قبل خمسة عشر عاماً كان ميلاد مجلتنا «الأهرام العربى» التى قررت مؤسستنا الأهرام أن تقدمها خدمة لقارئ مصرى يؤمن بأن بلاد العرب أوطانه، ويريد أن يطلع على ما يدور فيها، وقارئ عربى يرتبط بمصر بيت العرب ومهد الحضارة وأرض التاريخ، فجاءت «الأهرام العربى» لتكون جسراً للتواصل بين مصر ومحيطها العربى، وشرُفت بأننى كنت أحد أفراد فريقها المؤسس منذ كانت فكرة وحتى أصبحت واقعاً ملموساً، لتسد الفراغ الذى كانت تعانيه السوق الصحفية المصرية لعدم وجود مطبوعة واحدة تُعنى وتهتم بالقضايا العربية. وها هو العام السادس عشر، يطل علينا بعد رحلة شاقة من العمل المضنى فى بلاط صاحبة الجلالة، قدمت فيها المجلة الجهد المخلص فى خدمة قضايا الأمة العربية، وسعت من أجل إيجاد إجابات شافية لأهم الأسئلة المطروحة على الساحة فى كل القضايا برغم كثرتها. وكانت المجلة تنطلق فى مسيرتها برصانة ومسئولية مستندة إلى تاريخ المؤسسة التى تنتمى إليها، وثقة القراء فيها باعتبارها منارة الصحافة العربية، وشاء القدر أن تأتى بداية العام السادس عشر، متزامنة مع تشرفى بنيل ثقة مجلس إدارة المؤسسة برئاسة الأستاذ عبدالفتاح الجبالى، ومباركة زملائى الأعزاء أسرة تحرير «الأهرام العربى» لتولى مهمة رئاسة التحرير التنفيذية، وهو الأمر الذى طوق رقبتى ووضعنى فى صراع جديد من أجل التجديد والتجويد لخدمة القارئ العربى الكريم، وتقديم وجبة صحفية متنوعة ومتميزة ومتكاملة العناصر تحافظ على تاريخ «الأهرام العربى» وتضيف سطوراً مضيئة فى كتاب تاريخها وهو ما سنسعى إليه ونعمل من أجله أنا وزملائى الأعزاء، أعضاء أسرة تحرير مجلتنا، ومن قبيل المصادفة أن يتزامن بدء العام السادس عشر مع بداية فصل الربيع الذى يأتى هذا العام ساخناً فى كل بلدان الوطن العربى، حتى كدنا نحسب أن الربيع لم يعد من فصول العام بسبب التغيرات المناخية، والتى سارت على نهجها التغيرات السياسية التى ألهبت حياتنا سخونة بفعل أحداثها وإثارتها وإيقاعها. فنظرة واحدة على خارطة وطننا العربى الكبير وتأمل ما يدور من أحداث على كل موقع فيها، يجعلنا نشعر بأننا نعيش فى وطن فوق فوهة بركان أو على الأقل يقبع فوق صفيح ساخن ملتهب ينذر باندلاع حريق يأكل الأخضر واليابس، إن لم يتمكن العقلاء من التدخل لإطفاء هذه الحرائق فى مهدها واليوم قبل الغد. فصراع الإرادات، واستعراض القوة باتا السمة السائدة على الساحة السياسية المصرية منذ فتح باب الترشح على منصب رئيس الجمهورية، وهو الصراع الذى انعكس على رجل الشارع البسيط الذى يبدو حائراً فى تحديد قبلته التى ستهديه للمرشح الذى سيختاره ،من بين صراع بدأت تتحدد ملامحه ويبدو أنه سينحصر بين مرشحى التيار الإسلامى ممثلاً فى الإخوان المسلمين وفى مقدمتهم خيرت الشاطر أو أحتياطية محمد مرسى وعبدالمنعم أبو الفتوح ومرشحى الدولة المدنية الذى سيضم كلاً من عمرو موسى وعمر سليمان وأحمد شفيق وأيمن نور وحمدين صباحى، وهو صراع يصعب التكهن بنتيجته فى ظل التراشق الإعلامى بين المرشحين وأنصارهم ،وتبادل الاتهامات والشائعات التى ستزداد فى الأيام المقبلة، فضلاً عن اشتعال أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وما صاحبها من انسحابات واعتذارات متتالية من الأزهر والكنيسة وعدد من الأحزاب والقوى السياسية والثورية والنقابات، ما يهدد ببطلان الجمعية. وإذا ما انتقلنا إلى تونس، ملهمة الثورات العربية، سنجد صراعاً من نوع آخر نشب بين المتشددين وأهل الفن خصوصاً بعدما قام المتشددون بتحطيم مسرح، ما ينذر بمواجهات بين الليبراليين والمثقفين والمبدعين، وبين هؤلاء المتشددين الذين يرفعون شعارات الدين ولا أحد يعرف ما الذى سيحدث فى المستقبل؟ وكيف ستنتهى هذه الأزمة؟ وهاهو خلاف جديد ينشب بين قطر وبلد عربى آخر بعد أزمتها مع النظام السورى، إذ اعتبر العراق استضافة قطر للهاشمى، نائب الرئيس العراقى المطلوب على ذمة قضايا فى بغداد، تدخلاً فى شئونه الداخلية. ويبقى الوضع فى سوريا على اشتعاله منذ اندلاعه قبل عام، فلم تفلح حتى الآن محاولات إيقاف إطلاق النار وإغاثة المحاصرين والمهجرين من بيوتهم وأرضهم، ولا أحد يعرف متى سينتهى نزيف الدم السورى على اليد السورية؟ ولا ما ستؤول إليه الأزمة؟ وأى حل يمكن أن ينهيها فى ظل تعارض الآراء وتضارب المواقف بين أطراف الأزمة؟ ونظرة إلى لبنان تلك الدولة العربية التى تعيش فوق بركان الطائفية والمذهبية، ولا أحد يعرف متى يمكن أن ينفجر، وإذا ما انفجر فمن سيصيب؟ ومن يمكن أن ينجو من ناره؟ فكل يوم يصحو اللبنانيون على وقع حدث يربك الساحة مثلما حدث مع سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، الذى أعلن تعرضه لمحاولة اغتيال تسببت فى إزعاج الحكومة المفككة أصلاً والتى وجه وزير داخليتها مروان شربل الشكر لله الذى خلص البلد من مشكلة، مؤكداً أن محاولة الاغتيال كانت جدية وجعجع نجا منها بأعجوبة، وطالب شربل كل الفرقاء بالتفاهم على الخلافات لأن التفاهم سيجنب البلد انعكاسات ما قد يحصل حال غاب الحوار. وها هى ليبيا التى لم تهنأ بعد بثورتها ولم تجن أياً من ثمارها بعد، انفجرت فيها الخلافات بين ثوار الأمس الذين قاموا على قلب رجل واحد من أجل إنهاء حكم القذافى وبعد ما تحقق لهم ما أرادوا بالوحدة، سرعان ما تفرقوا شيعاً وقبائل متناحرة، ودبت الخلافات القبلية بينهم وظهرت دعاوى الانفصال والتقسيم ما اضطر معه مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطنى، أن يعلن استخدام القوة ضد الفئة الباغية حسب تعبيره! ولا يزال المشهد فى اليمن مضطرباً برغم انتخاب رئيس جديد وتوارى على عبدالله صالح، عن المشهد ولو ظاهرياً، لكن دعوة الانفصال علا صوتها وارتفع بقوة، حتى بدا واقعاً لا محالة فضلاً عن عجز الحكومة الجديدة عن توفير ما يحتاجه الشعب والبلد بعد صراع دام عاماً من أجل إسقاط نظام صالح. وها هى البحرين تعانى جراء التظاهرات المستمرة والتى لا أحد يعرف متى يمكن أن تنتهى؟ ولا من الذى يؤجج نارها كلما خبت. ودخلت الإمارات على خط الأزمة البحرينية بإيقاف مديرة المعهد الديمقراطى الأمريكى فى أراضيها والتحقيق معها ومع معاونيها، متهمة إياهم بالعمل بصورة غير شرعية وضد البحرين تحديداً، وفى ذلك إنتاج جديد لأزمة لا تزال عالقة بين مصر وأمريكا، يفتح الباب أمام سؤال محدد: ماذا تريد أمريكا من وطننا العربى؟ ويبقى الصومال، ذلك البلد العربى المهمش، والذى ما إن يخرج من أزمة حتى يقع فى أخرى، وآخرها انفجارات حركة شباب المجاهدين التى تعرضت لها العاصمة مقديشيو. ونختتم بقضية العرب الأولى والأهم والأقدم، قضية شعبنا الفلسطينى الذى يواصل صموده من أجل الحفاظ على الهوية وتأكيد حقه فى أرضه المغتصبة، وهى القضية التى لن نرضى بغير النصر تتويجاً لنضال عربى قادته مصر عبر أكثر من ستين عاماً. هذا غيض من فيض مما تشهده الساحة العربية فى ربيع العام 2012، والذى فاقت سخونته حرارة الطقس، وباتت تنذر بصيف ساخن جداً ربما تنفجر فيه موجات ثورية جديدة، تكون امتداداً للموجة الأولى فى بلاد ربيع الثورات واندلاع ثورات جديدة فى بلاد ظنت أنها نجت من موجة تسونامى الثورات العربية .. وستكشف الأيام المقبلة كيف ستسير سفينة العالم العربى فى هذا البحر الهائج والمتلاطم الأمواج، ونعدكم بأن تبقى «الأهرام العربى» فى المكان الذى اختارته لنفسها أمينة على قضايا أمتها العربية ومناصرة لشعوبها. والله من وراء القصد.