هبة عادل "الفلسطينية الشجاعة، حارسة بقائنا وحياتنا، حارسة نارنا الدائمة"، هذا هو شعار الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، فالتاريخ ملىء بمناضلات فلسطينيات من بينهن: فاطمة غزال، ميمنة عز الدين القسام، طرب عبد الهادى، عقيلة البديرى، نبيهة ناصر، الأختان مهيبة وعربية خورشيد، عادلة فطايرى، يسرا طوقان، فاطمة أبو الهدى، نجلاء الأسمر، حياة البلبيسى، جوليت زكّا، فاطمة برناوى، شادية أبو غزالة، عبلة طه، لطيفة الحواري، خديجة أبو عرن، ليلى خالد، ريما بلعوشة، زهيرة اندراوس، أمينة دحبور، دعاء الجيوسي، لينا النابلسي، و«بيان عسيلة» .. المرأة أم الشهيد وزوجته، مصنع الرجال والشهداء . وحول دور المرأة ونضالها عبر تاريخ القضية الفلسطينية، كان حوارنا التالى مع عبلة الدجانى رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية. إذا أردنا التوثيق لنضال المرأة الفلسطينية... فمن أين نبدأ؟ نستطيع القول إن النضال بدأ بعد صدور وعد بلفور 1917، وقد كانت أول مناضلة نسائية فى الحركة «زليخة الشهابى» التى أسست جمعية مقاومة إقامة الدولة الصهيونية. وبعد عام 1929 تشكل الاتحاد النسائى الفلسطينى فى تسع دول عربية .. وبعد الحرب العالمية الثانية التى فتحت أبواب فلسطين على مصراعيها أمام اليهود فأتوا مسلحين ومدربين على حمل السلاح .وبدأ دور المقاومة المسلحة ونضال المرأة فى مساندة الرجل .. ومن ضمن المعاناة والكذب هى أن الشعب الفلسطينى باع الأرض فكيف لشعب يقيم فى المخميمات يرضى أن ينام فى مخيمات، فأين ذهبت أموال البيع؟ ولماذا ارتضوا ألا يتركوا الوطن وأن يقاتلوا من أجله .. فالأراضى التى بيعت هى ليست أكثر من 6 % وال94 %، هى ملك لنا.. فهذه كلها أكاذيب. ونستطيع القول إن المرأة كان لها دور كبير فى المقاومة، فقد كانت طوال مراحل الكفاح، ترسل الطعام فى الكهوف والجبال للمناضلين وتأتى لهم بمعلومات عن التحركات البريطانية، وكانت تزور أهالى الشهداء والمعتقلين .. فقد كانت العملة وقتها تكتب بالثلاث لغات الإنجليزية والعبرية والعربية لتأكيد أن فلسطين ليست دولة . وظهر التشكيل النسائى الفلسطينى عام 1935 بدون سلاح بقيادة «عز الدين القسام»، وهو أول قائد للثورة التى شاركت بها المرأة، فقد كانت بريطانيا تستقبل الشباب اليهود من جميع البلاد لكى يقيموا الدولة، وكانت هناك مقاومة ضد المهاجرين اليهود والإنجليز. وقد قامت السيدة «هدى شعراوى» بدعم الاتحاد النسائى للاتحاد عام 1918 وكان يضم: مصر، فلسطين، لبنان، سوريا، العراق. متى بدأ الكفاح المسلح للمرأة الفلسطينية ؟ جاء التشكيل النسائى بعد ذلك بقيادة «زهرة الأقوحان»، وكانت أول عملية بقيادة مهيبة خورشيد، فالمقاومة وصلت إلى ذروتها بعد مذبحة دير ياسين وقتل 250 شخصا وهرب الكثير من الفلسطينين إلى مصر ولبنانوسوريا والعديد من دول العالم، وبعد ذلك جاءت مقاومة الانتفاضة وكانت بالحجارة وقوية ومؤثرة أكثر من انتفاضة السلاح، فالمرأة كان لها دور عظيم بها، فقد قاطعت المرأة جميع المنتجات الإسرائيلية، فرفضت أن تلبس زياً جديداً لأنهم كانوا يشترون القماش منهم لهم ولأولادهم وقاموا بمقاطعة المنتجات الغذائية وقاموا بزراعة الأرض والحصول على الاحتياجات الضرورية بيدهم، وكان الزعيم الراحل ياسر عرفات قد جاء إلى فلسطين وترك الكويت التى كان يعمل بها مهندس ليشارك شعبة فى المقاومة ويقوم بمنحهم الأموال والمعونات التى تأتى لهم وتقوم النساء بدور مهم وهى أن ترتدى