عبد الرحمن الشافعي: لم أدخل على الفرقة أى آلة غربية حفاظا على هويتنا - رضا شيحة: تراثنا صالح لكل وقت فلا توجد مناسبة ليست لها أغان فيه
- إسماعيل القليوبى: لو لم يتم التحرك لإنقاذ الموال بتعليم الأجيال الجديدة فسوف ينقرض قريبا
- كرم البنجاوى: لم أتجه لأغانى الشباب لأن كل هدفها أن تنسينا تراثنا
فى وسط زحام الفرق الشبابية بالألوان المختلفة التى تقدمها، تبدو فرقة النيل للفنون الشعبية كمن يغرد منفردا خارج السرب، فهى الوحيدة التى تحمل على عاتقها مهمة الحفاظ على تراثنا الشعبى من أغان ومواويل وسير شعبية، ولولاها لضاع هذا التراث، وإن كان بعضه ضاع بالفعل بموت العديد من أعضائها، وإن لم تحظ بالاهتمام الكافى الذى تستحقه من قبل الدولة فقل على تراثنا «الله يرحمه»، «الأهرام العربي» ذهبت إلى إحدى حفلاتها وعاشت ليلة مع أغانيها التى تفوح منها رائحة مصر الحقيقية وعبق تراثنا، ومع بعض أعضائها كانت هذه اللقاءات.
فى البداية التقينا مديرها المخرج عبد الرحمن الشافعى الذى قال: يرجع الفضل فى إنشاء هذه الفرقة إلى الراحل زكريا الحجاوى الذى يعد من أهم رواد الفن الشعبي، عندما قام فى سنة 1955 وبتكليف من الكاتب يحى حقى الذى كان مديرا مصلحة الفنون التابعة لوزارة الإرشاد القومى، بتكوين فرقة شعبية تمثل مصر فى الصين كنوع من التبادل الثقافى بناء على طلب الصين، ولأنه لم يكن هناك اهتمام بالفنون الشعبية قام الحجاوى برحلة طاف من خلالها كل قرى ونجوع مصر بحثا عن الفنانين الشعبيين الأحياء لكى يكون بهم هذه الفرقة، وظل لما يقرب من العامين وهو يجوب البلاد شرقها وغربها ويعيش أياما وليالى فى الموالد بحثا عنهم، ليعود إلى القاهرة بهذا الكنز من الفنانين المغمورين الموهوبين سواء كانوا مطربين أو عازفين أو غوازٍ وغيرهم من أصحاب المواهب الشعبية والذين تجاوز عددهم الخمسين فنانا، ومنهم كون هذه الفرقة التى أطلق عليها اسم» فرقة الفلاحين « وبدأ يقيم لها الحفلات فى حى الحسين خصوصا فى ليالى رمضان، ويطوف بها المحافظات فى الموالد والأفراح، ولم يتدخل فى أسلوبهم فى الغناء ولا فى اختياراتهم، وتركهم على تلقائيتهم وسجيتهم وأزيائهم، واشتهرت الفرقة وخرج منها نجوما مشاهير مثل أبو دراع، محمد طه، خضره محمد خضر وجمالات شيحة ورضا شيحة، وغيرهم، واعترفت بهم الحياة الثقافية، كما قدموا الملاحم الشعبية من خلال الإذاعة مثل سعد اليتيم وملاعب شيحة وغيرها، وظلت الفرقة على هذا الحال حتى تركها الحجاوى فى عام 1970 لظروف جعلته يترك مصر ويسافر خارجها، لتسند مهام إدارة الفرقة لسليمان جميل الذى قام بتسريح كل الفنانين ولم يبق سوى 9 عازفين وظل لخمس سنوات لا يقدم بها سوى أعمال محدودة . مائدة عامرة ويواصل الشافعى قائلا : فى عام 1975 توليت مسئولية الفرقة التى أصبح اسمها «النيل» بدلا من الفلاحين، وفى نفس الوقت جاءت دعوة فرنسية لمصر بأن ترسل فرقة شعبية لكى تمثل الفن الشعبى المصرى، فقمت مرة أخرى برحلة كالتى قام بها الحجاوي، وأعدت فنان الفرقة القدامى بجانب فنانين جدد اكتشفتهم فى الموالد والقرى والنجوع التى ذهبت إليها بحثا عنهم، ولم أترك الفرقة على حالها كما فعل الحجاوى، بل قمت بعمل برنامج لهم وتدريبهم بشكل علمى، وسافرت بهم فرنسا وحققنا نجاحا كبيرا هناك، ومنذ ذلك الوقت ونحن نقدم تراثنا الشعبى الذى طفنا به العالم كله وكذلك كل المحافظات، حيث كنا نشارك فى أعيادها القومية وغيرها من المناسبات. وعما يميز فرقة النيل قال الشافعى: إن كل عضو فى الفرقة له كاركتر خاص به، ويمثل بيئته فهناك الصعيدى والفلاح، وغيرهما، وكل واحد يقدم لونه ليجد المتفرج نفسه أمام مائدة عامرة من التراث الشعبى بآلات شعبية أصيلة مثل المزمار والربابة والأرغول، وغيرهم من الآلات التى تعزف بطبيعتها ولم يلحقها التمدن ولم تقترب منها الكهرباء، فلم أدخل على الفرقة أى آلة غربية مثل الجيتار أو