نشر هذا المقال بتاريخ : 15/3/2009 يعتبر قطاع الكهرباء أهم مؤشرات الطلب على النفط والغاز فى مصر (جدول 1)، اذ ارتفع اجمالى الكهرباء المولدة (حراريا ومائيا) من 9.8 مليار كيلووات ساعة عام 1975 الى 109 مليارات كيلووات ساعة عام 2006 بمعدل نمو 8.1% عبر 31 عاما. من ذلك لم يتجاوز نصيب الطاقة الكهرومائية المولدة من السد العالى وباقى المساقط المائية نحو 13 مليار كيلووات ساعة، وهو ما يعادل حراريا نحو 3 ملايين طن نفط مكافئ، أو 12% من اجمالى الطاقة الكهربائية. كذلك الحال بالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة كالرياح، اذ لم تساهم بأكثر من نصف مليار كيلووات ساعة عام 2006 وهو ما يعادل حراريا نحو 100 الف طن نفط. بذلك ارتفع استهلاك قطاع الكهرباء من النفط والغاز من نحو مليون طن نفط مكافئ عام 1975 الى 21.2 مليون طن عام 2006، وهو ما يعادل 41% من اجمالى الاستهلاك المحلى من النفط والغاز الذى ارتفع من 7.5 مليون طن نفط مكافئ عام 1975 الى 52 مليون طن عام 2006 بمعدل نمو 6.5% سنويا فى المتوسط. (جدول 2). فى ضوء تلك المعطيات، فان معدل نمو استهلاك الطاقة فى مصر خلال 2006-2020 يمكن ان بتراوح حول 7% سنويا فى المتوسط، وذلك لعجز جهود ترشيد الطاقة عن خفضه، بل وإلغاء جهاز تخطيط وترشيد الطاقة الذى قمنا بانشائه فى مستهل الثمانينيات ولكن السلطات المسئولة تخلت عنه ثم الغى 2006. مع ذلك، وبافتراض معدل متحفظ لنمو استهلاك الطاقة وهو 5% سنويا فى المتوسط، فان احتياجات مصر من النفط والغاز تبلغ بحلول 2020 نحو 103 مليون طن أو 750 مليون برميل نفط مكافئ سنويا. وكما أوضحنا فى الشروق (عدد 5/2/2009) يمكن ان يبلغ مجموع الاحتياجات المحلية (أى الاستهلاك المجمع) خلال الفترة 2006-2020 نحو 1100 مليون طن. واذ تقدر احتياطيات النفط والغاز المعلنة رسميا بنحو 2200 مليون طن، فان نصيب مصر من تلك الاحتياطيات – بعد حصول الشريك الأجنبى على نصيبه - يمكن ان ينفد بحلول 2020 أو بعدها بسنوات قليلة. هذا بافتراض ان مصر لن تقوم بتصدير شئ من نصيبها. أما اذا ارتفع الانتاج بحيث يغطى نصيب مصر احتياجاتها ويحقق فائضا للتصدير، فان النقطة الحرجة يمكن ان تحل قبل 2020 بسنوات. وبذلك تدخل مصر فى الصراع العالمى المتوقع لتأمين احتياجات كل دولة من الاحتياطيات العالمية الآخذة فى النضوب. بذلك تتحدد اختيارات مصر عبر المستقبل المنظور فى عدد محدود أهمها: (1) الاعتماد الكامل على استيراد البترول والغاز بأسعار لا تقل عن 120 دولارا للبرميل بحلول 2020، وبذلك سيكون عليها ان تواجه فاتورة استيراد لا تقل عن 90 مليار دولار سنويا، وهو رقم يكاد يكون فى حكم المستحيل ( الشروق 5/2/2009) (2) تكثيف الاستثمار فى الطاقة الجديدة والمتجددة متضمنة الكهرومائية والتى يأمل وزير الكهرباء ان تغطى 20% من استهلاك الكهرباء بحلول 2020. واذ تقدم المساقط المائية الآن نحو 12% من الكهرباء فان ما يعول عليه من طاقة الشمس والرياح لا يتجاوز 8% من الكهرباء التى تمثل 40% فقط من اجمالى استهلاك الطاقة. بذلك لا يتجاوز نصيب الشمس والرياح 3-4% من اجمالى احتياجات مصر بحلول 2020. (3) الاعتماد فى سد جانب من الكهرباء على البرنامج النووى، الذى نرى انه صار ضرورة حتمية، وان كان لا يتوقع ان تبدأ مساهمته الجزئية قبل 2020، وهذا بافتراض القدرة على تذليل العقبات التى تعترضه، ماليا وفنيا ومخاطر اشعاعية وسياسية، وهى ليست هينة. (4) وضع وتنفيذ برامج صارمة لترشيد الطاقة، اذ يعتبر توفير برميل بمثابة انتاج برميل جديد A barrel saved is a barrel produced وهذا ما نتحول لشرح تجربته