عندما ينظر خبراء الطاقة في بلوراتهم السحرية لمحاولة معرفة ما سيكون عليه العالم بعد عشرين عاما, تبدو بعض الاشياء اكثر وضوحا من غيرها والابرز علي الاطلاق, الذي لا يحتاج الي فن, هو نمو عدد السكان في العالم ومعه الاقتصاد ايضا, وبالتالي سوف يرتفع حجم الطلب علي الطاقة بما يثير ضغوطا غير مسبوقة علي مصادر الموارد الطبيعية. ونظرة علي توقعات الطلب علي الطاقة تكشف بعض المفاجآت. وعلي سبيل المثال تشير توقعات شركة اكسون بيل لعام2040 الي نمو الطلب العالمي علي الطاقة بنسبة35% عن المستوي الحالي. كما تقول اكسون موبيل ان اجمالي الناتج المحلي العالمي سوف ينمو بنسبة135% خلال نفس الفترة بل ومن المتوقع عدم نمو الطلب علي الطاقة في الاقتصادات المتقدمة, اوروبا وامريكا الشمالية واليابان. وتفسير ذلك هو كفاءة الطاقة التي يعتبرها بيل كولتون نائب رئيس اكسون موبيل مصدر الطاقة في المستقبل حيث سيتم توفير كميات هائلة من الطاقة. في قضية مكافحة الاحتباس الحراري كانت مصادر الطاقة المتجددة هي المفتاح السحري لتقليل انبعاثات الكربون وبالتالي تقليل استهلاك النفط والغاز ولكن الجديد هنا بخصوص طاقة المستقبل ما يعرفinvisiblefule الذي يحظي بأهمية متزايدة حيث بدأ المستهلكون يدركون ان الطاقة التي لا يستهلكونها لها نفس تأثير تلك المستخدمة. والنتيجة هي تحول في طريقة التفكير بخصوص كل شيء تقريبا ابتداء من تصميم المباني الي انارة الشوارع وهذا يعني ان مستقبل الطاقة لم يعد حكرا علي شركات الطاقة والمسئولين الحكوميين وانما مسئولية يتحملها الجميع من فنيين ومهندسين ومعماريين ومصنعي الاجهزة المنزلية والسيارات فالانجازات الضخمة في مجال توفير الطاقة تتم عن طريق تغييرات تكنولوجية بسيطة مثل التحول في الاعتماد علي غلايات الغاز في التدفئة الي المضخات الحرارية, كما يلعب العزل الحراري دورا كبيرا في خفض استهلاك الطاقة الكهربائية. وحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية فان اعتماد الاساليب التي تسهم في كفاءة الطاقة يمكن ان يقلل معدل استهلاك الطاقة بمقدار الثلث بحلول عام2020 بل ان تقرير حديث لمعهد فراو نهوفر لبحوث النظم والابتكار في ألمانيا قد توصل الي امكانية خفض احتياجات الاتحاد الاوروبي من الطاقة بنسبة57% في عام2050 مقارنة بعام1990 بما يوفر500 مليار يورو سنويا, ويقول المعهد انه من الممكن خفض استهلاك الطاقة في المباني بنسبة71% عن طريق استخدام وسائل افضل للعزل الحراري وتكنولوجيا البناء الحديث فمن اهم اجراءات رفع كفاءة الطاقة في القطاع السكني هو العزل الحراري للمباني والتوسع في استخدام المصابيح الموفرة والاجهزة المنزلية العالية الكفاءة. وفي مجال النقل تحسين الخدمات اللوجستية قد يسفر عن توفير استهلاك الطاقة بنسبة53% بينما يمكن ان يحقق المزيد من اجراءات تحسين كفاءة الطاقة في خفض الطلب الصناعي علي الطاقة بنسبة52%. ونظرا لاهمية كفاءة الطاقة يشهد القطاع نموا سريعا وهو ما رصدته وكالة الطاقة الدولية فتقول انه في عام2011 بلغت الاستثمارات العالمية في مشاريع تستهدف تحسين كفاءة الطاقة نحو180 مليار دولار وان كان الرقم لا يتجاوز ثلث التدفقات المالية لقطاع انتاج الطاقة التقليدية خلال نفس العام حيث تم استثمار ما يقرب من600 مليار دولار علي امدادات النفط والغاز العالمية. وقد تم رصد تحديات رئيسية تواجه قطاع كفاءة الطاقة اولها ما يتعلق بالاصول مثل المانيا فان مردود الاستثمار