محمد عبد الحميد من « أم المصريين» صفية زغلول إلى «أم أحمد» زوجه محمد مرسى مرورا بنازلى «صاحبة العصمة» وسوزان مبارك « الهانم»، تبدل الزمان واختلفت الأسماء وبقيت التهمة واحدة تلاحقهن جميعا، استغلال النفوذ وتجاوز حدود المسموح به وفقا للقب الشرفى الذى منح لهن «سيدة مصر الأولى»، والذى حصلن عليه ليس لعلمهن ونبوغهن، وإنما فقط لارتباطهن بالرجل الذى يحكم مصر . قصص وحكايات عن واقع ترقى لدرجة الجريمة الكاملة ارتبطت بصاحبات هذا اللقب منذ ثورة 1919 إلى ثورة 2013، والغريب أنه مع كل تبديل يطرأ على هوية الحاكم تخرج دعوات تطالب بإلغاء هذا اللقب ووضع قيود تمنع زوجة الحاكم من استغلال منصب زوجها. عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، تعالت أصوات كثيرة تطالب بضرورة وجود نص فى الدستور الجديد للبلاد يمنع تكرار نموذج سوزان مبارك .. زوجة الرئيس المتنحى والتى أساءت استغلال منصب زوجها فكانت تتدخل فى شئون الحكم واختيار الوزراء وتمرير القوانين، وقيل إنها كانت العقل المدبر لمشروع التوريث وأعداد المسرح السياسى لأن يخلف نجلها جمال والده عقب رحيله عن الحكم. وتسابق كل مرشح من المرشحين الثلاثة عشر فى الانتخابات الرئاسية الماضية إلى التأكيد على أن زوجته لن يكون لها أى دور سياسى وأنه ستتفرغ فقط لرعايته وأولاده داخل منزل الزوجية وإن تصادف وجودها فى قصر الرئاسة ففى حدود المراسم البروتوكولية. وبعد نجاح محمد مرسى وكان أول تصريح لزوجته نجلاء على محمود التى أطلت على شاشات التليفزيون وهى ترتدى الحجاب أنها ترفض لقب سيدة مصر الأولى وتفضل عليه لقب خادمة مصر تدعو الجميع لمناداتها بالأخت " أم أحمد أو الحاجة"، وظن ملايين المصريين وقتها أنها صورة مغايرة فى الملامح والصفات عما كانت عليه سابقتها سوزان مبارك، مما أسهم فى إخماد الأصوات التى تطالب بنص دستورى يحد من نفوذ زوجة الرئيس ويحول دون استغلالها لمنصب زوجها. لكن مع قيام ثورة 30 يونيو وعزل محمد مرسى تكشفت أمور كثيرة عن بلاغات ودعوى قضائية - منظورة حاليا أمام القضاء المصرى - ويتهم من خلالها محمد مرسى وزوجته بجرائم فساد واستغلال نفوذ أبرزها ما جاء فى نص البلاغ الذى حمل رقم 1992، الذى تقدم به عبد العزيز فهمى رئيس حركة الوفاق الوطنى إلى النائب العام المستشار هشام بركات ويتهم فيه نجلاء على محمود إبراهيم زوجة الرئيس المعزول محمد مرسي، بأنها استغلت نفوذها وأوصت زوجها بالإفراج عن شقيقها محمود على محمود إبراهيم ومنحة عفو شامل بموجب الصلاحيات التى كفلها الدستور لرئيس الجمهورية وإعادته لوظيفته السابقة برغم أنه سبق وأدانته فى قضية رشوة وفساد مالى وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وطالب مقدم البلاغ بوقف المشكو فى حقه الثانى عن العمل تطبيقا للقانون 47 لسنة 1978 وضبطه والتحفظ عليه لحين إصدار قرار من رئيس الجمهورية بإلغاء العفو عنه وإعادته إلى السجن مرة أخرى. صفية وزينب تعد صفية مصطفى فهمى زوجة سعد باشا زغلول رئيس وزراء مصر الأسبق وقائد ثورة 1919 أول امرأة استناداً مكانة زوجها ويكون لها دور بارز فى الحياة السياسية وفى الدفاع عن حق مصر فى الاستقلال عن الاستعمار البريطانى مما اعتبره عامة المصريين من الأدوار الإيجابية فمنحوها لقب أم المصريين، وحتى بعد رحيل زوجها استمرت صفية تعمل بالسياسة لدرجة أن رئيس الوزراء "إسماعيل باشا صدقي" وجه لها إنذارا بأن تتوقف عن العمل السياسي، ولكنها لم تكترث واستمرت إلى أن وافتها المنية عام 1946. اللافت للنظر أن المكانة الشعبية الكبيرة التى نالتها زوجة سعد زغلول فتحت أعين