بعد رحلة فن طويلة, بدأ بالدراسة الأكاديمية, رسم كل العناصر التشكيلية من خط ولون ونقطة..., انتقل عبر جميع المدارس الفنية, وكل مدرسة شكلت مرحلة هامة من حياته , واليوم دخل في مرحلة جديدة وهي رسوم الأطفال, لوحة من أعمال اشرف الزمزمى هو الفنان المصري أشرف الزمزمي والذي نطالع معرضه الشخصي الأخير "مجنون بعبقريته" في قاعة النهر بساقية الصاوي. محيط رهام محمود : درس الزمزمي كل عنصر من عناصر الفن التشكيلي على حدا, وجمع بين أكثر من عنصر في لوحاته, وأنتج من خلال هذه الدراسة نحو أكثر من مائة عمل فني, ثم انتقل لمرحلة جديدة وهي التأثر بالفنانين العالميين ونسخ لوحاتهم, فتعرض لجميع المدارس الفنية من خلال تأثره بفنان من كل مدرسة, واعادة نسخ لوحاته - وبخاصة الفنان جوجان- ليكتسب الخبرة التي مر بها هؤلاء الفنانين في أداء أعمالهم , ثم انفصل عنهم بعد انتهاءه من دراسة جميع هذه المدارس . بدأ الفنان يبحث في روافد أخرى كالحضارات القديمة "الفرعونية, الإسلامية, القبطية", ثم دخل في دراسة عالم الحيوان والنبات, ولكن الأشخاص سيطرت على أغلب أعماله . وفي هذه المرحلة انتقل الفنان إلى مدرسة خاصة به, أراد فيها البحث عن ذاته في راحة لعناصر الشكل, والاهتمام بالمضمون والعفوية والتكنيك, مع الإحتفاظ ببعض العناصر التشكيلية, التي تساعده على ما يعنيه لتوصيل فكرته ورؤيته للمتلقي, فقد اهتم بموضوع رسوم الأطفال في معرضه الحالي, حيث قدم تجربة مكونة من ثلاثين لوحة, استطاع من خلالهما الوصول لأداء الطفل, فهو لا يرسم رسوم الأطفال من نظرية واحدة, بل في لوحة يتذكر الفنان طفولته, وفي أخرى يدخل في خيال طفل آخر, وتنوعت أعماله باختلاف أعمار الأطفال الذي يتواصل معهم وجدانيا.
ايرسم الزمزمي لوحاته بتلقائية وعفوية شديدة, فقد صور الشيء المعروف لدى الطفل أكثر من الواقع, فهو يتقمس شخصية الطفل ويسترجع ذكريات طفولته, فنري الألوان في أعماله واضحة وصريحة ونقية غير ممتزجة, لوحة لأشرف الزمزمي تتمثل في الألوان الأساسية التي استخدمها بغزارة كالأحمر والأصفر والأزرق, خطوطة شبيهه بالخط الكفافي الذي لا يتماشى مع مساحة اللوحة. الأشخاص تمثل دور البطولة في أعمال الفنان, فقد رسم في جميع لوحاته أطفالا في أوضاع مختلفة, ففي لوحة يرسم الطفلة كأنها تلعب, ومعها الأشياء التي أحبتها كالحيوانات والعروسة والأشجار التي تجري بجوارها والشمس التي تلعب تحت ضوءها, رسم كل هذه العناصر بشكل تلقائي وغير مرتب, وفي عمل آخر نرى الطفلة بها إستطاله مع الشجرة, كما رسم الطفل مع عصفورته, فالفنان يتواصل وجدانيا مع الأطفال, ويعبر عن الأشياء التي ينحصر فيها تفكير الطفل, كاللعب والأشياء التي يحبها, والعناصر التي يراها بوضوح من حوله . , كما أشتمل المعرض على لوحة كبيرة يبلغ حجمها 1.3×3.5متر, تحمل لوحات صغيرة تبلغ150لوحة صغيرة, مجمعة بشكل مرتب وبدون برواز, يفصل بينهما مساحات صغيرة , تصور رسوم الأطفال أيضا ببساطة شديدة وتلقائية في التعبير, وتنوعت اللوحات في حجمين, الأول 12×15سم , والثاني 13×20سم .
