المصريون يصنعون الأزمات الغذائية.. هذا ما أكده الخبراء ورصدته الأرقام حول سلوك المصريين الغذائى وعاداتهم الغذائية؛ حيث يرى الخبراء أن الاستهلاك الغذائى للمصريين غير رشيد وهو ما يمكن أن يصنع ندرة أو أزمة لبعض السلع، فعند انتشار شائعة عن ندرة لأى نوع غذائى كما حدث للسكر مؤخرا يحول السلوك الاستهلاكى غير الرشيد الشائعة إلى حقيقة، وتصبح هناك ندرة فى السكر. ويرى الخبراء أن الحكومة ساهمت بدورها فى هذه الأزمة وأن افتقاد المواطن الشفافية ساهم فى تعميق الأزمة.. التقرير التالى يرصد ذلك. فى البداية تقول د.هبة نصار أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية: إن انتشار أى شائعة عن ندرة أى سلعة يتبعها تكالب كبير من المصريين على شراء هذه السلعة تخوفا من اختفائها وهو ما حدث مؤخرا مع السكر فلجأ معظم المواطنين إلى شراء السكر وتخزينه بما يزيد بطبيعة الحال على احتياجاتهم الشهرية أو حتى السنوية، فأصبحت هناك ندرة فيه وتحولت الشائعة إلى حقيقة وتضيف قائلة: لدينا سلوك استهلاك غير رشيد على الرغم من ارتفاع معدل الفقر و نتعامل مع السلع الغذائية بأسلوب غير اقتصادى على الإطلاق، فعلى سبيل المثال: المصريون يزيد استهلاكهم للطعام فى شهر رمضان الذى هو شهر الصوم؟! ويتهافتون على شراء السلع الغذائية وكأنهم سوف يواجهون مجاعة!! وتوضح أن الحكومة لها أيضا دور فى صنع الأزمة، فكان لابد من اللحظات الأولى لظهور شائعة ندرة السكر أن تبادر لتحجيم شراء المواطنين للسكر بتحديد 2 كيلو فقط للمواطن، وبالتالى لا تحول الشائعة إلى حقيقة، فنحن فى حاجة إلى شفافية من الدولة، وأيضا لابد أن يكون هناك دور فعال لجمعيات المجتمع المدنى وحماية المستهلك للقيام بالدور المنوط بها من توعية المواطنين لترشيد استهلاكهم وتوعيتهم بالحقائق. - (هدر وسوء تغذية ) وترى د.هالة منصور أستاذ الاجتماع بجامعة بنها أن الشعب المصرى من الشعوب الشغوفة بالطعام ونوعيته، لكن فى الوقت ذاته لديهم عادات استهلاكية غير رشيدة وعادات غذائية غير سليمة، وينتج عن ذلك هدر كبير فضلا عن سوء تغذية واضح لدى الكبار والصغار على حد سواء. وبسبب حب المصريين للطعام فإنهم قادرون على صنع أزمة فى سلعة إذا شعروا أنهم معرضون لفقدها وهو ما حدث فى أزمة السكر الأخيرة، وفى ظل انعدام الشفافية من الحكومة حول حقيقة الأزمة منذ اللحظة الأولى تكالب الموطنون على شرائها وتخزينها. وفى الحقيقة إن السلوك الاستهلاكى غير الرشيد ليس مسئولية المواطن بمفرده بل المنتج أيضا، فعلى سبيل المثال: المصنعون يقومون بإنتاج عبوات من الأحجام الكبيرة مما يدفع المواطن الى شراء هذه الأحجام فلا بديل أمامه غيرها، فمثلا: أقل وزن للسكر هو كيلو جرام فى حين أن استخدامه يستلزم فترة غير قصيرة، فلماذا لا توجد عبوات بنصف أو ربع كيلو ؟! وترى د.هالة أن أجهزة التثقيف فى الدولة مسئولة عن تغيير سلوك المواطن وترشيد بدءا من المؤسسات التعليمية. - (أزمات مفتعلة) أما محمود العسقلانى رئيس جمعية »مواطنون ضد الغلاء« فيرى أننا لا يجوز أن نحمل المواطنين عبء أزمة السكر الأخيرة، ففى الواقع الحكومة تعاملت مع أزمة السكر بطريقة غير كفء، فقد أحجم الكثير من البقالين عن شراء السكر من تجار الجملة تخوفا من تعرضهم لمحاضر بيع السكر بأسعار مرتفعة، فأصبحت هناك ندرة فى السكر فى الوقت الذى لم تقم فيه الدولة بضبط أو محاكمة كبار التجار أو الموردين صناع أصحاب