وسط هذا الجدل السائد بين جمهور المواطنين, والقوي السياسية باختلاف توجهاتهم. حول الأداء الاقتصادي لمؤسسات الدولة, ومنها الحكومة. فالكل يلمس بدرجة أو بأخري, أوجه القصور الملحوظة, فيما يجب اتخاذه من سياسات واجراءات للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة. أو من خلال المشكلات الملحة التي يواجهها المواطنون. فهناك, غياب للرؤية حول وضع برنامج عمل, يحل مشكلات مهمة مثل مشكلات الفقر والبطالة, ويعبر عن مطالب المواطنين.. رؤية تمسك بقضايا الواقع الاقتصادي والاجتماعي, لتحدد استرتجيات وبرامج العمل. وتجمع ما بين الوعي بحجم المشكلات وتداعياتها المختلفة. والتشابكات القائمة بين القضايا الاقتصادية, وتداخلها مع الأوضاع, والقضايا السياسية والاجتماعية. وإن كانت قراءة الواقع, تشير إلي أن غياب الرؤية, ليس مقصورا علي ما يطرح من جانب النظام. لكنها تمثلت أيضا فيما تمارسه القوي السياسية المعارضة. يتضح ذلك عبر مواقفها, ومن خلال خطابها الرسمي. فقد افتقرت في الصراع, الذي أدارته, إلي الطرح الموضوعي, الذي يعتمد علي طرح قضايا مجتمعية. بينما تركت الاشكاليات, التي يطرحها الواقع. من قضايا, ومطالب تبلورت واتضحت معالمها خلال سنوات, ما قبل الثورة. وكان جديرا بالقوي السياسية المعارضة, أن تتبناها. إذا كانت تطرح نفسها كقوة فاعلة في المجتمع, سواء من داخل أو من خارجه. فالتهمة ليست لسدة الحكم, لكن لكل القوي السياسية التي, أثبتت أنها لا تمتلك رؤية في تشخيص الواقع, أو تقديم وصف علمي للواقع الراهن. يكون أساسا لسياسات تطرحها فعليا. وقد أثمر هذا العجز من جانبها, عن تكوين منطقة باهتة تضلل بها كل من يبحث في الواقع المصري. مما أدي إلي أن أصبحت مجريات الأمور, داخل السلطة, وخارجها. تشير إلي أننا, ما زلنا نفتقد الرؤية والقراءة الصحيحة للواقع. وغاب عن الجميع, أنه في اللحظة, التي أعلن فيها ثوار مصر, عن رغبتهم في تغيير هذا الواقع. بشعاراتهم( عيش/ حرية/ عدالة اجتماعية). أصبحت هناك حقيقة واضحة, هي, أن الحل الصحيح للأوضاع في مصر بعد ثورة يناير, لن يتم بالشكل الذي كانت تتم عليه قبل الثورة. وهو ما يفرض علينا ألا نتعامل مع ما لدينا من قضايا وملفات ومشكلاته, بدرجة من درجات التسطيح للأمور. لأن ذلك يناقض ما تفرضه علينا اللحظة الثورية, من اعادة بناء المجتمع. بينما يوضح, الرصد للحالة المصرية, حاليا. أن ما يجري علي الساحة, يبتعد بنا عن تحقيق هذه المطالب, لأن العدالة الاجتماعية مرهونة بنظام اقتصادي قادر علي حل اشكاليات المجتمع. والوصول به إلي مرحلة تحقيق العدالة الاجتماعية. بارساء نظام اقتصادي يضمن تحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة. بينما تشير ممارسات النظام إلي: أولا.. سيطرة بعض الاقتصاديين أو السياسيين المنتفخين بالمال, الذين يرون أن الأزمة الاقتصادية, حدثت نتيجة خروج جانب من الاستثمارات الأجنبية من البلاد. وتراجع أداء قطاع السياحة( جدول1). مع