استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    انتخابات مجلس الشيوخ.. الآليات والضوابط المنظمة لتصويت المصريين فى الخارج    هذا العيار أقل من 3920 جنيها، أسعار الذهب ببداية تعاملات اليوم الأربعاء    ارتفاع سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الأربعاء    لأول مرة منذ أسبوع، استقرار أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 30-7-2028 بالفيوم    ارتفع في بنكين.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الأربعاء    أسعار البيض اليوم الأربعاء بالأسواق (موقع رسمي)    إغلاق جميع الموانئ التجارية في هاواي بسبب أمواج تسونامي    نائبة إسبانية تعلن تضامنها مع أسطول الصمود العالمي لدعم غزة    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    وزير الخارجية: مصر تهتم بتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع الولايات المتحدة    تحليل جديد: رسوم ترامب الجمركية سترفع نفقات المصانع الأمريكية بنسبة 4.5%    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية فى أوسيم    فقد الوعي بشكل جزئي، آخر تطورات الحالة الصحية للفنان لطفي لبيب    عزاء شقيق المخرج خالد جلال في الحامدية الشاذلية اليوم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    قافلة طبية توقع الكشف على 1586 مواطنا في "المستعمرة الشرقية" بالدقهلية (صور)    محافظ الدقهلية:1586 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية المستعمرة الشرقية بلقاس    وزير الإعلام السوري يتوسط لدى الداخلية للإفراج عن الصحفية نور سليمان    فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    اليوم، طرح تذاكر حفل الموسقار العالمي عمر خيرت في دبي أوبرا    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    نبيل الكوكي يقيم مأدبة عشاء للاعبى وأفراد بعثة المصرى بمعسكر تونس    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    التفاصيل الكاملة لسيدة تدعي أنها "ابنة مبارك" واتهمت مشاهير بجرائم خطيرة    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية العربية.. بين الإصلاح والثورة

الدول العربية وحدها مسئولة عن أكثر من 50 بالمائة من الدول غير الديمقراطية، رغم أنها لا تشكل إلا نحو 10 بالمائة من دول العالم (22 دولة عربية من 200 دولة فى العالم). وتقف النخب العربية الحاكمة ومعها قطاع من المثقفين العرب موقف الريبة الشديدة من الديمقراطية محتجين بما لها من آثار سلبية محتملة على الاستقرار والتنمية. ومع زيادة الطلب الشعبي على الديموقراطية اشتعلت الثورات العربية في العديد من البلدان، وما زالت شعوب تلك البلدان تجاهد للقضاء على أنظمة الاستبداد أو إنهاء مراحل التحول الديموقراطي واللحاق بركب الدول الديموقراطية.
وسنحاول من خلال السطور القادمة استكشاف المعضلات والتحديات والفرص التي تواجه الديموقراطية في بعض البلدان العربية.وما تأثير الديموقراطية على بنية المجتمع واستقرار الدولة والحفاظ على وحدتها. وأهمية مراعاة الهندسة المؤسسية والدستورية لتستوعب طبيعة هذه المجتمعات اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، دون الوقوع في فخ تقسيم الدولة او تهميش الأقليات او عدم الاستقرار السياسي والأمني.
اليمن والسودان.. بين الاستئثار بالسلطة والعنف الطائفي وتقسيم الدولة
تأتي كلاً من اليمن والسودان في مرتبة متأخرة عربياً من حيث لحاقهما بركب التحول الديمقراطي. فكلا الدولتين تتشابه في بعض الخصائص التي أدت إلى تخلف العملية الديمقراطية. فقد فرضت السلطة الحاكمة في اليمن والسودان سيطرة تامة على الحكم بما يعرقل التداول الفعلي للسلطة، كما تستأثر بتوزيع موارد الدولة بما يخدم مصلحتها. ومن ناحية أخرى، تتكون الدولتان من قوميات وطوائف دينية مختلفة تتزايد لديها النزعة الانفصالية، ما ترتب عليه تدخلات من قوى إقليمية ودولية في شؤونهما الداخلية. وفي الحالتين تسببت تلك العناصر مجتمعة في تقويض سبل الإصلاح الديمقراطي.
