حسناء الجريسى لعلها المرة الأولى التى تجتمع وتتفق فيها التيارات الإسلامية" السلفيين –الصوفيين – الإخوان" على فكرة واحدة وقضية تبدو قاسما مشتركا بينهم، برغم ما يبدو بينهم من ظاهر اختلاف أو خلاف، فقد اجتمعت هذه التيارات على تكفير وزير الثقافة د. جابر عصفور واتهامه بالردة، حيث أفتى عاصم عبد الماجد، القيادى فى الجماعة الإسلامية والهارب خارج البلاد فى فيديو له على موقع اليوتيوب بأن " د. عصفور مرتد عن الدين الإسلامى، لأنه سمح بنشر الكتب التى تسب الذات الإلهية مثل رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ برغم إصدار الأزهر فتوى بعدم نشرها" بينما قال متى عبد المنعم الشحات - المتحدث باسم الدعوة السلفية - إن "عصفور" يهاجم الثقافة المصرية والسلفية ويبدو مفتونا بالغرب ومواقفه تخالف العقيدة الإسلامية منها تصريحه بالموافقة على عرض فيلمى "آلام المسيح ونوح". يظل السؤال: كيف يتصدى المثقفون لهذه المحاولات التكفيرية من تلك الجماعات الغاشمة ؟ فى البداية توجهنا للدكتور جابر عصفور وزير الثقافة لمعرفة رأيه فيما أثير حوله من محاولات تكفيره واتهامه بالردة فأجاب الأهرام العربى قائلا: سأقاضى عبد الماجد "لاتهامه لى بالكفر والردة، فالغريب أن تصدر مثل تلك التصريحات من هذا التكفيرى الهارب، فعن أى دستور يتحدث؟ هل دستورهم الذى أسقطه الشعب بثورة عارمة أم دستورنا ؟ وعن أى شريعة يتكلم؟ عن شريعة الدم التى أحلوا بها دماء المصريين واستباحوها فخسروا دينهم ودنياهم؟ وأضاف وزير الثقافة: "إذا كانت تلك المذمة من ناقص، مثل هذا الشخص فهى إشادة بي، فهو لا يعلم شيئًا عن الثقافة حتى يتهمنى بأنى أمرر كتبًا تذم فى الدين" واختتم وزير الثقافة قائلا: "هو لا يستحق أكثر من ذلك للرد عليه". بينما طالب الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى بضرورة محاكمة عاصم عبد الماجد وأمثاله على الجرائم التى يرتكبونها فى حق مصر وأجنادها بل فى حق الإسلام، فمن سمح له بهذه الفتاوى التى يفتى بها هو لايدرك شيئا عن الدين الإسلامى الذى يزعم أنه ينتمى إليه، فالإسلام ليست به سلطة دينية تسمح لأحد أن يعطى شهادة الإيمان، وتساءل حجازى: كيف يفهمون الموضوعات التى يتحدث عنها المثقفون؟ وكيف يعتبر هؤلاء المتاجرون بالدين الإبداع كفرا؟ ويأسف حجازى قائلا: "المأساة أن بعض رجال الدين يشاركون فى هذا المسلسل ويتهمون المثقفين ويرمونهم بالتهم التى يرميهم بها الإرهابيون من أمثال عاصم عبد الماجد وعبد المنعم الشحات، ونحن ننتظر من العلماء الأجلاء العقلاء فى الأزهر الشريف أن يتصدوا لهذه التهم، ويدافعوا عن حق المثقفين فى التعبير عن آرائهم بصراحة ووضوح وليس لهم الحق فى أن يكفرونا". وتنوه الكاتبة والناقدة فريدة النقاش بأن هذه ليست المرة الأولى التى يتم تكفير المثقفين فيها واتهامهم بالردة ، د.جابر عصفور مثقف كبير قبل أن يكون وزيرا للثقافة، وهذا السلاح الصدئ الذى تستخدمه هذه الجماعة لم يعد له أى قيمة لأن الشعب اكتشف كذبهم. وتضيف أن علاقة الشعب المصرى بالإسلام أقوى من علاقتهم به، من قبل قام الدكتور محمد الغزالى عام 1992 بالشهادة فى المحكمة ضد فرج فودة بأنه مرتد، فكل الباحثين الإسلاميين أثبتوا أنه ليس هناك أى حد للردة فى الإسلام بل هم يفرضون أشكالا للعقاب ويمارسونها ضد المثقفين والشعب الذى أعلن رفضه لحكم اليمين الدينى. وتلفت النقاش إلى أن عبد الماجد مقيم فى قطر أو تركيا ويتلقى منهما الدعم المالى، لأنهم كانوا يراهنون على أن تصبح مصر أول ولاية للخلافة الإسلامية بقيادة تركيا. أما حلمى النمنم - رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية - فقال إن هؤلاء إرهابيون لايجب أن نمنحهم شرعية الوجود، ولايجب أن نرد على هذا الإرهابى المطلوب للعدالة، نحن نرد على الأحرار فقط، أما الخلاف بين الأزهر ووزير الثقافة فهذا يمكن مناقشته فى سياق آخر. ويشاركه الرأى د. محمد عفيفى - الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة – قائلا: من عاصم عبد الماجد هذا حتى نعمل له حسابا؟ هو قاتل، والتعامل معه ومع أمثاله لابد أن يكون بموجب القانون. وعن دور المجلس الأعلى فى التصدى لهذه الأفكار – يقول عفيفى - سنعمل الفترة المقبلة على زيادة الأنشطة والندوات التى تعمل على تنمية وعى الشباب الثقافى حتى لا تخطفهم هذه الجماعات المتطرفة. بينما يرى الشاعر عبد المنعم رمضان أن هذا هو الغرض من تعيين "عصفور" وزيرا للثقافة، وهو إشعال فتيل الحرب بين المثقفين العلمانيين وبين الجماعات الإسلامية لينشغل كل طرف بالآخر، ووزير الثقافة لا يتوقف عن إشعال فتيل هذه الحرب لأن السلطة الحاكمة التى تعيد إنتاج مبارك أتت به ليستكمل المشروع الذى كان يقوم به فى عهد "مبارك". وينوه رمضان: "هو يريد جمع العلمانيين بدعوى محاربة الإرهاب فما حدث يرضى المسئولين عن الأمر – على حد قول رمضان - وهذا معناه أن الخطة فى طريقها للتنفيذ فالنظام يريد بالمثقفين أن يقوموا بالوكالة عنه لمحاربة هذا التيار الدينى لتظل يداه نظيفتين من دخول هذه الحرب الفكرية وللأسف "عصفور " يؤدى هذه المهمة ويسحب المثقفين خلفه. ومن ناحيته يقسم الناقد د. محمد عبد المطلب الثقافة الدينية ثلاثة أقسام: الأول العقيدة والثانى العبادة والثالث المعاملات، فالعقيدة تعنى علاقة الإنسان بربه وأى أحد يتحدث عن التكفير فهو مخطئ "الله قال للرسول "لست عليهم بمسيطر" ليس من حقهم تكفير شخص بحجم وثقافة د. جابر عصفور إلا إذا فتحوا قلبه. ويرى د. عبد المطلب أن حرية الرأى لابد أن تأتى فى حدود الواقع وأن نناقش الأمور بالعقل والمنطق أما عدا ذلك فهى فوضى. بينما رفض الروائى يوسف القعيد التعليق قائلا: " معنى الرد عليهم أننا نعمل لهم حسابا، هؤلاء قتلة"، فى حين تشيرهالة البدرى إلى أن د. جابر رجل مستنير وسيتدارك الموقف بأسلوب علمى، وتؤكد: ليس هناك نصوص قرآنية تمنع اللوحات أو الفن، هم يقولون ذلك بغرض الانتقام وعمل نوع من البلبلة فى المجتمع المصرى الذى رفض حكمهم. بينما تقول بهيجة حسين: "هذا الكلام ليس مدعاة للدهشة، فهم يرون أن هذه هى فرصتهم فى العودة مرة أخرى، لكننا سنواصل الكتابة والتصدى لهؤلاء وسنظل نطالب الدولة بإقرار القوانين التى تحصن حرية الفكر والإبداع والاعتقاد والنشر، هى معركة طويلة سنخوضها لنزيل قمامة الفكر التى تراكمت منذ حكم السادات لمصر". وتعيب حسين على الدولة أنها لم تتخذ موقفا جادا نحو خوض المحاكم الفكرية فى مواجهة الظلامية ، فالرئيس السيسى تحدث كثيرا عن ضرورة تجديد الخطاب الدينى لكننا لم نجد أى خطوة على الأرض. وتطالب بتوحيد الجهود بشكل جاد ولا نكتفى بتصريحات فى الصحف، حيث لم يتمكن الإرهاب من الرد على العمل الجاد ولن يتوقف عبث الكلام إلا بالعمل والفكر الجاد. وبعد استعراض آراء المثقفين توجهنا لعلماء الدين، فمن جانبه رفض د.أحمد كريمة - أستاذ الفقة بجامعة الأزهر - محاولات تكفير وزير الثقافة د. جابر عصفور من قبل هذه التيارات شكلا وموضوعا مبررا رفضه قائلا: لأن تكفير المسلم جريمة كبرى يراعى فيها أن تصدر عن هيئة علمية لمقتضيات شرعية ثم تحكم بها هيئة قضائية، لذلك حذر النبى من التكفير للمسلم .. ويرى د. كريمة أنه لا يصح لهذه الجماعات أبدا أن تصدر مثل هذه الأشياء فى حق الناس فقد قال الله فى كتابه الكريم "إن الحكم إلا لله" وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لاتقولوا لمن ألقى السلام ليس مسلما" ومن هنا فوزير الثقافة مسلم مؤمن وما نسب إليه فأمور مردها إلى الله واصفا هؤلاء بخوارج لاقيمة لكلامهم فيجب ألا نقيم لهم وزنا.