مسقط –محمد ربيع غزالة علي مدار أربعة أيام بالعاصمة العمانيةمسقط، وللعام الثالث عشر، وتحت رعاية الدكتور يحيى بن محفوظ المنذرى، رئيس مجلس الدولة بسلطنة عمان، عقدت ندوة تطور العلوم الفقهية بسلطنة عمان الذى تنظمها وزارة الأوقاف والشئون الدينية حول (الفقه الإسلامى ..المشترك الإنسانى والمصالح) لمدة أربعة أيام بمشاركة وزراء أوقاف ومفتين وعلماء وأساتذة جامعات من مصر و25 دولة وبحضور السفير عمرو الزيات، سفير مصر بسلطنة عمان، والدكتور على جمعة مفتى مصر السابق. أوراق العمل خلال الندوة والتى بلغت ثماني وستين ورقة ناقشت القيم القرآنية فى مجال الفقه وأصوله، والعدل والرحمة والآثار الفقهية، والمساواة فى المواثيق الدولية من منظور إسلامي، ومؤسسات العدل فى الإسلام، وحقوق المحاربين فى الفقه، وحقوق الطفل فى القرآن الكريم، ومقاصد الشريعة الإسلامية، والرؤية الفقهية حول إعلان الاستقلال الأمريكى والإعلان الفرنسى والإعلان العالمي، وحقوق الإنسان بين الإعلانيين العالميين الصادرين فى عام 1948 وفى سنة 1990. كما أوضح الدكتور سالم الخروصى، مستشار وزير الأوقاف بسلطنة عمان أن المؤتمر ناقش القواسم الإنسانية المشتركة والتى تلبى حاجات الناس وهى المساواة والعدل وحقوق الإنسان والشورى من خلال الفقه الإسلامى، ومقارنتها بالقوانين الدولية ومحاولة التقريب فى وجهات النظر فى المفاهيم والأفكار من خلال آراء العلماء بالمؤتمر خروجا برؤى تؤسس لنشر القيم الإنسانية فى المجتمعات. وأكد فضيلة مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، والذي حضر بطائرة خاصة هو والدكتور علي جمعة، المفتي السابق، ضرورة وحدة صف الأمة الإسلامية وتعاون علمائها ومفكريها لمواجهة المتغيرات التى تواجه الدول الإسلامية والعربية والتمسك بالقيم الإسلامية والإنسانية، ومنها العدل والمساواة والأخلاق الحميدة مشيرا إلى العلاقة الوثيقة بين الفقه الإسلامى والمشترك الإنسانى. كما أكد مفتى الجمهورية فى كلمته فى افتتاح المؤتمر اهتمام الإسلام بكل ما يخص الناس فى حياتهم من عادات ومعاملات وعلاقات سياسية واقتصادية واجتماعية، من خلال منهج محكم يتضمن كل القيم التى تؤسس لمشترك إنسانى لكل الناس بصرف النظر عن ثقافاتهم أو مذاهبهم. وأوضح مفتى الجمهورية أن المشترك الإنسانى الحقيقى ما يتضمن من قيم روحية تلبى احتياجات الناس وتسمو بأخلاقهم وعلاقاتهم بعيدا عن العولمة أو أى تدخلات أخرى، مبينا دور الفقهاء والعلماء فى توضيح القيم الإنسانية، ووضع الأسس الفقهية التى تؤسس للأحكام وفق القرآن الكريم والسنة النبوية. ونفى مفتى الجمهورية أى تأثير للخلاف فى الرأى الفقهى بين العلماء على القيام بدورهم لتنوير الأمة وتوضيح المبادئ والقيم الإنسانية. دور ولي الأمر من جانبه طالب المفتى العام لسلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلى، كلا من أولى الأمر التمسك بكتاب الله وقيم العدل والمساواة والحكمة، والعلماء والمفكرين والباحثين فى الأمة الإسلامية بأداء أمانة العلم وحقه بتطبيقه فى الحياة وتعظيم الاستفادة منه، حتى تخرج الأمة من كبوتها الحالية وتستعيد مجدها ومكانتها المستحقة. ورأى مفتى سلطنة عمان فى الكلمة التى