصر أن نعي استمرارية التفوق الأمريكي وأنها القوة الوحيدة التي تجمع تحت لوائها جميع عناصر القوي الشاملة, فعلي الصعيد العسكري نجد أن الولايات المتحدة تنفق علي الدفاع أكثر من إنفاق الدول الخمس عشرة إلي العشرين التالية لها الأكثر إنفاقا علي الدفاع مجتمعة. والولايات المتحدة تتمتع بتفوق نووي مذهل, ولديها أقوي سلاح جوي في العالم, وأقوي قوات بحرية, وقدرة فائقة علي ممارسة النفوذ العسكري حول العالم. ويمكننا القول أيضا إن تفوقها العسكري سيظهر بشكل أوضح إذا نظرنا إليه بمعايير كيفية وليست كمية فحسب. فالولايات المتحدة تتفوق علي العالم أجمع في استغلال التطبيقات العسكرية للتقنيات المتقدمة في مجالي الاتصالات والمعلومات, كما أنها أظهرت قدرة لا مثيل لها علي التنسيق ومعالجة المعلومات المتاحة عن ساحة المعركة وعلي تدمير أهداف محددة عن بعد بدرجة فائقة من الدقة. وواشنطن تعمل كذلك علي تصعيب مهمة الآخرين في اللحاق بها, الأمر يتضح لنا بالنظر إلي الفجوة الهائلة بين ما تنفقه علي أنشطة البحث والتطوير العسكري وبين ما ينفقه الآخرون عليها حيث موقفها كأكبر قوة تقنية علي مستوي العالم, حيث إنها تنفق في هذا الصدد ثلاثة أضعاف ما تنفقه عليها القوي الكبري الست التالية لها مجتمعة. والولايات المتحدة تحقق كل هذا التفوق العسكري فقط بنحو5,3% من دخلها المحلي الإجمالي. وكما يقول المؤرخ بول فينيدي فإن' احتلالك القمة بتكاليف باهظة هو أمر معقول, ولكن أن تكون القوة العظمي الوحيدة في العالم بتكاليف زهيدة فهو أمر مذهل'. وهي الدولة الأكثر قدرة علي الانتفاع بمزايا العولمة.
وأخيرا, فإن تفوق أمريكا في المجالين العسكري والاقتصادي له جذور مؤكدة تتمثل في موقفها كأكبر قوة تقنية علي مستوي العالم. فقياس درجة التفوق الأمريكي في كل مجال علي حدة هو بداية قدرتنا علي النظر إلي الأمور من منظور صحيح. ولكن الأمر الذي يميز النظام الدولي الحالي بحق هو التفوق الأمريكي في كل تلك المجالات في آن واحد. فالدول الرائدة السابقة في التاريخ الحديث كانت إما قوي تجارية وبحرية عظمي وإما قوي عسكرية برية عظمي, ولم يسبق أبدا لأي دولة أن حققت التفوق التام في البحر والبر معا. والولايات المتحدة مع مطلع الحرب الباردة كانت متفوقة بوضوح علي العالم أجمع من حيث الاقتصاد والقدرات الجوية والبحرية, ولكن الاتحاد السوفيتي كان محتفظا بتوازن عسكري عام, وكان يتمتع بقدرة فائقة علي إخضاع مناطق واسعة في الأوراسية أي أوروبا وآسيا لسيطرته بفضل العوامل الجغرافية واستثماراته في القوات البرية. اليوم فإن الولايات التحدة لا تواجه منافسين حقيقيين في أي بعد رئيسي من أبعاد القوة. فلم يسبق أبدا أن كان هناك نظام دولي يحتوي علي دولة واحدة تتمتع بكل هذه الدرجة من الهيمنة. وإذا ما قارنا القوة الأمريكية بقوة الاتحاد الأوروبي سنجد أنها قوة خاضعة لسيطرة حكومة واحدة, في حين أن أطراف التوازن المرشحين قد يواجهون تحديات كبري في سعيهم للعمل بشكل جماعي علي تجميع قدراتهم العسكرية والتنسيق فيما بينهم. وكثير من القوي الكبري في النظام الدولي الحالي كان حليفا حميما للولايات المتحدة لعدة عقود ومازال يجني ثمارا قيمة من وراء ذلك الوضع. وإذا قررت تلك القوي السعي إلي إحداث التوازن مع أمريكا فإنها لن تخسر تلك الثمار فحسب, وإنما سيكون عليها أيضا أن تجد طريقة ما لصياغة تحالف ممتد ومتماسك فيما بينها تحت مرأي ومسمع من أمريكا. ومعظم المحللين الذين يبحثون عن منافس مستقبلي محتمل للولايات المتحدة يركزون علي الصين, بما أنها القوة الوحيدة التي تملك القدرة علي الوصول إلي حجم الاقتصاد الأمريكي نفسه علي مدي العقود القليلة المقبلة. ولكننا نري أنه حتي إذا نجحت الصين في نهاية الأمر في الوصول إلي مستوي الولايات المتحدة من حيث الناتج المحلي الإجمالي, فإن بقية الفجوات بين هاتين القوتين في قدرات الطاقة الأخري- التقنية والعسكرية والجغرافية- لن تختفي.
