رانية خلاف قد يبدو الحديث عن الحب فى زمن اختلطت فيه الدماء بالورود وتناثرت على الإسفلت أمرا ساذجا، ولكن يبقى الحب دوما موضوعا مركزيا فى حياة البشر. إنه أصل الكون وبداية المنشأ. هو الخلاص. الحب كان وسيظل موضوع محوريا فى الفنون البصرية والأدب منذ أن وعى الإنسان لقيم الجمال والروح والجسد. «قصة حب» هو عنوان معرض تشكيلى، افتتح يوم الثلاثاء الماضى 10 فبراير فى جاليرى سامى أمين فى المعادي. يشارك فى المعرض أكثر من 20 فناناً يقدمون 35 لوحة منفذة بخامات مختلفة، تدور جميعها حول الحب بمفهومه المطلق تجاه شيء أو شخص أو فكرة، فى محاولة لفنانين تشكيليين ينتمون لأجيال مختلفة أن يبصروا الحب برؤى مختلفة. عند دخولك الجاليرى الأنيق ستصافح عيناك مشهدا بصريا ثريا، حيث تتضافر أعمال سامى أمين مصمم الحلي، المصنوعة من الجلد والنحاس والقماش مع لوحات تشكيليية بألوان الزيت والإكريلك، صانعة مشهدا تشكيليا فريدا لا تمل عين الرائى منه. ممر قصير يقودك من قاعة العرض الرئيسية الرحبة إلى قاعتين متجاورتين مخصصتين لعرض اللوحات. لوحات الورود تزين الممر وتمهد لرؤى أكثر عمقا عن مفهوم الحب. عمر الفيومى: امرأة أربعينية تحتضن قطتها فى سكون. إيناس الكوا: ديك مهيب يقف فى خيلاء ويحدق فيك مزهوا بنفسه. رانية خلاف: طائر ينطلق فى نزهة منفردا شاردا ويتعالى فوق شمس حائرة. أسماء سامي: طفلة تعانق دميتها وتكتفى بها عن ضوضاء العالم. راندا إسماعيل: طائران يتعانقان فى خلوة وكأنهما طائر وحيد راقص وسط بحيرة حالمة. مصطفى رحمة: ترانيم جديدة على معزوفة الجسد الأنثوي. مصطفى سليم: عناق وذوبان أبدى فى جسد الحبيب. نحن هنا فى رحلة إلى عالم رومانسى تختلط فيه الروح بالجسد، الشجن بالاشتياق، الوحدة بالفرح. حيث تبدو اللوحات طلقات قوية جريئة فى وجه زمن قبيح تعرت فيه القيم وتداعت فيه معانى الحب والتسامح والرغبة والأمل. لوحات كثيرة تزهو بها قاعات الجاليري. هى رسائل عاشقين ترسم ملامح عالم محب متسامح فى عالم يسوده عنف غير مسبوق. ترى إلى أى العالمين ننتمي؟ يعرض مصمم الحلى سامى أمين مجموعته الجديدة التى تستلهم الحب فى صور مختلفة تجمعها هوية مصرية واحدة: تيمات ثرية من التراث الفرعونى والقبطى والإسلامي. بدأ أمين رحلته مع الحب بمجموعة القبلة، التى ربما استوحاها من لوحة القبلة الشهيرة للفنان النمساوى جوستاف كليمت، وجوه الفيوم والأيقونات القبطية. تيمة جديدة من تيمات أمين هى تيمة كلمات المحبة، مثل حبيبى، زمن الحب، وغيرها من الكلمات التى تعبر عن الحب ربما نسيناها. يطور أمين تيمات قديمة ويستخدمها ببراعة كرسل للعشق، الورد مثلا تيمة قديمة، يقول أمين، ولكنى أقدمه بروح مختلفة. صممت مثلا شكلا لحبيبين وبينهما وردة. عادة ما أقوم برسم سكتشات للموتيف وطريقة توظيفه، وأستخدم خامات مختلفة كالجلود، النحاس، العملات القديمة، قماش الكتان، الزجاج، الخشب. الخامات الطبيعية المحلية. مى حشمت، الفنانة التشكيلية ومنسقة جاليرى سامى أمين ترى أن الحب يصنع الشاعر فتأتى قصائده، والحب يلهم الفنان فيبدع لوحاته، والحب يصنع الإنسان فيتشكل التاريخ وتقول إن وراء كل عمل فنى قصة حب تحرك فى الفنان الدافع للإبداع وتفجر طاقاته الفنية ومواهبه الخلاقة وبصيرته لترى ما وراء المألوف. وترى حشمت أن لوحاتها فى حد ذاتها هى بمثابة رسالة حب