أحمد ياسين اختص الدكتور محمد عبد المطلب، وزير الموارد المائية والرى «الأهرام العربى» بأول حوار بعد عودته من اجتماعات اللجنة الثلاثية لدول النيل الشرقى، التى استضافتها العاصمة السودانية الخرطوم لمناقشة كيفية التوصل إلى حل بشأن مشكلة سد النهضة الإثيوبى الذى يعد أحد أبرز التحديات الحياتية التى تواجه المصريين حاليا ومستقبلا . وكشف الدكتور عبد المطلب عدة نقاط مهمة تم التوصل إليها خلال الاجتماع، أبرزها الاتفاق على الانتهاء من، واعتماد نطاق عمل الدراسات التكميلية الإضافية الموصى بها بالتقرير النهائى للجنة الدولية للخبراء وطرحها على مجموعة مختارة من المكاتب الاستشارية العالمية المشهود لها بالكفاءة والخبرة، والاتفاق على أهمية قيام كل دولة بتوفير البيانات المطلوبة لإجراء الدراسات التكميلية فى الوقت المحدد لذلك على أن تتحمل الدول الثلاث تكاليف عمل اللجنة. وفيما يلى نص الحوار : ما أهم النتائج التى خرج بها اجتماع الخرطوم بشأن السد الإثيوبى؟ التوصل إلى عدة نقاط اتفاق أبرزها تشكيل لجنة من خبراء الدول الثلاث لدول النيل الشرقى لاستكمال الدراسات التى أوصت بها اللجنة الثلاثية الدولية وتحديد جدول زمنى للانتهاء من تلك الدراسات والاحتكام إلى الخبراء الدوليين لتقييم هذه الدراسات حال وجود خلاف بشأنها . وما الفارق بين عمل اللجنة الحالية واللجنة الدولية السابقة ؟ هناك فارق كبير بين طبيعة عمل اللجنتين برغم أن الكثيرين يظنون أنه تكرار لعمل اللجنة السابقة، فاللجنة الأولى التى انتهى العمل منها برفع تقريرها الثلاثى اقتصر دور الخبراء الدوليين بها على تقييم الدراسات المقدمة من الجانب الإثيوبى عن سد النهضة ومعامل الأمان به وأضراره المحتملة على دولتى المصب، وهو ما يؤكد أن دورها اقتصر على مراجعة الدراسات التى قدمها الجانب الإثيوبى وهو ما خرجنا منه بالتأكيد على أن الدراسات الإثيوبية غير كافية مع توصية باستكمالها، لذا تم الاجتماع بين وزراء الرى بالدول الثلاث، والاتفاق على الاحتكام إلى الخبراء الدوليين للدراسات الخاصة بالسد، على أن يكون رفع الدراسات بمجرد الانتهاء منها . وأضاف قائلا: «هناك نواقص فى الدراسات الإثيوبية فيما يخص الإنشاءات وهو ما دفع الجانب الإثيوبى حاليا لاستقدام خبراء لاستكمالها حاليا» . ما أهمية تلك الدراسات التى ستستكملها اللجنة ؟ لاشك أنها ذات أهمية قصوى لبيان مدى الآثار التى سيلحقها السد بدولتى المصب مصر والسودان، فضلا عن المشروعات المشابهة التى لابد أن يتم دراسة كل عنصر فيها لأن مخاطرها ضخمة وتتعدى حدود الدولة التى يقام فيها السد، لذلك هناك مسئولية مضاعفة على الدولة التى تقوم بالإنشاء، وحينما تشير بعض الدراسات إلى أنه فى حالة انهيار السد، فإن ذلك ستكون عواقبه خطيرة وستغرق الخرطوم وجنوب مصر بالمياه ويضر بأمننا القومى. ما الموقف الدولى من تمويل السد خصوصا أننا سمعنا عن تراجع بعض المؤسسات الدولية المانحة عن تمويله؟ رأس المال جبان كما هو معروف، ولابد لأى مؤسسة مالية أن تتأكد من جدية الدراسات الخاصة بأى منشأ، وفى حالة السد الإثيوبى ووفقا لنتائج اللجنة الثلاثية التى راجعت الدراسات الإثيوبية، أكدت عدم كفاية الدراسات البيئية والهيدروليكية للسد بعد زيادة سعته إلى 74 مليار متر مكعب بدلا من14.5 مليار فى السابق. إذن هناك مشكلة تمويل ؟ تقريبا .. لذلك فإثيوبيا هى فى حاجة إلى الجلوس مع مصر للتوصل إلى اتفاق لأن القاهرة طريقها الوحيد لاستئناف التمويل . ما قولك فى أن إثيوبيا تستنزف الوقت فى المفاوضات لكى تفاجئنا ببناء السد وتضعنا أمام الأمر الواقع؟ هذا الكلام غير علمى ولا منطقى فمازال الوقت متاحا أمامنا للوصول إلى حل لازمة السد التى أعتبرها فى الأساس أزمة سياسية بسبب تجاهل نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك لمطالب الشعب الإثيوبى فى التنمية حينما أرادوا بناء سد بسعة 14.5 مليار على النيل الأزرق، ووقتها تم تهديد أديس أبابا بضرب السد . لكن هناك من يقول إنكم تضيعون الوقت فى دراسات وإثيوبيا ماضية فى البناء؟ من يقل ذلك عليه أن يحاسبنا إذا فرطنا فى نقطة مياه من حصتنا، ولكن نحن نتعامل بإستراتيجة جديدة قائمة على الإقرار بحق شعوب دول الحوض فى تحقيق التنمية، لكن بشرط عدم الإضرار بأمننا المائى خصوصا أن مياه الحوض تكفى الجميع وتزيد. وما المدة التى تستغرقها الدراسات؟ أصرينا على الانتهاء من الدراسات التكميلية فى غضون عام على أقصى تقدير, ويكفى أن أؤكد هذا الأمر، فقناطر أسيوط الجديدة سيستغرق إنشاؤها 5 سنوات فما بالك بسد بهذا السعة والحجم فمن المستبعد الانتهاء منه قبل سنة 2017 . ألا يقلقك استمرار العمل فى السد برغم استمرار المفاوضات؟ نعم يزعجنى ولكن أطمئن المصريين بأن المفاوضات تسير بمعدل جيد وما يتردد عن عزم إثيوبيا لتوليد الكهرباء من السد كلام غير منطقى، فضلا عن أن التصريحات التى تتردد عن تنامى معدلات الإنشاء فى السد إلى 30 % لا تقلقنا فنيا، لأن السد عبارة عن سدين الأول وسعته 5ر14 مليار متر مكعب وهو ما يجرى العمل به وهذا لا توجد مشكلة فيه إنما نحن نتحدث حول السد المساعد الذى سيرفع قدرة السد التخزينية إلى 60 مليار متر مكعب ليصبح فى النهاية سعته الاحتمالية 74 مليارا، وهذا لا توجد به أى محطات لتوليد الكهرباء إنما هو منظم لتدفق المياه . هل عرضت مصر فعلا الإسهام فى بناء السد؟ نعم عرضنا على الجانب الإثيوبى بالفعل مشاركة بناء السد شريكة الاتفاق أولا على سعته ومعدلات التشغيل ومعامل الأمان وإلا ستكون الخسائر المصرية مضاعفة، إلا أن الجانب الإثيوبى تراجع مقابل هذا العرض . ما نقاط الاختلاف؟ مصر أصرت على مشاركة الخبراء الأجانب فى بداية عمل اللجنة الثلاثية التى توصل الاتفاق إلى تشغيلها، إلا أن الجانب الإثيوبى رفض ووافق على الاستعانة بالخبراء ويبقى تحويل الدراسة لها ليس بالإجماع, ولكن بانتهاء الدراسة حال عدم اتفاق وزراء الرى حولها للاحتكام إلى رأى الخبراء . ما موقف مصر من التحول السودانى تجاه سد النهضة؟ نحن نقدر الموقف السودانى الشقيق فى إنجاح المفاوضات الأخيرة بعد تزايد الأزمات الداخلية فى الخرطوم بسبب الضغوط العالمية على النظام السودانى، مما جعل أديس أبابا هى المخرج الوحيد فى منحة الطاقة، فضلا عن تنظيم حركة المياه لتصل على مدار السنة بدلا من ثلاثة أشهر كما هى الحال، وكان لا يعرف استخدامها مما يسهل استغلال أراضيه الصالحة للزراعة فى استثمارات زراعية لأراضى شمال السودان الصالحة للزراعة . هل الوضع الداخلى يؤثر على موقف المفاوض المصرى؟ لا شك أن الوضع الداخلى يؤثر على المفاوضات، فضلا عن الاحتراب الداخلى الذى للأسف يتمنى فشل المفاوضات مع إثيوبيا . وأكد أن هناك مجهودات رهيبة تبذل حالياً لعلاج أخطاء الحقبة الماضية بسبب التجاهل المصرى لمطالب دول المنبع وبسبب عدم حنكة وتقدير بعض من تولوا الملف من قبل. ما تأثير المشهد الداخلى على الملف الخارجي، وما أبرز مخاوفك؟ ما يحزننى أننى أرى البعض يريد إفشال المفاوضات وإسقاط الدولة لكى يثبت لنفسه أنه كان محقا، لا توجد لدينا مشكلة مياه بين دول حوض النيل، فالمياه كافية ونستطيع تدبر أمورنا حتى لو تضاعف عدد سكان الحوض، ولكن المشكلة تكمن فى قوى خارجية تحاول التحكم فى مصر عن طريق المياه، وقوى داخلية تعمل بالتوازى مع تلك القوى الخارجية. هل يمكن القول بذلك إن مشكلة سد النهضة "سياسية "وليست صراعا على المياه بين دول الحوض؟ جانب منها سياسى، لأن الإثيوبيين يرونه مشروعا قوميا مثلما كان السد العالمى أيام عبدالناصر، إضافة إلى ما تردد وأنا هنا أنقله وفقا لما سمعته أو قرأته من تحليلات من أن رئيس الوزراء الراحل ميليس زيناوى أراد التعجيل ببناء السد لأغراض سياسية بل وقام برفع سعته من من 14.5 مليار إلى 74 مليار متر مكعب لإيجاد اصطفاف شعبى حوله بعد تراجع شعبيته فى أواخر فترة رئاسته للحكومة. سؤال أخير عن الموقف بشأن توقف العمل بالمشروعات القومية الكبرى ؟ العمل لم يتوقف على الإطلاق ومصادر التمويل متوفرة، ومشكلة توشكى فى الاستثمار، وهناك 85 ألف فدان جاهزة للطرح على ترعة السلام بشمال سيناء، والعمل يجرى فى مشروع ترعة الحمام، ولدينا إستراتيجية لتطوير نظم الرى فى الأراضى الجديدة، وإضافة مساحات إضافية للرقعة الزراعية تقوم على توصيل مياه النيل إليها، بالإضافة إلى السحب الآمن للمياه الجوفية، وعدم تكرار أخطاء الماضى فى أراضى الطريق الصحراوى التى سحبت المياه الجوفية، استغلتها بطرق خاطئة كحمامات للسباحة وغيرها, وتقف لها الوزارة بأجهزتها المختلفة بالمرصاد.