محمد عبد الحميد حالة من الغليان تشهدها النقابات المهنية في مصر هذه الأيام، تارة بسبب انشغال قياداتها بالعمل السياسي وتسييسها لصالح جماعة الإخوان، وأخرى لتقاعس المجالس المنتخبة وغالبيتهم من جماعة الإخوان عن تأدية دورها والوفاء بالوعود الانتخابية التي سبق وقطعتها على نفسها، مما زاد من حالة السخط ضد السيطرة الإخوانية على مجالس النقابات، وتعالت الدعوات المطالبة بسحب الثقة منهم والتعجيل بانتخابات مبكرة، لاسيما وأن الأجواء التي جرت فيها الانتخابات السابقة في غالبية النقابات جرت في فترة سيطرة جماعة الإخوان على مقاليد الحكم في مصر ودعم النظام الحاكم آنذاك لأتباعه للفوز في تلك الانتخابات، مما أخل بمبدأ النزاهة والشفافية وأن الوقت قد حان لتصحيح الأمور المعوجة ، وإنهاء سيطرة تلك الجماعة المحظورة على النقابات المهنية وإبعاد العمل النقابي عن الخلافات السياسية. ولعل نقابة الأطباء قد اتخذت خطوة جريئة نحو «التطهير الشامل» من الأخونة في انتخابات التجديد النصفي مؤخرا سمح الرئيس الراحل أنور السادات، لجماعة الإخوان بالعودة مرة أخرى للمشاركة في الحياة السياسية، لأحداث حالة من التوازن السياسي ضد الوجود الناصري والشيوعي في الشارع المصري والجامعات، لاسيما في أعقاب أحداث انتفاضة الخبز يومي 18 و19 يناير 1977 والتي وصفها السادات آنذاك بانتفاضة الحرامية وهو ما وجدته جماعة الإخوان فرصة لأن تتخذ من النقابات المهنية قاعدة للانتشار وتكوين جماهيرية تسمح لها بالوجود في كل مدن ومحافظات مصر وساعدت أساليب الجماعة الملتوية التي تمارسها في الانتخابات من استخدام الدين كوسيلة لكسب التعاطف إلى جانب الإغداق على أعضاء الجمعيات العمومية الفقراء بالهدايا العينية، مما أدى لوجود لافت للنظر لقيادات الإخوان في النقابات المختلفة أبرزهم عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وحلمي الجزار في نقابة الأطباء، وأبو العلا ماضي في نقابة المهندسين، وغيرهم وحسب دراسة بعنوان «الإخوان والنقابات في عهد مبارك « صادرة عن مركز الدراسات التاريخية للإخوان المسلمين أعدها الباحث السعيد رمضان فإن النقابات المهنية قد مثلت موقعا مثاليا للإخوان المسلمين على مدار الثلاثين عاما الماضية وباتت مجالا خصبا لاستثمار خبرتهم السياسية والتعبوية والطبيعة الطبقية المتناقضة لعضوية تلك النقابات كانت تتماشى مع وسطية الإخوان ومفاهيمهم الطبقية التوافقية»، ولكن خلال العام الذي ارتقت فية الجماعة سدة الحكم في مصر من خلال د. محمد مرسى اكتشف الملايين من أعضاء النقابات المهنية الوجه القبيح لتلك الجماعة والتي سعت إلى أخونة النقابات وتجاهل مطالب الأعضاء، مما أوجد حالة من السخط والرفض أعلنت عن نفسها بقوة في أثناء ثورة 30 يونيو وما تبعها من أحداث سعى من خلال أعضاء النقابات المختلفة للتخلص من هيمنة الإخوان، حدث ذلك أولا داخل نقابة الصحفيين قبل ثورة 30 يونيو عندما أجبر أعضاؤها النقيب الإخوانى ممدوح الولي على عدم الترشح لدورة ثانية وتكاتفوا في مواجهة من ترشح من جماعة الإخوان صراحة فى عضوية المجلس أو من سعت الجماعة لدعمهم، فجاءت نتيجة الانتخابات معبرة عن رفض الصحفيين لهيمنة الإخوان بعد فوز