هاني بدر الدين في الحلقة الجديدة من الحوار مع اللواء شريف إسماعيل وكيل جهاز المخابرات العامة السابق، مستشار الأمن القومي السابق في شمال سيناء، يكشف أسرارا مثيرة عن نشأة حماس وعلاقتها بإسرائيل، ودور التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وفرع الجماعة في مصر، في التأثير على قرار حماس، كما يتعرض أيضا للدور الذي تلعبه كل من قطروتركيا في القضية الفلسطينية. هناك لغط حول نشأة حماس وعن وجود دور لإسرائيل في قيام الحركة.. ما حقيقة ذلك؟ لا خلاف على أن حماس صنيعة المخابرات الإسرائيلية وأنها منذ نشأتها 1987 وهي تحت رعاية الشاباك الإسرائيلي، وكان يدير الاتصالات بها ويدعم موقفها فلسطينيا، الميجور جنرال "أبو صبري" وهو الاسم الحركي له، وهو ضابط الشاباك المسئول عن حماس في غزة.. وعندما نستعرض موقف حماس من القضية الفلسطينية ومنذ نشأتها في ديسمبر 1987 يتضح أن الهدف من إنشائها ودورها هو شق الصف الفلسطيني، فحماس حتى الآن لم تنضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وحماس هي التي عارضت جميع الاتفاقات التي أبرمتها المنظمة ولم تعترف بها، بداية باتفاق أوسلو1، وأوسلو 2، واتفاق غزة وأريحا، واتفاقي واي ريفر 1، وواي ريفر2، فدائما كانت حماس تعارض لصالح أن يكون لها دور مباشر مع إسرائيل، يخدم أهداف الدولة العبرية، ويفشل أي مفاوضات تتم. ما أبعاد العلاقة بين حماس وبين جماعة الإخوان في مصر؟ وضح ارتباط حماس بشكل كامل بجماعة الإخوان سواء التنظيم الدولي أو الحركة الأم في مصر، من خلال الزيارات العلنية والمشاروات التي كانت تتم بين وفود الحركة التي تأتي إلى مصر، وبين المرشد العام للجماعة وكذلك بين بعض قيادات الجماعة، إلا أن الأمور قد تغيرت بشكل كبير لصالح حماس بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث بدأت جماعة الإخوان في البداية الضغط على الجهات الأمنية في مصر بشكل كامل بهدف فتح المعابر والسماح بدخول قيادات حماس وعناصرها بدون منع من توجد أسماؤهم على القوائم الممنوعة، وهو الأمر الذي رفضته الأجهزة الأمنية المصرية، وهو ما دفع قيادات حماس إلى إغلاق معبر رفح من الجهة الفلسطينية، وشن حملة إعلامية ضد الأجهزة الأمنية في مصر واتهامها بأنها تعمل لصالح نظام مبارك، إلا أنه بعدما وصل الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم، حدثت تطورات دراماتيكية، في العلاقات المصرية مع غزة، باعتبار أن الإخوان أصبحوا ورقة رابحة في المنطقة، وبالتالي توصلت أمريكا إلى قناعة تقوم على أنه يمكن التوصل لاتفاق سلمي مع إسرائيل بشكل يرضي تل أبيب وينهي المشكلة بشكل كامل، عبر ورقة الإخوان، ولا سيما أن واشنطن كانت تعتقد أن الإخوان سوف يحكمون المنطقة العربية بشكل كامل، سواء في تونس أو ليبيا أو السودان، وثم سوريا، وبالتالي كان هناك تغيير في توجهات السياسية الإسرائيلية والتي كانت على علاقة وثيقة بالنظام العلوي في سوريا، وسمحت لقواته بأن تنتقل عبر الجولان لمواجهة حالات التمرد التي كانت بدايتها في منطقة درعا، وسمحت إسرائيل أيضا له باستخدام قواته الجوية في مناطق كانت تحت سيطرة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وهو مؤشر على أن إسرائيل كان يهمها بقاء النظام العلوي الذي حافظ على الحدود الإسرائيلية خلال الفترات السابقة من الاحتلال الإسرائيلي للجولان. كيف ترى الاتفاق الذي تم بين حماس وإسرائيل برعاية الدولة المصرية في عهد الإخوان؟ يستوقفنا أمران، الأول أن الاتفاق أدى إلى أن أصبحت حماس معترفا بها من قبل إسرائيل وأمريكا كشريك مفاوض في السلام، وثانيا أن إسرائيل نجحت في تكريس الانقسام الفلسطيني تحت رعاية مصر التي كان يحكمها الإخوان وقتئذ، وهو ما كان ينذر بأن هذه الاتفاقية تعني إنهاء القضية الفلسطينية، في الوقت الذي شعر فيه الرئيس أبو مازن باليأس، فقرر نقل حق الإشراف والرعاية للمقدسات الفلسطينية إلى الأردن، وعرض مشروع قرار على منظمة التحرير بالدخول في كونفيدرالية مباشرة مع الأردن.. وللعلم فإن العقبة الوحيدة التي واجهت مشروع الإخوان كانت مشاكل السيطرة على القرار الداخلي الفلسطيني داخل حماس، حيث كان هناك صراع بين المكتب السياسي للحركة، وبين الموقف العسكري داخل قطاع غزة، حيث كان الموقف العسكري يتحفظ على الهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل ويطالب بالحرية في الرد على إسرائيل وفق الرؤية الميدانية على الأرض، ومواجهة أي أعمال عدائية تمس الأراضي الفلسطينية كالقدس الشرقية، وكذلك بناء المستوطنات في المناطق الفلسطينية، أو أي قرارات استفزازية ضد الشعب الفلسطيني من حكومة تل أبيب، وبالتالي كان أحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام، هو العقبة الأساسية في إتمام هذا الاتفاق لعدم قدرة المكتب السياسي برئاسة خالد مشعل على السيطرة على الوضع الداخلي. هل صحيح أن قطر لعبت دورا في التخلص من الجعبري؟ هناك أسرار عديدة وراء الزيارة التي قام بها أمير قطرلغزة والتي وصفها البعض بأنها تاريخية، حيث قام بلقاء الحكومة الفلسطينية والجعبري في محاولة من الأمير القطري لاقناع الجعبري بالالتزام بالهدنة مع إسرائيل، إلا أن أمير قطر فشل في تحقيق مهمته المكلف بها من إسرائيل وأمريكا، لا سيما أننا لا يمكن أن نغفل أن الزيارة تمت لقطاع غزة المحتل من إسرائيل، وبالتالي فالزيارة تمت بموافقة إسرائيل، وليست بشكل عنتري وكأن أمير قطر يتحدى الحصار ويدخل إلى القطاع، بالإضافة إلى أنه لا يمكن له أن يقدم منحة لحكومة حماس قدرها 400 مليون دولار دون موافقة الجانب الإسرائيلي على ذلك، لأن تل أبيب لا يمكن أن تسمح لقطر بدعم فصيل مصنف على أنه من المنظمات الإرهابية إلا أن كانت هناك مصلحة لإسرائيل في ذلك. وكيف تم الترتيب للتخلص من الجعبري؟ توصلت إسرائيل وقطروأمريكا إلى قناعة أن الجعبري أصبح حجر عثرة في عملية التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتوصلت جماعة الإخوان إلى قرار بضرورة التخلص من الجعبري حتى تتمكن من فرض موقفها الداعم للتهدئة، وبما يعزز من دورها السياسي أمام أمريكا وتل أبيب، وبالتالي يعزز موقف مرسي والإخوان في الحكم في مصر، وكانت هناك قرارات اتخذت على الأرض، منها سحب مكتب حماس من دمشق إلى السودان وقطر، وإعلان مرشد الإخوان محمد بديع مباركته للتمديد الرابع لمشعل كرئيس للمكتب السياسي لحركة حماس، وقطع العلاقات بين حماس وإيران، وفي المقابل بدأ الإخوان السيطرة على ملف حماس، وإدارته لحساب حل القضية الفلسطينية وإنهاء الدور السوري، فتولت قطر تمويل الحركة بدلا من إيران، كما تولت تركيا دور سوريا بإيجاد قواعد للحركة والعمل على إسقاط النظام السوري، وحتى يتمكن الاخوان من السيطرة على الملف السوري الإسرائيلي. إلا أن بسبب أخطاء واندفاع كل من قطروتركيا لإنهاء هذا الملف، وجدت إسرائيل أن هناك تنظيمات أصولية تكفيرية تتبع القاعدة، أصبحت موجودة على الحدود مع الجولان، الأمر الذي أثار حفيظة أمريكا وأوقفت تسليح المعارضة السورية، بل وأدرجت جيش النصرة على قوائم الإرهاب الدولي، وقزمت دور كل من تركياوقطر في إدارة هذا الملف، بعدما مولوا جماعات مرتزقة تابعة لتنظيم القاعدة وأدخلوها لسوريا لقتال النظام السوري، وأعطت أمريكا المساحة الأكبر للسعودية التي تدعم مفاوضات جنيف والمعارضة الليبرالية في سوريا. ما دور الإخوان وحماس في التخلص من الجعبري؟ في ذلك الوقت تمت خطة اغتيال الجعبري، بتنسيق كامل بين الأجهزة الأمنية التركية والقطريةوالأمريكية بالتنسيق مع حكومة حماس في غزة، والإخوان في مصر، حيث تمكن جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" من رصد مكان الجعبري الذي كان يعيش طوال فترة وجود قوات الإسرائيلي في غزة وما بعد الانسحاب الأحادي عام 2005، داخل الأنفاق في حي الشجاعية، وكان يتنقل بحرص شديد بين زوجاته دون أن يتمكن الموساد من رصده واغتياله، باعتباره أحد الشخصيات المطلوبة لإسرائيل، وهو أمر أثير في حينه، حيث أهداه أمير قطر ساعة «رولكس»، كانت المفتاح الذي ساعد الموساد على رصد مكان وجود الجعبري، وسهل مهمة الطيران الإسرائيلي في اغتياله في 14 نوفمبر 2012، ومن بعده أعلنت إسرائيل عن عملية "عمود الدخان" وقامت في 17 نوفمبر بقصف جميع المواقع التابعة لكتائب القسام في قطاع غزة، فضلا عن جميع المواقع العسكرية للحكومة الفلسطينية، مما أوجد مبررا شرعيا لتدخل مرسي ونظام الإخوان في مصر، لعرض اتفاقية التهدئة وتمرير المشروع التآمري لإنهاء القضية الفلسطينية من خلال هدنة طويلة الأمد وشق الصف الفلسطيني بين أبو مازن ومشعل. هذا يقودنا إلى نتائج مؤتمر هرتسيليا في مارس 2013 والذي جاء فيه عدة توصيات بشأن كل من حماس وسوريا وحزب الله اللبناني، حيث نصت التوصيات على أهمية البدء في تدخل خارجي لإسقاط النظام السوري وتقسيم سوريا في مقابل تقديم مكافآت للأصدقاء، حسبما جاء في نص بيان المؤتمر، وأبرزهم المملكة الأردنية والتي ستستفيد من الدعم الدولي الاقتصادي لنزوح اللاجئين أسوة بما تم للعراق وهو ما سيؤدي لإنعاش الاقتصاد الأردني بشكل كبير، ومكافأة الجانب التركي بتوسيع حدوده على حساب سوريا حتى منطقة حلب، وتخصيص منطقة الجولان المحتل كدولة للدروز، مع أهمية إنهاء دور كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس هذا العام، والقضاء على القوة العسكرية لحزب الله وتحويله إلى حزب سياسي، كل هذه الأمور توضح أن ما مرت به المنطقة من أزمات كانت بناء على تخطيط مسبق بين أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ولم تأت اعتباطا، بل هي أمور مخطط لها، وتم تننفيذها وفق الرؤية الأمريكية والمصالح والإسرائيلية. وحزب الله حاليا موقفه ضعيف بعدما استأسدت عليه الأحزاب اللبنانية من أجل تحوله إلى حزب سياسي، ومهاجمة الحزب لدعمه النظام السوري، واتهموه بأنه يدخل لبنان إلى ساحة المعركة في سوريا لتوظيف ورقة لبنان في خدمة النظام السوري والإيراني في التفاوض مع أمريكا. ما الأهداف الحقيقية للحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة؟ عملية الحرب الإسرائيلية على غزة كانت بتنسيق وتخطيط مسبقين بين الإخوان وإسرائيل وحماس وأمريكا، حيث تم التخطيط لها بحيث يتم توريط مصر في ضمان معاهدة وقف إطلاق النار والهدنة، مقابل فتح المعابر المصرية مع غزة بشكل كامل وبدون قيود، تمهيدا لتنفيذ خطة تبادل الأراضي بين مصر وغزة وإسرائيل، والسماح بدخول الفلسطينيين للإقامة في الأراضي المصرية، وكان هذا الأمر محل تحفظ للأجهزة الأمنية في مصر لعدة اعتبارات؛ أولها أن الاعتراف بحكومة حماس سوف يزيد من تأثيم الموقف الفلسطيني الداخلي ولاسيما وأن الإخوان قد أهملوا في ذلك الوقت التواصل مع الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى استشعارهم بأن بداية هذا الاتفاق وبنوده الخفية هي تمهيد للدفع بقبول الفلسطينيين للإقامة في منطقة سيناء كخطوة أولى لعملية تفريغ الكثافة السكانية التي تعانى منها غزة باعتبارها أعلى كثافة في العالم وتشكل تهديدا على أمن إسرائيل، وهو مطلب دائما ما كانت تطالب به حكومات إسرائيل من مصر، سواء من خلال محاولة إسناد الإشراف لمصر على القطاع، أو من خلال طرح فكرة الحلول غير التقليدية لحل القضية الفلسطينية. من صاحب القرار في حماس؟ التنظيم الدولي هو الذي يقود حماس، بدليل أنه عندما سقطت جماعة الإخوان في مصر، اتخذت حماس إجراءات عدائية ضد الشعب المصري بشكل عام وثورة 30 يونيو خاصة ، على الرغم من أن قادة حماس يعلمون جيدا أن مصر هي المنفذ الرئيسي والوحيد لهم، والسند الرئيسى للفلسطينيين، وبالتالي كانت أعمالهم العدائية ضد مصر بمثابة «انتحار سياسي» لهم أقدموا عليه تحت سياسة السمع والطاعة لجماعة الإخوان.