إن هذه ليست مجرد حقائق مجردة بل هي حقائق معترف بها من قبل اللاعبين الرئيسيين المشتركين في الصورة. وعليه فإنه ليس ثمة تحد عالمي للولايات المتحدة يمكن أن ينشأ في المستقبل المنظور. فليس هناك دولة, أو مجموعة من الدول, تريد المناورة بنفسها للوقوع في موقف سيكون عليها فيه مواجهة العداوة الأمريكية المركزة. ومن هنا علينا أن نعيد نظرتنا للعلاقات الدولية من منظور القوي الشاملة وليس من منظور الشعارات التي يرفعها البعض وتنم عن جهل واضح. فالمشير السيسي عندما ذهب إلي روسيا ليس لإعادة منظومة الستينيات كما يحلو للبعض أن يردد بل لأنه كرجل مخابرات يعرف جيدا التغيرات العالمية والإقليمية وموازين القوي, إنه ذهب ليبحث عن سبل جديدة لتدعيم القوات المسلحة وتدعيم الاقتصاد المصري من الجانب الروسي وليس تخليا عن العلاقات المصرية الأمريكية فهو يدرك أنها علاقات ذات طبيعة خاصة لخدمة طرفي العلاقة. وحين النظر إلي تكوين ائتلافات ومحاور معينة ليس للوقوف موقف العداء من الولايات المتحدة, فمما لا شك فيه أن مثل هذه الائتلافات يمكنها في صورتها القصوي أن تنجح من حين لآخر في إرباك مبادرات السياسة الأمريكية وخاصة إذا ظلت التكاليف المتوقعة اللازمة للقيام بذلك منخفضة بشكل مريح. ولكننا نجد في الوقت نفسه أن بكين وموسكو وغيرهما قد أظهروا استعدادا للتعاون الدوري مع الولايات المتحدة بخصوص القضايا الاستراتيجية وبخاصة علي الصعيد الاقتصادي, فالتنافس بين القوي الكبري وسوء الإدراك, غير موجودين حاليا علي ساحة السياسة الدولية. تلك القاعدة الأولي التي يجب علي الإعلام المصري أن يعيها عندما نزيد من التعاون مع كل اللاعبين علي الساحة الدولية. ولا يجب أن ننظر إلي توثيق أواصر التعاون بين موسكو وبكين علي أنه محور ضد واشنطن, كما ان قضية الشراكة بين روسيا والصين ذات طبيعة خاصة فحجر الزاوية في تلك الشراكة- أي مبيعات الأسلحة الروسية إلي الصين- يعكس بدوره تماثلا في نقاط الضعف بينهما أكثر مما يعكس القدرات المتولدة عن اتحاد قوتيهما معا. فتلك المبيعات كانت تعمل علي موازنة التقنية العسكرية الصينية المتدهورة في الوقت نفسه الذي تعمل فيه علي الإبطاء من تدهور الصناعات العسكرية الروسية.. فعلي مدي عقود مقبلة لن يكون من المرجح أن تنجح أي دولة في الجمع بين الموارد والخصائص الجغرافية ومعدلات النمو اللازمة لتشكيل تحد حقيقي للقطب الأمريكي.
وعلي الجانب الروسي, يسعي بوتن إلي تنفيذ مبدأ' الإمبراطورية الليبرالية' الذي وضع أساسه في2003 أناتولي تشوبايس رئيس نظام الطاقة الموحدة, أو الشركة الروسية المحتكرة لإنتاج الطاقة. وطبقا لرأي تشوبايس فإن روسيا لن تجد لنفسها مكانا أبدا في منظمة حلف شمال الأطلنطي أو في الاتحاد الأوروبي, لذا فعليها أن تسعي إلي خلق بديل لهذين الكيانين, أو إمبراطورية خاصة بها. وهي تستطيع أن تحقق هذه الغاية من خلال استخدام شركاتها الاحتكارية العامة الضخمة والثرية بهدف الاستيلاء علي الصناعات والمؤسسات الاقتصادية الرئيسية التي تقوم عليها الجمهوريات السوفيتية سابقا, فتمهد الطريق بهذا أمام فرض هيمنتها السياسية علي تلك الجمهوريات. ووفقا لتعريف تشوبايس فإن الإمبراطورية التي ستنتج عن هذا سوف تكون ليبرالية, لأنها بنيت بالمال وليس بالدبابات.
