القومية للأنفاق: نعمل على الكارت الموحد لاستخدام جميع وسائل النقل    تراجع طفيف للأسهم الأمريكية في ختام تعاملات اليوم    اكتمال ملامح ثمن نهائي أمم إفريقيا.. 16 منتخبًا تحجز مقاعدها رسميًا    قبل المباراة المقبلة.. التاريخ يبتسم لمصر في مواجهة بنين    الأهلي يفوز على الشمس في دوري السيدات لليد    الكونغو الديمقراطية تحسم التأهل بثلاثية في شباك بوتسوانا بأمم أفريقيا 2025    مندوب الصومال يفحم ممثل إسرائيل بمجلس الأمن ويفضح جرائم الاحتلال المستمرة (فيديو)    الرئيس الإيراني: رد طهران على أي عدوان سيكون قاسيًا    تشيلسي ضد بورنموث.. تعادل 2-2 فى شوط أول مثير بالدوري الإنجليزي    رسميا.. الفراعنة تواجه بنين فى دور ال16 من كأس أمم أفريقيا    التعثر الأول.. ثنائية فينالدوم تفسد أفراح النصر ورونالدو في الدوري السعودي    مصرع شخص صعقا بالكهرباء في سمالوط بالمنيا    قرارات حاسمة من تعليم الجيزة لضبط امتحانات الفصل الدراسي الأول    الكشف الأثري الجديد بصان الحجر يكشف أسرار المقابر الملكية لعصر الأسرة 22    ستار بوست| نضال الشافعي يكشف تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة زوجته الراحلة.. وليلى غفران تعود للغناء من جديد    منال رضوان توثق الضربات الإسرائيلية على طهران في روايتها «سماء مغادرة»    ندى غالب ومحمد حسن ورحاب عمر يحيون حفل رأس السنة فى دار الأوبرا    دويتو غنائى مبهر لشهد السعدنى ومحمد تامر فى برنامج "كاستنج"    غدًا.. محاكمة 3 طالبات في الاعتداء على الطالبة كارما داخل مدرسة    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    للمرة الثانية.. أحمد العوضي يثير الجدل بهذا المنشور    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    أمين البحوث الإسلامية يلتقي نائب محافظ المنوفية لبحث تعزيز التعاون الدعوي والمجتمعي    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    وزارة «العمل» تصدر قواعد وإجراءات تفتيش أماكن العمل ليلًا    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    عبد السند يمامة ‬يعتمد ‬التشكيل ‬النهائي ‬للجنة ‬انتخابات ‬رئاسة ‬الحزب    طلاب جامعة العاصمة يشاركون في قمة المرأة المصرية لتعزيز STEM والابتكار وريادة الأعمال    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    نهاية تاجر السموم بقليوب.. المؤبد وغرامة وحيازة سلاح أبيض    الداخلية تضبط أكثر من 95 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الجيش اللبناني يتسلم سلاحًا وذخائر من مخيم عين الحلوة    رئيسة المفوضية الأوروبية: عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي ضامن أساسي للسلام    جيش الاحتلال يقتل طفلة فلسطينية شرقي مدينة غزة    كشف ملابسات مشاجرة بالجيزة وضبط طرفيها    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    غدًا.. رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك كنيسة مصر الجديدة احتفالتها برأس السنة الميلادية    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الأمانة العامة لمجلس النواب تبدأ في استقبال النواب الجدد اعتبارا من 4 يناير    مواجهات قوية في قرعة دوري أبطال آسيا 2    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 7 ملايين جنيه    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    جهاز القاهرة الجديدة: كسر بخط مياه فى شارع التسعين وجارى إصلاحه    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    طقس اليوم: مائل للدفء نهارا شديد البرودة ليلا.. والصغرى بالقاهرة 12    الشرطة الأسترالية: منفذا هجوم بوندي عملا بمفردهما    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومات الإسلاميين الجدد.. طوق نجاة أم شهادة وفاة؟
نشر في الأهرام العربي يوم 05 - 03 - 2012

تراهن المجتمعات العربية في الوقت الراهن، حسبما أكدت نتائج الانتخابات في تونس بفوز حزب النهضة، وفي مصر بتقدم حزبي الحرية والعدالة, والنور السلفي، وفي المغرب بفوز حزب العدالة والتنمية, علي الإسلام السياسي كحل يخرجها من أزماتها, ويحقق لها ما نادت به الثورات العربية من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية تفتقدها, ولكن ماذا عن المجتمعات التي مارست هذا النموذج مثل إيران وتركيا وماليزيا والسودان وغزة وأفغانستان وغيرها؟ وهل استطاعت من خلاله أن تحقق الاستقرار والتقدم والرخاء؟
فما علمناه من قهر للمرأة فى أفغانستان وحرمانها من ممارسة حياتها الطبيعية وفرض سيف الوصاية الذكورى باسم الدين فى الوقت ذاته تدنى سبل العيش الكريم وتجلى مظاهر التخلف فى المجتمع، وما تمارسه جماعات تدعى «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» فى السعودية التى تتباهى بانفراجة كبيرة فى الحريات مكنت المرأة أخيراً أن تقود السيارة داخل الحرم الجامعى فقط، برغم ما فى ذلك البلد من خيرات تجعله فى مصاف الدول التى يعيش أفرادها حياة منعمة تؤكد الشواهد التمتع بهذا النعيم «المنفلت أحياناً» خارج حدود البلاد، وما تفرضه إيران من عقوبات باسم الدين وتزوير فى الانتخابات وقمع للمعارضين ينعكس بدوره على الحياة العامة سلباً، وكذا الحال فى إمارة حماس بغزة، يجعلنا نتوجس خيفة من مباركة هذا النموذج، إلا أن التجربة الماليزية التى أبهرت العالم بنجاحها تجعلنا نعيد التفكير من جديد، ونتساءل هل ما حدث خطأ التطبيق أم عدم صلاحية التجربة؟
وهل ما حدث فى بلاد ثورات الربيع العربى من نهوض للإسلاميين خصوصاً فى مصر، سيكتب له النجاح والنهوض بحياة المواطن أم العكس؟
الطفرة الماليزية
يقول د. صلاح الدين فهمي، أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر: إن أفضل تجربة مكن أن تنسب للإسلام السياسي هي التجربة الماليزية التي حققت نموا كبيرا لمجتمعها بشكل فاق كل التوقعات، فالمواطن فيها يتمتع بالرعاية الصحية التي شهدت تطورا كبيرا حتى أنها أصبحت منافسا لأمريكا وأوربا الغربية في قلة عدد الوفيات وزيادة عمر الفرد، كما شهدت تفوقا كبيرا في التعليم وأصبحت من الدول المتقدمة في العلوم والتكنولوجيا، بعد أن نجحت في امتلاك بنية تحتية متقدمة في الأبحاث العلمية، كذلك استطاعت تحقيق الرخاء للمواطنين بما قامت به من خطط اقتصادية اعتمدت على الانتقال من التعدين والزراعة إلى اقتصاد يعتمد على التصنيع حتى أصبحت صادراتها هي المحرك الأساسي للنمو, بالإضافة إلي ما قامت به من جهود مكنتها من القضاء على الفقر, وجعلت المواطن فيها يحصل على دخل عال، وكل ذلك يرجع لنجاح تجربة الإسلام السياسي فيها رغم أنها مجتمع متعدد الأديان وفى مقدمتها البوذية والمسيحية والهندوسية، ولكن الإسلام يعد أكبر الأديان فيها، وبالتالي فالإسلام السياسي كفيل بتحقيق نمو ورخاء أي مجتمع ولكن إذا توافر فيه الوعي الحقيقي بالإسلام والرغبة في تطبيقه، فسر نجاح ماليزيا يتمثل في الوعي المجتمعي وقدرته على التفرقة بين كونه دين عبادات ودين معاملات, فطبقوا ذلك علي كل مناحي الحياة الاقتصادية والتعليمية وغيرها، فحدثت هذه الطفرة الكبيرة.