المستقلين والمحسوبين على التيار الناصري بأغلبية المقاعد، وهو ما شجع بقية النقابات على أن تسلك نفس الدرب فشهدت النقابات المختلفة تباعا دعوات لعقد جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من المجلس الإخوانية وإسقاط القيادات المنتمين للجماعة المحظور، أبرزها ما شهدته نقابة الأطباء من من انتصار كاسح لجبهة استقلال الأطباء المحسوبة علي التيار المدني في مواجهة جبهة أطباء من أجل مصر المنتمي أعضاؤها لجماعة الإخوان المحظورة وقد سبق ذلك الانتصار حالة من الغليان من قبل غالبية أعضاء النقابة في كافة محافظات مصر ضد مجلس النقابة بسبب انشغالهم بالسياسة والاعتصام فى رابعة و النهضة، ولا تختلف الحال داخل نقابة المهندسين برئاسة المهندس ماجد خلوصى نقيب المهندسين وعضو مكتب الإرشاد في ظل حالة الرفض للآليات التي يدير بها أعضاء المجلس المحسوبين على جماعة الإخوان المحظورة والتي أضرت بالنقابة وحولتها إلى بوق سياسي بدلا من دورها المعنى برعاية الأعضاء وتوفير خدمات مناسبة لهم في ظل تعرضهم لمضايقات، وعنت في كل مرة يريدون اتخاذ قرار للابتعاد بالنقابة عن مجال السياسية الذي أقحمها فيه الإخوان ورفضهم لأى صوت رأى من داخل النقابة يرفض أو يندد بما تقوم به الجماعة من أضرار وتهديد لأمن واستقرار مصر، مما أدى إلى قيام المهندس خالد العطار، عضو مجلس نقابة المهندسين إلى التهديد بالاعتصام في مقر النقابة بشارع رمسيس من كثرة تعرضه لمضايقات الأعضاء التابعين لجماعة الإخوان المحظورة بعدما ندد بتجاوزاتهم، كما أقدم فريق آخر من أعضاء النقابة إلى التعبير عن تشكهم فى الطريقة التي أديرت بها العملية الانتخابية التي جاءت بهذا المجلس ذى الغالبية الإخوانية، من خلال الطعن أمام القضاء الإدارى في نزاهة الانتخابات نفسها وتحددت جلسة 22 نوفمبر المقبل للبت فيها. في حين ذهب فريق آخر من أعضاء الجمعية العمومية إلى تكوين تيار الاستقلال أو تمرد المهندسين الرافض لاستمرار المجلس الحالي والدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من المجلس الحالي بسبب حالة التدهور في الخدمات التي باتت عليها النقابة، وذلك وفقا ما يؤكده طارق النبراوى مؤسس تيار الاستقلال بنقابة المهندسين، لافتا النظر أن الخطوات التصعيدية التي قام بها التيار أثمرت عن قيام وزير الموارد المائية والري بتحديد ميعاد الجمعية العمومية الطارئة لنقابة المهندسين في 17 يناير 2014 جاء بالاتفاق مع طلبات الأعضاء المستقلين والتي تتناسب مع نص المادة 15 من قانون النقابة رقم 66 لسنة 1974 والتي نصت على أنه من حق 100 مهندس التقدم بطلب عقد جمعية طارئة وهو ما قام به تيار الاستقلال لسحب الثقة من النقيب والمجلس الحالي. بينما نقابة المحاميين هي الأخرى شهدت إنذاراً شديد اللهجة برفض جموع المحامين للهيمنة الإخوانية واستغلال النقابة في الخلافات السياسية، لاسيما على النقابات الفرعية وسعى القيادات المنتمية لتلك الجماعة المحظورة لأن تتخذ من نقابة المحامين منبرا لمهاجمة ثورة 30 يونيو والتطاول على الجيش المصري وقياداته وهو ما قوبل بالرفض من قبل غالبية أعضاء تلك النقابة العريقة، لاسيما في أعقاب البيانات التي صدرت وقت اعتصام رابعة