اليمن.. مساعي ديمقراطية ظاهرية
تواجه اليمن العديد من التحديات التي تعيق التحول الديمقراطي، على رأسها "القبلية" حيث تطغى الولاءات التحتية على الانتماء للدولة وهو ما يوظف سياسياً ويعزز النزعة الانفصالية أحياناً، خاصة مع فشل الحكومات اقتصادياً وتوزيعها للموارد انتقائياً لصالح أعوانها. أيضاً هناك "التيارات الأصولية" التي ترفض الديمقراطية أحياناً باعتبارها مناقضة لأصول الدين، وتتمرد على السلطة الحاكمة كالحوثيين في شمال اليمن، والتي ارتبطت بتزايد "العناصر الإرهابية" وبخاصة تنظيم القاعدة، مما أدى لتدخلات أجنبية مباشرة وغير مباشرة في الشأن اليمني. ومن ناحية أخرى جاء "ضعف وانقسام القوى والأحزاب السياسية" نتيجة لنجاح السلطة في استقطابهم من خلال الموائمات والمنح الاقتصادية التي قبلها الكثيرين في ظل ظروف اقتصادية متردية.
وقد بدأ التحول الديمقراطي بعد وحدة شمال وجنوب اليمن من خلال دستور 1991 الذي أباح حرية التعبير والعمل السياسي، بالإضافة إلى استقلال القضاء وإنشاء برلمان منتخب شعبياً. فكانت تلك الإجراءات ضمانة لاستمرار الوحدة وليست هدفاً في حد ذاتها لذا تقلصت الحريات مع مرور الوقت لصالح الرئيس من خلال تعديلات دستورية جديدة.
وعلى الرغم من أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح تبنى خطاباً داعياً للديمقراطية بهدف ترسيخ الانتماء للوطن الجامع اليمن، إلا أن الممارسة اقتصرت على استمرار الانتخابات في تطبيق شكلي للديمقراطية دون قيمها، بسبب استشراء الفساد المؤسسي وفشل الحكومة في تحسين الوضع الاقتصادي أو إحداث تغيير حقيقي في اليمن، بالإضافة إلى هشاشة القوى السياسية بالدرجة التي لم تتح المجال لظهور بديل عن صالح وهو ما شجعه على التمهيد لتوريث حكم البلاد لابنه.
وقد مثل امتداد الربيع العربي لليمن طوق النجاة الأخير للمسار الديمقراطي، فمع توحد المعارضة ضد صالح في شكل ثوري، تمكنت القوى السياسية والشعبية من إبعاده عن الحكم لتفتح المجال أمام تفعيل ديمقراطية إصلاحية حقيقية. فاليمن بحاجة إلى جمع شتات أبنائه وتوحيدهم من خلال حوار وطني شامل وهو ما تم الاتفاق عليه من خلال المبادرة الخليجية التي أنهت حكم صالح واتفقت على مراجعة الدستور شعبياً قبل إجراء انتخابات جديدة في 2014. وعلى الرغم من أنها خطة طموحة في ظل العوائق السابقة إلا أن الحوار الوطني والإصلاح التدريجي هو السبيل الوحيد للديمقراطية في اليمن.
السودان.. ضرورة الحوار الوطني الشامل
يعتبر النظام السياسي الحالي في السودان هو نتاج ثلاث ديمقراطيات متعاقبة تفصلهم انقلابات عسكرية، فجاءت التجربة الديمقراطية السودانية مضطربة. فقد كانت التجارب الديمقراطية منذ استقلالها في 1965 عاجزة عن تحقيق استدامتها حيث فشلت الأحزاب في كتابة الدستور بسبب الانقلابات العسكرية المتتالية، كما اتسمت الأحزاب بالضعف لقيامها على أسس طائفية وعشائرية وليس على برنامج سياسي محدد، علاوة على تشكيل أغلبية البرلمانات من رجال الدين وزعماء القبائل مع تهميش للمتعلمين، لتتسم العملية السياسية حتى الآن بتلازم النخبة السياسية المنظمة مع جموع الطوائف الدينية.