تخوف وما أخشاه على الدول العربية التي تتجه للإسلام السياسي بعد الثورة - والكلام لا يزال للدكتور صلاح - أن تتسع الفجوة بين الدين كعبادات وبينه كمعاملات، فيختزلونه فقط في تطبيق الحدود وقطع اليد والرجم، وهو السبب في فشل العديد من التجارب مثلما حدث في أفغانستان, كذلك لابد من نشر الوعي بالدين الإسلامي كمعاملات، فالقاعدة العريضة من المصريين مثلا والذين صوتوا للإسلاميين لا تدرك الأصول الصحيحة في المعاملات الإسلامية, مثل المرابحات والمضاربات والصكوك الإسلامية وغيرها, لذلك نحن في حاجة لترسيخ مفاهيم هذه المعاملات . ولو استطاع التيار الإسلامي ذلك في الدول التي تشهد صعودها، فسوف يحقق الكثير للمجتمعات العربية، ويصبح نموذج الإسلام السياسي مثلا يقتدى به، فقد لا يعلم الكثيرون أن اليابان وألمانيا قامتا بفتح بنوك على غرار البنوك الإسلامية في ماليزيا، وهناك أيضا تجربة بنوك القرض الحسن التي أسسها الدكتور محمد يونس في بنجلاديش، وهو أيضا تطبيق اقتصادي إسلامي، فالإسلام غنى بالتجارب الاقتصادية الكفيلة بإنعاش الاقتصاد المصري.
إيران.. تقدم وفقر
وإذا كانت إيران تحت حكم الإسلام السياسي الذي عرفته في نهاية السبعينيات من القرن الماضي عندما أطيح بالنظام الملكي وقيام الجمهورية الإسلامية بزعامة الخميني, استطاعت أن تحتل المركز الثاني عشر في قائمة الدول المصنعة للسيارات في السنوات الأخيرة علاوة على تفوقها النووي, إلا أنها تعاني مشاكل مجتمعية عديدة، فالإحصائيات تشير إلى أن قطاعات عريضة من سكانها يعيش تحت خط الفقر، كما تعاني ارتفاع معدل التضخم وارتفاع البطالة علاوة على ارتفاع الديون الخارجية بما يتجاوز العشرين مليار دولار، وعن التجربة الإيرانية يقول السفير د. محمود فرج القائم بأعمال مصر السابق في إيران: إن إيران شهدت نوعا من التطور نتيجة الإسلام السياسي مثل الأنشطة المجتمعية والرعاية الاجتماعية والمشروعات الاقتصادية والتعليم، وكل ذلك استفادت منه قطاعات عديدة من المحرومين والمهمشين، علاوة على المشروع النووي, وتقدمها في صناعة السلاح والسجاد وغيرها من الصناعات المتطورة،كما اهتمت بالمرأة من ناحية التعليم ودورها في المؤسسات والعمل بما لا يقل عن أي دولة أوربية وجعلتها تقود الحركات النسائية وهو ما جعلها تحقق إنجازات عديدة. ولكن ذلك لم يكن بالصورة المثالية التي كان يحلم بها الشعب ولم يحقق ما ظل ينتظره طوال السنوات الطويلة الماضية، وربما لذلك تشهد إيران حاليا حالة تململ نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيش في ظلها، وإذا كان هناك من يتحمل هذه الظروف لأنه يقرن الثورة الإسلامية بالموقف القومي الإيراني في مواجهة الخارج، فهناك أيضا من هم ضد الحكم الإسلامي وأصبحوا يؤمنون أكثر بعلمانية الدولة، ولأن الإيرانيين بطبعهم محبون للانطلاق، فإن التضييق عليهم في الداخل أصابهم بالاختناق، وجعل منهم من يفضل السفر خارج بلده بحثا عن الطموح الشخصي.
