سفينة ماڤى مرمرة التى تعرضت للهجوم الإسرائيلى مسمار جديد في نعش العلاقات التركية الإسرائيلية، بعد قرار أنقرة طرد السفير الإسرائيلي وتعليق الاتفاقيات العسكرية بين البلدين، قرار جاء بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقرير الأممالمتحدة عن واقعة سفينة "مافي مرمرة"، إحدي السفن المشاركة في حملة "أسطول الحرية" التركي، الذي تعرض للاعتداء الإسرائيلي في مايو العام الماضي ورفض تل أبيب الاعتذار، مما دفع الحكومة التركية إلي حالة غضب واستنكار لا مفر منها، لتهدئة الغضب الشعبي الذي عم تركيا إثر مقتل النشطاء الأتراك الذين شاركوا ضمن الأسطول... وبهذا تتخلص العلاقات بين البلدين من بؤسها وتخبطها، وتنهي حالة الترقب المستمر. وجاء في مقتطفات نشرتها الصحيفة الأمريكية من التقرير النهائي للجنة التحقيقات التابعة للأمم المتحدة حول هجوم البحرية الإسرائيلية علي أسطول المساعدات إلي غزة في 0102 والذي تسبب في أزمة مفتوحة بين إسرائيل وتركيا، اعتبر أن إسرائيل بالغت في تصديها للأسطول. خلص التحقيق الذي تولاه رئيس وزراء نيوزيلندا السابق جيفري بالمر إلي أن "قرار إسرائيل بالسيطرة علي السفن بمثل هذه القوة بعيداً عن منطقة الحصار ومن دون تحذير مسبق مباشرة قبل الإنزال كان مفرطاً ومبالغاً به"، إلا أن هذا التحقيق أضاف أن الاسطول المؤلف من ست سفن تصرف بطريقة متهورة عندما حاول كسر الحصار البحري المفروض حول قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس. ويدعو التحقيق تل أبيب إلي إصدار إعلان مناسب تبدي فيه أسفها حيال الهجوم ودفع تعويضات لأسر ضحايا الهجوم، وكذلك إلي الجرحي. وكان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو قد صرح مؤخرا بأن "صبر تركيا ينفد" حيال مماطلة إسرائيل بالاعتذار لتركيا عما ارتكبته بحق سفينة "مافي مرمرة" في عرض البحر المتوسط. ويعزي عدم التوصل لاتفاق إلي السياسة الداخلية في البلدين، فعلي الجانب الإسرائيلي رفض المتشددون داخل الحكومة تقديم أي اعتذار رسمي، أما في تركيا فقد واصل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان توجيه انتقاداته إلي تل أبيب. فأردوغان ينتمي إلي دائرة محافظة ذات مرجعية إسلامية تتعاطف بالطبع مع الشعب الفلسطيني واستخدام لهجة قوية تجاه إسرائيل يلاقي رواجا بين مؤيديه. وكان من الصعب علي أردوغان أن يقدم أي تنازلات أو يتوصل إلي حل وسط لا يرضي السياسيين الأتراك الغاضبين من السياسات الإسرائيلية. ولم يكن رد الفعل التركي بعد نشر التقرير، الذي تأجل ثلاث مرات، سوي صبغ تجميد العلاقات بين البلدين بالطابع الرسمي، فتركيا سبق أن سحبت سفيرها في تل أبيب بعد الهجوم كما علقت اتفاقيات التعاون العسكري بين البلدين والذي كان قد تراجع بالفعل في الآونة الأخيرة. وكانت أنقرة قد انتظرت شهوراً طويلة من أجل اعتذار تل أبيب قبل قرارها هذا، إلا أنها أخيراً استخدمت الخطة الاحتياطية التي كانت تهدد بها دبلوماسياً، ثم طردت السفير الإسرائيلي وقلبت الطاولة فوق الحكومة الإسرائيلية بعدما جمدت الاتفاقيات العسكرية وأعلنت أنها ستساند أهالي وعائلات الناشطين الأتراك الضحايا في قضاياهم الدولية ضد إسرائيل. ووصفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية هذه الخطوة بمثابة نهاية العلاقات المتدهورة بين الحليفتين، متنبئة أن يسود الأمر جمود طويل الأمد، أو مشاكل بين البلدين في الأفق. وكان من الممكن أن تحدث هذه المقاطعة بين البلدين بشكل أسرع ولكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حث الطرفين، وكلاهما يعد حليفاً استراتيجياً لواشنطن، علي التهدئة وتقديم تنازلات. وسعي دبلوماسيون كبار خلال هذه الفترة إلي الوصول إلي صياغة قد تبدو اعتذاراً من إسرائيل ولكنها لا ترقي في الوقت ذاته إلي صيغة الاعتذار الرسمي. ومن المعروف أن العلاقات التركية - الإسرائيلية بدأت منذ عام 9491 عندما اعترفت تركيا، كأول دولة ذات أكثرية سكانية إسلامية، بإسرائيل.. وتطورت هذه العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في