السفير يسري القويضي نظمت الفنانتان د. مرفت شاذلي، وفدوي رمضان معرضا مشتركا بجاليري جرانت واختارتا تعبير " لحظات" عنوانا للمعرض، فهل هناك قاسم مشترك يجمعهما، رغم اختلاف اسلوبهما؟ تؤكد الفنانة مرفت شاذلي أن المناخ العام السائد في الوقت الحاضر، وتعالي نبرة تيار الفردية في الحركة الفنية، كان دافعهما لتوحيد الجهد لتنظيم عرض مشترك يجابه هذا التيار، تعرضان من خلاله تجاربهما في الاختصار والتلخيص. عرضت الفنانة د. مرفت شاذلي إنتاجا جديدا قوامه اثنتا عشرة لوحة، تسير كلها في ذات الاتجاه الذي لمسته من أعمالها بمعارضها السابقة، اذ ركزت علي تصوير نفسية ومشاعر المرأة المصريةعموما، و النوبية بوجه خاص. لقد طغت البشرة السمراء الدافئةعلي جوه نساء لوحاتها، صورتهن بأسلوب واقعي سيريالي، فجمعت الشخوص مع العديد من الرموز التي أغلبها مخيفة (طيور كاسرة، ثعابين، زواحف، .....الخ) في تكوينات لا وجود لها سوى في الأحلام المزعجة. المفارقة أن الفنانة صورت تلك اللوحات بألوان مشرقة مبهجة، فعكست حالة لا تخلو من تفاؤل ما زالت متمسكة بها وقد بدا تكرار تلك الرموز في اللوحات ملمحا، يكشف، ويعبر عن حالة امرأة تصارع القهر، والتهميش، والانكسار، وواضح أنها حاولت في عرضها الحالي التخفيف من تواجد تلك الرموز المخيفة، فأدخلت رموزا أخري لطيفة كالحصان باعتبار ما له من قبول حسن لدي المشاهدين. الفنانة د. مرفت شاذلي فنانة انتقائية، أي أنها تتخير الأشياء التي تراها جميلة من كافة المدارس والاتجاهات، فتجد في لوحاتها شيئا من التأثر بالفنان مارك شاجال وشخوصه الطائرة في أجواء شاعرية، كما تلمس شيئا من إعجابها بالفنان حامد ندا وطريقة تحويره لشكل الشخوص التي يصورها، وأيضا هناك بعض الحس المستمد من الإعجاب بأعمال الأخوان وانلي وتصويرهما للأحصنة بالسيرك.........الخ. هضمت الفنانة د. مرفت شاذلي خبرات متنوعة مستمدة من التراث الفني العالمي والمحلي، واستوعبت تلك الخبرات،لتخرج علينا بأسلوب يخصها ويميزها، فلوحاتها تبدو بنكهة مصرية نوبية محببة، تفوح منها رائحة بخور معطر تهب نسائمه علينا من أرض الذهب بجنوب الوادي. الجديد الذي حاولت الفنانة إبرازه في لوحات معرضها الحالي هو محاولتها تبسيط وتلخيص في الخطوط والمساحات، فأسقطت بعضا من التفاصيل، كما أضحت لمسات فرشاتها علي سطح اللوحة أكثر عفوية، متحررة من أية قيود، ورغم كل ذلك، فتقديري أنها لم تبتعد عن نفس المسار الجميل الذي سلكته من قبل، ولا أعتقد أنها في حاجة لتغييره، ولا يسعني سوي تحيتها، وتشجيعها علي مواصله نشاطها الفني، متمنيا لها التوفيق فيما تسعي اليه. أما الفنانة فدوي رمضان فقد فاجأتنا في العرض الحالي بأسلوب يغاير تماما ما عودتنا عليه في أعمالها السابقة، التي كانت تخضع فيها مشاعرها وأحاسيسها لقواعد هندسية منضبطة، فوجدناها الآن تنطلق، تاركة العنان لنفسها بشكل لم نعهده من قبل، وفي اتجاه مختلف. في السابق بدت لي الفنانة فدوي رمضان، شخصية تميل للهدوء، تنشط فنيا في صمت، دون جلبة أو صخب، لا تجتذبها أضواء الدعاية المبهرة، ربما تواضعا أو خجلا، لكني من عرضها الأخير لمست أن وراء هذا الهدوء تتجسد شخصية متمردة، بل ربما عنيفة أحيانا، تفور افكارها ومشاعرها بداخلها، تنتظر اللحظة المناسبة التي تنفجر فيها للظهور علي السطح. ويبدو أن المناخ الثوري الذي اجتاح مجتمعنا مؤخرا، منح الفنانة الشجاعة لتعبر عن نفسها بعيدا عن قيود الأشكال التجريدية الهندسية، صحيح أن اللوحات الاثنتي عشرة التي تعرضها ما زالت تستند في تكويناتها علي نفس الأشكال الهندسية المبسطة كالدائرة والمستطيل.....الخ، لكنها صورت تلك الأشكال بصورة عفوية طفولية، فذكرتني لوحاتها تلك بأعمال الفنان الفرنسي جون دوبيفيه Jean Dubuffet (1901-1985) الذي وجد أن الرسوم الفطرية للأطفال، غير الواقعية الممسوخة والمحرفة والمبسطة، تحمل تعبيرات انفعالية قوية صادقة، واعتبر أن هذا النوع من التعبير الطفولي هو غايته وهدفه في الفن ، ولذا فبدءا من عام 1944 جاءت كل لوحاته في صور عفوية طفولية. السؤال: هل ما قدمته الفنانة فدوى رمضان، في معرضها الأخير، هو بداية لاتجاه جديد أم أن تلك مجرد (لحظات) انفعالية طارئة؟ كما يكشف عنه عنوان العرض، تقديري ، وربما أكون مخطئا، أن الفنانة فدوى رمضان نفثت البخار الذي تجمع، وتخلصت من الضغوط التي كانت تموج وتتفاعل بداخلها، نتيجة الظروف المجتمعية غير المستقرة من حولنا، وأعتقد أنها ستعود لسابق حالها، وهدوئها الرصين، وستجعل الأولية للعقل قبل العاطفة، وللتجريد المنظم قبل التعبير المنطلق، أي أنها ستعلي القواعد التجريدية والهندسية وستضعها حاكمة مسيطرة من جديد على أعمالها الفنية. إن تجربة الفنانة فدوى رمضان جديرة بالمشاهدة والمتابعة، فقد ألقت - بدون مقدمات - بحجر في بحيرة ساكنة، فحركت مياها راكدة.