السودان.. ثمار ضائعة
ما وصل إليه السودان من انفصال ودخوله في مشاكل مجتمعية عديدة وحروب، هل كان ذلك نتيجة تجربته مع الإسلام السياسي الذي بدأ مع ثورة الإنقاذ في منتصف الثمانينيات؟ تقول د. إجلال رأفت أستاذ الدراسات الإفريقية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وأحد أبرز المتابعين للشأن السوداني: لاشك أن هناك مجالات شهدت نموا في السودان في ظل الإسلام السياسي على مستوى البنية التحتية وفي الشوارع والكباري وخاصة في المدن والعاصمة, كما حدث اهتمام بالتعليم والصحة, ولكن لم يمتد ذلك إلى منطقة الهوامش التي تعاني الإهمال والفقر، فلم يحدث فيها تطور, سوى في دار فور وخاصة بعد قيام حركات التمرد فيها، ولكن على المستوى الاقتصادي، لم يهنأ المواطن السوداني بثمار السياسة الاقتصادية التي لم تكن طويلة المدى بسبب المعوقات التي اعترضتها، والحرب المستمرة مع الجنوب والمشاكل المعلقة بينهما ولم يتم حلها حتى الآن, كذلك تدهور الاقتصاد نتيجة السياسات التي مارسها النظام، حيث ركز فقط على إيراد البترول ولم يحاول تنمية الزراعة وتركها تتدهور مثل مشروع الجزيرة الذي كان يعد أكبر مشروع زراعي في السودان, بجانب أنه لم يقم بتنمية الناحية الإنتاجية للمواطن السوداني، ومع حدوث الانفصال تدهور الدخل بحرمان السودان من حوالي 75% من إيراد البترول الذي كانت تعتمد عليه، علاوة على غياب الديمقراطية التي لم تخرج عن كونها مجرد شكل أو ديكور.
سر النجاح والفشل
وتؤكد د. إجلال أن ما حدث كان للإسلام السياسي دور كبير فيه، بسبب محاولاته المستمرة لفرض الثقافة العربية الإسلامية على الجنوب حتى قبل سيطرته على الحكم، وهو ما جعل الجنوب يفكر في الحكم الذاتي قبل الانفصال, وعندما جاءت ثورة الإنقاذ، حاولت فرض الإسلام بالقوة فكان العنف والحروب، فقطع بهذا المسلك كل الخيوط التي كانت تجمع بين الشمال والجنوب، مما عجل بانفصالهما بحثا من الجنوب عن دول علمانية، وهو ما يختلف تماما عن التجربة التركية فسر نجاحها أنها رغم خضوعها تحت حكم إسلامي، فإنها عملت في إطار ليبرالي حدده الدستور, ولم يحاول الإسلاميون فرض رأيهم بالقوة.
السعودية.. نموذج بطىء
وعن النموذج السعودي يقول د. حسن أبو طالب لخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الشأن السعودي: تعد السعودية نموذجا تاريخيا وجزءاً من نظام عالمي بدأ منذ زمن طويل ويقوم علي التحالف ما بين الدين والسياسة أو ما بين الأسرة السعودية والأسرة الوهابية، إلا أن هذا النظام لا يرتبط بفكرة الشراكة الشعبية، حيث يجعل الشعب بعيدا عن المشاركة في صنع القرار، مستعيضا عنها بمنح بعض الامتيازات الاقتصادية والرفاهية, ولكن مع الضغوط التي حدثت في الأعوام القليلة الماضية, بدأ الأمر يتجه إلى شيء من المرونة النسبية، من خلال زيادة أعضاء مجلس الشورى وإعطاء بعض الصلاحيات المتعلقة بالميزانية والرقابة ومساءلة بعض الوزراء، وتقديم مقترحات للملك لكي ينظر فيها، وبالتالي نحن أمام نظام يتحرك لكن قواعده الاجتماعية بطيئة للغاية، كما أن السعودية في ظل هذا النظام لم تصل بشعبها إلى درجة الرضا الكامل, فهناك فئات فيها لا تزال تشعر بأنها مهمشة ومستبعدة،ويبلغ حوالي مليون ونصف المليون، علاوة على الفئات الاجتماعية الجديدة التي تعانى البطالة الموضوعية، حيث توجد الوظيفة و المال, ولكن دون إنتاج فعلي, بشكل يجعلها تشعر بالضياع والرضا المزيف وعدم تحقيق الذات, ورغم أن هناك ما لا يقل عن 60 % قانع بالوضع الحالي, إلا أن المطالبة بالتغيير أصبح يمثل قناعة لدى جزء ليس بقليل من السعوديين, كما حدث من النساء المطالبات بحقهن في قيادة السيارات، وتمرد بعضهن بقيامهن بتحدى السلطات وقيادة السيارات وذلك لإقرار حقهن كأمر واقع، ومع الأجيال المقبلة لا شك ستحدث موجة اجتماعية جديدة.
