عماد أنور على غير العادة كان استقبال صديقي باهتا، ومرت عقارب الساعة ثقيلة في جلسة أبحث فيها عن سبب تغيره المفاجئ، بينما يؤكد هو أن "مفيش حاجة"، حاولت تلطيف الأجواء، فحدثته عن إعجابي بتعليق كتبه أحد الأصدقاء على "فيسبوك"، والذي دار حوله نقاش تحول في نهاية الأمر إلى مشاجرة. وقبل أن أنهي كلماتي أنفجر في وجهي معاتبا، أنني "قاعد ع الفيس" أتابع تعليقات الأصدقاء، دون عمل إعجاب أو كتابة تعليق أو مشاركة، لما يكتبه على صفحته الشخصية، وقتها أدركت سبب معاملته الباهتة، وسألته ساخرا، "أنت زعلان أني معملتش لايك؟"، وكانت الإجابة، نعم. بعيدا عن كون "فيسبوك" بات وسيلة ناجحة لجلب الأزمات، بسبب اختلاف الآراء، ورغبة كل منا في فرض هيمنته، بعد أن تحولنا جميعا إلى محللين سياسيين ونقاد فنيين ورياضيين، وبعيدا أيضا عن سرقة الوقت وضياع العمر أمام شاشة التليفون أو الكمبيوتر، يمتلك فيسبوك عصا سحرية في التأثير على نفوس الكثيرين. وقد يقضي البعض ساعات طويلة في حالة عصف ذهني، ليتفتق ذهنه عن جملة لا تتعدى 5 كلمات ينشرها في "بوست"، يعيش بعدها في حالة ترقب لعداد المعجبين أو المعلقين على ما كتب، وإذا ما كان العدد غير مرض ربما يقوم بحذف التعليق، كي يهرب من سخرية أصدقاؤه، (10 لايكات بس). ومن منطلق المشاركة وإعمالا بمقولة "حب لأخيك ما تحب لنفسك"، يتعمد البعض أن يشارك معه الأصدقاء – أيا كان عددهم – لحظات المتعة والاستجمام، فلا مانع من نشر صورة على أحد شواطئ الإسكندرية، في رحلة سريعة مفاجأة، للدرجة التي أجبرته على التقاط الصورة مشمرا عن البنطلون الجينز، بعد ان تخلى عن قميصه واكتفي بالفانلة الداخلية. لكن يظل الثنائي "اللايك والكومنت" لهما عامل السحر، وقد يكونا سلاحا في يد البعض لتخليص مصلحة، أو نيل الرضا وطلب الود، وليس هناك من ينكر أنهما أيضا وسيلة ناجحة للتطبيل والتهليل أو "التلقيح"، على طريقة (أنا ببعت رسالة معينة لشخص هو عارف نفسه). وإذا ما كنت شخصا عاديا في محيط عملك، فلا تتوقع كم "اللايك" المرضي، عند نشر أي "بوست"، لكن الوضع يختلف إذا ما قام المدير بعمل "شير" لنفس "البوست"، فبعض الزملاء يتقمص دور الصياد، ويجلس في حالة ترقب وتأهب لمتابعة ما ينشره المدير، وتنتابه حالة النشوة وشعور بالفخر إذا ما نجح في أن يكون صاحب أول علامة إعجاب، تلك هي الإستراتيجية التي يحافظون بها على التقرب منه، بل أنهم في أول مقابلة يدور الحديث مع المدير عن روعة ما نشره أمس، وتأثيره على أزمة سد النهضة مثلا. في الحالة السابقة يصبح اللايك استراتيجيا، لدغدغة مشاعر المدير وكسب تعاطفه، لرفع عقوبة أو الحصول على إجازة، وفي الغالب عمل رصيد كاف من المحاباة تشبع للمدير رغبته، وتؤمن للموظف رصيد الإجازات، وتستخدم هذه الطريقة على نطاق أوسع فتمتد إلى اتخاذ الجانب المؤيد لأي حاجة، بالعند في أي حد، لكن في هذه الحالة بات التعليق حتميا، حتى تكتمل نغمات الطبل، حيث اللايك وحده لا يكفي. تسيطر حب الشهرة والنجومية على آخرين، وما أجمل إذا كان ضمن قائمة الأصدقاء الخاصة بأحد نجوم الفن أو الرياضة، حيث يتقمص دور الملح في الطعام، حيث السخاء والكرم في التعليقات وعلامات الإعجاب و"الايموشن"، أملا في تحقيق الحلم واستقبال رد من هذا النجم الذي لا يعنيه سوى زيادة عدد المعجبين. ويظل السباق، ويبقى السؤال الذي أتلقاه يوميا من أحد أصدقائي بديلا عن تحية الصباح، "شفت البوست بتاعي عمل كام لايك؟"، وربما أتمني أنا شخصيا أن أطرح عليه التساؤل نفسه بعد كتابة هذا المقال.