بغداد: ندى عمران عندما أدلى بصوته فى ثالث انتخابات يخوضها العراق منذ عام 2003، ظهر رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى الذى يسعى جاهدا للظفر بولاية ثالثة، واثقا من نفسه، وهو يؤكد أن معركة الأنبار ستحسم قريبا، والأنبار هى التحدى الأمنى الأكبر الذى يواجهه، وتسبب فى انقسام العراقيين تجاهه إلى مؤيد لتدخل عسكرى فى حسم المعركة التى يواجهها جيشه منذ أربعة أشهر، وبين معارض لاستخدام القوة فى إعادة الاستتباب لهذه المدينة التى لا يراد لها إلا أن تسمى ساخنة. فضلا عن ذلك فإن ارتفاع وتيرة العنف فى العراق أضعفت من مكانة المالكى بين خصومه من قادة الكتل الكبيرة من السنة والشيعة الذين يحاولون إيقاع الهزيمة به بشتى الطرق، خصوصا مع اقتراب المعارك التى يشنها مسلحو تنظيم داعش من أطراف بغداد، ويدفع ثمنها سكان مدنيون من غرق مناطقهم بسبب تدمير سدود المياه أو تدمير منازلهم وتشريدهم بسبب الأعمال العسكرية. هذه الحرب التى تدور رحاها فى ثانى أكبر محافظة عراقية من حيث المساحة، وغيرها من أعمال العنف والتفجيرات والتصفيات الجسدية، يعدها البعض فى صالح المالكى الذى يرفع راية مقاتلة الإرهاب، الأمر الذى رفع من رصيده بين أتباعه من الشيعة الذين تناسوا مشكلة تردى الخدمات التى يعانون منها فى أغلب مناطقهم وعدم حصولهم على فرص العمل والحياة، وصاروا ينظرون إليه كرجل قوى يحارب الإرهاب. ولعل هذا أهم مؤشر لنتائج الانتخابات فى بلد مازالت تتحكم به النزعة الطائفية والعرقية، وتسهم الكتل المرشحة للانتخابات فى الدفع بهذا الاتجاه من أجل النيل من الكتلة المنافسة والحصول على أكبر عدد من الأصوات، لكن كتلة المواطن وهى شيعية ويتزعمها رئيس المجلس الإسلامى الأعلى عمار الحكيم، وتضم أيضا التيار الصدرى الذى يتزعمه رجل الدين الشيعى مقتدى الصدر، تحاول أن تحصد النسبة الأكبر من الأصوات والفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان لتشكيل الحكومة المقبلة، بعيدا عن المالكى الذى قالت عنه إنه سيقود البلاد إلى التمزق فيما لو بقى رئيسا للوزراء، فيما وجهت شخصيات دينية شيعية كبيرة بعدم التصويت للمالكى بسبب فشله فى إدارة الملف الأمنى، فضلا عن اتهامات بفساد مالي. وعلى الرغم من كثرة عدد المرشحين للانتخابات والذين تجاوز عددهم التسعة آلاف مرشح فإن حديث الشارع العراقى يتجه نحو المالكى تحديدا، وهل سيفوز بولاية ثالثة؟ وهل سيتمكن من المنافسة هذه المرة مع زيادة إقبال الناس على الانتخابات من جهة ورغبتهم فى التغيير من جهة أخرى؟ مع الإشارة إلى ترشح تيارات ليبرالية وعلمانية ومدنية ومثقفين وإعلاميين فضلا عن الكتل والزعامات الكبيرة مثل كتلة متحدون التى تمثل التوجه السنى وكتل شيعية كبيرة وأخرى علمانية تقودها شخصيات معروفة مثل عمار الحكيم ومقتدى الصدر وأحمد الجلبى وإبراهيم الجعفرى ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوى. لا مفاجآت كبيرة.. والمالكى لولاية ثالثة وذكر المحلل السياسى الدكتور إحسان الشمرى، فى حديثه ل «الأهرام العربى»، أن المشهد السياسى المقبل قد يتجه إلى شراكة أغلبية سياسية تشاركية بائتلافات حزبية كتلوية، كما أن التيار الليبرالى استطاع أن ينافس الأحزاب الإسلامية التى سيطرت على المشهد السياسى طوال المدة السابقة، هنالك الكتل المدنية أيضا ستنافس وتشكل نواة لتراكم سياسى قادم وستحصل على مساحة، وربما