حسناء الجريسى قدر للعديد من السيدات فى أنحاء الوطن العربي، أن يتقلدن منصب وزيرات الثقافة، باستثناء مصر، علي الرغم من تولي المرأة فيها للعديد من الحقائب الوزارية المختلفة، مثل التضامن، والقوي العاملة والهجرة، والبيئة، بينما تظل وزارة الثقافة المصرية مقتصرة علي الرجال فقط، فقد شهدت حكومة محلب تولي 4 سيدات حقائب وزارية مختلفة، ما عدا الثقافة، والمرة الوحيدة التي تم فيها اختيار وزيرة للثقافة كانت فى عهد "الببلاوي" الذي قرر اختيار إيناس عبد الدايم رئيس الأوبرا المصرية وزيرة للثقافة، لكن أمورا غير مفهومة، جعلتها تعتذر عن عدم تولي هذا المنصب.. والسؤال: لماذا لم تتولي امرأة وزارة الثقافة المصرية طوال تاريخها؟ ففى سوريا على سبيل المثال تولت حقيبة وزارة الثقافة 4 سيدات على مدار سنوات مختلفة، وكذلك فى الأردن، كما حالف الحظ المرأة الفلسطينية والجزائرية والمغربية؟ هل مهام العمل الثقافى فى مصر شاقة للدرجة التي تجعل المرأة غير قادرة علي تولي مسئولية الوزارة، على الرغم من ظهور جيل بارز من المبدعات المصريات فى مجال الكتابة؟ على سبيل المثال فى دولة الجزائر شغلت خليدة تومي منصب وزير الثقافة لمدة 12 عاما، وقد تلقت تعليمها فى مسقط رأسها، ثم التحقت بالجزائر العاصمة لتدرس الرياضيات، والتحقت بالبرلمان عام 1997، وكانت من أشد المدافعين عن حقوق المرأة، انضمت إلي حزب العمال وشغلت منصب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق المرأة وبعدها انضمت إلي حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، خلال توليها وزارة الثقافة استطاعت أن تؤسس للعديد من المهرجانات الدولية والعواصم الثقافية..وتأتي خلفا لها نادية العبيدي شرابي، تلك السيدة التي درست علم الاجتماع فى جامعة السوربون، ومارست التدريس والإخراج والإنتاج السينمائي، وكانت ترفض أن يرتبط عملها السينمائي بكونها امرأة، ولا تقبل أن توضع في قالب محدد قائلة: "أنا مبدعة والمبدع الحقيقي لا يرتبط بلون ولا تقيده حدود"..من الجزائر ننتقل إلى سوريا وهناك تولت نجاح العطار وزارة الثقافة السورية لمدة ربع قرن، وكانت أول سيدة تتولي هذا المنصب، وقد تعاونت مع المثقفين باعتبارهم أعمدة الوزارة بصرف النظر عن انتمائهم السياسى، وشهدت الوزارة في عهدها العديد من المنجزات الفكرية والثقافية..وتأتي مها قنوت لتكون ثاني وزيرة للثقافة في سوريا، وفي عهدها حدثت قطيعة كبيرة بينها وبين المثقفين، وتولت نجوى قصاب حسن الوزارة خلفا لقنوت من العام 2001 حتى عام 2003، حيث درست الفلسفة، وكانت عضو جمعية البحوث ومدرسا بجامعة دمشق، وفي العام 2012، تولت لبانة مشوح وزارة الثقافة السورية، وهي حاصلة على الدكتوراه في اللسانيات العامة من جامعة باريس. ومن سوريا ننتقل إلى المغرب حيث تولت حقيبة وزارة الثقافة الفنانة المسرحية ثريا جبران، وكانت أول سيدة في المغرب تتولي هذا المنصب بقرار من الملك محمد السادس وهي تعد من الأسماء البارزة واللامعة في المجال المسرحي في العالم..أما في دولة البحرين فحالف الحظ الأميرة مي آل خليفة لتتولي وزارة الثقافة والإعلام منذ عام 2008، وحتي وقتنا هذا، وهي أيضا أول وزيرة تتولي هذا المنصب، بينما في الأردن تولت وزارة الثقافة أسمي خضر لمدة عام 2004 -2005، وكانت الأمين العام للجنة الوطنية، ثم جاءت نانسي بكير 2007 حتي 2009، وتأتي خلفا لها د. لانا مامكغ، إعلامية أردنية وأستاذة جامعية وكاتبة، من أصول شركسية، وتعد من الإعلاميين الأوائل في التليفزيون والإذاعة الأردنية . ولم تكن المرأة الفلسطينية أقل حظا من مثيلاتها في الدول السابق ذكرها بل حالفها الحظ أيضا لتتولى تهاني أبو دقة منصب وزيرة الثقافة، حيث شهد عهدها اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية، ثم جاءت سهام البرغوثي خلفا لها لتتولي الوزارة من العام 2008 حتى 2013..بعد هذا العرض السريع: لماذا لم تتول سيدة وزارة الثقافة المصرية حتى الآن؟ في البداية أبدى الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، اندهاشه من السؤال وقال: لماذا وزيرة للثقافة ولم نقل وزيرة للحربية أو الخارجية أو الدفاع؟ لماذا لا تكون لدينا رئيسة للجمهورية؟ ثم عاد ليقول: المهم أن يكون من يتولى الوزارة علي قدر المسئولية، وجديرا بحل مشاكل الثقافة، فوزارة الثقافة ليست مخصصة للنساء أو الرجال، إنما هي لمن يستطيع أن يقوم بمهام هذه الوظيفة بجدارة. بينما تري الكاتبة فريدة النقاش أن هذا ينطبق على كل المناصب الكبرى في مصر، التي تحجب عن المرأة، لافتة النظر إلى أنه في العام الذي حكم فيه الإخوان مصر جاءت مبادرة "المرشد" صريحة بأن الولاية لا تجوز للمرأة، هناك ثقافة تجذرت في المجتمع، وتنظر بعين الريبة للمرأة، حين تولي المناصب، برغم أن 40 % من هيئات التدريس في مصر تشكلها وتشغلها النساء. بينما يقول القاص سعيد الكفراوي: إن تاريخ وزارة الثقافة المصرية يؤكد أن أي وزير يتولاها يمكث بها فترة طويلة، كما حدث أيام د. ثروت عكاشة ومن بعده فاروق حسني وذلك بسبب رضا السلطة الحاكمة في ذلك الوقت عن الشخص المختار لهذه الحقيبة الوزارية، لذلك ضاقت الفرص أمام العديد، خصوصا النساء، بسبب طول مدة إدارة السابقين. ويرى أنه من قبل كان الواقع المنظور لم يبين لنا كفاءات نسائية قادرة على تولي تلك الحقيبة، لافتا النظر إلى أن النظام المصري منذ الحقبة الليبرالية ينظر للمرأة على أنها لا تستطيع إدارة العمل العام. بينما تري الروائية سلوى بكر، أنه ربما لو تساءلنا عن مواقع اتخاذ القرار، نلاحظ استبعاد المرأة بفعل القيم والمفاهيم السائدة في المجتمع بسبب الرجال الذين يزعمون الحداثة، فهم يتبنون منهج أن المرأة أدني من الثقافة الموجودة بداخلها. وتؤكد أننا بحاجة إلي تجديد الخطاب الديني المؤثر في المجتمع، وبالفعل هناك العديد من النساء أزعم – الكلام لبكر - أن لديهن القدرة على تولي موقع وزارة الثقافة بجدارة، لكن يظل السؤال: لماذا يحدث هذا؟ وطبعا الإجابة تكمن في مفاهيم الرجال الذين يتشدقون كثيرا بالدستور، ومن وجهة نظرها فإن المسألة ليست مرتبطة بالنوع لكن بمن لديه القدرة على مواجهة الفساد، وبمن يجذر الثقافة في المجتمع. وترى الكاتبة إقبال بركة، أن الإجابة عند الحكومة التي تفضل الرجال عن النساء، لافتة النظر إلى أن هناك دولا تولت فيها المرأة وزارة الدفاع والخارجية بل ورئيس الجمهورية، فالمسألة ليست مرتبطة بالنوع، بل بكفاءة الأشخاص. وترى أن المرأة أقدر على فهم القضايا الثقافية، لكننا مازلنا نعيش عصر الذكور، فهم يتصورون أن العمل الثقافي شاق ومرهق للنساء، وهذا ليس صحيحا. بينما تقول د. سهير المصادفة: نحن ما زلنا في مجتمع ذكوري بامتياز، ذكوري إلى حدّ قهر المرأة للمرأة، سمعت ذات مرة من امرأة تعمل في وزارة الثقافة وتحاول الكتابة بأنها لا تقبل وزيرة ثقافة امرأة، اندهشت وقلت لها وكنا فى أروقة معرض الكتاب بأن مؤسسة هذا المعرض هي الدكتورة سهير القلماوي فامتعضتْ وقالت بجلافة وصفاقة: آه... لكن وزيرة لا، كما أقر مدير عام بهيئة الكتاب بأنه سينتحر إذا ما تولت أمره امرأة، وزارة الثقافة بالذات هي أكثر الوزارات صخبًا وقسوة وصعوبة، فكل المتعاملين معها والمتابعين لها يحملون أقلامًا مسنونة وأحيانًا مسمومة كالخناجر، هذا علاوة على المبتزين والمهددين من أشباه الكُتاب. ولا تظن المصادفة أن الوزير وحده يستطيع أن يسيطر على الفساد وحده، فالفساد منظومة كاملة، ومن العبث أن نظن أن فردا واحدا مهما كان موقعه ونبله وشرفه يستطيع التصدي له، ببساطة الفساد نتج عن نظام وآليات معينة، ولكي نحاربه علينا تغيير النظام والآليات، ولا أظن أن المرأة تتحمل منصب وزير الثقافة في مصر، فمصر دولة كبيرة والمشهد الثقافي والأدبي فيها معقد إلى حد كبير وملوث بالشللية والكراهية منذ عقود..ومن ناحيتها تقول بهيجة حسين إن القضية ليست في النوع فلدينا عشرات المثقفات اللاتي يدركن ضرورة الثقافة في مصر، وأن الثقافة المستنيرة هي معركة حياة، القضية الحقيقية تكمن في النظرة المتدنية للمرأة، فلم يتم التعامل معها على أرضية المواطنة، لافتة النظر إلى أن وزارة الثقافة في مصر تم تجريفها وعشش بها الفكر المتخلف والترهل، فهذه الوزارة تحتاج إلى إعادة هيكلة من أولى درجات السلم حتى آخرها.