فواتير مصر زمان.. شاهد على زمن فات

نبيل سيف
على مدار التاريخ كان لدى المصريين عشق خاص جدا اسمه «الفاتورة، الخاصة بكل ما يشتريه المصريون من بضائع أو خدمات، أو منتجات، أو أطعمة، التى لم تكن مجرد قطعة ورق تحمل أرقاما وحسابات واسم وختم بل كانت لوحة فنية ،وجمالية سواء فى تنظيمها أو فى خط كاتبها، أو فى الرسومات التى بها.


فى القاموس الفصيح فإن كلمة (فاتورة) هى كلمة دخيلة، ومعناها ورقة قائمة بالحساب ومن طريف ما قيل عن الفاتورة - نقلا عن أحد الساخرين- : أنها سميت كذلك لأنها تفتّر عظام قارئها.
وفى معجم الدخيل فى اللغة العربية الحديثة ولهجاتها فمعنى كلمة (فاتورة) هى قائمة بالحساب أو المبيعات، والجمع: فواتير، أما فى الحجاز فلها معنى آخر، بالإضافة إلى المعنى الأول، وهو مجموعة نماذج لأنواع النسيج الموجودة فى المحل، أما فى اللغة التركية تقراء : fatura وفى اللغة الإيطالية تقرأ أيضا fattura.
«ولم تكن فواتير زمان مجرد فاتورة عادية فقط صنعت من الورق وتحمل تاريخا يرجع إلى عشرات ومئات السنيين، لكنها أيضا لوحة فنية تحمل خط يد كتبها بشكل راقى، وطابع دمغة نادر له قيمة مالية وفنية كبيرة، وختم أصبح من التراث الآن «، كما يقول المهندس مجدى حنفى أحد أشهر المتخصصين بمصر فى إقتناء الفواتير القديمة على مدار أكثر من نصف قرن.
ويضيف مجدى حنفى.. وبالإضافة إلى عنوان شارع أو عمارة أو مكان تغيير اليوم وأصبح عنوانا آخر مختلفاً تماما، والأهم من كل ذلك أن فاتورة زمان قد تحمل اسماً من أسماء المشهورين وقتها».
قيمة فاتورة زمان تكمن أيضا فى نوعية طابع الدمغة الذى لصق عليها وقتها، الذى بمرور الزمن أصبح بمفرده قيمة تاريخية نادرة، وقيمة مالية أيضا، كما يقول علوى فريد أحد أشهر المصريين المتخصصين فى جمع وتوثيق التراث القديم، مشيرا إلى أن المحلات والتجار بمصر زمان كانوا يبدعون فى شكل وتصميم وترتيب الفاتورة، لدرجة أن كل محل فى مصر كنت تعرفه من فاتورته وليس من اسمه، كما أن الختم نفسه الذى تحمله كل فاتورة يعبر عن إبداع وفن وحس راقٍ، بأهمية الفاتورة.
ومع ثورة تقنية المعلومات والحاسبات والإنترنت، أصبحت فاتورة زمان الورقية تواجه خطر الاندثار، إن لم تكن اندثرت فعلا وأصبحت مجرد ورقة «برنت» من ماكينة آلية بتفاصيل مشتروات الشخص وسعرها، ولتدخل الفاتورة الورقية متحف التاريخ وتصبح مع الزمن تراثاً شاهداً على العصر، بل تحولت الفاتورة المطبوعة، إلى فاتورة إلكترونية، تتواصل عبر شبكات المعلومات، لينتهى بذلك زمن فاتورة زمان الورقية، التى كانت ولا تزال شاهدا على الزمن الجميل.