الأورج حفاظا على هويتنا . الغناء تحت الضرب انتقلنا إلى رضا شيحة أقدم أعضاء الفرقة التى قالت: بدأت علاقتى بالفرقة منذ أكثر من 30 سنة عندما جاء زكريا الحجاوى ومعه المطربة الشعبية الشهيرة خضرة محمد خضر إلى بلدتنا منيا القمح فى الشرقية، لكى يلحقنى وشقيقتى الكبرى جمالات شيحة بالفرقة بعد أن سمع عنا، حيث كنا نغنى فى الأفراح والموالد، وبالفعل أصبحنا مطربتين بالفرقة التى طفنا معها كل مكان فى مصر، وأذكر أننى وجمالات كنا نغير ملابسنا على إضاءة السيارات، عندما ذهبنا إلى السويس والإسماعيلية والعريش لدعم جنودنا أثناء حرب الاستنزاف، وكنا نغنى والضرب من حولنا، وعندما سافر الحجاوى تم الاستغناء عن أغلب أعضاء الفرقة وكنت وشقيقتى منهم لنفاجأ بعبد الرحمن الشافعى يعيدنا لها بعد سنوات، عندما تولى مسئولية الفرقة، وقد سافرت فى عهده إلى كل بلاد العالم، التى كانت تستقبلنا بصورة رائعة وانبهار لم أكن أتخيله. وعن نوعية الأغانى التى تقدمها قالت: لا أعرف سوى تراثنا الأصيل من أغانى وسير شعبية، فتراثنا غنى وثرى بشكل لا مثيل له، فلا توجد مناسبة ليس لها أغان فى تراثنا، فالفرح له أغانية والحزن كذلك، كما لدينا أغانٍ عن كل محافظة نذهب إليها، بفضل الحجاوى الذى كنا نراه جالسا معنا فى القطار فى طريقنا إلى محافظة ما، وممسكا بالقلم ويكتب على علبة السجائر وفجأة يجمعنا حوله ويحفظنا ما كتبه عن هذه المحافظة، وما إن نصل حتى نكون قد حفظناها لنقدمها لأهلها وسط تصفيق حار . عزيزة ويونس إسماعيل عبد الصمد القليوبى، إخصائى فن الموال، هكذا يلقبه الناس، وهو أيضا من قدامى المطربين الشعبيين بالفرقة، يقول : أنا من قرية أعمار مركز طوخ بالقليوبية، نشأت على حب الغناء الشعبى، فكنت أغنى فى أفراح أهل القرية حتى بدأ صيتى ينتشر وأنا شاب صغير، وعندما سمعت عن مسابقة أقامتها الفرقة، تقدمت لها وتم قبولى منذ عام 2000 ومنذ ذلك التاريخ وأنا عضو بالفرقة حيث تخصصت فى غناء الموال وتقديم السير الشعبية مثل «عزيزة ويونس «و» الزير سالم «، وبرغم أننى كنت معروفا قبل دخولى الفرقة لكن شهرتى زادت معها، حتى إننى سجلت حلقات مع الموسيقار الراحل عمار الشريعي، وشاركت بالغناء فى أفلام مثل «فرش وغطا «مع آسر ياسين ومسلسل «وكالة عطية» . وعن حال الموال يقول بحزن: لم يعد هناك اهتمام به رغم أصالته وهناك رسائل ماجستير ودكتوراه تخصصت فيه بأنواعه مثل الأخضر والأحمر وغيره، فقط كان القدامى يعرفون قيمته، ومنهم تعلمت ذلك، لدرجة أنى كنت أبحث عنه وأذهب إلى القرى والنجوع البعيدة من أجله، وللأسف الشديد كلما فقدنا أحد من المتخصصين فى الموال فقدنا جزءا من تراثنا، فمنذ رحل عنا يوسف شتا، وأبو دراع ومحمد طه لم يأت من يعوضهما، ولو لم يتم التحرك لإنقاذ الموال بتعليم الأجيال الجديدة من المطربين فسوف ينقرض قريبا . أمانة يا مراكبي ويعد كرم البنجاوى، 27 سنة، من أحدث الأعضاء بالفرقة، شاب صغير لكنه فخور بتراث بلده إلى أقصى جد وعن قصته مع الفرقة يقول: ولدت فى أسرة فنية، فجدى الريس حنفى البنجاوى من أشهر المطربين الشعبيين، ووالدى كان عازف مزمار بالفرقة بجانب أعمامى وخلاني، فجميعهم ينتمى للفن الشعبى، وعنهم أخذت هذا العشق، وبعد وفاة والدى ذهبت إلى المخرج عبد الرحمن الشافعى، فضمنى للفرقة. وعن نوعية الأغانى التى يغنيها قال: أغنى تراث جدى حنفى مثل «يا نعناع» ، «أن دق طبل لنا أرقص»، نخل عالى»، «أمانة يا مراكبى»، «أسمر شاغلنى» وأغان أخرى كثيرة فهناك شرائط عديدة تحمل أغانيه. وعن سر ابتعاده عن جيله الذين وجدوا ضالتهم فى أغانى الكليبات والمهرجانات، أشار بأنه متمسك بالتراث ولن يرضى عنه بديلا، لأنه إرث الأجداد، مؤكدا أنه لو قدم كليبا فلن يغنى فيه سوى التراث الصعيدي، لأن كل هدفه من الغناء هو الحفاظ على التراث حتى لا يموت، خصوصا فى ظل الأغانى التى تقدم حاليا وكل هدفها أن تنسينا تراثنا.