زوجات الملوك ورؤساء الحكومات قبل ثورة 1952، لأن يحذون حذوها واستثمار مناصب أزواجهن فلم يوفقن ولاحقتهن اتهامات كثيرة. حدث ذلك مع زينب عبد الواحد الوكيل زوجة مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر الأسبق وخليفة سعد زغلول فى زعامة حزب الوفد والتى اتهمت بأمرين: الأول: كونها المسئولة عن الخلاف الذى وقع بين زوجها و»مكرم عبيد» سكرتير عام حزب الوفد، هذا الخلاف الذى أدى إلى إصدار مكرم عبيد الكتاب الأسود الذى هاجم فيه سياسات مصطفى النحاس. والاتهام الثانى هو الزعم بأنها استغلت نفوذ زوجها وقامت وارتكبت مخالفات مالية فى مشروع البر قبل قيام ثورة 1952، مما دفع بقيادات الثورة إلى تقديمها للمحاكمة فى سابقة هى الأولى من نوعها آنذاك أن تخضع دولة رئيس وزراء مصر للتحقيق والمسالة فى وقائع استغلال نفوذ مما نال من سمعتها ومكانة زوجها كثيرا إلى أن ماتت عام 1967وربما اختلفت سيرة زوجتى الملك الراحل فاروق الأول عن سيرة زينب الوكيل زوجة النحاس باشا فلم يعرف عن زوجته الأولى الملكة فريدة ولا عن الثانية الملكة ناريمان أى استغلال للنفوذ ومضت حياتهما فى هدوء إلى أن غادرتا الدنيا ونفس الأمر تكرر عقب قيام ثورة 23 يوليو1952 وانتهاء الملكية، حيث تولى اللواء محمد نجيب منصب أول رئيس لجمهورية مصر وعرف عنه أنه تزوج من ثلاث نساء هن"سميحة وعائشة وعزيزة "، ولم يكن لأى منهن أى اهتمامات بالسياسة أو السعى لاستغلال نفوذ ومكانة زوجهن فى أى من مراحل عمره وذلك حسب ما ذكره محمد نجيب عنهن فى مذكراته الشخصية:"زوجاتى الثلاث لم تتدخل واحدة منهن فى شئونى الخاصة والزوجة الثالثة عزيزة عاشت فقط ترعانى لآخر لحظة فى عمرها حتى انتقلت إلى رحمة الله. نفس الأمر تكرر مع تحية محمد كاظم زوجة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فلم يذكر قط أنها تدخلت فى أى قرار سياسى اتخذه زوجها بعد توليه السلطة ولم تصاحبه فى سفرياته، ولم تعمد للظهور فى المناسبات العامة، إلا عندما استعان بها زوجها عند زيارة المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد لمصر وظلت سمعتها كسيدة مصر الأولى ناصعة البياض فى حياة زوجها وحتى بعد وفاتها عام 1992. نازلى وأم كلثوم على النقيض تماما من سيرة صفية وتحية تأتى سيرة الملكة نازلى عبد الرحيم باشا صبرى أم الملك فاروق وزوجة المملك الراحل فؤاد الأول، كانت حافلة بشبهات استغلال النفوذ وسوء التصرف كسيدة لولى لمصر فقد اشتهرت سيرتها الشخصية بقصة ارتباطها العاطفى مع أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى والتى انتهت بمقتله على كوبرى قصر النيل فى حادث سيارة عام 1946، كما ارتبط اسمها بالكثير من الفضائح و التداخلات السياسية، لاسيما فى فترة تولى ابنها الملك فاروق الأول حكم مصر انتهت بهروبها إلى أمريكا واعتنقت المسيحية وهو ما دفع بفاروق إلى أن أصدر قرارا بحرمانها من لقب الملكة الأم عام 1950. كما عرف عن نازلى سطوتها وأنها أرغمت المطربة الكبيرة أم كلثوم أن تغنى وتقوم بزفاف ابنتها الأميرة فوزية إلى الأمير رضا بهلوى عام 1941 برغم أن أم كلثوم لم تكن من قبل تقوم بزفة العروس لكن وتحت تهديدات نازلى بمنع أغانيها فى الإذاعة رضخت أم كلثوم وغنت مبروك لسموك وسموه! ومن المفارقات أنه وبعد 30 سنة من تلك الواقعة اصطدمت أم كلثوم مرة أخرى بزوجة حاكم مصر، وكانت من نصيب جيهان صفوت رءوف زوجة الرئيس الراحل محمد أنور السادات والتى استشعرت الغيرة عقب تولى زوجها حكم البلاد من اللقب الذى منحه شعب مصر ووسائل الإعلام المحلية والدولية لأم كلثوم بأنها سيدة مصر