تقرير إيمان عمر الفاروق معهد بروكينجز: لم يتشارك السعوديون والإسرائيليون طاولة دبلوماسية
منذ الاجتماعات الإقليمية متعددة الأطراف المرتبطة بعملية السلام في مدريد عام 1991
منذ توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية حامت في الأفق فوق جزيرتي تيران وصنافير أسراب من التساؤلات تنعق كالغربان في السماوات العربية حول الموقف الإسرائيلي حيال تلك الاتفاقية واحتمالات استثمارها لكسر عزلتها بالسعي للتقارب من الرياض، وتم تسليط الضوء علي هذا البعد من قبل بعض الصحف الأمريكية علي وجه الخصوص باستدعاء الطرح الذي شاع في أعقاب التوقيع علي الاتفاق النووي الإيراني عن كونه أشبه بقنطرة للتقارب السعودي الإسرائيلي، فإلي أي مدي تكتسب تلك الأطروحة جدية علي أرض الواقع ؟ فقد أشار موقع “وورلد أفيرز جورنال” إلي أنه علي الرغم من عدم وجود أي اتفاق سلام رسمي بين الرياض وتل أبيب فإن هاتين الجزيرتين أصبحتا كقطع الشطرنج علي رقعة الصراع العربي الإسرائيلي. طفت تلك الأطروحة إلي السطح في العام الماضي واكتسبت زخما ودفعا بوسائل الإعلام والمراكز البحثية الغربية علي خلفية اللقاء الشهير الذي جمع بين رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية أنور عشقي مع رئيس مركز القدس الإسرائيلي دوري جولد في واشنطن، وسرعان ما تناقلات وسائل الإعلام العالمية صورة المصافحة الشهيرة بينهما والتي أثارت لغطا وجدلا واسعى النطاق. ولعل أكثر ما يثير الدهشة في ذلك اللقاء هو دوري جولد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية بالنظر إلي رؤيته بشأن المملكة العربية السعودية، حيث إنه مؤلف كتاب “مملكة الكراهية” وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق عمل كأحد المتحدثين باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. ويكتسب كتاب جولد أهميته لعدد من الأسباب، ذلك أنه كشف عن الاضطراب الهائل الذي يسود دوائر صنع القرار الأمريكية حينما يأتي الأمر للمملكة العربية السعودية. لكن مع ذلك، فإن كتاب جولد فشل كعمل بحثي وكتحليل سياسي، لأنه قدم العديد من الافتراضات السطحية. ويزعم جولد أن السعوديين يخططون لتحطيم الحضارة الغربية. فضلا عن تجاهل حقيقة أن المملكة العربية السعودية نفسها ظلت ضحية الإرهاب وليست لها مصلحة في الترويج لعنف يمكن أن يؤذي أصدقاءها وحلفاءها وشركاءها الاقتصاديين. و أشارت صحيفة “جيروزاليم بوست” في تقرير لها بتاريخ 28 ديسمبر 2015 بشأن ركائز سياسة دوري جولد حيال الدول العربية إلي محورية التوصل إلي اتفاقيات مع الدول العربية. في دراسة تحليلية مهمة قامت بإعدادها تامارا كوفمان مدير وحدة دراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينجز الشهير حملت عنوان “الدبلوماسية غير الرسمية بين السعودية وإسرائيل “ بتاريخ 8 يونيو 2015 جاء به “ دوري جولد الشريك الإسرائيلي في المحادثات الأخيرة صاحب تأثير مباشر علي دوائر صناعة السياسة الرسمية، ولكن المحادثات الثنائية غير الرسمية التي جرت أخيرا لم تحقق كل ما يتمناه، ففي مرحلة ما يجب أن تكون نتائج أي رؤي أو تفاهمات في المحادثات الثنائية السرية متكاملة مع السياسة الرسمية للحكومات المعنية، ففي الوقت الذي يكون فيه المشاركون في تلك الاجتماعات متحررين بعض الشىء من القيود السياسية ولا يخضعون للمساءلة العامة حيال أفكارهم، يعاني صانعو السياسة الرسمية من تلك الأمور، ولهذا لا مجال للدهشة من عدم تبني العديد من نتائج الاجتماعات غير الرسمية علي أرض الواقع، ومن الواضح أن الحوار الذي دار بين دوري جولد وأنور عشقي لم يصل إلي شىء ملموس لا وثيقة مشتركة علي سبيل المثال أو حتي رؤية مشتركة للشئون الإقليمية، ويجدر بنا التساؤل إذن حول أسباب اختيار هذا التوقيت بالذات للكشف عن الحوار الذي دار بين الطرفين لمدة ثمانية عشر شهرا في هدوء وسرية. وفي حقيقة الأمر لم يتشارك السعوديون والإسرائيليون طاولة دبلوماسية منذ الاجتماعات الإقليمية متعددة الأطراف المرتبطة بعملية السلام في مدريد عام 1991. فلماذا تتم إماطة اللثام عن تلك المحادثات الثنائية السرية في الوقت الذي لم تؤت ثمارها ولم تندرج في سياق إقليمي ملائم؟ ربما يرجع ذلك للإحباط الذي تشعر به إسرائيل والسعودية نتيجة للدبلوماسية الأمريكية الإيرانية، فعدم اكتراث أوباما بحلفائه قد جمعهم علي سبيل المفارقة من أجل البحث عن مخرج ذاتي متبادل، ربما هذا التفسير لا يرقي إليه شك، ولكن نظرة فاحصة تكشف مزيدا من الدوافع، فعلي الجانب الإسرائيلي يسعي رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تبدأ حكومته اليمينية فترة ولاية جديدة إلي إبراز التواصل الفاعل مع الأطراف المؤثرة في الوطن العربي لإثارة آمال الإسرائيليين لوضع نهاية لعزلتهم الإقليمية. وعلي جانب آخر ثمة بعض المعطيات التي تؤشر إلي احتمالية أن يكون الكشف عن تلك المحادثات لأنه لم يحدد لها تأثيراً وليس من سبب يدعو المعنيين بمواصلة الحفاظ علي سريتها. والأهم من كل ما سبق أنه بات من المؤكد أن الإفصاح عن تلك المحادثات يأتي ضمن كروت أخري لدي كل من السعودية وإسرائيل لبعث رسالة إلي البيت الأبيض بأن لديهما بدائل في المنطقة بعيدا عن الاعتماد علي الولاياتالمتحدةالأمريكية”. مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية أبرزت هي الأخري تلك المحادثات في تقرير لها يكاد يتطابق في رؤيته التحليلية مع تقرير معهد “بروكينجز” حيث يتمحور حول تقارب اثنين من أشد حلفاء واشنطن عداء علي أرضية معارضة الاتفاق النووي الإيراني، لكنه تقارب ظاهرى فقط، فعلي حد تعبير دوري جولد لموقع «بلومبيرج» الشهير «إن وقوفنا اليوم علي تلك المنصة لا يعني التوصل لحل لجميع الخلافات التاريخية بيننا، ولكنني أتمني أن نصل إلي ذلك في السنوات المقبلة».