وقد جاء النظام الحالي في السودان نتاج انقلاب عسكري عام 1989 نفذته الجبهة الإسلامية. والذي واجه معارضة دولية أدت إلى فرض عقوبات على السودان بسبب السياسات المتشددة التي انتهجها النظام مثل إلغاء جميع أشكال العمل السياسي بما فيها حل البرلمان والأحزاب، وفرض رؤية إسلامية متشددة في بلد متنوع عرقياً ودينياً. ومع انفراد البشير بالسلطة عام 1999، أعاد الانتخابات البرلمانية والرئاسية من خلال قوانين جديدة ليستمر في الحكم حتى الآن. ورغم أن اتفاق السلام عام 2005 مع الجنوب فتح الباب للكثير من التحولات الطموحة سياسياً ودستورياً، إلا أن الصراعات المسلحة التي خاضتها البلاد داخلياً وحدودياً ظلت العائق الحقيقي للديمقراطية.
حيث تواجه الديمقراطية في السودان الكثير من العقبات، فالسودان دولة متعددة عرقياً ودينياً، وتتزايد فيها الحركات الإنفصالية، بالإضافة إلى أن النزاع حول مواردها النفطية والمائية وعدم التوازن في التنمية على مستوى الدولة أدخلها في العديد من الصراعات الدامية، مثل الصراع في دارفور غرباً والسودان جنوباً والتي انتهت بالانفصال عن حكومة الشمال عام 2011، لتستمر الصراعات الحدودية. وحالياً تواجه السودان موجة من الاحتجاجات التي تنادي بإسقاط نظام البشير خاصة بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية في شمال السودان بعد استحواذ الجنوب على ما يزيد عن 70% من عوائد النفط.
ومن الملاحظ أن النمط الانقلابي والثوري للحياه السياسية في السودان لم يفلح في إرساء ديمقراطية فعلية، فالسودان في حاجة إلى إصلاح داخلي حقيقي وحوار وطني شامل يستوعب جميع الأطراف للحفاظ على كيان الدولة من المزيد من التفكك، وهو ما قد يستغرق سنوات حال حدوثه. فمحاولات فرض الديمقراطية ثورياً في بلد هش كالسودان قد يقود إلى صراعات مسلحة تقضي على الدولة.
الكويت والأردن، الديمقراطية بين الممارسة والتفعيل
اجرائياً تعد كل من الكويت والأردن في مقدمة الدول العربية ديمقراطية فكلاهما يتبعان النظام البرلماني الدستوري الملكي، أي هناك برلمان منتخب شعبياً وحكومة تمثيلية تخضع لرقابة برلمانية، وينص دستور كل دولة منهم على مبدأ الفصل بين السلطات. لكن تبقى كلمة السر في كل دولة هي سلطات رأس الدولة وهو الأمير في الكويت والملك في الأردن. فلديهم سلطات واسعة من عزل وتعيين رئيس الوزراء والقادة العسكريين، وكذلك إصدار القوانين وغيرها من السلطات الحيوية، لكن تبقى السلطة الأهم هي سلطة حل البرلمان، فخلال العشر سنوات الأخيرة تم حل البرلمان الكويتي أربع مرات والبرلمان الأردني مرتين، وذلك غالباً يكون بسبب التصادم بين السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان والسلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة التي تكون خارجة من رحم الأسرة الحاكمة. ذلك الأمر الذي يؤدي إلى عدم استقرار سياسي يؤثر بطبيعة الحال على خطط التنمية لكلا الدولتين، وهو ما تجلى واضحا في تقرير "الإيكونوميست" الخاص بمعامل الديموقراطية في دول العالم المختلفة، والذي يقوم بقياس الديموقراطية في البلدان على أساس العوامل التالية من: (التعددية والعملية الانتخابية ، أداء الحكومة ، المشاركة السياسية ، ثقافة الديموقراطية ،الحريات المدنية) ووفقاً لتقرير عام 2011 جاءت الأردن في المركز118عالمياً، بينما جاءت الكويت في المركز 122، وكلاهما مصنفين ضمن النظم الاستبدادية، الأمر الذي قد يصور للبعض أن الديمقراطية قد تكون عبئا على الدول العربية أو غير ملائمة لها لكن يصبح هذا غير حقيقي اذا ما قامت كل دولة بمواجهة أهم التحديات التي تواجهها والاستفادة من الفرص المتاحة التي تمكنها من استكمال مسيرة الديمقراطية هناك.
