الآن فقط فهمت وبعد مرور ما يقرب من 35 عاما، ما هو دافع الغضب والتوتر العصبى والنقمة التى كانت تسرى فى كيان الجنرال أبى، والذى كان لايزال فى الخدمة آنذاك. كلما فتح الصفحة الأولى للجرائد القومية ورأى الصورة إياها المقررة على الشعب المصرى منذ أيام الفرعون حتى العام الماضى، هدأ الغضب قليلا فى فترة العبور ولمدة كام عام حتى عاوده ليعود أقوى مما كان بعد اتفاقية الانبطاح والهوان المسماة باتفاقية السلام الداودية الصهيونية. ولأننى كنت ومازلت من الثوار ضد الأوامر العسكرية المنزلية والقهر والفساد والأوامر السيادية التى فى ظاهرها الرحمة وفى باطنها لا يعلم أصلها وفصلها إلا الله.. فقد كنت أقف مثل اللقمة فى زور أبى أسأل لماذا كل هذا الغضب من تلك الاتفاقية وبنودها؟ وهل هناك بنود عسكرية سرية لا نعلمها؟ وهل مثلا مثلا ستتحولون من معادين للكامب الصهيونى الأمريكى كعسكر إلى محبين ومريدين لهذا الكامب؟ وهل دم شهداء 67 و73 وما بينهما من حروب الاستنزاف راح هدرا بعد هذا الصلح؟ أليس الصلح خيرا يا عم الجنرال ومئات الآلاف من الأسئلة التى بلا إجابة؟ وظل أبى كعادة الجنرالات «قافلا» فمه على قدس أقداس الغضب والحزن، وهو يرى عمليات الإحلال والتجديد والتبديل من المعسكر العسكرى الشرقى إلى المعسكر العسكرى الأمريكانى، وليس حتى الغربى!! ولأن أبى كان متربيا عسكريا منذ رتبته الأولى حتى الأخيرة لواء لمدة 7 سنوات قابلة للتجديد كرئيس لشعبة المهندسين، أقول كان «متربيا» عسكريا من الخمسينيات على أن الاستعمار غربى إنجليزى ثم أمريكى خصوصا بعد نكسة 67. وكنت أسمعه دائما يقول إن أمريكا نمر من ورق؟! ولأنه حارب وبذل العمر والدم ضاع منه وزملاء الكفاح المسلح شهداء شهداء على أرض سيناء بيد اليهود الصهاينة الأمريكان، فقد كانت كراهيته لليهود الصهاينة، ويبدو والله أعلم أنه كقائد من قادة الجيش أصبح عليه التعامل مع الخبراء الأمريكان الذين كانوا بالأمس أعداء، وبأمر السياسة ولعبة السياسة أطاع الأوامر، وتأكدت من ذلك ومن كراهية أبى للعبة السياسة التى جعلت من العدو حبيبا، وهو يصرخ فى التليفون رافضا طلبا من الخبراء الأمريكان بنقل أطنان من «بكر تواليت الحمام الأمريكانى»، لأنهم لا يفضلون بكر تواليت الحمام المصرى، والنقل سيكون طبعا على حساب المصريين! ولأن أبى صعيدى الهوى ودمه حر، إذ به يصرخ رافضا معلقا كعادته الساخرة حتى يوم مماته بيد قوات اللهو الخفى إياها بتاعت اليومين دول، وقال مش حنقل ولا أشيل ورق تواليت للحمام أمريكانى، وهو ما له المصرى يعنى «صنفرة» على.......؟ وأغلق السماعة فى وجه المتحدث وبعد عدة أيام تلقى رئيس الجمهورية محمد أنور السادات شكوى رسمية بأن هناك ضابطا مهندسا مصريا سوف يهدد العلاقات بين مصر وأمريكا «العظمى» والعظمى دى من عندى، وإذا برئيس مصر يسأل نائبه عن هذا الإرهابى المهندس الذى سيهدد العلاقات المصرية الكامب ديفيدية الأمريكية، وإذا بنائبه آنذاك محمد حسنى مبارك يقول إنه ليس مهندسا عاديا، إنه رئيس شعبة المهندسين، لكن مع الأسف لسانه زالف حبتين وهو خبير هندسى كبير فى الطيران، وقد ساعد وشعبته من المهندسين فى تعديل وإصلاح سلاح الطيران عقب النكسة وحتى النصر والعبور، وهنا أصدر السادات بحكمته المعهودة وأبوته المشهودة قرارا جمهوريا بالاستغناء عن خدمات الجنرال . وإنقاذا للعلاقات حملنا فى طائرتنا ورق حمام الأمريكان.. ويقولوا الله على السلام. وللحديث بقية والله أعلم.