غزة وأفعانستان كذلك يعاني قطاع ليس بقليل غياب العدالة الاجتماعية في المجتمع السعودي ويؤكد ذلك انتشار الفقر في أماكن عديدة من المملكة، ويستشهد د. أبو طالب علي ذلك بقوله: عندما تولى الملك عبد الله وأثناء تجوله في بعض أطراف الرياض، شاهد من يسكن العشش من السعوديين، ولمس حالتهم الاجتماعية المتدهورة، كما تعانى جدة عدم وجود صرف صحي في بعض مناطقها، علاوة على سوء الإدارة، وهذا يرجع لعدم إمكانية محاسبة المسئولين لأن كل منطقة عليها أمير من الأسرة السعودية الحاكمة, فمن سيحاسب الأمير؟
وبالتالي فالناس تشعر بأنها في حاجة لمحاسبة صانع القرار، وخاصة في الأماكن المهمشة مثل أماكن الشيعة فى الشرق وغيرها من الأماكن البعيدة عن المنطقة المركزية, فهناك فرق شاسع بينهما سواء في البنية التحتية أو في حياة السعوديين أنفسهم، وبالتالي فالعدالة الاجتماعية مفقودة والتي لم يحققها هذا النظام الذي يقوم على التحالف ما بين الدين والسياسة منذ عقود، ويعيش في ظل استقرار عكس بعض التجارب الأخرى التي لم يتوافر لها هذا الاستقرار مثل غزة الذي جاء فيها الإسلام السياسي في ظل الاحتلال والمقاومة والمنافسة مع تيارات فلسطينية أخري، والمواجهة الدائمة مع السلطة الوطنية الفلسطينية علاوة على الضغوط الاقتصادية والإسرائيلية المتتالية, وبالتالي لا يمكن الحكم عليها لأنها تعيش في ظل ظروف غير طبيعية حيث لا موارد ولا حرية، ولم تأخذ حقها في تحقيق ما تريده.
ونفس الشيء يمكن تطبيقه على أفغانستان، فكيف مثلا لنا أن نتكلم عن عدالة اجتماعية فيها وهى تعيش على المعونات ولا تنتج ما يكفيها، علاوة على الحروب والتدخلات غير العادية، كما أن الإسلام السياسي يدخل ويخرج منها, دون استقرار، وعلينا إخراج مثل هذه التجارب من التقييم، الذي لا يجب أن يتم إلا على دول تعيش في استقرار وهو ما حدث في ماليزيا وتركيا. تركيا.. نجاح كبير ما وصلت له تركيا من تقدم كبير يرجعه الكثيرون لنجاحها في تجربتها مع الإسلام السياسي، حيث استطاعت تحت مظلته أن تصبح من أكبر الدول في مضاعفة مخصصات البحوث والدراسات العلمية, وكان لتفوقها في التعليم أن تم اختيار ست جامعات فيها ضمن قائمة الجامعات ال 500 الجيدة، كذلك شهدت تطورا كبيرا في الرعاية الصحية شملت جميع سكانها, ولم تقتصر على ذلك, بل إن منطقة الجنوب الشرقي منها في طريقها لكي تصبح مركزا صحيا لدول منطقة الشرق الأوسط والدول الآسيوية بعد إنشاء 22 مستشفى فيها, بالإضافة إلى نجاحها في مكافحة التدخين وانخفاض مبيعات السجائر إلى أدني حد لها خلال السنوات ال 15 الأخيرة، علاوة على الطفرة الكبيرة التي حققتها فى السياحة حتى أصبحت تحتل مركزا متقدما فى الدول صاحبة الإيرادات العالية من السياحة.
