تنبيه هام من التعليم للطلاب بشأن تغيير محل الإقامة قبل التنسيق    محافظ الدقهلية: رضا المواطن وسرعة الإنجاز على رأس أولوياتنا    بقرار حزب ترامب.. الكونجرس يرفض محاولتين لمنع بيع أسلحة لإسرائيل    السابع.. سيف العجوز إلى كهرباء الإسماعيلية    أشبه بالسرية.. قرار من فيريرا بشأن ودية الزمالك أمام غزل المحلة    مصدر من الزمالك يكشف ل في الجول: إصابة أحمد ربيع بالعضلة الضامة    آدم وطني ل في الجول: سنجلب عرضين من السعودية وفرنسا خلال أيام ل إمام عاشور    المعمل الكيماوي: تحليل طفل المرور يثبت تعاطيه الحشيش    الداخلية تضبط المتهم بالنصب على المواطنين بالزيتون    ضبط 4 أطنان دقيق قبل بيعها بالسوق السوداء    ضبط 16 سائقا متعاطيا المخدرات بالطريق الإقليمي    محمود حميدة وبشرى ومنير مكرم يشاركون في جنازة لطفي لبيب    «100 يوم صحة» تقدم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية مجانية (آخر إحصاء)    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    خلال زيارته لواشنطن.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى بمعهد "أمريكا أولًا للسياسات"    مقتل 6 أشخاص وإصابة 52 آخرين على الأقل جراء هجوم روسي على كييف بطائرات مسيرة وصواريخ    اليوم.. بدء الصمت الانتخابي بماراثون الشيوخ وغرامة 100 ألف جنيه للمخالفين    تصل ل150 ألف جنيه.. زيادة تعويضات مخاطر المهن الطبية (تفاصيل)    الخميس 31 يوليو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    إطلاق دورة تدريبية متقدمة حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في هندسة البرمجيات    يعود بعد شهر.. تفاصيل مكالمة شوبير مع إمام عاشور    موعد مباراة آرسنال وتوتنهام الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    عزام يجتمع بجهاز منتخب مصر لمناقشة ترتيبات معسكر سبتمبر.. وحسم الوديات    وزير الإسكان يتابع موقف المشروعات السكنية والبنية الأساسية والتطوير في عدة مدن بالصعيد    محافظ الدقهلية في زيارة مفاجئة لشركة المياه والصرف الصحي لمتابعة الاستجابة لشكاوى المواطنين    استرداد 11.3 مليون متر من أراضي الري.. و124 قطعة دعمت النفع العام و«حياة كريمة»    سعر الدولار اليوم الخميس 31-7-2025 أمام الجنيه المصرى فى بداية التعاملات    ذبحه وحزن عليه.. وفاة قاتل والده بالمنوفية بعد أيام من الجريمة    حماية المستهلك: ضبط 3000 جهاز كهربائي مجمعين من مواد مجهولة تحت علامات تجارية شهيرة    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    جامعة طنطا الأهلية.. دليلك الشامل للكليات والمصروفات والمزايا التنافسية    هيئة قناة السويس تنظم احتفالية بمناسبة ذكرى التأميم بعد قليل    حسين الجسمي يروي حكايتين جديدتين من ألبومه بمشاعر مختلفة    خالد جلال ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة: «الأب الذي لا يعوض»    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    أيادينا بيضاء على الجميع.. أسامة كمال يشيد بتصريحات وزير الخارجية: يسلم بُقك    إعلام عبري: الجيش يقلص قواته في غزة وسحب فرقة وألوية كاملة    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    مجلس مستشفيات جامعة القاهرة يبحث إنشاء قسم للطب الرياضي بقصر العيني الفرنساوي    الكشف على 889 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الأمل بالبحيرة    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    الكنيسة القبطية تحتفل بذكرى رهبنة البابا تواضروس اليوم    "بحوث أمراض النباتات" يعلن تجديد الاعتماد لمعمل تشخيص الفيروسات للعام السادس    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    عقب زلزال روسيا | تسونامي يضرب السواحل وتحذيرات تجتاح المحيط الهادئ.. خبير روسي: زلزال كامتشاتكا الأقوى على الإطلاق..