العدوية فاتخذ المكتب التنفيذ للجنة الحريات بالنقابة قرارات جريئة بتجميد عضوية الأعضاء الموالين لجماعة الإخوان المسلمين والذين انحازوا لهم على حساب مبادئ ثورة 25 يناير خلال عام فترة تولى محمد مرسى للحكم قبل عزلة، فتمت إقالة محمد الدماطى من موقع مقرر لجنة الحريات وتجميد عضوية طارق إبراهيم وإحالته للتحقيق. كذلك الحال في النقابة العامة لأطباء الأسنان بفروعها في جميع محافظات مصر والتي تشهدت هي الأخرى حالة من التمرد والسخط ضد أعضاء المجلس المنتمين لجماعة الإخوان المحظورة بسبب تأخير إجراء قرعة التجديد النصفي لغياب أعضاء المجلس المنتخب المنتمين لجماعة الإخوان عن حضور اجتماعات المجلس لأكثر من مرة، مما كان له بالغ الأثر في تأجيل موعد الانتخابات والتأثير بالسب على مستقبل النقابة، لاسيما وأن التأخير يعد مخالفة صريحة للقوانين واللوائح وفق ما يؤكده الدكتور أكرم العوضى القائم بأعمال نقيب أطباء الأسنان، وأضاف أنه وفقا لقانون النقابة سيتم فتح باب الترشح لانتخابات التجديد النصفي أواخر يناير المقبل، على أن تجرى الانتخابات 21 مارس 2014 لافتا النظر إلى أن النقابة تواجه مأزقا حرجا في ظل التأخير في إجراء قرعة التجديد النصفي في موعدها أكثر من مرة لعدم اكتمال النصاب القانوني لغياب عدد من أعضاء المجلس، مشيرا أن المجلس سيضطر حيال ذلك إلى مخاطبة قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لتقصى حقيقة الوضع لاستصدار فتوى للخروج من المأزق الراهن. بدورها تواجه نقابة الأسنان مأزقا آخر أشد صعوبة يتمثل في مستقبل النقيب العام، مشيرا أنه في حال صدور حكم نهائي بإدانة النقيب العام الدكتور حازم فاروق القيادي بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، وذلك كونه محبوسا حاليا من قبل نيابة شمال القاهرة لاتهامه بعدة تهم تتعلق بما شهدته منطقة شبرا الخيمة من عنف أواخر شهر أغسطس الماضي، من بينها ارتكابه جرائم الاشتراك بطريق التحريض على قتل والشروع فى قتل بعض المتظاهرين السلميين بغرض إرهابي والانضمام إلى عصابة تعمل على خلاف أحكام القانون بغرض تعطيل العمل بالقوانين ومنع مؤسسات الدولة عن ممارسة أعمالها والتحريض على أعمال العنف والحريق العمد وتخريب المنشآت العامة والخاصة وتعطيل وسائل المواصلات وتعريض سلامتها للخطر، وإحراز أسلحة نارية، وإطلاق الأعيرة النارية داخل البلاد، والتعدي على رجال الشرطة وعلى حريات المواطنين، وقال الدكتور أكرم العوضى إنه في حال صدور حكم قضائي ضد الدكتور فاروق ستتم دعوة الجمعية العمومية إلى انتخاب نقيب عام جديد مع انتخابات التجديد النصفي. ولم تختلف الصورة داخل نقابة الصيادلة والتي لجأ فريق من أعضاء الجمعية العمومية بها إلى الاستفادة من تجربة حركة تمرد في إسقاط نظام محمد مرسى، والسعي لتكرارها داخل النقابة لإسقاط المجلس الحالي والتبكير بإجراء انتخابات نزيهة، ولذا لم يكن غريبا أن يطلق هؤلاء الأعضاء على أنفسهم حركة تمرد الصيادلة ونجحوا في إقناع مئات الأعضاء بعدالة مطلبهم في ظل تردى أوضاع النقابة بل وسعوا إلى تصعيد الأمر قضائيا من خلال التقدم ببلاغ للنائب العام قيد تحت رقم 1762 ضد الدكتور محمد عبد الجواد نقيب