ستكون هى بيضة القبان إذا ما حصلت على مقاعد فى البرلمان وربما تضطر بعض الكتل الكبيرة إلى التحالف معها، أما الحديث عن تكرار الوجوه الحالية وتحديدا رئيس الوزراء الحالى نورى المالكى فأتوقع أنه ربما سيحصل على الولاية الثالثة، لأنه قدم نفسه كقائد شيعى قوي، فيما لا تزال مسالة الطائفية والعشائرية والمناطقية تسيطر على خيارات الناخب. البرلمان بوجوه جديدة لكن كتلة شيعية كبيرة ترى أن الانتخابات ستفضى إلى تغيير وستعتلى قبة البرلمان وجود جديدة. الدكتور وهاب الطائى، المتحدث باسم كتلة الصادقون، وهى العنوان السياسى لعصائب أهل الحق وهى مجاميع شيعية منشقة عن جيش المهدى الذى يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر، وهى تخوض الانتخابات لأول مرة، يقول: بداية أن نسبة المشاركة فى هذه الانتخابات كانت أكبر من كل الانتخابات السابقة، كذلك قانون سانت ليجو المعدل لن يسمح للكتل الكبيرة أن تدخل مؤتلفة، إضافة إلى أن هذه الكتل أفرزت حالة من الفشل فى إدارة الأمور فى المرحلة السابقة. ويضيف: كانت هناك ثلاث كتل كبيرة وهى الائتلاف الوطنى، والعراقية، والكردستاني، فالوطنى والعراقية لم يحققوا شيئا يعتد به، أما التحالف الكردستانى فقد كان يعمل للمصلحة الكردية فقط، ولذلك مر العراق بمشهد سياسى فاشل يتميز بصفتين، أما صفقات أو أزمات، وأصبح يحكم من قبل إقطاعيات سياسية تجاوزت العناوين الطائفية والحزبية، لهذا أعتقد أن الانتخابات الأخيرة ستأتى بوجوه جديدة وطنية وشجاعة، وكما هو معلوم فإن الكتل الكبيرة انقسمت كل واحدة إلى ثلاث كتل كما فى الوطنى مثلا والعراقية إلى وطنية وعربية ومتحدون، دائما نقول الثابت بالسياسة متحرك. وعن سبب دخول كتلة الصادقون للانتخابات يقول الطائى: لأنها أول انتخابات بعد خروج المحتل الأمريكى، ولدينا برنامج انتخابى متكامل يبدأ من تعديل بعض المواد الدستورية التى فيها نفس المحتل واضح، وكذلك تصحيح مسار العملية السياسية المنحرفة وموضوع الأمن وصناعة الأمن والحياة من خلال إقرار القوانين المتعلقة بوزارات الدفاع والداخلية. وردا على سؤالنا حول الوزارات التى يطمح الصادقون الحصول عليها، قال: الأمن الوطنى المخابرات وباقى الأجهزة الأمنية، ويؤكد: لدينا قاعدة جماهيرية كبيرة وأتوقع أن يكون لنا حضور مهم ومميز فى البرلمان. وفى سؤالنا حول هل لديكم تطمينات من جهات معينة، وهل تتفقون مع المالكي؟ قال: ليس لدينا أى تطمينات من أى جهة وليس لدينا دعم من أى جهة داخلية أو خارجية، وبالنسبة للمالكى، فقد عارضناه فى مواقف، وأيدناه فى مواقف أخرى. المرأة والمشاركة المثيرة للجدل وما يميز هذه الانتخابات هو المشاركة الواسعة للمرأة، إذ تنافست أكثر من 2000 امرأة لدخول قبة البرلمان، ويفرض القانون أن تمثل المرأة بنسبة لا تقل عن 25 % فى البرلمان العراقي، وستكون «الكوتة» النسوية وسيلة لدخولهن البرلمان. وعن دور المرأة فى الحياة السياسية وفرصها فى الحصول على مقاعد فى البرلمان المقبل، تقول عالية طالب وهى كاتبة وروائية، وإحدى المرشحات للحصول على مقعد فى برلمانى نسوى: مشاركة المرأة العراقية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أخذت حيزا من الاهتمام المجتمعى ليس على مستوى العراق فقط، بل امتدت عربيا وعالميا وربما السبب يعود إلى تفاصيل متعددة ، منها حجم المشاركة الكبيرة التى قاربت 3000 مرشحة ومنها اختلاف الأجيال العمرية