إن جازبروم ليست الكيان الوحيد التابع للدولة الذي يتولي تنفيذ السياسة الروسية في جنوب القوقاز. ففي عام2004 اشتري بنك' فنيشتورجبانك' المملوك للدولة حصة من الأسهم في البنك الأرميني' أرمزبيربانك' تخول له حق السيطرة عليه. وفي العام التالي, فعل بنك' فنيشتورجبانك' نفس الشيء مع بنك جورجيا المتحد المخصخص, وهو ثالث أكبر بنك في جورجيا. وفي واقع الأمر فقد أعاد بنك' فنيشتورجبانك' تأميم بنك جورجيا المتحد, لكن الدولة الروسية كانت هي المالك الجديد.
في الآونة الأخيرة كان لنظام الطاقة الموحدة دور رائد في دمج جورجيا داخل' الإمبراطورية الليبرالية' الروسية. وحين أعلنت السلطات الجورجية عن اعتزامها خصخصة محطة' إنجوري' للطاقة وتجديد بناء محطة' خودوني' للطاقة والمرشحة لتصبح الأكبر في جورجيا, سارعت شركةRAOUES إلي شراء حصة من الأسهم تخول لها السيطرة علي المشروعين. وعلي هذا فإن الجهود التي تبذلها روسيا من أجل إيقاع أوكرانيا وجورجيا وجاراتمها من الدول في أحابيل' الإمبراطورية الليبرالية' تشكل جزءا من محاولة جيدة التنسيق لإعادة توجيه جنوب القوقاز ككل لتحقيق حلمها الإمبراطوري الجديد الخطير. وتعمل التطورات السياسية الداخلية في روسيا أيضا علي دفع البلاد في اتجاه مختلف عن الغرب. والمسألة ببساطة أن الروس يتحركون بعيدا عن الديمقراطية. ففي حين لم يعترف أهل النخبة في روسيا قط بهزيمتهم في الحرب الباردة, يتعامل الغرب مع روسيا في الأساس باعتبارها بلدا منهزما, وهو الموقف الذي يرمز إليه توسع حلف شمال الأطلنطي نحو الشرق, والذي ساعد في إرساء أساس عميق للتوتر المستمر. وهذا يعني أن توسع حلف شمال الأطلنطي يجعل الحرب الباردة تبدو وكأنها لم تنته بعد. صحيح أن المواجهات الإيديولوجية والعسكرية التي استندت إليها الحرب قد ولت وذهبت لحال سبيلها, ولكن المنافسة الجغرافية السياسية التي انطوت عليها عادت الآن إلي الواجهة. وهذا يعني أن العقلية القديمة ما زالت باقية علي الجانبين.
فهل يمكن أن تستفيد مصر من الحرب الباردة الجديدة كما استفاد الآسيان من الحرب الباردة السابقة في تعظيم اقتصادهم واستطاعوا أن يحققوا بالفعل ما يشبه المعجزة. علينا أن نستفيد من أمريكا وروسيا والهند والصين ولا ندير ظهرنا لأحد كما فعلنا في الماضي, الفرصة سانحة اليوم وخاصة مع الجانب الأمريكي في المجال العلمي والاداري والتقني ومن الجانب الروسي في المجال العسكري والطاقة وخاصة الطاقة النووية وتحلية المياه. ولقد طالبنا في مقالات عدة بأهمية مشاركة الجانب الروسي في البرنامج النووي المصري. حتي الآن لا يوجد منافس لروسيا في السوق العالمية لبناء المحطات النووية نظرا للعروض الروسية المتميزة بانخفاض الأسعار بشكل كبير وللخبرة الروسية العالية في هذا المجال, بالإضافة لضمانات الصيانة الدائمة التي تقدمها روسيا ضمن تكلفة عقد البناء بخلاف الشركات الغربية التي لا تقدم هذه الضمانات, كما أن روسيا تملك أكبر احتياطي للوقود النووي في العالم الذي يضمن للدول المتعاقدة استمرار تشغيل المحطات بلا توقف. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تستوعب جيدا قدرات روسيا في هذا المجال, حيث سعت واشنطن خلال التسعينيات إلي توقيع اتفاق مع روسيا لاحتكار شراء اليورانيوم الروسي وبعرض مغر للغاية وكاد الرئيس الروسي السابق يلتسين أن يوافق علي العرض الأمريكي لولا المعارضة البرلمانية التي تنبهت لخطورة الصفقة علي مستقبل روسيا في السوق النووية القادمة فأوقفتها استنادا لقانون التجارة الخارجية الروسي الذي يمنع احتكار أي جهة أجنبية لأي منتج روسي.