أن الأزمة أعمق من ذلك ومثل هذه الاجراءات, لن تحل إلا, أزمة الشكل الخارجي. بينما البنيان الاقتصادي هش, ضرب السوس في مفاصله الأساسية. حيث ترتفع معدلات الأمية, إلي حوالي28%( جدول2). مع انهيار في الحالة الصحية. ثانيا.. أن النظام يتعامل مع المسألة الاقتصادية, علي أنها أزمة مالية. فيلجأ إلي إصدار صكوك كنوع من الاقتراض الداخلي. أو بالاقتراض من المؤسسات الدولية بينما يتجاهل الخبرات الاقتصادية والعلمية والمعرفية, القادرة علي طرح الحلول التي تعتمد علي زيادة كفاءة القطاعات الاقتصادية. ثالثا.. أن الدولة, لم تضع بعد, برنامجا للعمل للخروج من الأزمة. حيث ارتكز الطرح في البداية, علي مشروع النهضة. ثم رأينا البحث عن نموذج للتنمية, نقلا عن تجارب الدول الأخري. وليس لها أفق مطروح لحل المشكلات. رابعا.. أن الحكومة اختزلت تحقيق مطالب الثورة في بعض الاجراءات المالية, مثل رفع الحد الأدني للأجور والمعاشات. مع أن الأزمة ناتجة عن مشكلات هيكلية, تحتاج بدورها إلي اصلاح هيكلي. ويوضح جدول(3) إحدي علامات هذا الخلل, ممثلا في أرقام الدين المحلي الذي تجاوز المعدلات المسموح بها. كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي( جدول3). فما زالت الرؤية الظاهرة أمام كل مواطن مهتم بالاقتصاد المصري, حتي هذه اللحظة أن القضية محكومة حاليا بغياب المنهج العلمي وايجاد حلول علمية. لذلك يقتضي الأمر, المبادرة, بايجاد مشاركة وذلك من خلال احداث تغيير أساسي في أسلوب إدارة الدولة. والاعتماد علي الادارة العلمية, التي يبنيها الكفاءات من أبنائها, وعلي دور المراكز البحثية في اتخاذ القرار. وهو ما يستوجب انشاء مجلس اقتصادي استشاري مستقل يقوم بانجاز هذه المهام, ويتجاوز الاشكاليات الحالية, وأوجه القصور, في أداء النظام والمعارضة, وغيرها من المهام علي أساس علمي, يتم الاحتكام فيه إلي آراء الخبراء الاقتصاديين ورجال العلم والتكنولوجيا والتعليم والاجتماع. يقومون بقراءة الواقع والأبعاد المختلفة للمشكلة الاقتصادية. ويجيبون لنا عن أسئلة وموضوعات كثيرة. ويضعون لنا الاستراتيجية وبرامج العمل, للخروج من المأزق الراهن. علي أن يتولي رئاسة المجلس شخصية عامة غير حزبية. ويراعي في تشكيله البعد عن الترهل البيروقراطي. وفي أضيق نطاق من الباحثين, مقسمين علي الادارة بالأهداف التي يحددها. والطرح الذي أتناوله, وأعرضه ليس طرحا يسلب أي جهة سلطتها في البلاد. لكنها جهة تختص بالدراسات والآراء وطرح السياسات. وتشرك معها قطاعات المجتمع جميعا. بحيث تكون دراساتها ليست علوية لكنها نابعة من الممارسات الحقيقية. ويكون المجلس, بتشكيله, واستقلاليته والغرض منه. مختلفا عما طرحه الدستور في المادة'217' منه, من تشكيل مجلس اقتصادي اجتماعي, يضم منظمات المجتمع المدني. بينما المجلس الذي نطرحه, هو مجلس علمي. ونستكمل في العدد القادم تناول المهام المطروحة أمام المجلس الاقتصادي الاستشاري المستقل المقترح تشكيله.