ألقاها نيابة عنه الدكتور كهلان بن نبهان الخروصى، مساعد مفتى عام سلطنة عمان، أن ما تواجهه الأمة الإسلامية الآن من تمزق وتفكك، ستكون ابتعاثة جديدة لنهضة الأمة تجدد فيه الاجتهاد وتتمسك بالقيم الإنسانية والروحية ويتعظم دور علمائها، محذرا العلماء من اتباع الهوى وتجاوز العدل ومن الجمود والتقييد وعدم السعى للتجديد والإصلاح والاستفادة من التراث وتجديده مع إبداع العقل والحفاظ على الأصول وتنميتها بما يتفق وتطورات العصر. وأشار إلى أن المؤتمر فى عامه الثالث عشر، يرسى مبادئ الحرية والمساواة والعدل فى المجتمعات، وينمى أسس الحوار والتسامح ونبذ العنف من خلال مشترك إنسانى تتضمنه تعاليم الإسلام السمحة ولمساعدة أولى الأمر فى مواجهة المحن التى تواجه الأمة. كما أكدت وزارة الأوقاف والشئون الدينية بسلطنة عمان أهمية القيم القرآنية والمصالح الضرورية لدى علماء الفقه والأصول، لتأسيس مجتمع إسلامى متميز مبينة أن القيم القرآنية تتضمن المساواة والرحمة والحرية والكرامة والعدل والتعارف والخير العام، فيما تشمل المصالح الضرورية الحقوق الخمسة وهى حق النفس والعقل والدين والعرض والمال. فقه السياسة الشرعية وفى الكلمة التى ألقاها الدكتور عبد الرحمن السلمى، رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر فى الجلسة الافتتاحية، قال إن المؤتمر يهدف إلى تجديد الوعى بالتقاليد الفقهية الإسلامية، والعمل بالبحث العلمى الجاد للإفادة منه والانفتاح على التأويل والتجديد وعلى العالم أوسع من خلال مناقشة 70 بحثا، مقدمة من أكثر من 150 باحثا وعالما من 25 دولة من دول العالم لمناقشة 8 محاور للمؤتمر حول قيم المساواة والعدالة وحقوق الغير فى الإسلام. بينما تناول الدكتور مجدي عاشور –المستشار الأكاديمي لمفتي جمهورية مصر والذي رافق فضيلة المفتي في رحلته «أسس فقه السياسة الشرعية» وأكد أن منهج أهل السنة والجماعة في أبواب الإمامة يستهدف بصفة مباشرة التأسيس لفقه السياسة الشرعية على أساس توافق العقل والنقل. وأشار الدكتور عاشور في بحثه أن منهج أهل السنة هو بناء الأحكام الأساسية في السياسة الشرعية على الوسطية التي ترد الأطراف إلى الاعتدال، فكانت تلك هي التي أكسبته ميزة فارقة عن منهج غيره من المذاهب والفرق. وأوضح المستشار الأكاديمي في البحث أن اختيار الإمام أو الحاكم أمر اجتهادي، كما تطرق البحث إلى وظيفة الإمام ومهمته والشروط التي يجب أن تتوافر فيه، وكذلك انعقاد الإمام له ونقضها سواء بالخلع أم الخروج عليه وشروط كل منهما. ميدان الإنجاز الإيجابي وكان الدكتور سالم بن هلال الخروصي، مستشار وزير الأوقاف العماني لشئون الوعظ ونائب رئيس اللجنة المنظمة، أكد أن الندوة اهتمت بالمشترك الإنساني والقيم الإنسانية الموجودة في جوهر كل الأديان والحضارات والمدارس الفكرية، والتي تلبي حاجات الإنسان الفطرية من حيث هو إنسان، مثل إقامة العدل وإنصاف المظلوم وتحقيق حرية الإنسان وكرامته والحفاظ على النفس وتأمين حاجاتها المختلفة إلى غير ذلك من القيم المشتركة الحاضرة في كل الديانات والحضارات والثقافات. وأضاف أن المسلمين يرون من خلال شريعتهم - ميدانا للإنجاز الإيجابي يتحقق من خلاله المبدأ القرآني: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) مشيرا إلي أن فقه المشترك الإنساني العام هو في جوهره دفاع عن الوحدة الإنسانية في إطار التنوع المشروع والمحمود، وليس في إطار الخلاف المذموم، فهو مصدر خصوبة وثراء، وليس داعية تنازع وخصام. وشدد علي أن الندوة انتهت أيضا إلي تفعيل دور المشترك الإنساني في حل الخلافات والصراعات في العالم، باعتباره أحد الحلول لعلاقات جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، والحوار بين الثقافات المختلفة، وتفعيل قيم العدل والمساواة والتضامن، للوصول إلى رؤية مشتركة للمخاطر والتحديات التي تواجه الشعوب. وقال إن الرؤية الموتورة للإسلام والمسلمين والتي تنشرها دوائر عالمية تعني ترسيخ التنازع وليس تقبل الاختلاف أو توظيفه في التكامل البشري ماديا ومعنويا، وهو يعني صراع الحضارات لا تفاعل الحضارات، إننا نرى العالم من خلال الأخوة العالمية والتنوع المحمود. ولذا ندعو الناس إلى كلمة سواء، فخير الإنسانية المشترك هو هدفنا العام، والتعاون على البر والتقوى هو من مقاصد تشريعنا وأوامر ديننا. الحقوق المشنركة وذكر الدكتور سالم الخروصي، أن الندوة بحثت(فقه المشتركات الإنسانية) عند علماء الإسلام عموماً في ضوء الرؤية الاجتهادية لكل منهم وفقاً للظروف الزمانية والمكانية التي عاشوها، ولذا فلا بد من مراعاة ذلك عند مناقشة آرائهم وفتاويهم ونصوصهم الفقهية في هذا الموضوع، والنظر في التراث الفقهي في ضوء تأثيرات الزمان والمكان، وإعادة قراءة المصطلحات الشرعية المتعلقة بالمشترك الإنساني وتعميق فهمها في التعامل مع الآخر وفق تصوير القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، من أجل تقديمها في قالب إيماني وسلوكي، مع التعريف بهذه الحقوق القرآنية، باعتبارها منهج هداية يرعى مصالح البشر ويقودهم إلى التآلف والتعارف. وشدد علي أن الندوة انتهت إلي ضرورة العودة إليهما لاستلهام حقوق الإنسان المشتركة، خصوصاً أن صحيفة المدينةالمنورة أول دستور يعترف بحقوق المواطنة لجميع سكان الدولة يضمن لهم حقوقا متساوية، مقابل أدائهم لواجباتهم ومشاركتهم في الدفاع عنها، وجاءت خطبة الوداع لنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام إعلانا عاما لحقوق الإنسان، وارتباطها بالدعوة الإسلامية وتكليف المسلمين بتبليغها باعتبارها قضيتهم الكبرى. وطالبت الندوة في توصياتها ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان مهما كان لونه وفكره وعرقه وقوميته ودينه في المجتمع، من خلال تأكيد الشريعة الإسلامية الحفاظ على الكليات الخمس - وهي حق الدين والنفس والعقل والعرض والمال - لإحياء معالم القيم والأخلاق، وإضافة ذلك كمادة في المناهج التعليمية في المدارس والجامعات يتربى عليها الشباب، والتعريف بذلك في البرامج الإعلامية والتربوية عبر القنوات المرئية والمسموعة والمقروءة، حتى تصبح ثقافة عامة يعنى بها الجميع. ومن أهم هذه الحقوق التي ينبغي ترسيخها في المناهج التعليمية للطالب أدب الاختلاف وقبول الآخر، سواء كان طالبا للعلوم الشرعية، أم غيرها من العلوم النظرية أم التطبيقية، وتدريبه على ذلك حتى يصير هذا الأدب خلقا راسخ المعاني والسلوك