خاص الأهرام العربى وسط ردود أفعال صادمة وغاضبة تجاه الموقعين على «وثيقة العار» التى أرسلها أكثر من ألف شخصية عربية وإسلامية من بينهم مصريون بارزون، لاستدعاء أمريكا لفرض الديمقراطية الليبرالية على العالم العربى والإسلام، تواصل «الأهرام العربى» نشر الأسماء الموقعة وكشف الحقائق وبصمات أدوات الاستعمار الجديد، بصمات الدولارات البرتقالية التى غيرت أنظمة عديدة فى العالم تحت راية زائفة للحرية وحقوق الإنسان. الوثيقة التى بلغت هذا الأسبوع عامها الخامس، والتى فضحت التآمر وخيانة العروبة والإسلام ليست فى ذاتها القضية، وإنما من يقف وراءها، وإلى أى مدى كانت هذه الوثيقة التى تدعو رئيس أمريكا أوباما للتدخل لتغيير الأنظمة فى العالم العربى بالذات، والترويج لتمكين تيارات الإسلام السياسى من دول بعينها فى المنطقة، وإلى أى مدى كانت هذه الوثيقة تلبية (لحاجة) ملحة لدى تيار الاستعمار الجديد الذى يمثله صقور المحافظين الجدد فى الولاياتالمتحدة..بيتر أكرمان، ذلك الرجل الذى قام بهندسة قلب أنظمة الحكم بالدولارات البرتقالية فى أوكرانيا وجورجيا، وهو واحد من أبرز أعضاء مجلس أمناء (فريدوم هاوس) أو بيت الحرية الذى تبنى هذه الوثيقة، وفى 2009، بالذات تاريخ صدور وثيقة العار، كان يشغل أيضاً منصباً فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، الذى يعد أهم جماعة ضغط يهودية على القرار السياسى الأمريكي، وهو أيضا واحد من أنبغ تلاميذ (جين شارب) الرجل الذى كتب بيده دليل الإطاحة بالأنظمة المناوئة لأمريكا، والذى يباهى بأنه وراء إسقاط الأنظمة فى العالم العربى وبالذات فى مصر، وقد كشف النقاب عن وجهه فى فبراير 2011، بعد إسقاط نظام مبارك، وتباهت به النيويورك تايمز فى 13 فبراير 2011، بأنه الرجل الذى أسقط مبارك بتعاليمه التى تدرب عليها الشباب فى صربيا وواشنطن والدوحة!! بيتر أكرمان مرة أخري، لأنه وقع إلى جوار مئات الخونة من العرب والمصريين على وثيقة استدعاء واشنطن لتغيير الأنظمة فى العالم العربى لصالح الإسلام السياسي، أكرمان هذا كان أيضاً وراء إنتاج مؤلفات عن إسقاط الأنظمة باستخدام إستراتيجيات "اللاعنف" وهى إستراتيجيات تعتمد على حشد الشباب وإمدادهم بالمولوتوف ودعمهم بالعنف الجماعى ضد الشرطة والجيوش فى الأنظمة المناوئة لأمريكا. من الذين وضعوا توقيعهم إلى جوار العرب والمسلمين الذين اعتبروا أن خيانة أوطانهم باستدعاء أمريكا والغرب مجرد وجهة نظر، نجد توقيع جاك دوفال، وهو واحد من أبرز شركاء أكرمان، ويعد (دوفال) هذا معجزة فى خبرته بشباب الجامعات وطريقة استخدام التليفزيون فى تحريك الحشود فى البلدان التى تعاكس الإرادة الأمريكية، وله فيلم وثائقى بعنوان (القوة الأكثر نفوذاً) يشرح من خلاله كيف يمكنك إسقاط أى نظام، باستخدام الشباب الغاضب!.الحق أن وثيقة العار لم تكن إرادة خالصة أو حتى مبادرة أصلية ممن وقعوا عليها من المصريين والعرب والمسلمين، وإنما كانت وبامتياز إنجازاً لتيار المحافظين الجدد فى واشنطني،حتى مع رحيل رجلهم فى البيت الأبيض جورج دبليو بوش، لقد كان رجلهم من غزو أفغانستان والعراق، لكنه لم يتمم المهمة، وكان لابد من إتمام العمل فى ظل أوباما، هذه المرة باستخدام القوات الناعمة الممولة أمريكياً فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وغيرها، وإلا نفهم دور (فريدوم هاوس) فى دعم هذه الوثيقة واعتبارها مبرراً جماهيرياً يتسم بالشرعية لاستدعاء أمريكا للتدخل فى العالم العربى والإسلامي؟! من مؤسسة بيت الحرية التى يمولها الملياردير اليهودى الصهيونى جورج سوروس كان هناك توقيعان على وثيقة العار واحدة منها للمدعوة جنيفر وندسور التى كانت وقت توقيع الوثيقة تعمل كمدير تنفيذى لهذه المؤسسة، بعدما تركت وظيفتها فى وزارة الخارجية الأمريكية والتى شغلتها لسنوات تسع فى وكالة المعونة الأمريكية (usaid) وعندما صدرت الوثيقة وقعت عليها بصفتها المسئولة عن كل العمل اليومى والعملياتى فى (فريدوم هاوس) والمشرفة عن عمل أكثر من 100 