إجلاءات وإنذارات في أمريكا وآسيا.. وترامب يحث الأمريكيين على توخي الحذر بعد الزلزال    قناة السويس حكاية وطن l حُفرت بأيادٍ مصرية وسُرقت ب«امتياز فرنسى»    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    «حملة ممنهجة».. ترامب يقرر فرض رسومًا جمركية بنسبة 50% على هذه الدولة (تفاصيل)    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة العلاقات الصهيونية - التركية منذ تأسيس إسرائيل وحتى محاولة الانقلاب.. «شعرة معاوية» تحفظ المسافة بين أنقرة وتل أبيب
نشر في الأهرام العربي يوم 31 - 07 - 2016


د. خالد سعيد
المد والجزر سمة العلاقات بين الطرفين وإدراك تركيا أن إسرائيل بوابة أمريكا والغرب يجعلها حريصة دوما على التقارب

تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل وقطعت العلاقات معها اعتراضا على العدوان الثلاثي.. والمياه تعود إلى مجاريها لمواجهة نفوذ عبد الناصر والتقارب العربي مع السوفيت

مساندة أردوغان لحزب الله أثناء الحرب على لبنان 2006 أدت إلى إلغاء صفقات عسكرية مع إسرائيل ولم تمنع زيادة التبادل التجارى بين البلدين


بداية، لا يمكن نسيان أن تركيا أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل، في العام 1949، صاحب ذلك اهتمام تركي كبير بالغرب على حساب القضايا العربية والإسلامية، حيث تبنت المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، حينما رأت أنقرة أن التطبيع مع إسرائيل مفتاح العلاقة مع الغرب، كونه سيقود إلى تغيير الانطباع الغربي المسيحي عن تركيا المسلمة، كخطوة متقدمة، في سعيها للتقرب من الغرب. واعتبرت البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في تركيا، آنذاك، أنها « عملية غزو للأراضي التركية «، بعد تعيين ملحق عسكري في سفارتها بأنقرة، ولم يكن لها، آنذاك، ملحقون عسكريون إلا في واشنطن، ولندن، وباريس، لتتبين مدى أهمية تركيا بالنسبة لإسرائيل. ويجب الاعتراف بأن تركيا كانت، في فترة من الفترات، « المُحلَّل» لتبادل التجارة بين مصر وإسرائيل! حيث اتخذت الأخيرة من تركيا منطقة تجارية تستطيع من خلالها إعادة تصدير منتجاتها إلى البلاد العربية، ولاختراق المجتمعات العربية، مع الحصول على السلع العربية التي تُصدر إلى تركيا بهذه الطريقة. على سبيل المثال، قامت تركيا باستيراد أدوات منزلية من إسرائيل، ثم صدرتها إلى مصر باعتبارها مصنوعات تركية. والعكس بالعكس، مع منتجات مصرية، مثل الجلود التي حصل عليها يهود أتراك، ثم أعادوا تصديرها إلى تل أبيب، ولم يكن هذا قاصرا على تعاملات إسرائيل، غير المباشرة، مع الدول العربية، بل أنها تعدتها إلى الدول الإسلامية، غير العربية، والتي لم تكن قد اعترفت بها، أو ترتبط بها بعلاقات تجارية، مثل باكستان.
على الرغم من البداية القوية للعلاقات التركية الإسرائيلية، فإن أنقرة قطعت علاقتها بتل أبيب بعد اعتداء الأخيرة على مصر، في « العدوان الثلاثي «، في 1956، واستمرت القطيعة بين تل أبيب وأنقرة، حتى العام 1958. لكن التطورات في الشرق الأوسط، في النصف الأول من العام 1958، والمتمثلة في نشوء « الجمهورية العربية المتحدة « بين مصر وسوريا، و» الاتحاد الهاشمي « بين الأردن والعراق، واندلاع ثورة العراق، قد تركت أثرها على تحول السياسة التركية بالإيجاب نحو إسرائيل، مجددًا، وتلاقت الدولتان في ضرورة إجهاض أي وحدة عربية تنشأ في المنطقة. وبدا واضحاً أن الدولتين، تركيا وإسرائيل، تلاقت أفكارهما حول إجهاض الوحدة العربية، مع تخوفهما من التقارب العربي مع السوفيت، آنذاك، بالإضافة إلى رفضهما تعزيز مكانة مصر في المنطقة، بعد تخوفهما من نمو دور عبد الناصر في الشرق الأوسط.