الكويت، الديمقراطية على المحك بين التحديات والفرص
على الرغم من اعتبار العديد من دارسي التحول الديمقراطي الكويت رائدة الديمقراطية في المنطقة العربية بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة، إلا أن الديمقراطية في الكويت تعاني من أزمة تكاد تكون مزمنة وهي حل البرلمان من جانب الأمير، ففي أقل من ستة أعوام تم اقالة الحكومة سبع مرات ،وحل البرلمان أربع مرات كان اخرهم عام 2011 بعد ما طلب النواب استجواب رئيس الوزراء الأمر بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية مما دفعه إلى الاستقالة ومن ثم قام الأمير بحل البرلمان، ذلك في سياق الصراع المستمر بين السلطة التنفيذية والتشريعية الذي قد يهدد مستقبل الديمقراطية هناك.
وفي واقع الأمر ليس فقط الصراع بين كل من السلطة التنفيذية والتشريعية هو التحدي الذي يواجه عملية التحول الديمقراطي في الكويت ولكن هناك العديد من التحديات الأخرى داخلية وخارجية، فالكويت تعاني عدم وجود أحزاب سياسية في حين أن هناك جمعيات سياسية تمثل مختلف الايديولوجيات ومختلف شرائح المجتمع، وهي مقبولة كواقع وكعرف، ولكن عدم وجود اعتراف رسمي بها وعدم وجود قانون يضبط نشاطاتها، يعني عدم وجود آلية لمحاسبتها من قبل الشعب ومؤسساته، مما يعرضها لأن تكون قبلية أو عشائرية أو مذهبية، الأمر الذي يعزز من الانقسام الطائفي خاصة بين السنة والشيعة مع الوضع في الاعتبار العلاقات مع إيران والعراق. كذلك أحد أهم تحديات الديمقراطية في الكويت هو النمو الاقتصادي فعلى الرغم من كون الكويت أحد أكبر الدول الغنية المصدرة للبترول إلا أنها تعتمد بشكل أساسي على البترول كمصدر وحيد للدخل الأمر الذي جعل العديد من الاقتصاديين توقع حدوث أزمة اقتصادية هناك إذا ما اسمتر عدم الاستقرار السياسي في البلاد الذي بدوره يكون طارد للمستثمرين الأجانب مما يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي هناك. كذلك وضع حقوق الانسان في الكويت تعد من أحد التحديات التي تواجه التحول الديمقراطي في الكويت خاصة فيما يتعلق بوضع السكان منعدمي الجنسية في الكويت " البدون" الذين حسب تقرير منظمات حقوق الانسان العالمية يعانوا من تمييز في المعاملة من جانب الدولة فيما يتعلق بحقوقهم في الصحة والزواج والعمل، كذلك وضع المرأة فمثلها مثل العديد من دول الخليج ظلت تعاني من تهميش في المشاركة السياسية حتى عام 2006، إلى أن تم السماح لهن بالمشاركة في الانتخابات عن طريق التصويت والترشح. ولايمكن اغفال التحديات الخارجية التي تواجه الاستقرار السياسي في الكويت فهناك عدم استقرار في البيئة الإقليمية فالكويت مجاورة لدول كبرى لديها اختلافات عديدة معها خاصة العراق وإيران، وهو ما يعد تحدي كبير للديمقراطية في الكويت خصوصا أن كلاً من العراق وإيران يحاولوا التدخل في الشؤون الداخلية للكويت، فاحتلال العراق للكويت في الماضي والقبض المستمر على شبكات تجسس ايرانية في الآونة الأخيرة في الكويت تؤكد أن أمن واسقرار الكويت الداخلي والخارجي من أكبر تحديات الديمقراطية هناك.
