اعترض أعضاء مجلس الشيوخ على مساعي الحزب الاشتراكي الفرنسي لاعتبار يوم 19 مارس يوما لتخليد ذكرى القتلى الفرنسيين الذين لقوا حتفهم إبان احتلال الجزائر منتصف القرن الماضي. وقال المعارضون إن السلطة التنفيذية تجاوزت بعض المراحل النيابية التي تتطلبها المصادقة على مشاريع القوانين ودخولها حيز التنفيذ. وأكد المعارضون أن هدف الاشتراكيين هو إدراج القانون المذكور على جدول أعمال الرئيس أولوند قبل سفره إلى الجزائر الشهر المقبل وتبنى البرلمان الفرنسي بغرفتيه تبنى مشروع قانون يعتبر "19 مارس" يومًا وطنيًا لإحياء ذكرى الضحايا العسكريين والمدنيين، لما تسميها الأدبيات الفرنسية "حرب الجزائر"، في إشارة إلى الثورة التحريرية. وحسم اليسار الذي يقف وراء الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، التصويت بأغلبية 181 مقابل 155 صوت، في تطور من شأنه أن يخفف من وطأة الحملة التي يشنها اليمين المتطرف في فرنسا ضد الجزائر، بهدف التأثير على الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي الشهر المقبل. وينص القانون الوارد في فصلين مقتضبين على اعتبار 19 مارس يوما لإحياء "ذكرى الضحايا المدنيين والعسكريين في حرب الجزائر، والمعارك في تونس والمغرب"، وتضمن مادتين فقط، الأولى تتحدث عن اعتبار التاريخ المذكور ذكرى، في حين تستثني المادة الثانية هذا اليوم من العطل المدفوعة الأجر. وقد أثار إدراج هذا القانون على جدول أعمال مجلس الشيوخ بعد عشرة أعوام على إقراره في الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى)، نقاشا حادا على خلفية الجدل الذي يطبع العلاقات الجزائرية الفرنسية، بشأن الماضي الاستعماري، حيث قوبل برفض شديد من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة، المدعومة من قبل "الحركى" والأقدام السوداء، الذين يروا في تاريخ 19 مارس المصادف لوقف إطلاق النار العام 1962، مرادفا لما يعتبروها "بداية الانتهاكات" لحقوق ما يعرف ب"فرنسيي الجزائر". ومباشرة بعد تبني البرلمان الفرنسي للقانون، قرر أعضاء مجلس الشيوخ من التيار اليميني المعارض، الطعن في القانون أمام المجلس الدستوري، ونددوا بما وصفوه "التشويش الديمقراطي"، وقرأوا في المصادقة على القانون محاولة لاستثمار نتائجه دبلوماسيا في الزيارة المرتقبة للرئيس هولاند للجزائر. أما أعضاء مجلس الشيوخ من اليسار فعبّروا عن "قلقهم" من غياب توافق بشأن تاريخ 19 مارس، الذي يعتبر لدى العديد من قدامى المحاربين الفرنسيين ومن لفّ لهم من الحركى والقدام السوداء، بمثابة انكسار للكبرياء الفرنسي أمام إرادة الشعب الجزائري، الذي حارب على مدار 132 سنة رغم حروب الإبادة والتجويع والتجهيل، التي سلّطت على الجزائريين، ونجح في الأخير في هزم أعتى قوة استعمارية في ذلك الوقت. وفي محاولة لاستدراك ما فات، ينتظر اليمين مناقشة مشروع قانون أودعوه في وقت سابق على مستوى مجلس الشيوخ، للرد به على القانون المتبني الخميس الأخير، غير أن حظوظهم في ترسيمه تبقى مستبعدة في ظل المعطيات الراهنة، لأن الأحزاب ذات التوجهات اليسارية تسيطر على البرلمان الفرنسي، ما يعني قدرتها على إفشال المقترح القانوني. ويشكل تاريخ تخليد ذكرى الضحايا المدنيين والعسكريين في حرب الجزائر، مسرح خلاف حادا بين اليمين واليسار الفرنسي، علما أن إحدى أبرز هذه الجمعيات، وهي الاتحاد الوطني للمحاربين القدامى في الجزائر والمغرب وتونس، التي تقول إنها تمثل 350 ألف عضو، تناضل منذ سنوات من أجل إعلان 19 مارس يوما وطنيا لتكريم الضحايا.