لا ننسى، أيضًا، أن تركيا وإسرائيل وقعتا اتفاقا رباعيًا، بصحبة كل من إيران وإثيوبيا، في العام نفسه ( 1958 )، وهو التحالف الذي سُمي، آنذاك، بالتحالف المحيطي الخارجي، أو « حلف الدائرة «. وكان الهدف الأساسي من هذا التحالف الرباعي، هو التصدي للمد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط. فيما أرسى الانقلاب العسكري التركي، في العام 1960، لقاعدة توطيد العلاقات العسكرية بين الطرفين، بدعوى أن المؤسسة العسكرية هي التي تحافظ على تلك العلاقات مقارنة بالسياسيين! وغالبا ما كانت تلك العلاقات تتم في السر، وبدون معرفة للشارع التركي، وربما بعض السياسيين الأتراك؛ وعلى سبيل المثال، عقد لقاء بين الرئيس التركي، عصمت إينونو، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، ليفي أشكول، في العاصمة الفرنسية باريس، في العام 1964، وتم بحث اتفاق سري، وكان مجمل الاتفاق يتعلق بصفقات عسكرية.
تركت حرب أكتوبر 1973 ، وتأييد تركيا لقرار الأمم المتحدة حول إدانة الصهيونية ووصمها بالعنصرية، في العام 1975، الأثر السلبي على العلاقات مع إسرائيل، وزاد على ذلك موافقة تركيا على فتح ممثلية فلسطينية في أنقرة، في العام 1979، لتتعقد تلك العلاقات، وتزداد سخونة، ما أجبر تل أبيب على تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة، في العام 1980، فيما أغلقت القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول، خصوصا وأن تركيا اعترضت على قانون القدس ( وهو القانون الذي وافق عليه الكنيست الإسرائيلي، في العام 1980، لتحويل العاصمة الصهيونية من تل أبيب إلى القدس )».
بيد أن العام 1996، قد شهد قمة العلاقات التركية الإسرائيلية، حيث وقعَا على اتفاق استراتيجي عسكري وأمني، نص على استخدام إسرائيل الأجواء والأراضي والمطارات التركية في عمليات تدريبية، والتنسيق الاستخباري بين الجانبين في جمع المعلومات، وخصوصا عن سوريا وإيران، مقابل الاستفادة التركية من الخبرة الإسرائيلية في مكافحة توجهات الأكراد وإرهابهم للشرق التركي، بين الفينة والأخرى. وهنا، رأى مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بجامعة تل أبيب، أن تركيا استفادت من الاتفاق السابق مع إسرائيل في تحجيم النشاطات الإسلامية داخل بلادها، خصوصًا بعد تسلم نجم الدين أربكان صاحب التوجه الإسلامي رئاسة الوزراء، ورأت المؤسسات العلمانية التركية خاصة المؤسسة العسكرية في ذلك تهديدًا للتوجهات العلمانية للدولة، وخطرًا يهدد علاقات تركيا بإسرائيل والغرب، وحاولت أنقرة مواجهة هذا الخطر، بتحالفها التاريخي مع تل أبيب، أي أن تركيا استجارت من الرمضاء بالنار!
استعصى فصل الاتفاق العسكري التركي الإسرائيلي عن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وسعيها إلى رسم نمط معين من الترتيبات الأمنية الإقليمية، في ظل محاولة بناء « شرق أوسط جديد « يستند إلى التحالف التركي الإسرائيلي، بدعوى أن الطرفين مؤهلان لتبوء مكانة مميزة في هذا الشرق الجديد. فبدا واضحا أن واشنطن تبدو، فعليا، كطرف في هذا الاتفاق، بحكم علاقاتها الوثيقة مع كل من أنقرة وتل أبيب، ودعمها السياسي وربما، أيضا، المالي، غير المعلن لهذا الاتفاق. لكن يجب التذكير بأن الأتراك رفضوا الاشتراك في الحرب الأمريكية على العراق، في العام 2003، لعدم تعويض الأمريكيين لهم في حرب الخليج الثانية، في العام 1991، ب 40 مليار دولار، قيمة تضررهم جراء الحرب، وهو ما ذكرته مجلة « مباط « ( نظرة عليا ) العسكرية!
