عرضت الحكومة المصرية مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة على البرلمان لمناقشته، تمهيدا لدخوله حيز التنفيذ بدءا من سبتمبر المقبل، ومنذ إعلان عمرو الجارحى - وزير المالية - عن مشروع هذا القانون، تعالت أصوات الكثيرين لمعارضة بعض بنوده، مطالبين بتعديله، خصوصا أن سعر الضريبة المقترحة يصل إلى 14 % على جميع السلع و الخدمات، فى حين أن ضريبة المبيعات المطبقة حاليا تصل بتلك النسبة إلى 10% فقط، وهو ما يعنى زيادة الحصيلة الضريبية، وهذا سيؤدى إلى الدخول فى موجة تضخمية جديدة، تؤكد الحكومة أنها لن تزيد على 1.5 أو 2.5 % ، فى حين أن الخبراء يرون أنها ستصل إلى 3 أو 4 %! لكن يبدو أن الحكومة عازمة على تنفيذ مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة، وتلك النسبة تعمل على زيادة المتحصلات الضريبية للعمل على تقليل عجز الموازنة العامة، وقد تزامن طرح هذا المشروع للنقاش فى البرلمان لإقراره مع موافقة وفد صندوق النقد الدولى لمناقشة خطة الإصلاحات التى أعدتها الحكومة المصرية لعلاج الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد المصرى. عبدالمنعم مطر، رئيس مصلحة الضرائب، ذكر فى تصريحات صحفية أن الضريبة على القيمة المضافة عمليا مطبقة فى مصر منذ عام 1991، فيما يعرف بالضريبة على المبيعات، وأن مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة أدخلت عليه تعديلات لتلافى المشكلات الخاصة التى ظهرت عند التطبيق لضريبة المبيعات، بالإضافة إلى أن قانون الضريبة على القيمة المضافة مطبق فى 150 دولة حول العالم. وأشار إلى أن القانون يستهدف جمع حصيلة ضريبية تصل إلى 30 مليار جنيه عند دخوله حيز التنفيذ فى سبتمبر المقبل وحتى نهاية يونيو 2017، وسيتم تطبيق هذه الضريبة لمرة واحدة على الشركات والمصانع والمهنيين كالمحامين والمهندسين والأطباء... وغيرهم من أصحاب مكاتب الخدمات. وأوضح أنه بنظرة متوقعة لحصيلة الضرائب فى مصر نجد أنها لا تزيد نسبتها على 13 % من الناتج المحلى الإجمالى كما توقعت الحكومة للعام المالى 2016/2015 والمنتهى فى 31 يوليو المنصرم، وأن الضريبة على الأرباح والمكاسب الرأسمالية و الدخول تشكل نحو 6 % من الناتج المحلى الإجمالى، ونحو 41.5 % من إجمالى الحصيلة الضريبية، وأن معظم هذه الأرباح يأتى من شركات كالهيئة العامة للبترول والشريك الأجنبى وقناة السويس والبنك المركزى. ويوضح عبدالفتاح الجبالى، الخبير الاقتصادى والمالى، أن ذلك يعنى أن الجهات السيادية فى الدولة والمؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة تلعب الدور الأهم فى المتحصلات الضريبية، ويليها فى الأهمية الضريبية الرواتب والأجور والتى تشكل نحو 21.6 % من إجمالى هذه الضريبة. فى حين أن الضريبة على المهن لا تمثل سوى 0.7 %، وكذلك الضريبة على النشاط التجارى والصناعى تصل إلى 8.3 %، وهذا خلل كبير فى العدالة الضريبية، وهذا يوضح أن أصحاب الدخول العليا وأصحاب الثروات والعديد من الأنشطة والقطاعات لا تخضع للنظام الضريبى، وأن العبء الفعلى للنظام الضريبى الحالى والزيادة المنتظرة من قانون الضريبة على القيمة المضافة تقعان على الممولين الفعليين بدلا من توسيع القاعدة الضريبية لتشمل أصحاب الدخول العليا والثروات، لذلك فإنه يجب تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة فى إطار إصلاح شامل للمنظومة الضريبية. أكد الدكتور أشرف العربى، رئيس مصلحة الضرائب الأسبق، أن فكرة التحول من الضريبة على المبيعات إلى الضريبة على القيمة المضافة، تم العمل عليها داخل مصلحة الضرائب منذ عام 2008، وكانت هناك بالفعل محاولتان لتطبيقها، فى المحاولة الأولى حدثت أزمة الجزائر وحدث ارتفاع كبير فى أسعار الغذاء، لذلك لم نستطع أن نتقدم بمشروع القانون للموافقة عليه، والمحاولة الثانية حين حدثت الأزمة المالية العالمية ولم نستطع أيضا التقدم بمشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة ومشروع القانون المقدم الآن للبرلمان يحتوى على ضريبة استهلاك وضريبة على القيمة المضافة، والوقت الحاضر نجد معوقات كثيرة فى الاقتصاد المصرى، فمعدل التضخم وصل إلى 14 %، وارتفاع كبير فى سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، صحيح أن التحول مطلوب من قانون الضريبة على المبيعات إلى الضريبة على القيمة المضافة، لكن بشرط أن يكون ذلك بنفس الأسعار الموجودة فى ضريبة المبيعات وبنفس هيكل أسعار الضرائب. وأشار إلى أنه إذا كان التحول بنفس هيكل أسعار الضرائب، وأن ما سيحدث هو تغيير اسم الضريبة من على المبيعات إلى الضريبة على القيمة المضافة، فما العائد من ذلك؟ هنا يوضح أشرف العربى، أن العائد هو إصلاح التشوهات الموجودة فى الضريبة الحالية، وهذا سيساعد على نمو قطاع المستثمرين، وهذا تحول محمود، لكن تبقى المشكلة الحقيقية وهى اختيار التوقيت الذى يجب أن تدخل فيه تلك الضريبة حيز التطبيق، فنحن الآن فى فترة تضخمية، وفرض ضريبة سيؤدى إلى مزيد من التضخم، حتى لو كانت تلك الزيادة فى الأسعار ستكون لمرة واحدة.مشيراً إلى الحكومة تؤكد أن الزيادة فى الأسعار ستكون ما بين 1.5، و2.5 %، ويرى وزير المالية عمرو الجارحى أن فلسفة هذه الضريبة هى أن الأكثر دخلا سيدفع ضرائب أكبر من الأقل دخلا، على أساس حجم الاستهلاك، موضحا أن قائمة السلع المعفاة من ضريبة القيمة المضافة تصل إلى 52 مجموعة سلعية، وهو ما يعنى أن 90 % من السلع الغذائية معفاة من تلك الضريبة، ولضمان حماية المستهلكين لتلك السلع الغذائية، فإن ذلك يتطلب تطبيق منظومة حماية ورقابة للأسواق من مختلف الأجهزة الرقابية لمنع جشع التجار وتخزين السلع. وعلى عكس الرؤية الحكومية يرى أشرف العربى أن هناك صعوبة كبيرة الآن فى تحمل الناس ضريبة لأنها سترفع الأسعار، والحذر الآن مطلوب لتحديد الأعباء الضريبية، لأن ذلك يمكن أن يؤدى إلى حدوث انكماش فى الأسواق، وهذا سيؤثر على المنتجين، لأن المستهلكين سيعزفون عن الاستهلاك وتكون المحصلة النهائية حدوث انخفاض فى حصيلة الضرائب. وأضاف أن الزيادة المضطربة فى الأسعار قد تدفع التاجر والمستهلك للاتفاق على التهرب من الضريبة عن طريق عدم إعطاء المستهلك فاتورة ضريبية، وتكون كذلك النتيجة سلبية، أما بالنسبة لما يقوله وزير المالية من أن تلك الضريبة لن يكون لها تأثير على السلع الغذائية، فهذا للأسف غير صحيح، لأن أى ضريبة يكون لها تأثير مباشر وتأثير غير مباشر، فمن الذى يضمن أن التجار الذين يتحملون هذه الضرائب سيقومون بمحاولة نقل عبء تلك الضريبة التى يتحملونها إلى المستهلكين، مشيرا إلى أنه بالنسبة لحد التسجيل المعمول به فى مشروع القانون بنصف مليون جنيه تخفيفا على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولكن تلك النقطة واجهت معارضة شديدة من اتحاد الصناعات المصرية. وأكد المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات أن الاتحاد يتحفظ على الحد الأدنى للتسجيل بالمشروع، ويطالب بإلغائه وتطبيق التسجيل على جميع القطاعات الصناعية، فحد التسجيل المقترح والمحدد بنصف مليون جنيه سيؤدى إلى زيادة نسبة الاقتصاد الموازى وخروج نحو 60 ٪ من الكيانات الصغيرة والمسجلة فعليا بالضرائب، فإذا كانت الدولة تسعى لتحقيق العدالة الضريبية على الجميع، وكذلك توسيع القاعدة الضريبية للممولين الفعليين، فلابد من إلغاء الحد الأدنى لتشمل الجميع ويبقى التحفظ الأخير لاتحاد الصناعات المصرى والمتمثل فى زيادة سعر الضريبة المقترحة وهو 14 ٪ فى حين أن الضريبة على المبيعات 10 ٪ وهو ما يعنى الزيادة بنحو 40 ٪ على الضريبة المطبقة حاليا. أما شريف الديوانى المدير التنفيذى لمركز المستقبل للدراسات الاقتصادية فيرى أن هناك مشكلة حقيقية فى التوقيت، حيث تصل نسبة التضخم حاليا إلى 14 ٪ وهو ما سينعكس على الأسعار بالارتفاع والأمر الآخر هو وجود استثناءات، فأى قانون توجد به استثناءات يصعب تطبيقه بطريقة سليمة, وكلما زادت تكلفة تنفيذه عن طريق الجهاز الإدارى للضرائب، كما أن وجود مسألة استثناءات يعيق العدالة الضريبية، هذا خلاف غياب السجلات والأوراق الدقيقة المطلوبة لحساب الضرائب عموما، مما يفتح بابا للفساد. وأكد أن منظومة الضرائب بكاملها تحتاج إلى تعديل، فلا يمكن أن يكون حجم التهرب الضريبى يتجاوز 60 مليار جنيه سنويا، وتزيد الضرائب على الذين يدفعون بالفعل، الأجدى من ذلك هو تصحيح الخلل الموجود بالأسواق، ويكون ذلك من خلال تشجيع زيادة العرض حتى يتوازن مع الطلب، فالمشكلة الحقيقية هى محدودية البدائل لوجود شبهة احتكارات فى الأسواق، فالمفترض أن يتم فتح المجال للمنافسة على السلع الأساسية وعلى النقل والمواصلات وخلافه أمام القطاع الخاص ليزيد العرض، وبالتالى تقل الأسعار، بالإضافة إلى أن محدودية العرض تجعل التاجر يستطيع تحويل أى زيادة فى الأسعار وتحميلها للمستهلك.