أراد الفنان في هذا المعرض تذكيرنا بأعماله السابقة بعرض لوحتان رسمهما منذ عامين بألوان الزيت, ويبلغ حجمهما 120×170سم . يقول الفنان أشرف الزمزمي: إن هذا المعرض هو مرحلة نضج للفنان, الذي وصل إلى أرضية الفن الحقيقي, فأرضية الفن الحقيقية من وجهة نظره هي البعد عن الأكاديميات, من الأعمال السابقة للفنان مع عدم التخلي عن العناصر الجميلة التي تغير المضمون, وهذا أقرب لأرضية الفن التلقائية والعفوية, فالعباقرة من الدارسين هما الذين يستطيعوا الوصول لمراحل مرتفعة تقرب من أرضية الفن الحقيقي, ولا يستطيع أي فنان عادي للوصول لهذه المرحلة, ومن الفنانون القادرون على ذلك يجب أن يستطيعوا تنمية الفن التشكيلي من خط ولون ومساحة, مثل الفنان المعروف بيكاسو, بعد دراساته وإبداعاته الأكاديمية لجأ للتلخيص والتبسيط, وعندما يصل الفنان لهذه المرحلة "على سبيل المثال, برسم بقعة لون بشكل عضوي أو هندسي بجماليات فنية كمساحة في الفراغ مع كتلة" يعتقد أنه وصل لنهاية الفن بالنسبة أليه. الزمزمي بعد تشبعه من الدراسات الأكاديمية لسنوات طويلة, ووصوله لمرحله التبسيط والتلخيص والتلقائية والعفوية في هذا المعرض, إلا أنه لم ينتهي بعد من تجاربه في الفن, فهو مازال يبحث في موضوعات جديدة, سعيا وراء الكمال في الفن . ونرى في معرض الزمزمي نجاحه في الرجوع إلى خيال الطفل, فنادرا ما يستطيع أي فنان الوصول إلى ذلك, فمنذ فترة تناول فنان روسي عالمي هذا الموضوع, وأنتج لوحات عن ذكريات القرية, واستطاع أن يصور المتبقى في خياله عن هذه القرية, فكون فانتازيا من خياله الحالم, واستعادها برؤية خيالية, وهذا يعتبر أيضا نوع للعودة إلى الذكريات . كما أن بيكاسو في أيامه الأخيرة, وبعد المكانه التي أرتقى أليها في الفن, وصل لمرحلة التشبع وأراد العودة إلى أيام صباه, فخرج يرسم من جديد في الضواحي, لإسترجاع حياته الأولى, وقال أنه يتمنى الرجوع للطفوله, وبالفعل حاول عدة مرات, ولكنه صرح أنه من الإستحالة رجوعه لخيال الطفل لأنه اكتسب خبرات قضت على حياته وخياله الماضي, وقليلا من الفانون المصريون تناولوا هذا الموضوع "رسوم الأطفال" ولكن لم يستطيعوا الوصول لهذا الحد من التلقائية والوصول لخيال الطفل, فبدت على أعمالهم الإصطناع, وظهرت هذه الرسوم بشكل يوحى بأنها رسمت بعقل واعي محمل بخبرة لم يستطيعوا التخلص منها. لكن الزمزمي إستطاع بالفعل أن يرجع للطفولة, فهذا المعرض يعتبر من أفضل أعماله, لأنه يكاد ينافس عظماء الفنانون العفويون, فالمتلقي يتخيله وهو يرسم كأنه يحلم تاركا يدة ترسم لوحاته بمفردها. كما ذكر في بحث علمي أن الأطفال في أعمار مبكرة تتحرك يدهم على الورق بخطوط تلقائية تشبه الأقواس, تماما كما رأينا في لوحات الزمزمي, فهو حقق بالفعل التواصل مع وجدان الطفل البريء. لوحة لأشرف الزمزمي يقول كمال الجويلي رئيس جمعية النقاد المصرية: إن الفنان أشرف الزمزمي قدم معرضا مفاجئا للجميع سواء للفنانين أو للمتذوقين, فقد تغير أسلوبه تماما, وفوجيء المشاهد بلوحات تحمل خطوطا بلمسات منطلقة, تكاد تكون طائرة معظمها في شبة أقواس, توحي بأداء الفنان للتعبير عن شحنة داخلية في سرعة خاطفة وكأنه يستعيد لحظة من ذكريات الطفولة, هذه الخطوط العريضة السلسة المنسابة فوق مساحات لونية, تجري حوارا حيا يكاد يحكي لحظة طفولية لمعت فوق السطح في وجدانة وعكسها بحيوية يغبط عليها . هذا المعرض المفاجأة أدهش الجميع, وبخاصة الذين تابعوا اعماله وإبداعاته من قبل, وبخاصة تلك التي تذكرنا خلالها باسلوب جوجان, والذي وضع قطعتين منها في هذا المعرض إشادة إلى مرحلته السابقة, واعتقد أن بخاصة في هذا المعرض والذي يعود إلى خبرته ومواهبه, قد عاد أيضا إلى تجربة حادة اثمرت هذه الأعمال . ومن يدري ما قد تسفر عنه هذه المرحلة الخاطفة من إبداعات جديدة, تتبلور من خلالها كل تجاربة وخبراته السابقة . ولاشك أن هذا معرضا نادرا لم يسبقه أليه احد في حركتنا التشكيلية بهذا المفهوم, وهذه الرؤية وبخاصة هذه العفوية والتلقائية .