العدالة والتنمية وتأزم العلاقات
تعقدت العلاقات التركية - الإسرائيلية بوصول حزب العدالة والتنمية للحكم، في العام 2002، بقيادة رجب أردوغان، وازدادت تعقيدا بمساندة أنقرة لحزب الله، قولا وفعلا، في مواجهته للجيش الإسرائيلي، إبان الحرب على لبنان، صيف 2006، ترجمت بإلغاء صفقات عسكرية مع تل أبيب، فضلاً عن عدم الرضا التركي عن السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، بوجه خاص، والعالمين العربي والإسلامي، بوجه عام، كلها عوامل وضعت لبنة أولى وقوية في تأزيم الموقف مع تل أبيب، وعلى الرغم من ذلك، زادت التبادل التجاري بين الطرفين، وكذا زادت الرحلات السياحية الإسرائيلية إلى تركيا، في عامي 2007 - 2008، بشكل لم يسبق له مثيل، وهو ما يؤكد أن هناك شعرة في العلاقات التركية الإسرائيلية تحاول أنقرة الحفاظ عليها، بشتى الطرق والسبل الممكنة! .
شهدت العلاقات الثنائية بينهما حالة من الشد والجذب، حتى أنها وصلت إلى قمتها في العام 2008، حينما توسطت تركيا بين سوريا وإسرائيل حول إمكانية إقامة سلام بينهما، لكنها سرعان ما عادت إلى الحضيض حينما قام الجيش الإسرائيلي بالحرب على غزة، نهاية العام نفسه، وجهت خلالها أنقرة السهام، العلنية والمباشرة، لإسرائيل أمام المجتمع الدولي، وإن استمرت العلاقات الثنائية في السر، لإدراك أنقرة أن تل أبيب بوابة الولايات المتحدة والغرب! وهي الرؤية التي تحكم العلاقات بين تركيا وإسرائيل. فقد زادت عملية شراء الأسلحة من تل أبيب، خاصة طائرات بدون طيار، وأقمار تجسس صناعية.
بيد أن الحقيقة تحتم علينا الاعتراف بأن تركيا طرحت العديد من المبادرات الاقتصادية لتحسين أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ففي أعقاب قرار فك الارتباط من قطاع غزة، في العام 2005، حيث طرحت إعادة تأهيل المنطقة الصناعية بالقرب من معبر إيريز وإدارته، وبعد سيطرة حماس على غزة، في العام 2007، بدأت تركيا تعزيز مبادرة أخرى في الضفة الغربية. وإن كانت هذه المبادرات قوبلت بالرفض الإسرائيلي المعهود! ناهيك عن مطالبة أنقرة تل أبيب بوقف العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة، وإعادة فتح المعابر، وإطلاق التصريحات النارية أهمها مطالبة أردوغان بإبعاد إسرائيل عن الأمم المتحدة بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت « العبرية، في العام 2009، ردًا على عملية « الرصاص المصبوب « ( الحرب على غزة، 2008 – 2009 ) ! وهو الرد الذي جاء في أعقاب خروج الأتراك، حكومة وشعباً، في مظاهرة مليونية من مختلف الاتجاهات والميول، إلى الشوارع، خصوصا مظاهرة اسطنبول، تعبيرا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، آنذاك.
مع ذلك، لم تؤثر المواقف التركية السابقة على طبيعة العلاقات مع إسرائيل، آنذاك؛ لأن ثمة مصالح اقتصادية وعسكرية بين الطرفين، كانت قائمة بينهما، فلم يصل الغضب التركي إلى درجة استدعاء السفير من تل أبيب، كما لم تلجأ إسرائيل إلى أي خطوة، لسحب، أو استدعاء سفيرها من أنقرة.