زيا أسود فى الليل لكى توزع المعونات على المنازل الفلسطينية بدون أن يراها أحد وكان يفرض عليهن حظر تجوال فقد يمنعهم أيضاً من فرصة التعليم، فقد فتحت ساحات الكنائس والجوامع لكى يعلموا بها أولادهم وبعد تلك الانتفاضة العظيمة التى كانت بها المرأة بطلة .. قاموا بالتوقيع مع أبو عمار بالموافقة على دخول الفلسطينيين وقد كان ودخل 700 ألف فلسطينى عام 1992، وقد قمنا أيضاً بالتحرك والاشتراك فى 72 حزبا اشتراكيا فى الدول لكى تقوم بمساندة قضيتنا والاعتراف أمام برلمان كل دولة منهم بنا. فالمرأة كانت موجودة فى حماية المسجد الأقصى، وكانت تشارك فى جميع المظاهرات . وفى عام 1964 تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، وفى يناير 1965 انطلقت أول عملية عسكرية ونحتفل بهذا التاريخ كل عام .. وأول امرأة قامت بعملية هى «فاطمة البرناوى» وكانت سوداء اللون، لأن والدها كان من أصل نيجيرى، لكن أمها كانت فلسطينية فقامت هى وشاب بالذهاب إلى سينما صهيون فى مدينة القدس عام 67 بعد الهزيمة ووضعت المتفجرات وقبل انفجارها اكتشفوا العملية، وتم القبض عليها أثناء خروجها من السينما ولاختلاف شكلها شكوا بها وتم اعتقالها عشر سنوات، فقام الزعيم ياسر عرفات بتهريب أختها من البلد لكى لا تؤسر هى الأخرى. المرأة الفلسطينية عانت مرارة الاعتقال.. حدثينا عن تلك التجربة ؟ لقد أقامت سلطات الاحتلال منذ عام 1967 ثلاثة مراكز لاعتقال المناضلات الفلسطينيات، الأول فى نابلس، والثانى فى القدس (المسكوبية) والثالث فى غزة، وقد شهدت المناضلات فى هذه المراكز معاملة قاسية جداً، وزاد من قساوة ذلك قلة عدد المعتق لات فى الأسر فى مرحلة البدايات ( 1967 _ 1980 ) الأمر الذى جعل الطلائع الأولى للمناضلات الأسيرات وعلى رأسهن فاطمة البرناوى وتريزا هلسة وعبلة طه أكثر معاناة من غيرهن .. خصوصا أنهن واجهن السياسة الشرسة التى استهدفتهن، ومع ذلك فقد أثبتت أسيرات الثورة قدرتهن على الصمود والمواجهة بالتعاون والتعاضد والتكامل التام والكامل مع أسرى الثورة فى المعتقلات الأخرى. وبعدها قامت المناضلة الفدائية «ليلى خالد» بخطف طائرة أمريكية وأخرى إسرائيلية وذهبت بالأولى إلى سوريا والثانية إلى الجزائر، لكن اعتقلت، وكما قامت «تريزا هلسة» باختطاف طائرة، لكن قبض عليها واعتقلت هى الأخرى، لكن تمكنوا من المساومة وتم خروجهن، وبعد ذلك ظهرت «مريم شخشخير» وسمية عودة وعائشة عودة ولميس الهباب كانت من سوريا وقبض عليها وهى تحمل صواعق فأثناء وجودهن بالسجون كن يقمن بالمقاومة أيضاً .. ونجد فى غزة عايدة عيسى سعد ألقت بقنبلة على سيارة عسكرية .. ولطيفة الحوارى فلسطينية من عرب فلسطين فقد قبض عليها وهى تلقى بقنبلة فى السوق. وكانت الأسيرة الفلسطينية فاطمة البرناوى، أول أسيرة تدخل تجربة الاعتقال، وهى من مواليد القدس كانت تعمل ممرضة فى مستشفى قلقيلية، اعتقلت فى أواخر عام 1967، وكان معتقل النساء فى سجن الرملة هو المعتقل الذى تم به احتجاز الأسيرات حتى عام 1986، حيث تم نقل الأسيرات بعد عملية تبادل الأسرى عام 1985 إلى معتقل تلموند، وبعد الإفراج عن 25 أسيرة فلسطينية فى بداية عام 1997 أعيد استخدام سجن الرملة كمكان لاحتجاز الأسيرات . كيف بدأ الوضع يتغير مع تطور الصراع ؟ كانت هناك وجهة جديدة فى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، عندما دخلت إلى المعتقل مجموعات من المناضلات اللواتى قطعن شوطاً لا بأس به من الوعى السياسى والتنظيمى، فبدأت تظهر داخل المعتقل أطر تنظيمية واضحة تتعامل فيما بينها حسب ضوابط وقوانين محددة، حيث اتسم النضال فى هذه المرحلة بسمة منظمة وعملية بعيدة عن الهوجائية والتخبط والتسرع وأفرزت من قبل السجينات لجنة اعتقالية للحوار مع إدارة المعتقل وتمثيل المعتقلات، ومن ذلك الحين أصبح الوضع يسير بخطى حثيثة واعية نحو الأفضل إذ بدأت الأسيرات بتحديد أولويات الصراع وبناء أسس سليمة لوضع اعتقالى عن طريق خوض النضالات ضد القوانين المفروضة عليهن والتى لا تتناسب مع مبادئهن كثائرات، فكان الإضراب الشهير الذى خضنه بتاريخ 28/4/1970 وتمثل شكل الإضراب بفصل طعامهن عن طعام السجانات تعبيراً عن رفضهن المشاركة فى صنع طعام سجاناتهن. وقد امتد هذا الإضراب لمدة تسعة أشهر متواصلة مارست إدارة المعتقل خلال هذه الفترة أساليب الضغط والإرهاب، حيث صودرت الكتب والمذياع ومنعت الأسيرات من الخروج إلى (ساحة النزهة) أو ما تسمى (الفورة) وتقلصت زيارات الأقارب إلى زيارة واحدة كل شهرين فى محاولة يائسة من إدارة السجون لشل الإضراب وكسره، كما تخلل هذه الفترة رش الغاز السام والمسيل للدموع بكميات كثيفة جداً، مما سبب إصابة العديد من الأسيرات بإصابات بالغة وحروق وتشويهات وبعد تسعة أشهر توج نضال الأسيرات بقبول الإدارة بمطلبهن وتبع ذلك تثبيت (اللجنة الاعتقالية)، كممثل شرعى للمعتقلات لدى الإدارة وتحسينات أخرى فى الأمور الحياتية للمعتقلات مثل نوع وكمية الطعام المقدم لهن .. وقد تجلت صورة المرأة الفلسطينية القادرة على خوض الصراع بأصعب أشكاله والعيش ضمن أصعب الظروف الاعتقالية والمحافظة على هويتها النضالية.. ولم يكن هذا الصراع هو نهاية المطاف، فالمسيرة النضالية واصلت تفاعلها وارتقاءها، حيث كان هناك إضراب آخر بهدف تحسين الأوضاع العامة، وتدرجت الأسيرات فى خطواتهن النضالية لتغيير القوانين الجائرة والمفروضة عليهن، حتى كان إضراب 12/11/1984 المفتوح عن الطعام، حيث حدد مطلب رفض العمل فى مرافق العمل الإنتاجية الإسرائيلية ،وحصر العمل فى مواقع الخدمات التى تخص الأسيرات أنفسهن كالتنظيف والمطبخ والخياطة إضافة إلى فصلهن التام عن السجينات الجنائيات ووضعهن فى قسم خاص بهن وتوفير ظروف إنسانية واعتقالية كتلك الموجودة فى بقية السجون، وقد انتصرت إرادة الأسيرات فى نهاية المطاف، وجدير بالذكر أن الصراع مع إدارة المعتقل لا يتوقف من مجرد استجابة الإدارة لمطالب جزئية ومحددة للأسيرات، إذ سرعان ما تحاول الإدارة الانقضاض على إنجازات الأسيرات. وفى كل وقت المرأة موجودة فى أماكن الجرحى والشهداء والكمائن وأشهرهن «دلال المغربى»، فقد كانت قائدة مجموعة فكانوا عبارة عن ضفادع بشرية وقامت بالاستيلاء على أتوبيس به إسرائيليون واستشهدت هى والمجموعة عام 1981، وكان ذلك فى لبنان وبعدها خرجنا من لبنان وفرض الحصار عليها. الاحتلال الإسرائيلى لم يعد يستهدف النساء.. بل أضحى أيضا يستهدف الأطفال بشكل واضح ..فهل ترينها سياسة ممنهجة؟ فنجدهم الآن يقامون الطفل لأنه مشروع مقاومة، فقد كانت جولدامائير تقول «الكبار يموتون والصغار لا ينسون»، فالطفل الفلسطينى يرضع حب فلسطين فنحن الآن الجيل الرابع فهم لا يستطيعون أن ينزعوا منا ذلك الحب. فأنا أرى أن انتفاضة الحجارة كانت أقوى بكثير من انتفاضة السلاح الآن، فكان للمقاطعة صوت أعلى من صوت الرصاص، فالآن يستهد الأطفال قبل الكبار،فآخر شهيدة هى الفتاة المتفوقة «بيان عسيلة» ذات ال16 عاماً فى هذه الانتفاضة الأخيرة.