مختلف المجالات العسكرية والاستراتيجية والدبلوماسية لتصبح إسرائيل أكبر شريك عسكري ومورد أسلحة إلي الدولة التركية. وتوثق التعاون السياسي والدبلوماسي بين الجانبين علي أساس وجود هواجس مشتركة لديهما من جراء الأوضاع غير المستقرة في دول الشرق الأوسط . وتطورت العلاقات بين البلدين في سياق سياسي، يقوم علي المصالح، مع تجنب قدر كبير من القضايا الخلافية. وربما ساعد علي ذلك أن تركيا كانت في سياستها الخارجية تركز علي موضوع الانضمام للاتحاد الأوروبي، كما أن تقديم تركيا نفسها كوسيط في عملية التسوية السياسية في منطقة الشرق الأوسط عزز من أهمية دورها، الأمر الذي دفع الغرب، وبالذات الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلي أخذها بجدية أكبر. بدأت العلاقات بين تركيا وإسرائيل في التراجع قبل الهجوم علي أسطول الحرية بوقت ليس قصيراً، وذلك مع انتخاب أردوغان عام 3002 رئيسا للحكومة، ألمح دبلوماسيون أتراك إلي أن بلادهم لم تعد بحاجة إلي إسرائيل مثلما كان الوضع في السابق، وقامت تركيا ببناء علاقات قوية وتحسين علاقاتها مع دول الجوار في إيران والعراق وسورية وكانت دول العالم الإسلامي تنظر بعين الحسد إلي نجاحات تركيا السياسية والاقتصادية بل وأصبح أردوغان بطلا في الشارع العربي بسبب تصريحاته تجاه إسرائيل. وبذلك دخلت العلاقات مع إسرائيل في منعطف جديد أواخر عام 8002 وعندما انتقد أردوغان إسرائيل بسبب قتلها المدنيين في عدوانها علي قطاع غزة، بدأت المخاوف الإسرائيلية تتنامي تجاه تركيا منذ ذلك الحين نتيجة لسياسة التعاطف التي أظهرتها تجاه الفلسطينيين. وقد عكس رد فعل رئيس الوزراء تجاه إسرائيل مدي تغلغل التدخل التركي في القضية الفلسطينية ، فقد قام بجولات عدة في المنطقة ساعياً لوقف سريع لإطلاق النار. وسبق لأردوغان أن انتقد ممارسات هجومية إسرائيلية سابقة علي الأراضي المحتلة، إلا أنه في ذلك الوقت تميزت انتقاداته عما سبقها بوصف أردوغان الاعتداء الإسرائيلي علي غزة بأنه "سلوك غير محترم تجاه تركيا"، إذ بدأ العدوان بعد أربعة أيام فقط من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت لأنقرة. وفي 13 مايو 0102 قتل تسعة ناشطين أتراك في هجوم إسرائيلي علي "أسطول الحرية" المتوجه إلي قطاع غزة لكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل علي القطاع . وتسبب الهجوم بأزمة حادة في العلاقات التركية - الإسرائيلية، حيث كان معظم المشاركين في الحملة من المواطنين الأتراك. ولم تكن صدفة أن تستهدف القوة الإسرائيلية في هجومها المركب التركي، وأن يتسبب ذلك بمقتل تسعة مواطنين أتراك. ووصف رئيس الوزراء التركي الهجوم الإسرائيلي بأنه يقع تحت عنوان "إرهاب الدولة"، مضيفاً بأن إسرائيل قد "برهنت أنها لا تريد السلام في المنطقة، وأنها قد انتهكت القانون الدولي". كان رد الفعل التركي سحب السفير التركي من تل أبيب، واستدعاء السفير الإسرائيلي في أنقرة إلي وزارة الخارجية. ودعت أنقرة أيضاً مجلس الأمن الدولي إلي عقد جلسة طارئة مطالبة بفرض عقوبات ضد إسرائيل علي هجومها غير المبرر علي القافلة في المياه الدولية . ويعني إنهاء التعاون العسكري بين إسرائيل وتركيا أن الأخيرة ستضطر للبحث في أماكن أخري عن المعدات العسكرية، ففي الماضي وقعت وزارة الدفاع التركية عقوداً كبيرة مع شركات إسرائيلية لتطوير قدرات الجيش التركي لتطوير طائرات أمريكية الصنع ودبابات. وتلقت تركيا العام الماضي عشر طائرات إسرائيلية من طراز هيرون استخدمها الجيش التركي في قصف المتمردين الأكراد علي طول الحدود مع العراق. أما بالنسبة لإسرائيل، فقطع العلاقات التي تراجعت خلال السنوات الماضية يعني أيضا أن القوات الإسرائيلية لن تقوم بإجراء تدريبات في تركيا. وعندما بدأت العلاقة بين تركيا وإسرائيل في الفتور لم تكن فقط الولاياتالمتحدة هي التي تضغط من أجل التقريب بينهما. فقد حثت سورية التي تعد أحد أعداء إسرائيل أنقرة علي رأب الصدع مع تل أبيب وهو الطلب الذي لن يتكرر مجدداً نظراً لتراجع العلاقات بين سورية وتركيا.