رشا عامر ضجة كبيرة أحدثها التقرير الذى نشرته السيناتور ديان فينشتاين حول التعذيب الذى اقترفته وكالة الاستخبارات الأمريكية خلال حربها على الإرهاب. يأتى التقرير فى 525 صفحة بعد تحقيقات دامت ثلاث سنوات، وتم الكشف عنه فى الأسبوع الماضى أمام مجلس الشيوخ. لم يكن التقرير سوى زلزال أصاب الاستخبارات الأمريكية فى مقتل، لأنه جاء ليفضح الأعمال الإجرامية والأكاذيب والممارسات الهمجية التى ارتكبت باسم الحرب على الإرهاب، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 من سجون سرية وتعذيب واستجوابات غير قانونية بتواطؤ من الدولة وموظفى الدولة المدنيين، فضلا عن التكاليف الباهظة وتنفيذ كل ذلك دون موافقة رسمية من إدارة بوش أو أوباما بدعوى حماية الحريات. كل ذلك باعتراف وكالة الاستخبارات نفسها! معلومات عدة تضمنها التقرير أقل ما توصف به أنها مخيفة ! مجلة "فانيتى فير" الفرنسية رصدت أهم عشر نقاط تضمنهم التقرير هم : – 1 تواطؤ الدول الأوروبية.. يؤكد التقرير الشكوك التى اثارتها بالفعل منظمة العفو الدولية، والتى تشير إلى وجود سجون سرية فى بعض الدول الأوروبية والتى أنشئت بالتواطؤ مع بعض الحكومات. ويشير التقرير إلى آلاف الرحلات الجوية السرية التى كانت تمر عبر أوروبا وثلاثة مراكز للاعتقال فى كل من "بوخارست" برومانيا و"أنتافيلا" بليتوانيا و"كياجكوتكاى" ببولندا فى اتجاه جوانتانامو بجزيرة كوبا أو "باجرام" بالعراق أو الولاياتالمتحدة. وقد أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فى يوليو 2014 بولندا لتواطؤها فى التعذيب عن طريق خلق الظروف اللازمة لتنفيذ هذه العملية. وهناك إدانات أخرى تتعلق بدور كل من ألمانيا وقبرص والدانمارك وإسبانيا واليونان وأيرلندا والسويد والنمسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والبرتغال. – 2 التعذيب يتم فى أبراج محصنة وقاتلة ومن أيام العصور الوسطى.. كان سجن كوبالت والذى يشبه القبو المحصن والذى انشئ إبان العصور الوسطى سرا فى أفغانستان بمثابة المكان المثالى للتحقيقات وفق ما ذكره التقرير بناء على التحقيقات. ووفق ما جاء فى التقرير فإن الظروف المصاحبة للتحقيق مع المعتقلين كانت ظروف سيئة للغاية وكئيبة بل وقاتلة أيضا، إذ كان يتم الاحتفاظ بالمعتقلين فى الظلام الدامس فى زنازين انفرادية وهم مقيدون بالسلاسل مع إجبارهم على الاستماع إلى أصوات عالية تصيبهم بالصمم وموسيقى صاخبة مع وجود وعاء واحد فقط لقضاء الحاجة. بالإضافة إلى أنه تم إعطاء عهدة سجن كوبالت إلى أحد الضباط المبتدئين المفتقر لكل الخبرات مما تسبب فى وفاة أحد المعتقلين عام 2002 بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم بعد ربطه شبه عار بالسلاسل إلى الأرض. – 3 اختفاء المعتقلين وعدم ظهور أثر لهم.. فى عام 2002 تم توقيف أبو زبيدة فى باكستان باعتباره جزءا من تنظيم القاعدة وتم نقله إلى سجن سرى فى تايلاند، ليصبح واحدا من أوائل ضحايا استخدام "التقنية الجديدة فى الاستجواب بقسوة والتى تسمى الاستجواب القاسى أو المعزز" حيث تم استخدام طريقة الإغراق فى الماء أثناء الاستجواب مما أدى إلى قتله. وقد تم التخلص من جثته عن طريق الحرق على يد السى. آى إيه دون ترك أى أثر وراءها. وتشير مذكرة أخرى إلى وضع أحد المعتقلين الفلسطينيين رهن الاحتجاز السرى لمدة 1500 يوم . شخص آخر تم احتجازه فى جوانتانامو بإقرار من إدارة أوباما برغم أنه لم يكن عضوا فى تنظيم القاعدة ولايزال مسجونا حتى اليوم دون توجيه أى اتهام له. – 4 أساليب تعذيب همجية تهديدات ومضايقات واعتداءات جنسية وحرمان من الذهاب إلى دورة المياه وحرمان من النوم....