السابقة وما أصابها من نكسات. فقد قمت بتكليف من وزير البترول الأسبق المرحوم احمد هلال بانشاء ورئاسة جهاز لتخطيط وترشيد الطاقة صدر به القرار الجمهورى 112 لسنة 1983. وكان الجهاز يعتبر الذراع المنفذة للمجلس الأعلى للطاقة الذى انشئ بقرار رئيس مجلس الوزراء 1093 لسنة 1979 بوصفه الهيئة العليا المسئولة عن الطاقة فى مصر، ومكلفا بوضع وتنفيذ إستراتيجية شاملة طويلة الأجل للطاقة. كذلك كان من مهام الجهاز دعم قدرات مصر فى مجال تخطيط وترشيد الطاقة وعرض نتائج اعماله على المجلس الاعلى للطاقة لاصدار تعليماته بتنفيذها فى كافة المجالات المستهلكة للطاقة، صناعية وتجارية ونقل ومنزلية، بما فى ذلك أجهزة الحكومة وهيئات وشركات القطاعين العام والخاص. وعبر سنوات قليلة نجح الجهاز فى اعداد مجموعة من الدراسات الميدانية ومراجعات الطاقة التفصيلية لبعض الصناعات الكبرى أثبتت ان من الممكن رفع كفاءة الطاقة وتوفير نحو ثلث استهلاكها دون ان تتأثر كفاءة القطاعات المستهلكة لها. واذ لا يتسع المجال لسرد ما حققه الجهاز خلال سنواته الأولى فانى أكتفى بفقرة مما ورد فى تقرير لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب المؤرخ 1/4/1985 "إن الجهاز قام بتجنيد القوى البشرية والخبرات والأجهزة اللازمة للقيام بمهامه والتى تتركز حول قضية ترشيد الطاقة والتنسيق بين الجهود التى تبذلها جهات متعددة فى هذا المجال، مع رفع كفاءة تلك الجهود وتوجيهها بفاعلية لتحقيق أغراضها المنشودة. وقد أثبتت دراسات الجهاز إمكانية رفع كفاءة الأجهزة والمعدات المستخدمة للطاقة باستخدام الوسائل التكنولوجية المناسبة، كما وضع الجهاز اقتراحات لو نفذت فى قطاع الصناعة لأدى ذلك الى تخفيض معدلات استهلاك الطاقة". غير ان تلك الشرارة التى أطلقها الجهاز فى بداية مسيرته، لكى توقظ الوعى بأهمية الطاقة وخطورة استهلاكها المتنامى على خلفية انخفاض الأسعار المحلية ومحدودية احتياطيات النفط والغاز، لم تلبث ان انطفأت عندما توقفت اجتماعات المجلس الأعلى للطاقة – وهو السند التنفيذى للجهاز – لفترة قاربت ربع قرن. وكانت النتيجة ان الوزارات المختصة أخذت تتقاذفه، اذ تخلى عنه وزير البترول الذى أنشئ الجهاز تايعا له باعتباره الوزير المسئول عن الحفاظ على احتياطيات النفط والغاز وترشيد استخدامها. ومن ثم انتقل الجهاز الى وزارة الكهرباء التى استضافته لفترة وجيزة ثم القته الى وزارة التخطيط التى ألغته فى مايو 2006 وتشتت العاملون به فى اعمال لا تتصل بمهامه. هكذا أغفل موضوع الطاقة وترشيد استهلاكها، على خطورته، على مدى ربع قرن، لكى نفيق بعد ان استفحل الخطر فيعاد انشاء المجلس الأعلى للطاقة بقرار رئيس مجلس الوزراء 1395 لسنة 2006 وبرئاسته، ولكن بدون جهاز تنفيذى يسانده كما كان الحال فى ظل مجلس 1979. فمتى يعاد انشاء هذا الجهاز؟ جدول (1) تطور الكهرباء المولدة وحمل الذروة خلال الفترة 1952-2006 (الوحدة = مليون كيلووات ساعة) السنة حرارى مائى الاجمالى معدل النمو السنوى خلال كل فترة زمنية حمل الذروة ميجاووات 1952 929 -- 929 % 110 1960 1648 250 1898 9.3 372 1975 3009 6790 9799 11.6 1732 1985 22795 8663 31458 12.4 5279 2000/2001 64425 13834 78259 6.3 12376 2005/2006 95494 13196 108690 6.8 17300 1975/2006 معدل النمو السنوى عبر 31 عاما 8.1 جدول (2) تطور استهلاك النفط والغاز عبر الفترة 1975-2020 (الوحدة = مليون طن نفط مكافئ). السنة استهلاك النفط والغاز معدل النمو السنوى 1975 7.5 6.5% حتى عام 2006 1998 34.6 5% حتى 2006 2004 46.1 6.3% حتى 2006 2006 52.0 2020 103.0 5% ابتداء من 2006