بيد أن قيام البحرية الإسرائيلية بالهجوم على سفينة المساعدات التركية « مافي مرمرة «، في الواحد والثلاثين من مايو 2010، واستشهاد عشرة من النشطاء الأتراك، قد زاد من الهوة بين الطرفين، التركي والإسرائيلي، نتيجة لتلقي تل أبيب الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، لتأديب أنقرة، لتخطيها حدودها المسموح بها في منطقة الشرق الأوسط، فلجأت إلى إسرائيل للقيام بتلك المهمة، والتي تمثلت في الهجوم على « مرمرة «، بعد أن شعرت إسرائيل بخطورة الدور التركي في المنطقة وما يمثله من مدى خطر استراتيجي يؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي.
تعاون أمنى ومخابراتي
على النقيض من ذلك، واستغلالاً لاندلاع الثورات العربية، ارتفع مؤشر التعاون الأمني والمخابراتي والعسكري بين تركيا وإسرائيل، سرا، بهدف مواجهة تداعيات الربيع العربي، بوساطة أمريكية بالطبع، وكذا لمكافحة الطموح الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، حيث وصفت إيران بالعدو المشترك لكل من تركيا وإسرائيل؛ نادى وقتها الإسرائيليون بضرورة تحسين العلاقات مع تركيا بهدف القضاء على الطموح الإيراني. فكان من البديهي أن تكتب الباحثة الإسرائيلية المتخصصة في الشئون التركية، جاليا لندنشتراوس، أن ثمة علاقة أبدية تربط بين تركيا وإسرائيل، لا يمكن قطعها، مهما كانت الظروف، والتغيرات، والتطورات الإقليمية والدولية، فإن الطرفان يحافظان على العلاقة بينهما!
مد وجزر
تراوحت العلاقات التركية الإسرائيلية بين المد والجزر، ونتيجة لقوة المصالح المشتركة، وبعد ضغوط مسؤولين إسرائيليين كثر، اعتذر نتانياهو لأردوغان عن واقعة «مرمرة»، لحزمة من الأهداف، أهمها استخدام الأراضي التركية لسلاح الجو الإسرائيلي، سواء لإجراء التدريبات والمناورات العسكرية، أو لاستخدامها للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، في حال إقرار ذلك في تل أبيب! ناهيك عن تشكيل حلف إقليمي جديد مناهض لإيران، يضم إلى جانبهما الولايات المتحدة ودول عربية أخرى، فضلا عن التنسيق الثنائي حول الوضع في سوريا؛ وهو ما ذكرنا، آنذاك، بمفهوم «الشرق الأوسط الجديد».
بيد أن الواقع يشير إلى أن تركيا استفادت من الاعتذار الإسرائيلي في تعزيز مكانتها السياسية، الخارجية والداخلية في آن، فقد ارتفعت شعبية أردوغان وحزبه في المجتمع التركي، وظهر كزعيم إقليمي، استطاع أن يكسر الكبرياء الإسرائيلي، ويركعها، فضلاً عن أن الاعتذار حفظ ماء الوجه لأنقرة أمام المجتمع الدولي، خصوصا وأن سياسة « تصفير المشاكل التركية» قد اقتربت من نهايتها، في ظل تدهور العلاقات التركية مع جيرانها، إضافة إلى دغدغة مشاعر الأتراك بالزهو، جراء « رضوخ» إسرائيل أيضاً، وهذا ما عبرت عنه لافتات ضخمة، نصبت على الشوارع كتب عليها؛ « شكرا أردوغان لقد أعدت لنا الكبرياء، نحن نكن لك العرفان».
ساعد الاعتذار الإسرائيلي، أردوغان في بلوغ هدفه، المتمثل في تعديل الدستور لمنح الرئيس صلاحيات واسعة على غرار الصلاحيات، التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي، وهو منصب سعى أردوغان إلى الترشح له، في العام الجاري، العام 2014؛ لأن الدستور التركي الحالي منعه من الترشح، مرة أخرى، لرئاسة الحكومة. كما أنه على الجانب الاقتصادي، اهتمت تركيا بتوثيق العلاقات مع إسرائيل، وباستمرار تدفق السياح الإسرائيليين إليها، كما تسعى إلى أن تكون شريكاً لإسرائيل في التنقيب عن الغاز وإنتاجه، فضلاً عن دخولها في أي شبكة دولية لنقل الغاز.