قائمة طويلة ومرعبة من الانتهاكات التى ارتكبتها وكالة الاستخبارات المركزية إبان استجوابها للمشتبه بهم بخاصة من وصفوهم بالإرهابيين. ويشير التقرير بأصابع الاتهام إلى عملاء المخابرات المركزية الأمريكية الذين شاركوا فى الممارسات الجنسية للمعتقلين، وكيف أنهم أيضا هددوا المعتقلين باعتقال أبنائهم فضلا عن اغتصاب أو قتل أمهاتهم. وتم اتهام وكالة الاستخبارات المركزية باستخدام العنف المفرط ضد بعض الأعضاء الحساسة للمعتقلين. ويشير التقرير إلى أن بعض هؤلاء المعتقلين مثل خالد شيخ محمد وهو العقل المدبر – على حد قولهم – لهجمات 11 سبتمبر قد تم تغذيته عن طريق المستقيم دون استشارة طبية، فضلا عن أن الضباط كانوا يقومون بوضع مشروبات الطاقة والأطعمة المهروسة فى فتحة الشرج للمعتقلين ! – 5 الاستمتاع بتعذيب الآخرين هو الأساس... كشف التقرير عن أن بعض المحققين الذين كانوا يتولون التحقيق مع أعضاء السى. آى. إيه انتابهم غضب شديد ومشاكل نفسية جراء ما شاهدوه فضلا عن أن البعض الآخر أصيب بالغثيان قبل أن ينفجر فى حالة من البكاء الحاد بسبب ما لحق بالمعتقلين من تعذيب أقرب ما يكون إلى السادية. – 6 المحصلة فى النهاية صفر... أظهرت التحقيقات التى وردت فى التقرير أن المعلومات التى تم الحصول عليها بعد كل هذا التعذيب والتهديد والتحرش لم تؤت ثمارها، فعلى سبيل المثال فقد أدلى خالد شيخ محمد بمعلومات كاذبة بعد خضوعه للعلاج، مما أدى لاعتقال اثنين ممن لا علاقة لهم بأى شىء. – 7 تورط بعض الأطباء كشف التقرير عن تورط اثنين من علماء الطب النفسى مع وكالة الاستخبارات فى برنامج "الاستجواب المعزز أو القاسى" ويذكر التقرير الأسماء المستعارة لهؤلاء الأطباء وهى "جرايسون سويجارت" و"آموند دونبار" وهم الذين شاركوا فى تطوير عمليات الاستجواب وإضفاء الشرعية عليها .وتكشف التحقيقات أن هذين الطبيبين الأمريكيين كانا يعملان فى القوات الجوية الأمريكية وتحديدا فى برنامج تدريب الجنود على تحمل التعذيب، بالإضافة إلى ذلك يشير التقرير إلى أن الطبيبين لم يكونا على دراية نهائية بتقنية التحقيقات ولا طريقتها، لكنهما كانا حلقة الوصل بين السى. آى. إيه وأجهزة الاستخبارات الأجنبية الأخرى المسئولة عن تقييم فاعلية برنامج الاستجوابات، وكذلك المشاركة فيه فى حال وقوع المسئولية على هذه الاستخبارات الأجنبية وحكومتها. وبعد إثبات نجاح هذين الطبيبين، فإنهما أقاما شركة خاصة عام 2005 تعاونت مع السى. آى. إيه وفيما بعد تم إسناد كل العمل لهذه الشركة قبل أن يتم فسخ العقد بينهما دون الحصول على أى تعويض مادى عام 2009 عندما قررت ادارة أوباما إنهاء التعذيب أثناء عمليات الاستجواب. – 8 تكلفة مادية ضخمة.. وفقا للتقرير فإن "برنامج الاستجواب والاعتقال " الذى أقرته السى. آى. إيه قد تكلف ما يزيد على 300 مليون دولار كتكاليف مادية فقط، وقد ذكر أحد المصادر أن برنامج الاستجواب هذا قد عاد ببعض المال على الدولة ! ومن بين الصفقات الأخرى 180 مليون دولار للشركة التى شكلها الطبيبان النفسيان، فضلا عن ملايين الدولارات الأخرى التى تم إنفاقها على شكل إرسال زجاجات نبيذ فاخر كهدايا لبعض المسئولين الحكوميين الذين يملكون مراكز اعتقال سرية. تم إنفاق مئات الملايين على إعادة إنشاء سجن كوبالت "مركز اعتقال أفغانستان، "حيث حصل المدير المسئول عنه على مكافأة 2500 دولار، باعتبار أن ما يقوم به هو "عمل جيد" برغم أن هذا العمل الجيد جاء بعد أربعة أشهر من وفاة أحد المشتبه فيهم داخل جدران سجن هذا المدير المسئول. وقد حصل بعض السجناء على مكافآت هم أيضا بعد الإفراج عنهم نظير عدم التحدث عما تعرضوا له هم أو زملاؤهم داخل السجن. وتم دفع كل هذه الأموال نقدا دون إثباتها فى أية أوراق رسمية. – 9 السى. آى. إيه أعدت دفاعها مبكرا منذ 26 نوفمبر 2001 أى بعد شهرين تقريبا من أحداث سبتمبر، فإن محاميى السى. آى. إيه عملوا على تجنيب الولاياتالمتحدة ملاحقتها قضائيا بتهمة التعذيب، وهو قرار لا يتم اتخاذه إلا فى حال استخدام التعذيب، وذلك فى ضوء الالتزام باحترام القانون الدولى والرأى العام العالمى فى مكافحة الإرهاب، بل إن العديد من البلدان الأخرى لم تكن لترغب فى الطعن فى الولاياتالمتحدة إذا ما استخدمت التعذيب، باعتبارها تنقذ آلاف الأرواح الأخرى وبالتالى تم الترويج جيدا لمصطلح "الاستجواب المعزز". 10 – تواصل دفاع السى. آى. إيه واصلت السى. آى. إيه دفاعها بأن تقنية الاستجواب العنيف قد ساعدت فى الحصول على بعض المعلومات المهمة والفريدة من نوعها، والتى ساعدت فى منع الهجمات، مما أدى إلى القبض على الإرهابيين وإنقاذ حياة ملايين البشر الآخرين، وقد وجه قدامى المسئولين انتقادات حادة للديمقراطيين فى مجلس الشيوخ لأنهم تجاهلوا العديد من المعلومات ودعموا البعض الآخر الذى يروج لهذه النظرية العنيفة، مما جعل الوكالة الأمريكية تعترف بأن عملها شابه بعض القصور والأخطاء .