عميل لها بما فى ذلك موظفيها فى عمان والرباط وتونس! التوقيع الثانى كان للسفير مارك بالمر، الذى كان يمثل بلاده من قبل فى المجر، وقد رحل عن دنيانا العام الماضى فى 28 يناير 2013، أى بعد أن اطمأن على تمكين الإسلام السياسى من العالم العربي، اسمه الحقيقى هو (روبى ماركوس هوكر) وكان نائباً لرئيس مجلس إدارة (فريدوم هاوس) ويعد أحد أهم مؤسسى الوقف الوطنى الأمريكى للديمقراطية (ناشيونال إنداومنت) وهى المؤسسة الأبرز فى تمويل جماعة حقوق الإنسان فى مصر والعالم العربي! ومن أبرز الموقعين على وثيقة العار، إلى جوار النجوم الساطعة التى نشرنا أسماءها العدد الماضي، يأتى اسم (جراهام فولر) المحلل السياسى الأمريكى المتخصص فى التطرف الإسلامي(!!) وهو جاسوس بارز، يعنى ضابط مخابرات أمريكياً معروفاً عمل لسنوات كمدير لمحطة المخابرات المركزية الأمريكية فى كابول (أفغانستان) وقد ترك خدمته فى مجلس المخابرات الوطنية NIC بعد 27 عاماً ليعمل لدى مؤسسة راند كعالم سياسى متخصص فى الشرق الأوسط، وهو مؤلف الكتاب الشهير (عالم بلا إسلام) عام 2010، بعدما اطمأن على مستقبل وثيقة العار، ومن وقعوا عليها!! لكن يظل الأكثر إثارة أن نجد مع توقيعات سعد الدين إبراهيم وطارق حجى ومنصف المرزوقى الرئيس التونسى الحالي إلى جانب توقيع للحاخام الأمريكى أرثور واسكو، الناشط السياسى بحركة التجديد اليهودية، وأحد أهم أنصار زواج المثليين فى أمريكا، وأحد أهم محركى المعارضة فى الحرب على فيتنام والعراق، فهو من أنصار القوة الناعمة، واستخدام الأقليات فى الانقلاب على «الفراعنة» فى الحياة الاجتماعية والسياسية، داخل أمريكا وخارجها. ولأن القصة بدأت تتخذ بعدا دينيا، سواء بدعم الإسلام السياسى للقضاء على وجوده فى الغرب وتركيع العالم العربى والإسلامى بهذه الأصناف من شواذ الآفاق، أو بتورط اليهود بالتمويل والترويج للتدخل الأمريكى وتمكين الإخوان المسلمين، كان لابد أن نلحظ وجود توقيعات لها دلالات بعينها واحدة منها كانت للمدعو جوزيف مونتفيل، هذا الرجل كان يعمل فى الخارجية الأمريكية لأعوام فيما يسمى (المسار الثانى) وهو استخدام الجماعات والأفراد بشكل رسمى وغير رسمى فى تنفيذ السياسات الخارجية لأمريكا، أو بعبارة أدق (الفاعل الدولى من دون دولة) بما فى ذلك الجماعات الإسلامية والحركات الشبابية، والشخصيات المؤثرة فى المجتمعات التى تريد واشنطن إحكام السيطرة عليها، طبعا تندرج تحت هذه التسمية المنظمات غير الحكومية، وبالذات الممولة منها أمريكيا، لكن العجيب أنه عندما وقع على وثيقة استدعاء واشنطن للمنطقة لم يوقع عليها بصفته الدبلوماسية، بل بوصفه مديرا لما يسمى (اتحاد العائلة الإبراهمية) وهو مشروع ممول للمصالحة بين الإسلام واليهودية والمسيحية، وهو أيضا مدير لمشروع (شفاء الذاكرة التاريخية) بمدرسة تحليل ونزع الصراعات بجامعة جورج ماسون، وفى 2011 نشر له كتاب خطير بعنوان :التاريخ كمقدمة.. المسلمون واليهود فى البحر المتوسط إبان العصور الوسطى..هل كانت القصة بشأن إدماج الدولة اليهودية فى جسد العالم العربى من خلال تغيير الأنظمة؟ وهل كان تمكين الإسلام السياسى جزءاً من إدماج اليهود فى الشرق الأوسط الكبير؟ هذا السؤال لابد من أن نطرحه بالذات عندما نجد توقيع روبرت كرين على وثيقة العار التى كانت تستدعى واشنطن للإطاحة بالأنظمة على عالمنا العربى، إن كرين هذا هو أمريكى تحول للإسلام وهو صاحب علاقات وثيقة بتنظيم الإخوان المسلمين، وصاحب عدة مؤلفات مهمة أخطرها (تمكين الإسلام فى أمريكا)، ولا تزال أعماله منشورة لليوم على موقع (المراقب اليومى للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين) وهو موقع يصف نفسه بأنه موقع (مختصرات استخباراتية لتغطية تطورات شبكات الإخوان المسلمين فى العالم). ومن الغريب أنه وقع على الوثيقة بصفته مدافعا عن اتحاد أصحاب الديانات الإبراهيمية لا بصفته إخوانياً أمريكياً!! ومازالت الوثيقة تحوى الكثير من الأسرار والمفاجآت سنتناولها فى الأعداد المقبلة.