سهير عبد الحميد - هولاند ساوى بين الضحية والجلاد بتكريم أرواح الجزائريين والفرنسيين فى حرب التحرير
- فرنسا ترفض تعويض الجزائريين عن التفجيرات النووية وتصدر عام 2005 قانونا لتدريس القيم الإيجابية لتجربتها الاستعمارية
- "أصحاب الأقدام السوداء " يتهمونه بالبحث عن دعم الفرنسيين ذوى الأصول الجزائرية فى المعركة الانتخابية المقبلة
- ساركوزى يتهم أولاند بالانحياز إلى الجزائر و" الحركى " يتظاهرون ضده
جاءت مشاركة الرئيس فرانسوا هولاند، كأول رئيس فرنسي، في الاحتفالات لوقف إطلاق النار بين جيش التحرير الوطني والقوات الاستعمارية في 19 من مارس الماضي وفقا لاتفاقية "إيفيان"، لتضعنا أمام العشرات من أسئلة الاستفهام.. فهل هى خطوة فى سبيل اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية فى حق الجزائر؟ أم أنها مجرد وسيلة لتدعيم العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين فى المستقبل؟ أم أن الأمر جزء من برنامج هولاند الانتخابي لكسب أصوات الفرنسيين من أصول جزائرية؟ الإجابة الأخيرة هي أقرب الاحتمالات في ضوء أمور عديدة، منها تاريخ فرنسا المستمر فى إنكار ما ارتكبته بحق الشعب الجزائري الذي يبدأ من سرقة الآثار والتراث الجزائري وتزييف التاريخ ، وينتهي بجرائم القتل والإبادة وأحكام الإعدام ضد المجاهدين، وما بينهما من أعمال استبدادية وضرائب باهظة وأعمال توطين للأوروبيين والفرنسيين واليهود تحديدا فى الجزائر. وتبقي التفجيرات النووية فى الصحراء الجزائرية من أبشع الجرائم الاستعمارية، حيث أجرت فرنسا 57 تجربة نووية، خلفت وراءها بحيرة من الإشعاعات النووية ما زالت الصحراء الجزائرية تعانى آثارها. وبرغم هذا ما زالت فرنسا تماطل فى الاعتراف بهذا الجرم وترفض تقديم التعويضات، حتى قانون"موراى" الذي أصدرته فرنسا 2010 لتعويض الضحايا التجارب النووية، يتم تطبيقه انتقائيا على الفرنسيين والبولوينيزيين، حيث أجرت فرنسا عددا من التفجيرات في بولينيزيا مستعمرتها فى المحيط الهادى. يبدو هذا التاريخ من الإنكار ثم ذلك القانون الذي أصدرته فرنسا عام 2005 لتمجيد الاستعمار الفرنسي، حيث حض هذا القانون، الذي أصدرته الأغلبية المحافظة فى البرلمان الفرنسي الممثلة لحزب" الاتحاد من أجل حركة شعبية " لنشر القيم الإيجابية التي حملها الاستعمار الفرنسي، خصوصا فى المستعمرات الفرنسية فى شمال إفريقيا، وفرض على المدارس الثانوية الفرنسية ضرورة تدريس تلك القيم والمعانى الإيجابية للطلاب. فى ضوء هذا لا ينبغي، أن يأخذنا التفاؤل بعيدا إلى حد التنبؤ بأن تلك الخطوة من هولاند مقدمة لاعتذار فرنسي عن ماضيها الاستعمارى. خصوصا أن فرنسا التى طرحت عام 2011 مشروع قانون يعاقب كل من ينكر الإبادة التى تعرض لها الأرمن على يد الأتراك فى الحرب العالمية الأولى، دفنت رأسها فى الرمال ولم تخوض فى ماضيها الملىء بممارسات الإبادة. فى حين أنها تطبق منذ عام 1990 عقوبة كل من ينكر الهولوكست الذي تعرض له اليهود فى الحرب العالمية الثانية. بل إن فرنسا ترفض تسليم الجزائر وثائقها وأرشيفها، ووافقت فقط على تصوير بعض الوثائق التى أسمتها ملف "التسيير" فى حين رفضت تماما أن يطلع الجانب الجزائري على ما أسمته "ملفات السيادة" دون أن تبين ما الذي تضمه تلك الملفات. ربما يكون موقف أولاند أكثر مرونة فقط من الرؤساء السابقين الذين اتخذوا موقفا من إحياء اليوم الوطنى للتذكر والترحم على أرواح ضحايا حرب الجزائر ومعارك تونس والمغرب، الذي استحدث عام 2012 بموجب قانون بادر به نواب اشتراكيون، لكن لا نتجاهل أنه قال بالحرف الواحد إن إحياء الذكرى والتكريم يضم الضحايا الجزائريين والفرنسيين على حد سواء " أى أنه ساوى بين الجلاد والضحية. لكن البعض رأى فى موقف هولاند شيئا من الإيجابية، إذا ما قورن بموقف فرانسوا ميتران الذي شغل منصب وزير العدل