فرص الديمقراطية في الكويت
لكن لا يعني وجود هذه التحديات فشل التحول الديمقراطي في الكويت، بالعكس فمعرفة هذه التحديات ومواجهتها هي السبيل لتكملة مسيرة الديمقراطية في الكويت خاصة وأن هناك العديد من الفرص إذا ما قام المسؤولون هناك بالاستفادة منها سيكون للتجربة الديمقراطية شأن كبير. فوفقاً لنتائج الانتخابات التي أجريت في فبراير 2012، حصلت المعارضة على الأغلبية في البرلمان الكويتي وهو ما ينذر بإستمرار الاتجاه المؤيد للتغيير وكذلك احداث نوع من التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية بشرط التوافق بينهم وتفضيل المصلحة الوطنية حتى لا يتحول هذا التوازن إلى شلل. إضافة إلى نجاح عدد جيد من المرشحين الشباب مما ينذر بتغيير نوعي في أعمار السياسيين هناك. كذلك تم إدماج المرأة الكويتية في العملية الديموقراطية، وتم فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء لمنع الاصطدام المباشر بين المجلس والأمير، كذلك تقليص الدوائر الانتخابية من خمس وعشرين الى خمس دوائر، وذلك من اجل التقليل من اثر الولاءات الفرعية القبلية والعشائرية والمذهبية على نتائج الانتخابات.
ويبقى هناك أمل في أن يستفيد أطراف المعادلة السياسية الكويتية من أعضاء مجلس الأمة والحكومة من الدروس السابقة بما يدفع الجميع لتجريب نهج جديد غير الحلقة المفرغة من التأزيم والمواجهات والحل المتكرر لمجالس الأمة، والاستقالات المتعددة للحكومات، حتى تستطيع الكويت أن تخلق نموذجا قادرا على الدمج بين الديمقراطية والتنمية بنجاح.
الأردن، قوى ونخبة سياسية تخشى التغيير..
على عكس الكويت شهدت الأردن نوع نسبي من الاستقرار السياسي خاصة فيما يتعلق بالصراع بين السلطة التنفيذية والتشريعية فمنذ 1992 وحتى الآن لم يحل البرلمان سوى مرتين في حين تم تَغيير الحكومة حوالي سبع مرات.