الصيادلة، يتهمه باستغلال النقابة في الدعوة لتكوين تنظيم إرهابي لحرق الكنائس والاعتداء علي مؤسسات الدولة وحرق أقسام الشرطة وإثارة الفتنة الطائفية ومناهضة للجيش ومؤسساته. كما شهدت النقابات الفرعية في المحافظات المختلفة صور أخرى مشابهة للتمرد ضد القيادات الإخوانية بل وعزلها وتجلى ذلك في محافظة الشرقية، حيث أعلنت «حركة تمرد الصيادلة» بالنقابة الفرعية في الزقازيق في بيان لها عزل النقيب إبراهيم النجار وأربعة آخرين من أعضاء المجلس ينتمون لجماعة الإخوان المحظورة، ذلك بعد غيابهم بشكل دائم، مما أدى لتعطيل مصالح الصيادلة. كما تشهد نقابة المعلمين العامة وفروعها في المحافظات، هي الأخرى موجة أخرى من موجات التمرد النقابي ضد قيادات جماعة الإخوان المحظورة، من خلال سحب الثقة من مجلس النقابة برئاسة الدكتور أحمد الحلواني نقيب المعلمين، والمنتمى لجماعة الإخوان لنفس الأسباب المتعلقة بخروج النقابة وفروعها عن مسارها الخدمي في رعاية الأعضاء ككل إلى العمل السياسي لخدمة جماعة الإخوان المحظورة، مما أدى إلى ملاحقات الأجهزة الأمنية لأعضاء مجلس النقابة وفروعها في قضايا التحريض على العنف والمشاركة في اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، مما أدى للقبض على بعضهم تارة وهروب آخرين واختفاءهم عن الأنظار وعدم حضورهم للاجتماعات مما أدى إلى تعطيل العمل في تلك النقابة وفروعها، وهو ما أدى إلى تزايد إقبال أعضاء الجمعية العمومية في غير نقابة فرعية على التوقيع على استمارات تطالب بسحب الثقة من المجلس المنتخب والتبكير بانتخابات جديدة، كما شهدت النقابة قيام الدكتور محمد زهران، رئيس اللجنة النقابية بالمطرية برفع دعوى قضائية رقم 68102- 67 أمام هيئة مفوضي الدولة للمطالبة بسحب الثقة من مجلس النقابة الإخوانى بقيادة الحلواني. من جهته يرى أبو العز الحريري القيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن ما تموج به نقابات مصر من حراك ضد هيمنة الإخوان عليها واستغلالها في خدمة الأغراض السياسية لتلك الجماعة المحظورة لهو أمر جيد ينم عن حالة الوعي الكبيرة التي بات عليها الشعب المصري، والذي فطن لحقيقة الإخوان كجماعة فاشية سعت إلى خراب مصر وتدميرها وتهديد أمنها القومي وأضاف: عن نفسي أدعم ما تشهده نقابات مصر من وعى سياسي ومطالبات بسحب الثقة من المجالس الإخوانية ، وإجراء انتخابات مبكرة في أجواء نزيهة، وذلك كونها فرصة لأن تخرج تلك النقابات من حالة الاحتلال الإخوانى التي عايشتها طوال فترة نظام حسنى مبارك وحتى خلع محمد مرسى، مشددا على أن النقابات والجامعات كانت الوسيلة التي تسللت من خلالها تلك الجماعة المحظورة لتضليل بعض الناس بأنها جماعة وطنية وأنها مضطهدة ولكن جاء الوقت لأن يكشف فيه الجميع عن زيفها وحقيقة وجهها القبيح. من جهتها قالت الدكتورة فوزية عبد الستار ، أستاذ القانون بجامعه القاهرة، إن قانون النقابات في مصر يسمح يعطى الحق لأعضاء الجمعية العامة لكل نقابة في التقدم بطلبات لإجراء جمعي عمومية طارئة وسحب الثقة من المجالس المنتخبة طالما لم تحسن إدارة أمور النقابة، وهو ما تشهده النقابات المصرية حاليا من موجات متلاحقة لسحب الثقة وعزل القيادات الحالية.