والشق الثاني الذي يجعلنا نفضل الجانب الروسي هو التقدم الذي أحرزته في تحلية مياه البحر, حيث قطعت شوطا كبيرا تجاه التوسع في هذا المجال من ناحية تخفيض التكلفة والتقنيات المستخدمة مع بساطة المعدات وتركيبها وصيانتها ونقلها من مكان لآخر. وقد تراكمت الخبرات الطويلة لدي مصممي محطات التحلية الضخمة مما يسمح لهم بحل أكثر المسائل تعقيدا مثل الحصول علي المياه بدون أملاح من أجل المولدات البخارية وتحلية المياه المتضمنة للأملاح في المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء. كما تسمح هذه الخبرات في تصميم أنظمة مغلقة لاستخدام المياه مع التقليل الكبير لاستهلاك الطاقة والمواد الكيميائية وبالتالي التأثير الإيجابي في مجال حماية البيئة.
أخيرا علينا أن نهتم بالصناعة وإحياء السياسة الصناعية مرة أخري ولا نلهث وراء روشتات الآخرين, علينا أن ندرس بعمق الأسباب التي أدت إلي نجاح الدول الكبري وننتهجها. فالنجاح علي الأمد البعيد ما زال يعتمد علي ما يحدث في الداخل وليس الخارج. ولعل الصيحات الأخيرة التي أطلقها بعض الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي تؤيد وجهة نظري بضرورة العودة إلي التصنيع. ففي مؤتمر عقد في واشنطن, قال وزير الخزانة السابق لاري سامرز إن صانعي السياسة الأمريكية لابد أن يركزوا علي الأنشطة الإنتاجية التي تجري في الولايات المتحدة وعلي توظيف العمال الأمريكيين, وليس علي الشركات المسجلة قانونا في الولايات المتحدة ولكن إنتاجها يقع في مكان آخر. واستشهد سامرز ببحث أجراه وزير العمل السابق روبرت رايك, الذي حذر قبل أكثر من عشرين عاما من أن الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات تحول تشغيل العمالة والإنتاج إلي الخارج, وأن مصالحها كانت متباينة مع المصالح الاقتصادية للبلاد. وأن أحدث التجارب في مجال مناصرة المصنوعات كانت نابعة من الأزمة الحالية. ولقد تفشي هذا الهوس في الولايات المتحدة, حيث ذهب الديمقراطيون في الكونجرس إلي حد التحالف مع جماعات الضغط المناصرة للصناعة في إقرار التشريع الذي من شأنه أن يوفر الحماية والدعم المالي بهدف زيادة حصة الصناعات في الناتج المحلي الإجمالي. وحذر نيكولاس كالدور, الخبير الاقتصادي العالمي من كمبريدج والمستشار ذو النفوذ لدي حزب العمال, قد حذر من' التراجع عن التصنيع'. وكانت حجته تتلخص في أن التحول الجاري في القيمة المضافة من الصناعة إلي الخدمات أمر بالغ الضرر, لأن الصناعة كانت تقوم علي التقدم التكنولوجي في حين لم تكن هذه حال الخدمات. وشرح لنا جوش ليرنر الأستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد في كتابه' شارع الأحلام المحطمة' فقد لعبت عقود وزارة الدفاع الأمريكية دورا حاسما في التعجيل بالنمو المبكر لوادي السليكون. وحتي شبكة الإنترنت العالمية, التي ربما تعد الإبداع الأعظم أهمية في عصرنا, نشأت من مشروع لوزارة الدفاع بدأ تنفيذه في عام1969. والصين أوضح مثال علي ذلك النهج, فالقسم الأعظم من براعتها الفائقة في مجال التصنيع يستند إلي المساعدات التي تقدمها الحكومة للصناعات الجديدة. ولقد عملت المؤسسات المملوكة للدولة كحاضنات للمهارات الفنية والمواهب الإدارية. كما عملت متطلبات المحتوي المحلي علي توليد صناعات التوريد الإنتاجية في مجالات مثل صناعة السيارات والإلكترونيات, ونجحت حوافز التصدير السخية في مساعدة الشركات علي اقتحام الأسواق العالمية التنافسية. وتعد شيلي, التي كثيرا ما تصور بوصفها جنة السوق الحرة, مثالا آخر. فقد لعبت الحكومة هناك دورا حاسما في تنمية وتطوير كل سلعة تصدير جديدة تنتجها البلاد. وفي كل هذه الحالات, كانت الإصلاحات الداخلية سببا أكيدا في توليد النمو من غير اعتبار للتجارة الدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.