وفي الواقع شهدت الديمقراطية الأردنية تطورات متباينة بعضها ساعدت على توسيع دائرة الحريات والمشي قدما نحو الديمقراطية وبعضها شكل إعاقة لعملية التطور الديمقراطي للمجتمع الأردني. فمنذ عام 1989 انتهجت الأردن سياسة جديدة، كان الهدف الأساسي منها ترسيخ لقواعد الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحكم، وفي مقدمة هذه الاجراءات إقرار قانون الأحزاب السياسية واعتماد مبدأ التعددية الحزبية، ثم جاء قرار إلغاء الأحكام العرفية في عام 1992 تأكيداً لاحترام الحريات واثراء عملية التحول الديمقراطي. تبع ذلك مجموعة من المبادرات منذ عام 2002 وحتى 2009 مثل مبادرة “الأردن أولا"، " كلنا الأردن" و"أهل الهمة" كان الهدف منها دفع مسيرة التحول الديمقراطي في البلاد من خلال التأكيد على ضمان الحريات الأساسية لجميع المواطنين، وضمان تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، والحفاظ على الصفة المدنية والديمقراطية للدولة. ثم جاء قرار الملك عبدالله في فبراير 2011 بإقالة الحكومة على أثر الاحتجاجات التي انطلقت في مختلف أنحاء الأردن بسبب تردي الأحوال الاقتصادية وغلاء الأسعار وانتشار البطالة، متأثرة بموجة الاحتجاجات العربية العارمة التي اندلعت في العالم العربي خاصة مصر وتونس، وكلف الحكومة الجديدة القيام بخطوات سريعة وملموسة لإطلاق عملية إصلاح سياسي حقيقية تعكس رؤية الأردن للإصلاح الشامل والتحديث والتنمية، وكانت هذه أول مرة منذ تولي الملك العرش الاعتراف بأن عمليات الإصلاح السابقة شابتها ثغرات واختلالات، الأمر الذي يعكس وجود رغبة حقيقية للتغيير.
في حين أن من أبرز التحديات التي تواجه التحول الديمقراطي في الأردن – وغيرها من الدول الريعية في العالم العربي - هي وجود نخبة سياسية تم ربط ولاءها بحجم الامتيازات التي يتم توفيرها لهم من خلال عائدات النفط، إلا أن الوضع في الأردن أصبح من التعقيد لأن أصبحت هذه النخبة متحصنة وقوية ومتحجرة لدرجة أنها تقاوم أي عملية إصلاح قد تضر بمصالحها حتى ولو كانت هذه الإصلاحات قادمة من الملك نفسه. ثاني التحديات هي العلاقة بين الحركة الإسلامية والنخب الحاكمة، حيث بقيت الحركة الإسلامية هي الحزب الوحيد المنظم والقوي في الساحة الأردنية فيما لم تتمكن النخب الحاكمة من فرز قوة سياسية مكافئة على الصعيد الاجتماعي والسياسي، وهو ما دفع بها إلى تدخل عبر قوانين الانتخاب التي تمثل أحد أكبر العوائق أمام الديمقراطية الأردنية لما ينتج عنه من برلمان ضعيفاً عاجزاً عن التأثير في القرار عن طريق توزيع الدوائر الانتخابية والمحافظات بشكل يحفظ سيطرة النخب الحاكمة على معظم المقاعد. كذلك بحكم موقع الأردن الجيوسياسي تتأثر الأوضاع الداخلية بالتحولات الإقليمية والدولية إلى حد كبير. أيضًا أحد أهم العقبات التي تمنع التحول الديمقراطي في الأردن، هو سبب ديموغرافي- سياسي، فبالنظر إلى أن 43 بالمائة من الأردنيين هم من أصل فلسطيني (من اللاجئين والنازحين والمجنُّسين)، الأمر الذي يثير التخوفات فيما يسمى ب" فسلطنة “الأردن أو قيام الوطن البديل.
إلا أن ثمة العديد من الفرص أمام المجتمع الأردني إذا قاموا باستغلالها سوف يدعمون الطريق نحو الديمقراطية، فلابد من إجراء إصلاحات دستورية وسياسية، وفي مقدمتها تشكيل الحكومات على أساس المشاورات النيابية الملزمة، وتعديل قانون الانتخابات، وإطلاق الحريات العامة، ورفع القيود عن مؤسسات المجتمع المدني والعمل الحزبي والنقابي. بالإضافة إلى التوافق ديمقراطياً على برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي. وأخيراً مراجعة الخط العام للسياسة الخارجية باتجاه الاستقلال، ولو النسبي، عن السياسات الأميركية.
ولكن كل هذا يتوقف على خلق حالة من الوفاق الوطني بين مختلف القوى السياسية مع النخبة الحاكمة والملك الذي قد يتضح أنه على استعداد لاحداث نوع من الاصلاح الذي من شأنه أن يثري التحول الديمقراطي هناك.
