عزمى عبد الوهاب يثبت المحللون الإستراتيجيون أنهم بعيدون عن الواقع، حين يصنفون جماعات الإسلام السياسى بين جهاد وجماعات وإخوان وسلفيين، وحين يصنفون جماعة الإخوان بين صقور وحمائم، فهؤلاء أتباع حسن البنا، وأولئك أتباع سيد قطب، لكن الحقيقة الواقعة أننا أمام كيان واحد متعدد الرؤوس. يتجاهل هؤلاء أن الداء فى أصل الشجرة، وأن من يقتل فى سيناء، ضغط على زناد البندقية فقط، كان أداة تنفيذ، فبائع السمك الذى حاول اغتيال نجيب محفوظ، لم يقرأ حرفا له، كان ينفذ فتوى أطلقها دعاة التكفير، ومنهم الشيخ الغزالى، الذى يوصف بالاعتدال. وجاء اغتيال فرج فودة بناء على فتوى، وفى أعقاب مناظرة شهيرة بينه وبين أقطاب التكفير فى معرض الكتاب، وظهر الغزالى أيضا ليضع بصمته الأخيرة، حين شهد فى المحكمة بردة فرج فودة. وها هو عاصم عبد الماجد يطلق الرصاص على الثقافة، من مخبئه بتركيا، حين يكذب قائلا: إن جابر عصفور سمح بإصدار "أولاد حارتنا" وكان يكذب حين أنكر فى برنامج تليفزيونى علاقته بكتب المراجعات الفقهية، التى أطلقها قادة الجماعة الإسلامية. عبد المنعم الشحات رمى محفوظ منذ عام بالموبقات، ثم مضى إلى حال سبيله، يمارس هوايته فى إصدار فتاوى القتل، وها هو يطل برأسه ثانية، وانضم إليه لأول مرة خصومه التاريخيون "الصوفية"، ليحكم الطرفان على جابر عصفور بالردة، فقد انتقلا من حرب الأضرحة بينهما، إلى حرب الثقافة معا. يبدو أننا منذ العام 1923 نصنع دساتير تساوى بين القاتل والقتيل، دساتير تحرض على القتل، وتحمى حرية العقيدة فالدستور كان الكلمة المشتركة بين التكفيريين وبين جابر عصفور، فكل يرى الأمر من جانب، غير الذى يراه الآخر. نحن دائما نغلق الجرح على قيح، وننتظر حتى تقع الواقعة، لنتباكى على حرية الرأي، ويستمر هذا الوضع العبثي، ويتكرر سيناريو فودة ومحفوظ، والمتهم الحقيقى وراء مثل هذه الجرائم تكفيريون، وراءهم جيش من "المخطوفين ذهنيا" مستعد للضغط على الزناد، فى حين أن المثقفين يستندون إلى سلطة، تنظر إليهم بريبة، وتتعامل معهم على أنهم ورقة، فور انتفاء الغرض منها، يتم حرقها، فمتى يخوض المثقف معاركه هو لا معارك السلطة ؟!