الأزمة الحقيقية. ويؤكد العسقلانى أن إثارة أزمات مفتعلة فى الدولة هدفها إحداث الاضطرابات وتهييج الرأى العام وتهيئته لما يسمى بثورة الجياع وهو امر متعمد، ولابد للدولة أن تدرك ذلك وتتعامل مع المتورطين فيه بكل حزم وصرامة. وحسب ما تشير إليه أحدث دراسة صادرة للجهاز المركزى للإحصاء والتعبئة عن الدخل والإنفاق والاستهلاك عن عام 2015 فإن متوسط الإنفاق الكلى السنوى للأسرة يصل إلى نحو 38 ألف جنيه، وأن 53% من هذا الإنفاق للطعام والشراب، وهو أعلى نسبة إنفاق للدخل، وقد رصدت الدراسة انخفاض الإنفاق منذ ثورة 1102 من 39٪ إلى 34٪ من إجمالى الإنفاق وذلك مرجعه ارتفاع الأسعار مما أدى إلى تحجيم الاستهلاك. ويشير التوزيع، النسبة للاستهلاك الفعلى السنوى للأسرة على بنود الطعام والشراب، إلى أن اللحوم تستحوذ على أعلى نسبة استهلاك بواقع نحو 30٪ يليه استهلاك الخضر بنسبة 14٪ وأيضا الألبان والبيض والجبن، وترتفع هذه النسبة فى الحضر مقارنة بالريف، بينما ارتفعت نسبة استهلاك الخضر والحبوب والخبز والزيوت والسكر فى الريف عن الحضر، وتمثل نسبة استهلاك الزيوت والدهون نحو 8% من الاستهلاك، ويستحوذ السكر والأغذية السكرية على 5% فقط من الاستهلاك الفعلى للأسرة على الطعام والشراب، فى حين تمثل الفاكهة 4.6% من الاستهلاك والأسماك 6.7٪ والحبوب والخضر 11.2٪ من الاستهلاك والمشروبات 3.7%. وإذا ما نظرنا إلى استهلاك المصريين فى أوقات الأزمات فيمكن القول: إن شهر رمضان هو أكثر الفترات استهلاكا للأغذية بمختلف أنواعها، وهو أكثر الشهور فى السنة التى يلجأ فيها المواطنون الى شراء السلع وتخزينها، وبحسب دراسة بحثية لجامعة الاسكندرية عن معدلات الاستهلاك فى رمضان فإن استهلاك المصريين يزيد بمعدل35٪ على الأيام العادية، وعادة ما يلجأ المواطنون إلى تخزين سلع السكر والأرز والزيت والسمن، وانهم يستهلكون خلال الشهر ما يقرب من 160 مليون دجاجة و60 الف طن فول و18 مليار رغيف خبز بواقع 250 مليون رغيف يوميا، بينما يلقى 40٪ من غذاء المصريين فى القمامة خاصة النشويات والحلويات وتصل النسبة إلى 57% فى المواد والعزائم فى الوقت الذى يعانى فيه من 3 إلى 5 ملايين مواطن فى الصعيد من نقص الغذاء والشراب. وحسب تقرير أعده مركز المعلومات بمجلس الوزراء فإنه يصل ما تنفق الأسرة المصرية فى شهر رمضان 200 مليار جنيه، وان الإنفاق على الطعام والشراب يعادل 45٪ من إنفاق الأسرة، وان لم يتغير منذ عام 2009 رغم الزيادة السكانية وارتفاع الأسعار نظرا إلى أن المواطنين قاموا بتخفيض استهلاكهم بالنسبة للكميات نتيجة الغلاء، وقد نشر موقع فوكس الأمريكى دراسة البحوث الاقتصادية والزراعية لإحدى الجامعات الأمريكية عن نفقات الأسر على الغذاء فى جميع دول العالم، وكشفت الدراسة عن أن مصر ضمن الدول الأعلى فى العالم استهلاكا للطعام. وأشارت إلى أن متوسط إنفاق الأسرة من الأموال على الطعام نحو 24% من دخل الأسرة، فى حين أن المجتمع الأمريكى يعد المجتمع الأقل إنفاقا على التغذية بمعدل 6.6%من ميزانية الأسرة، يليه المجتمع الكندى والاسترالى. وأشارت الدراسة إلى الإنفاق الكبير على المواد الغذائية وسوء التغذية دائما ما يسيران فى خطين متوازيين، اى ان الدول الفقيرة التى تنفق حصة كبيرة من ميزانيتها على الغذاء هى الأعلى فى معدلات سوء التغذية؛ فقد سجلت مصر نسبا مرتفعة فى سوء التغذية لدى الأطفال بنسب تتراوح بين 02% إلى 03٪.