لبنان والعراق... الطائفية سيد الموقف
كتب – أحمد أبو بكر
تصدر "الإيكونوميست" تقريراً سنوياُ خاصاً بمعامل الديموقراطية فى دول العالم المختلفة، يقوم بقياس الديموقراطية فى البلدان على أساس العوامل التالية من: (التعددية الحزبية والعملية الانتخابية ، أداء الحكومة ، المشاركة السياسية ، ثقافة الديموقراطية ،الحريات المدنية) ووفقاً لتقرير عام 2010 ( تم الاقتباس من تقرير 2010 لمقارنة الدول العربية فى أوضاع استقرار ما قبل قيام الثورات العربية) فقد جاءت لبنان فى المركز الأول والعراق فى المركز الثانى على صعيد الدول العربية. حيث جاءت لبنان فى الترتيب 86 عالمياً برصيد 5.82 \ 10 والعراق فى الترتيب 111 برصيد 4.00 \ 10 وللمقاربة للقارئ فقد احتلت مصر فى ذلك التقرير المركز 138 برصيد 3.07 \ 10 في حين تقدمت في تصنيف 2011 للمركز 115 برصيد 3.95 \ 10 .
تأثير الديموقراطية:
ورغم تقدم لبنان والعراق على باقى الدول العربية، لكن حالة انعدام الاستقرار السياسى فى كلتا البلدين أعلى من الدول العربية الأخرى، ويمثل ذلك أزمة النظم السياسية فى العالم العربى التى تنحصر خيارتها بين الاستبداد مع الاستقرار أو التعددية المصحوبة بعدم الاستقرار الذى قد يصل للفوضى و يهدد وحدة وسيادة الدولة. وتشترك لبنان والعراق فى التعدد العرقى والطائفى، الأمر الذى يمثل التحدي الأكبر للديموقراطية فيهما.
العراق، تحديات وفرص
فالعراق واجه أزمة انهيار الدولة مع الاحتلال الأمريكى وسقوط صدام حسين وحزب البعث، حيث أصبح كل من الحاكم وشرعية نظام الحكم وسيادة الدولة والحفاظ على كيانها من التفكك مرادفات لشيء واحداً (وهى نفس المعضلة التى تواجهها سوريا حالياً)، ولذلك فقد صاحب عملية نشر الديموقراطية فى العراق عملية إعادة بناء الدولة، ويمكن القول أن التحول الديموقراطى التدريجى فى مثل تلك الحالات هو الأكثر أماناً وحفاظاً لكيان الدولة من الانهيار، وبالتالى تواجه عمليتا نشر الديموقراطية وبناء الدولة مشكلات التعددية العرقية (عرب وكرد) والتعددية المذهبية (سنة وشيعة) ووسط هذا التنازع العرقى والطائفى تراجعت الهوية العراقية ككيان جامع للمواطنين، خاصة فى ظل غياب شخصية قائدة وأحزاب عابرة للمذهبية أو العرقية. وتزداد الأزمة السياسية فى ظل نظام المحاصصة الطائفية للمناصب السياسية العليا فى البلاد ذات الأغلبية الشيعية، مع تنازع الأكراد بصفتهم المذهبية كسنة وبصفتهم العرقية كأكراد. من أمثلة تلك الأزمات غياب وصعوبة تشكيل الحكومة بسبب الخلافات الطائفية ونظام المحاصصة، وأيضا الصراع على ترسيم حدود الأقاليم فى ظل وجود نعرات إنفصالية للأكراد فى الشمال، مثل النزاع حول مدينة كركوك النفطية.
