فى حوار بينى وبين أحد أصدقائى من الاقتصاديين العرب المرموقين تعليقا على ما ورد فى مقال لى نشر الاسبوع الماضى فى «الاهرام بنكرز» اتفقنا معا على أن الركود الحالى فى الاقتصاد المصرى يحتاج الى ما كنا نسميه «بالمنافيلا» التى هى لحداثى القراء سناً عبارة عن قطعة من الحديد لها زاويتان قائمتان كانت تستخدم فى موديلات السيارات والجرارات وسيارات النقل المهكعة لتشغيل الموتور فى حالة عدم قدرة البطارية على ذلك. فقد دار الحوار مع صديقى حول مقالى المعنون «قطرى حبيبى.. ومصر حبيبتى» منتقداً لى على تصورى أن بإمكان الحكومة أن تفعل ما هو أفضل من الاستدانة القصيرة الاجل، فلا مجال للمزايدة على وضع اقتصادى لا نحسد عليه. وأوضحت له أنى أحاول لفت الانتباه وأدق ناقوس الخطر لوضع لن يساعد كثيراً خصوصا عند مراجعة التصنيف الائتمانى للبلاد. فالحكومة لم تحدد أصلا أولوياتها، بل انجرفت نحو موضوعات لم تكن مطلوبة منها فى الوقت الحالى باعتبارها حكومة "انتقالية" لن يلومها أحد لو لم تهتم بما اهتمت به من موضوعات مثل اعفاء الطلبة من الرسوم الدراسية والتسعيرة الجبرية والحد الادنى للأجور، وغيرها من موضوعات لم تكن - فى تقديرى- ذات أولوية فى الوضع الحالى. ومازلت أصر على أن قطاع الانتاج - وهو صاحب الاولوية الاولى- لم يجد حتى الآن ما أو حتى من يحركه، رغم أنه القطاع المؤثر فى الاسعار وفى الصادرات والواردات وغيرها. فكيف إذن يمكن أن يقوم قطاع الانتاج من ركوده وبسرعة؟؟ لكى يقوم القطاع الانتاجى فإنه يحتاج الى "دفعة" بفتح الدال، أو الى Push بالانجليزية، وهى تماما ما عبر عنه صديقى "بالمنافيلا" أو ما يمكن أن أُسميه "زقة".. نعم، فالتعبير الذى استخدمه صديقى هو تماماً ما يحتاجه اقتصادنا.. لكى يدور مرة اخرى. فأين هى الحوافز التى يمكن أن نقدمها للقائمين على قطاع الانتاج بشكل "مؤقت" لكى يعيدوا لاقتصادنا قدرته الانتاجية المنهكة أو الراكدة ؟.. "الدفعة" أو "الزقة" التى نحتاجها هى دفعة ثقة، وحزمة حوافز مشجعة على الانتاج، ولنستطلع معا سياسة بنك الاحتياطى الفيدرالى الامريكى بعد الأزمة المالية العالمية. قال بن برنانكى رئيس الاحتياطى الفيدرالى إن ''البنك" قد اضطر فى ظل الأزمة المالية إلى اتباع سياسات نقدية توسعية، سواء بخفض معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية (قروض ما بين البنوك لمدة ليلة واحدة) إلى الصفر تقريبا، أو بشراء سندات حكومية طويلة الأجل شهريا بمبلغ محدد بهدف ضمان إعادة ضخ الائتمان فى شريان الاقتصاد الأمريكى بعد أن أنهكته الازمة المالية العالمية. والمعلوم أن الأهداف الأساسية ''للاحتياطى الفيدرالى'' يمكن إيجازها فى تعظيم مستويات التوظف فى الاقتصاد الأمريكى والحفاظ على استقرار الأسعار. لذلك فإنه يصمم سياساته النقدية لإحداث التوازن بين هذين الهدفين المتناقضين. ورغم استمرار الالتزام بتحقيق الهدف الثانى إلا أن