منذ الاعتذار الإسرائيلي وحتى توقيع اتفاق المصالحة بين الطرفين التركي والإسرائيلي، في السادس والعشرين من يونيو الماضي، والذي نص على تطبيع العلاقات بينهما، فإن أنقرة أرادت أن يكون لها الدور الأقوى للقضية الفلسطينية، ونجحت في انتزاع الكثير للشعب الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بفك الحصار عن قطاع غزة، ومحاولة تزويده بالكهرباء، وبناء مستشفى واستاد رياضي، ودخول مساعدات تركية عبر ميناء أشدود الإسرائيلي، ما يعني إدراك أردوغان ورفاقه إلى أهمية ما تمثله القضية الفلسطينية من دعم معنوي، داخلي أمام شعبه، وخارجي أمام العالمين، العربي والإسلامي، وهو حجر زاوية ليس بأخير في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب!
سيناريوهات ما بعد الانقلاب الفاشل
ونهاية، فإنه بعد وصول أردوغان إلى كرسي الرئاسة في أنقرة، ووقوع عملية انقلاب عسكرية فاشلة، فإننا أمام سيناريوهين تركيين اثنين فقط حيال التعاطي مع إسرائيل، وهما:
السيناريو الأول: سيستمر الرئيس التركي في توطيد علاقاته بإسرائيل، لجملة من الأسباب، من بينها مواجهة الطموح الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، والتنسيق المشترك حول الوضع في سوريا، والتصدي للجماعات الإرهابية، والعمل على تطهير المنطقة من الجماعات المتطرفة، ولاستيراد الغاز الإسرائيلي من البحر المتوسط مباشرة إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، فضلاً عن الاستفادة من الخبرة العسكرية الإسرائيلية في مواجهة الأكراد من جانب، أو لتطوير الجيش التركي من جانب آخر . بيد أن أردوغان يرغب في استغلال العلاقات الإسرائيلية القوية بالقارة الأوربية في العمل على مساعدة تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وهو ما ينطبق على إسرائيل، أيضاً، للاستفادة المزدوجة من التواجد في الاتحاد.
بيد أن الخطوات التي قررها أردوغان حول تطبيقه لعقوبة الإعدام على المتمردين الأتراك يبعده، تماما، عن حلمه بالانضمام للاتحاد الأوربي، وهو ما ذكرته، تفصيلا، صحيفة يسرائيل هايوم العبرية، لكنه لا يعبأ بالتهديدات الأوربية برفض دخوله الاتحاد، ليقينه بصعوبة الأمر، ما يحدوه إلى عملية التزاوج بين علاقات قوية مع إسرائيل، بالتوازي مع علاقات أقوى بكثير من دول العالمين، العربي والإسلامي، بهدف تصدير الفكر الإسلامي التركي، من جهة، ولزيادة الصادرات التركية إليهما من جهة أخرى!
السيناريو الثاني: مع تصاعد المد الإسلامي في تركيا، وتوغل الإسلاميين في مؤسسات الدولة العلمانية، وتحويلها من دولة علمانية واضحة المعالم، إلى دولة إسلامية وسطية، بشكل مستتر، والقضاء على الكيان الموازي، فيما يتعلق بدولة « فتح الله كولن « داخل تركيا نفسها، وهو ما أجمعت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية، الصادرة باللغة العبرية، طيلة الفترة التي أعقبت الانقلاب العسكري الفاشل، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية ستشهد مزيدا من حالات المد والجزر، نتيجة لعدم ثقة الأتراك في تنفيذ إسرائيل للتعهدات المكتوبة، ولرفضها إقامة دولة فلسطينية؛ وذلك كله مع الإيمان بأن الانقلابات العسكرية في تركيا، يتبعها علاقات أقوى مع إسرائيل.
بيد أننا أمام دولة تركية إسلامية عمدت منذ خمسينيات القرن الماضي على إقامة علاقات قوية مع إسرائيل، تشهد حالات كثيرة من المد والجزر، لكن المصالح المشتركة بين تركيا وإسرائيل تذوب أية خلافات، لكنها لن تعود إلى حقبة التسعينيات حينما كانت تلك العلاقات في قوتها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.