إبان سنوات حرب التحرير وصدر خلال فترة وزارته أكبر عدد من أحكام الإعدام فى حق المجاهدين وقد عارض بشدة إحياء فرنسا لذكرى 19 مارس قائلا جملته الشهيرة " يمكن اختيار أى من التواريخ إلا هذا". فى حين قام جالك شيراك الذي كان مجندا فى حرب الجزائر على تدشين معلم "كى برانلى" القريب من برج إيفل كمعلم لضحايا حرب الجزائروتونس والمغرب. فإنه قام بحيلة ذكية كى لا يقوم بالاحتفاء بيوم 19 مارس ، حين كرس 5 ديسمبر كيوم لإحياء ذاكرة الموتى. فى حين رفض نيكولا ساركوزى الفكرة تماما وانتقد هولاند بشدة متهما إياه بالانحياز إلى ذاكرة الجزائر على حساب فرنسا. الانتقاد نفسه لاقاه هولاند من "أصحاب الأقدام السوداء" وهم المستوطنون الأوروبيون الذين سكنوا أو ولدوا فى الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي، أغلبهم من أصول فرنسية أو إيطالية أو إسبانية. وقد رفض هؤلاء البقاء فى الجزائر بعد الاستقلال، برغم أن جبهة التحرير الوطنى وجهت لهم العديد من النداءات تطالبهم بالبقاء من أجل بناء الجزائر، لكنهم رفضوا وفى أكتوبر 1963 أصدر الرئيس أحمد بن بلة قراره بتأميم آخر ممتلكاتهم فى الجزائر . وهو ما دفعهم للمطالبة بتعويضات عما تركوه لكن السلطات الجزائرية رفضت الاستجابة لهم، لأنهم غادروا الجزائر بمحض إرادتهم ولم يتم طردهم. وما زال أصحاب الأقدام السوداء، الذين أطلقت عليهم تلك التسمية - كما تشير بعض الروايات - نسبة الأحذية السوداء التى كان يرتديها الجنود الفرنسيين، مقارنة بالحفاة من ابناء الشعب الجزائري أو نظرا لعصرهم عناقيد العنب بالأرجل لإنتاج النبيذ. ما زال هؤلاء يرون أن الجزائر فرنسية وهم يعيشون فى جنوبفرنسا قرب سواحل البحر المتوسط قريبا من وطنهم الأم، وهم يتمتعون بنفوذ سياسى واقتصادى كبير داخل فرنسا. يعد الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، من أشد المدافعين عنهم، حيث التزم بإعادة إدماجهم، وإعلان العفو الشامل عن قدماء منظمة الجيش السري الإرهابي بما في ذلك الجنرالات الذين شاركوا فى انقلاب إبريل 1961 . لذلك لم يكن مستغربا أن تلاقى خطوة هولاند هجوما حادا من جانب أصحاب الأقدام السوداء، الذين تصل أعدادهم فى فرنسا حاليا إلى نحو المليون نسمة، حيث رأوا أن يوم 19 مارس هو رمز لهزيمة فرنسا فى الجزائر وقال برنارد كول رئيس جمعية شباب الأقدام السوداء، إن هولاند يبحث عن دعم الفرنسيين ذوى الأصول الجزائرية فى المعركة الانتخابية المقبلة. الموقف نفسه اتخذه "الحركى" وهم الجزائريون الذين التحقوا فى الجيش الفرنسي وحاربوا المجاهدين الجزائريين، وقد نظم هؤلاء مظاهرة احتجاج على تصرف هولاند فى جنوبفرنسا. هذا التصرف من "الحركى" وذاك من "أصحاب الأقدام السوداء" إنما يعبر عن قطاع كبير من المجتمع الفرنسي ما زال يري أن ديجول أجرم عندما اعترف باستقلال الجزائر ويرون أن الجزائر فرنسية. وما حدث فى حفل ملكة جمال الجزائر 2014 ليس ببعيد، حيث قالت إحدى أعضاء لجنة التحكيم الفرنسية لجنفييف دوفونتني وهى من أبرز أعضاء لجنة التحكيم فى مسابقة ملكة جمال فرنسا، فى كلمتها أمام الحضور "الجزائر فرنسية " وهو ما أثار غضب المسئولين الجزائريين آنذاك وقاموا بمغادرة الحفل . وقد عبر لويس آليو عن أنصار "الجزائر فرنسية" وهو نائب عن الجبهة الوطنية المتطرفة فى فرنسا، وهو ابن مستوطنة فرنسية ولدت فى باب الوادى بالعاصمة وأب مجند خلال حرب تحرير الجزائر. وذلك في بيان بثه على موقع الحزب ، جاء فيه :"إن مشاركة هولاند إساءة لذاكرة قدماء المحاربين الفرنسيين، الحركي، العائدون بعد حرب الجزائر " وتحدث عن اغتيال واختطاف مئات الجنود وآلاف المدنيين الفرنسيين والمسلمين، وزعم أن ما لا يقل عن 150 ألف "حركي " تم التنكيل بهم أو إعدامهم من قبل جبهة التحرير الوطني خلال الأسابيع التي تلت عملية وقف إطلاق النار.