لشىء أو قيمة ما. التشكيلى الشاب مصطفى سليم يرى أن الحب له أشكال كثيرة، وأقربها للذهن هو شكل الاحتضان والتلاصق للتعبير عن تقارب الأراوح وامتزاجها وذوبان شخصيتى الحبيب والمحبوب ليكونا جسدا واحدا يشعر بالنشوة وحب الحياة ويتحلى بالتسامح والرضا، حيث يبدو الهواء نقيا والأشياء لها بريق خاص والروائح عطرة والملامس حنونة. ويستطرد: إن الجسد أقوى معبر تشكيلى عن الذات الإنسانية كونه المصاحب للمرء طول حياته بكل التغيرات فى المراحل المختلفة، منها المرحلة التى يتعرف فيها الجسد على جسد آخر يشعر فى قربه بالأمان والحب، ولهذا فأنا أرسم جسدا واحداً. أحيانا للتعبير عن الحب، أو جسدان يجمعهما أداء لونى واحد فى إيقاع حركى يعبر وتنتج عنه طاقه تلامس الخبرات البصرية للمشاهد عن الحب. أسماء سامى - فنانة شابة تميزت باستخدام الألوان المائية ببراعة - ترى أن الحب هو حاله من الصفاء والرضا تمنحك القدرة على تخطى الأزمات التى يمر بها الإنسان ..فمن هنا حاولت أن أتلمس البساطة فى تناول الموضوعات فى لوحاتى .الحب فى لوحاتى ينبع من اختيارى للألوان الواضحة والبراقة الزاهية.. التى يبعث فى القلوب بالأمل الضرورى لاستمرار الحياة. تعرض ناهد شاكر لوحتين لراقصة الفلامنكو، وترى أن الحب كالطائر المتمرد لا أحد يستطيع أن يروضه. إذا لم تحبنى. أحببتك. وإذا أحببتك خذ حذرك. تقول: استلهمت فكرة أعمالى المشاركة بها فى المعرض من أوبرا كارمن، حيث سحر الحب يكمن فى المراوغة. كرقصة الفلامنكو . كر وفر.. قوة .. دلال . وأخيرا .. كمصارعة الثيران.. تقع الضحية مضرجة فى دمائها. وبين آهات العشق . ولوعة الفراق. يكون الحب. استخدمت شاكر الألوان الساخنة من الأحمر ومشتقاته لتعبر عن حالة الحب بدفئة الذى يكاد يقترب فى بعض اللحظات إلى اللهيب . مع استعمال الدوائر كرمز الأنوثة الدائمة وسحرها. عندما يجلس الفنان التشكيلى مصطفى رحمة أمام سطح اللوحة البيضاء، لا تكون هناك فكرة محدده لديه سوى أن يصنع تكوينا محكما، متوخياً قدر المستطاع أن تكون الكتله محددة سلفاً، إما بوجه أو امرأة بكامل جسمها، إما فى وضعية الجلوس أو الاتكاء أو الوقوف. يقول رحمة: لا ألقى بالاً بالنسب والتشريح بل أعتبرها عائقا فى سبيل تحقيق عالم مواز للفنان، بجانب عالمه الواقعى، فمن خلال عالمه الموازى، يمكن له أن يخلق عوالم وشخصيات لا تأتى إلا فى أحلامنا، وهنا تأتى علاقتنا بشخوصنا التى صنعناها بأيدينا، ليس على طريقة بجماليون وأسطورته الشهيرة ولكن قد تكون أقرب مثال على حالة الفنان ولوحة خلقها ثم عشقها بصدق. ويستطرد رحمة: ليس بالضرورة أن يكون موضوع الحب امرأة أو ملهمة عاشت فى حياة الفنان، لكن العلاقة الجدلية بين الفنان ولوحته تكمن فى مدى إجادته لها، ليس بشخوصه فحسب، ولكن ربما بالحب النابع من ذات الفنان فى أحياناً كثيرة. وقد تكون للفنان ملهمة، يستطرد رحمة، فالمعروف عن سيلفادور دالى أن ملهمته هى زوجته جالا، والتى خلدها فى الكثير من أعماله، كذلك موديليانى العاشق الذى عاش ومات عاشقاً لملهمته والتى انتحرت بعدما أخبروها بموته. إذن الحب دافع قوى ليس لإنتاج لوحة فحسب، ولكن فى كل صناعة الفن وغيرها من أعمال، فالحياة لا تستقيم من دون حبيبة، فكم من حبيبة خلدها فنانون فى أعمالهم فى لوحه أو قطعة موسيقى أو منحوتة أو قصيدة شعر. هكذا يُصنع التاريخ.