في تحسين كفاءة الطاقة يمكن ان يظهر بعد سنوات كما انه من الصعب قياس مدي النجاح وهو ما كشفت عنه تصريحات الاتحاد الاوروبي مؤخرا من عدم قدرته علي تحقيق هدفه بتوفير20% من استهلاك الطاقة الاولي بحلول عام2020 في اطار الخطة التي اطلق عليها20 20 20 بسبب الافتقار الي الآليات اللازمة لمتابعة التقدم في هذا المجال ورصده وقياس تأثيره علي مستوي كل دولة. والتحدي الاكثر إلحاحا ما يسمي بالتأثير الارتدادي وعلي سبيل المثال, تقنيات الاستخدام الفعال للطاقة تقلل من استهلاك الطاقة ونتيجة للاستخدام الفعال تصبح الخدمات اقل تكلفة مما يزيد من الاستهلاك مثال علي ذلك نتيجة لاستخدام سيارات اقتصادية في الوقود يقود السائقون مسافات ابعد وبسرعات اعلي وتشير تقديرات الاتحاد الاوروبي الي ان هذا التأثير الارتدادي يزيد من استهلاك الطاقة بنسبة10 30%. ولكن علي الرغم من المخاطر والتحديات اصبحت الشركات المعنية بكفاءة الطاقة مجال استثمار جديدا وجاذبا بالنسبة للمستثمرين وشركات مثل جونسون كنترولز وهي من الشركات المتخصصة في نظم ميكنة المباني التي تدير المسائل المتعلقة بالطاقة فيها مثل التدفئة والتهوية والتكييف والانارة ومثل هذه الشركات تكون مسئولة عن تركيب حساسات تعمل مثلا علي اغلاق الانوار المضيئة في المكان عندما تكون خالية من الاشخاص.. وهي اجراءالت بسيطة لكنها تسهم بشكل فعال في توفير قدر كبير من الطاقة واكثر مجالات كفاءة الطاقة جاذبية للاستثمار تتمثل في العدادات الذكية, انظمة العزل,زجاج العزل, تقنيات التدفئة والتبريد, الاجهزة المنزلية الفعالة, المصابيح الموفرة للطاقة وكذلك انظمة التبريد والمضخات وانظمة الهواء المضغوط. ومع ذلك تحتاج هذه الاستثمارات الي دعم حكومي لنجاحها وهذا يحدث حاليا لكن يتعين ان يكون علي نطاق واسع, وما تم حتي الان يقتصر علي اطلاق الولاياتالمتحدة لمعايير الاقتصاد في استهلاك الوقود كاف في قطاع السيارات, وفي الاتحاد الاوروبي تم وضع خطة لخفض الطلب علي الطاقة بنسبة20% بحلول2020, اما اليابان فتسعي الي خفض الطلب علي الكهرباء بنسبة10% في عام2030 مقارنة بعام2010 وكذلك الصين لديها هدف خفض كثافة الطاقة بنسبة16% بين عامي2011 و2015. وهنا يؤكد كولتون علي اهمية الدور الحكومي قائلا ان ماتم احرازه حتي الان في كفاءة الطاقة كان المحرك الرئيسي فيه هو السياسات الحكومية فالمستهلكون لا يمكنهم القيام بالمهمة وحدهم وبعض السياسات كانت طموحة للغاية ومنها علي سبيل المثال تعليمات الاتحاد الاوروبي في عام2010 التي طالبت بان تكون جميع المباني الجديدة زيرو طاقة بحلول عام2021. وفي اطار الخطة الخضراء للحكومة البريطانية يمكن ان يحصل المستهلكون علي قروض لتحسين كفاءة الطاقة في منازلهم ويتم سدادها من خلال الرسوم الاضافية علي فواتير الكهرباء. تأمين الحاجات المستقبلية للطاقة علي قدر اهميته في الدول الغربية الا ان بعض دول العالم لا تهتم به كثيرا فوفرة مصادر الوقود في الشرق الاوسط والتكلفة المنخفضة للطاقة بفضل الدعم الحكومي للبنزين لا يحفز دول المنطقة علي الاستثمار في كفاءة الطاقة, وتقول وكالة الطاقة الدولية ان متوسط كثافة محطات الطاقة التي تعمل بالنفط او الغاز في الشرق الاوسط33% فقط مما يقل ب9% عن مستواها في الدول الغربية وهو ما يثير الشكوك حول امكانية خفض الطلب علي الطاقة. يقول الخبراء ان امن الطاقة هو في برميل النفط او الميجاوات التي لا نضطر ابدا الي استهلاكها.