بعيدا عن حياة الفنانين الصاخبة وفى منزل متواضع بمنطقة إمبابة، تعيش رائدة فن الموال الشعبى الفنانة جمالات شيحة وسط أبنائها وأحفادها، فالكل يعرفها هناك ويقدرها، فيكفى أن تسأل أصغر طفل عن منزلها فيدلك عليه بكل سهولة، وفى منزلها البسيط استقبلت «الحاجة» جمالات شيحة «اليوم السابع» بوجهها البشوش، لتكشف الستار عن سنوات تفانٍ طويلة قضتها فى غناء المواويل بقليل من البهجة وكثير من الحزن. الكثير من الشباب يسمعون أغانيك ويحفظون مواويلك، ولكن لا يعرفون كثيرا عن بداياتك الغنائية، فكيف بدأت الغناء؟ - بدأت الغناء وأنا فى سن الثانية عشرة، وبعد أن شربت حب الفن والغناء من والدى ووالدتى واستطعت حفظ أغنيات كبار الفنانين والفنانات وقتها مثل العندليب عبدالحليم حافظ وفايزة أحمد وغيرهما، بدأت الغناء فى مولد «شيخ العرب السيد» وهو مولد كبير وغيره من الموالد الكبرى إلى أن اكتشفنى فنان الشعب ورائد الفن الشعبى زكريا الحجاوى. وكيف اكتشفك زكريا الحجاوى؟ - كنت فى زيارة للقاهرة وذهبت إلى ملاهى على حسن، وكان يقع بالملاهى مسرح زكريا الحجاوى، وتعرفت عليه وقتها وسمع فنى وغنائى، وقام بتوظيفى أنا وشقيقتى رضا فى مسرح القلعة بالمقطم ووقتها كان الراحل ثروت عكاشة يشغل منصب وزير الثقافة والراحل عبدالمنعم الصاوى وكيل الوزارة قبل أن يصبح وزيرا، وقمنا بتكوين فرقة الفلاحين للغناء الشعبى منذ عام 1961 والتابعة لوزارة الثقافة، وحققنا نجاحا كبيرا، وسافرنا إلى أغلب دول العالم من شرقها إلى غربها وقدمنا بالتلفزيون أوبريتات غنائية ناجحة منها «خيال المآتة» وغيرها. ولماذا ابتعدت عن الساحة الفنية رغم أنك تحتفظين بجمال صوتك وقوته؟ - أعانى من أمراض مزمنة بالقلب وهشاشة العظام، وهو ما يعيق وقوفى على المسرح بالساعات كما تعودت، وفى نفس الوقت لا أحب أن أغنى وأنا جالسة على الكرسى، ولأنه آن الأوان وأنا فى سن السابعة والسبعين أن أستريح. هناك عدد من الفنانين الشعبيين على الساحة فكيف ترين فنهم؟ - هناك عدد كبير من المطربين الشعبيين، ولكن لا أسمع منهم أحدا فأنا أعشق صوت الفنان أحمد سعد والفنانة غادة رجب ومحمد محيى وسميرة سعيد. كيف جاء تعاونك مع المطرب محمد محيى فى ألبومه «مظلوم»؟ - كنت فى إحدى الجولات الفنية خارج مصر، ووقتها كان يفكر محيى فى مشاركته الغناء فى الألبوم، وانتظرنى لفترة طويلة حتى عدت من السفر وعرض على الاشتراك معه فى أغنية مظلوم، ورحبت بها جدا لأنها تتماشى مع ما نقدمه من فن للموال الشعبى. سافرت إلى الكثير من دول العالم أى البلاد أكثر تفهما لما تقدمينه من فن شعبى؟ - سافرت مع الفرق الشعبية إلى دول كثيرة بصحبة فتحى سلامة منها اليابان وغيرها لكن أكثر من تذوق فنى هم فرنسا وأمريكا. فى ظل وجود الإخوان والسلفيين بالبرلمان، هل تخشين على الفن الشعبى من الاندثار؟ - نعم أخاف على الفن الشعبى من الاندثار وأخاف عليه أيضا من كثرة المطربين الشعبيين ممن يقدمون غناء لا يمت للفن الشعبى بصلة. لماذا لم تفكرى فى عمل مكتبة لأرشفة تاريخك الفنى؟ - أنا امرأة أمية أجهل القراءة أو الكتابة وأولادى «غلابة» لم يدركوا أهمية ذلك «فضيعونى وضيعوا تاريخى». ولماذا لم تفكرى حتى فى تدريس ذلك الفن حتى لا يندثر؟ - الفرقة القومية للموسيقى الشعبية طلبت منى ذلك، ولكنى الآن لا أتحمل مشقة التدريس والتعليم. لماذا كنت تبكين دائما وأنت تغنين مواويلك؟ - دائما أتذكر ولدى البكرى «وحيد» الذى توفى غرقا فى ترعة التوفيقية، وهو سبب حزنى الشديد. وهل أثرت وفاة نجلك البكرى وحيد على حياتك الفنية؟ - الهموم والحزن والأسى تدفع الفنان دائما إلى الإبداع أكثر وأكثر، لأن الفن متنفس عما يطويه القلب من هموم ومشاعر حب وحزن وفرح وغيرها وأنا الآن مهمومة بتربية أبناء وحيد العشرة. وما هو مصدر دخلك الآن، وكيف تصرفين على أحفادك العشرة؟ - من معاش نقابة الموسيقيين وهو 320 جنيها فقط، وهو «لا يغنى ولا يسمن من جوع»، فمصاريف علاجى الشهرية تصل إلى 800 جنيه، ورغم أننى من مؤسسى نقابة الموسيقيين فإن النقابة ترفض أن تعطينى أكثر من 200 جنيه كمصاريف علاج فى الوقت. بعد أكثر من 60 عاما من العطاء الفنى، ماذا تريدين الآن؟ - أعانى من المرض والتجاهل وقلة الحيلة ولا أريد من الدنيا إلا «كشكًا» أؤمن به قوت يومى ومعاشا من وزارة الثقافة التى لا تسأل عنى.