التى ابتدأت من عتبة الثلاثين، وصولا إلى السبعين، وهناك حيز مهما ثالثا لهذه المشاركة هو هيئة وشكل وأزياء وجمال المرشحات الذى نال نصيبا من الاهتمام بعيدا عن السيرة الشخصية والمنجز الفعلى والخبرة الاحترافية والفاعلية المجتمعية النشطة فى مختلف جوانب الحياة العامة. كل هذه التفاصيل تزامنت مع ترشح المرأة اليوم، ولكن ما غفل عنه الشارع العراقى هو أن شريحة مهمة من المرشحات ويمكن أن نقول أغلبهن دخلن بإصرار على المشاركة الفاعلة بمعنى ألا يكن كمثيلاتهن من برلمانيات الدورات السابقة التى بقيت فيها المرأة ظلا تابعا لرئيس القائمة والحزب والكتلة، ولم يسمح لها بالمشاركة الفعلية المتميزة لا فى مستوى صنع القرار ولا فى تشكيل الحكومة ولا حتى فى تسلم مناصب مهمة ضمن التشكيلة الوزارية واكتفت بوزارة بلا حقيبة لتكون صوتا لامرأة لم تشعر حقا أن هناك وزارة تمثلها؟ الدستور العراقى حدد مشاركة المرأة فى الانتخابات بما لا يقل عن 25% ، بمعنى أن بإمكانها أن توجد بنسبة أكبر قد تصل إلى 50 أو حتى أكثر منها، ولو تحقق هذا لأصبح وجود المرأة العراقية فى البرلمان ظاهرة متفردة عربيا وعالميا، وهو ما آمل أن تحققه المرأة بفعل حجم ثقة ناخبيها فيها، والتى نعتقد أنهن الآن يقارن مستوى فساد وعدم انضباط وقلة فاعلية البرلمانى إزاء البرلمانية التى كانت حاضرة دائما ولم تنزلق إلى الدخول فى ملفات فساد مقارنة بالرجل. نعتقد أن الشارع العراقى اليوم سيعطى ثقته للمرأة بنسبة أكبر ما فعل سابقا بناء على المعطيات الإيجابية لمسيرة المشاركات، خصوصا لمن تحفل مسيرتها بمشاركات فاعلة فى خدمة المجتمع بمختلف مشاربه المتنوعة وثقة المرأة بالمرأة أيضا تشهد اليوم فاعلية إيجابية مختلفة. النتائج النهائية تعنى معارك شرسة وعلى أية حال فإن صناديق الاقتراع ما زالت بحوزة المفوضية المستقلة للانتخابات والتى أعلنت أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم فى الثلاثين من إبريل بلغ 12 مليونا و432 ألفا و499 ناخبا، من مجموع 21 مليونا و592 ألفا و882 شخصا يحق لهم الانتخاب، بنسبة مشاركة بلغت 60 %، وقد تنافس 9040 مرشحا لشغل مقاعد البرلمان البالغة 328، فيما سيختار سكان إقليم كردستان فى وقت متزامن 90 عضوا جديدا فى مجالس محافظات الإقليم الثلاث. وتعد هذه الانتخابات الثالثة فى البلاد منذ 2003، كما تعد الأولى التى تجرى لانتخاب برلمان بعد انسحاب الجيش الأمريكى من العراق نهاية عام 2011. أما العراقيون فإنهم برغم العدد الكبير من المرشحين والتيارات والاتجاهات، لكن ما يشغلهم هو بقاء رئيس الوزراء الحالى من عدمه، وهل سيحظى الائتلاف الذى يتزعمه بنفس النصيب السابق من الأصوات والمقاعد التى تؤهله لتشكيل الحكومة، لكن مؤشرات النجاح والفشل على الأرض مفتوحة على كل المفاجآت لأنهما يسيران باتجاهين متوازين، فالرغبة فى التغيير تقابلها زيادة نسبة عدد المصوتين بحسب ما أعلنته بعض التسريبات غير النهائية، كما يرى بعض العراقيين أن الانتخابات سوف لن تفضى إلى نتائج ديمقراطية أو نزيهة دون أن تكون لإيران أو أمريكا بصمة واضحة فيها، أما المالكى الذى يسعى مجددا للتمسك بالسلطة فى بلد تسوده الفوضى ولم يتحقق فيه الأمن بعد عشر سنوات على الاحتلال، وبعد أكثر من عامين على مغادرة القوات الأمريكية البلاد، فإن بانتظاره معركة شرسة مع خصوم من الشيعة والسنة والأكراد على المناصب الرئيسة فى العراق.