سياسات البنك النقدية قد ركزت منذ فترة على تحقيق الهدف الأول، وحالما يبدأ الاقتصاد الأمريكى فى استعادة المعدلات الطبيعية للنمو الاقتصادى والبطالة، سيقوم ''الاحتياطى الفيدرالى'' باتباع سياسات نقدية مضادة للتضخم. ومنح القروض للبنوك أو شراء الاوراق المالية منها، هو فى الواقع ضخ للسيولة النقدية فى حسابات البنوك لدى البنك المركزى، وهذا يؤدى ضمناً لانخفاض سعر الفائدة فيما بين البنوك، حيث ستزيد الاموال المعروضة فى سوق الانتربانك من خلال عروضها لتوظيف البنوك لتلك الاموال لدى المركزى، وسيؤدى ذلك حتما الى اتجاه أسعار الفائدة فى تلك السوق نحو الهبوط، وربما سيصبح توجه البنوك نحو توظيف أموالها فى الاقراض أكثر تفضيلا. ويصاحب ذلك بالضرورة بمنظومة متكاملة لسعر الفائدة على جميع أدوات البنك المركزى، بما يدفع البنوك نحو نقل التخفيض للمقترضين الجدد وليس المودعين الحاليين لتعويض نقص الايرادات بتخفيض الفوائد المدفوعة. وعندما يحفز الاقتراض من قبل الشركات ستقوم البنوك بسحب الاموال من حساباتها لدى المركزى لتمويل الطلب على الائتمان الجديد، وهو ما يساعد على ارتفاع سعر الفائدة مرة أخرى إلا إذا استمر المركزى فى سياسة ضخ السيولة (برنامج شراء السندات فى أمريكا يضخ 85 مليار دولار امريكى شهريا) لحين يرى البنك المركزى أن الامر قد حان للعودة لتوجيه هدف السياسة النقدية نحو استقرار الاسعار. وأعترف بأنى من المتحمسين لاستخدام السياسة النقدية كحافز أساسى لاستعادة قدرات الاقتصاد المصرى حالياً خصوصا فى ظروف المالية العامة الحالية، ويمكن أن يكون ذلك بقيام البنك المركزى المصرى بشراء "نهائى" لأذون وسندات الخزانة التى تمتلكها البنوك فى الوقت الحالى وتدريجيا حسب آجال تلك الاوراق المالية، مع ضخ المقابل نقداً فى حسابات احتياطيات البنوك لديه. وحقيقى أن ذلك سيحرم البنوك من ربحية فعلية مرتفعه بسبب سابق مزايدتها فى عطاءات الاذون والسندات، لكن – ومحدش يزعل - كان المستهدف من هذه الربحية ضمناً التغطية على مشاكل تعثر بعض العملاء وتبعاته بغض النظر عن حجم السيولة المتاحة لدى البنوك وحاجة الخزانة العامة وقتها، وتعويض بعض البنوك عن نقص الطلب على الاقتراض فى الظروف الاستثنائية التى تعيشها مصر. وكما كانت تلك السندات والاذون "نعمة" لبعض البنوك التى استثمرت فيها، كانت "نقمة" عليها عندما زاد انكشافها على الحكومة مما أدى الى انخفاض تصنيفها ائتمانيا مثلما انخفض التصنيف السيادى للاقتصاد المصرى خلال العامين الماضيين. ولعلى أرى بوادر طيبة من سياسات نقدية بدأ البنك المركزى المصرى فى تطبيقها بتخفيض سعر الفائدة فى الكوريدور، لكنى أدعو للمزيد من المنشطات والحوافز حتى نضمن تماما انتقال الاثر المرجو لأسعار الاقراض للشركات.. وهذه دعوة منى للحوار حول هذا الموضوع واتمنى ان نتشارك فيها، فالغرض طبعا ليس شق الصفوف ولكن توحيد الرؤى، لأن مصر غالية علينا..