صورة إيجابية وعن هذه التجربة يرى د. أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسي وعميد آداب القاهرة سابقا أنها أكثر التجارب نضوجا, لأنها قدمت حلا للمشكلة الأساسية في الإسلام السني, وهى تعارض الدين والدولة, وتم ذلك بشكل سلمي, حيث قدمت تفسرا للإسلام يقبل بفكرة الدولة العلمانية, وتميزت بالتفكير العملي الذي يحقق الغايات والنظر إلى المصالح العليا وتعاملت مع المقصد من الدين علي أنه الذي يحقق سعادة الإنسان، وفي هذا الإطار قام الإسلاميون بتنظيم أحزاب وقبلوا بفكرة الديمقراطية وصناديق الانتخاب، وقدموا نموذجا ناجحا, وساهموا بتطبيقه في تغير وجه تركيا ووضعها في مصاف الدول الحديثة، وخرجت بالإسلام من كونه مرتبطا بتقديم الخدمات والإحسان, إلي صانع للنهضة في كل المجالات مثل التعليم والسياحة والصناعة التي طورتها بشكل كبير، وهو ما انعكس في النهاية بصورة إيجابية على دخل الفرد.
مصري تونسي
وعن مدي ما حققته هذه النماذج من حرية لمجتمعاتها يقول عادل عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان المعلومات: أغلب التجارب التي تندرج تحت نظام الإسلام السياسي أسفرت حتى الآن عن نماذج ديكتاتورية ومستبدة، ولم يقل معدل الحرية فيها فقط، بل أصيب بالقمع، حتى الأزمات المجتمعية لم ينجح الإسلام السياسي في التغلب عليها ولا يزال الفقر والبطالة والصراعات تسيطر عليها، وما يقال عن النموذج التركي علي أنه أفضل النماذج فهذا ليس حقيقيا، لأنه لا يزال في طور التجربة ولم يحقق كل أحلام المجتمع التركي، وفي اعتقادي أن التجربتين التونسية والمصرية لو كتب لهما النجاح، فسوف يغير ذلك من نظرة العالم للإسلام السياسي، ولكن لو مارسوا القمع فسوف يكون ذلك شهادة وفاة لهذا النموذج. ولكن كيف ينظر الإخوان المسلمون لهذه التجارب وكيف سيتعاملون مع الإسلام السياسي؟ يقول د. محمود عزت، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين: إن الفرصة لم تتح كاملة للحكم على الدول التي خاضت هذه التجربة وأن لكل بلد ظروفه، وبالتالي لا يمكن اعتبارها معيارا يتم القياس عليه، فمثلا تجربة غزة، كيف يمكن القياس عليها وهى واقعة تحت الاحتلال وبلد تنقصه السيادة؟
وبالتالي فإن فشل هذا النموذج ليس نتيجة فشل التجربة ولكن بسبب الاحتلال, وأيضا في أفغانستان، لا يزال الحلفاء موجودين بها، وتعاني عدم الاستقرار، والفشل فيها نتيجة ذلك. وفي كل الأحوال إذا توافرت المبادئ الأساسية التي أقرها الإسلام للحكم سيتحقق النجاح وهو ما نسعى له في الفترة المقبلة، وهذه المبادئ تتمثل في وجود العدل والشورى والمساواة وحق التعبير والفصل بين السلطات، وكذلك وجود مرجعية أصلية تقترح وتتابع وتنفذ، بغض النظر عما إذا كان نظام الحكم برلمانيا أو رئاسيا أو خليطا بينما، فهذه هي الدعائم الإسلامية التي ينتج عنها دستور ديمقراطي، بعيدا عن أي تلاعب كما حدث فى الدستور التركي وكان نتيجته أن أصبح الجيش فوق الدستور مما جعله يواجه عقبات كثيرة، وهو ما نضعه في الاعتبار في تجربتنا المقبلة في مصر ولعلها تكون هي الأفضل, وتصبح نموذجا ديمقراطيا صحيحا يقاس عليه, وتجد فيه المجتمعات حلا لمشاكلها الاقتصادية ويتحقق لها الرخاء، فالكون لا يُعمر إلا بحل المشاكل الاقتصادية وهذا هو أمر أساسي في الإسلام ويجسده قوله تعالي «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» وقد جاء الإسلام ليحقق ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.