فى حين أن الأزمة الكبرى فى هى العراق تحول الحكم من نظام شمولى وحكم الفرد إلى تهميش الأقلية تحت اسم حكم الأغلبية، فطبقا للتركيبة السكانية فالسنة العرب هم الأقلية، فبعد أن كان الشيعة تحت القمع هم الان فى سدة الحكم والسنة هم من يعانون التهميش. وبالتالى تحولت الديموقراطية إلى ديموقراطية إجرائية فقط معنية بالانتخابات أكثر منها تداول للسلطة وتعدد مراكز صنع القرار. وكذلك تحول العراق من معسكر مناهض للغرب والولايات المتحدة إلى معسكر التبعية الأمريكية بحكم الاحتلال الأمريكي، تلك النقلة المفاجئة تجعل الديموقراطية العراقية فاقدة للاستقلالية بحكم الظروف التي نشأت فيها تلك العملية الديموقراطية. وتظل الفرصة الأكبر أو الوحيدة هى تقوية الهوية العراقية ككيان جامع لجميع المواطنين وإعادة صياغة علاقة المجتمع بالدولة خارج نطاق المذهب والعرق(مفهوم المواطنة) وإنشاء كيانات سياسية وحزبية خليطة عابرة للقوميات والأعراق( ماليزيا كمثال).
لبنان، الديموقراطية التوافقية
وبالمثل فى لبنان، فالمعادلة السياسية معادلة طائفية من الدرجة الأولى، فمع احتلال لبنان للمركز الأول عربيا من حيث ديموقراطية نظام الحكم وتمتع لبنان بحرية إعلام وفكر ووجود تعددية حزبية وتتداول سلطة قائم، إلا أن الديموقراطية اللبنانية مع تقدمها على باقى نظم الحكم العربية وفقا لتقرير الإيكونوميست سالف الذكر، إلا أنها تعرف بمسمى الديموقراطية التوافقية، القائمة على أساس المحاصصة الطائفية للمناصب والتوازنات الدقيقة للقوى السياسية داخل الدولة، مع حفظ حق الأقلية فى الاعتراض(فيما يعرف باسم الثلث المعطل) وهو ما وصفته الكثير من الكتابات بأنها ديموقراطية مرحلية تصلح لمرحلة الانتقال الديموقراطى أكثر منها لخلق نظام سياسى مستقر ومستدام مع إهداره لحق الأغلبية فى الحكم واتخاذ الخيارت السياسية التى تريدها. وتظل المعادلة الطائفية هى المسيطرة على أغلب القرارت سواء كانت تنظيمية بحتة أو سياسية مثل تشكيل الحكومة، على سبيل المثال أى تغيير إجرائى فى قواعد الانتخابات قد يكون طبيعيا فى الدول الديموقراطية مثل تغيير قانون الانتخاب أو تعديل سن الناخبين يصبح أزمة للتأثيرات الديموغرافية المتوقعة على النتائج، وذلك فى ظل استمرار التصويت على أساس طائفى وغياب كيانات عابرة للطوائف.
وتشترك كلا من العراق ولبنان فى تحدى آخر وهو تدخل ونفوذ أطراف إقليمية ودولية فى الساحة السياسية التنافسية مما يجعل كلتا البلدين ساحة للصراعات الإقليمية ويعرض أمنهما وسيادتهما لمخاطر متكررة، هذا التدخل الأجنبى الدائم قائم بالأساس على استغلال وترسيخ النعرات الطائفية، ويمكن الاستنتاج أن البلدين اللذين جاءا فى مراكز متقدمة ديموقراطيا نسبة للدول العربية الأخرى يواجهان تحديات كبرى وتظل الفرصة الوحيدة لخلق نظام سياسى مستقر هو كسر المعادلة الطائفية ونظام المحاصصة السياسية مع الحفاظ على حقوق الأقليات وإرساء مبدأ المواطنة وتقديمه على كافة الاعتبارات العرقية والمذهبية والطائفية وهو ما يبدو أمرا غاية فى الصعوبة فى ظل استمرار التدخلات الخارجية لتشكيل الصراع السياسي في كلا البلدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.