الأولى لدورها البارز فى تمويل المجهود الحربى عقب نكسة 1967، مما دفع بجيهان إلى افتعال المشاكل معها لتجريدها منه كى تصبح هى سيدة مصر الأولى دون منازع بدأتها عام 1971، عندما سعت أم كلثوم إلى إنشاء مشروع خيرى كبير لرعاية الأيتام والمسنين والنساء اللاتى لا مأوى لهن، وتم وضع الترتيبات لوضع حجر أساس المشروع، ونشرت وسائل الإعلام آنذاك أخبارا كثيرة عن هذا المشروع، لكن حدث أمر غير متوقع فقد توقف الكلام فجأة فى الصحافة عن المشروع، واختفى حجر الأساس واختفت الجمعية، وظهرت جمعية أخرى باسم جمعية النور والأمل ترأسها السيدة جيهان السادات، وتناقل الناس أن أم كلثوم تتعرض لحرب شرسة من حرم الرئيس التى ترفض أن تكون هناك أى امرأة أخرى فى مصر تحظى باهتمام الناس حتى لو كانت أم كلثوم! وهناك واقعة تدخل جيهان لدى مشرعى القوانين لإقرار "باقة من القوانين التى تنتصر للمرأة المطلقة عرفت فى فترة السبعينيات بين عامة الناس باسم قوانين جيهان وهو ما خلق شعورا بالاستياء تجاهها وبالذات عندما تزامن ذلك مع ظهورها العام بشكل متزايد، لاسيما فى اللقاء البروتوكولية مع ملوك ورؤساء الدول فالعادة الخاصة بالأجانب فى تبادل القبلات أثناء التحية بين الرجل والمرأة سببت أزمة كبيرة لجيهان وزوجها، عندما فاجأها بذلك الرئيس الأمريكى جيمى كارتر فى أثناء زيارته للقاهرة وهو ما رآها البعض آنذاك إهانة لمصر ورئيسها الذى يقف بجوارها كما أثيرت حول جيهان السادات حكايات أخرى دون دليل ملموس أنها استغلت نفوذ زوجها فى استكمال تعليمها الجامعة ونيل درجتى الماجستير والدكتوراة وهى التهمة التى لاحقت المراة التى جاءت بعدها إلى قصر رئاسة الجمهورية عقب اغتيال أنور السادات عام 1981، وهى سوزان صالح مصطفى ثابت زوجة محمد حسنى مبارك التى كانت تحب أن تلقب ب "الهانم" ومن سطوتها كانت النساء قبل الرجل يقبلن يديها فى المناسبات العامة أبرزها واقعه وزيرة القوى العاملة السابقة عائشة عبد الهادى وقد عرفت سوزان بتدخلاتها المستمرة فى تعيين المسئولين الحكوميين، وقد خضعت سوزان لتحقيقات النيابة العامة بعد ثورة 25 يناير فى عده اتهامات تتعلق بالاختلاس والفساد واستغلال منصب زوجها فى تحقيق ثروة على نحو غير مشروع وصدر قرار بحبسها 15 يوم على ذمة التحقيقات، قبل أن تفرج عنها السلطات القضائية عقب تنازلها عن أرصدة بنكية بمبلغ 24 مليون جنيه لم تستطع إثبات مشروعية امتلاكها. رقابة صارمة من جهته يرى الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعه القاهرة، ضرورة إلغاء لقب السيدة الأولى من القاموس الإعلامى والسياسى فى مصر وأن تتم معاملة زوجة رئيس الجمهورية وبقية المسئولين مثل أى مواطن مصرى دون تمييز، مؤكدا أن مهمة مراقبة عمل الرئيس وزوجته وأبنائه تقع على المجتمع ككل ووسائل الإعلام تحديدا فإذا ما لمست وسائل الإعلام تجاوزات من قبل الرئيس وأسرته وجب عليها مكاشفة الرأى العام بما يحدث كى تستطيع الأجهزة الرقابية، لاسيما مجلس الشعب من التدخل بطلب استجواب أو بسحب الثقة وهو ما ننشده فى مصر خلال الفترة المقبلة أن تتم معاملة الجميع دون تفرقة فى الحقوق والواجبات. بينما ترى الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون بجامعه القاهرة أن الدستور المصرى منذ نشأته عام 1923، وحتى دستور 2012، المعطل لم تشتمل مواده على أى فقرة تناقش وضع زوجة الملك أو الرئيس تحديدا كون وجودها بروتوكوليا فى المقام الأول وقالت ليس هذا الأمر من مهام الدستور فهو أولا وأخيرا معنى بتحديد هوية الدولة وسلطات رئيس الجمهورية وعمل السلطات التنفيذية والتشريعية، ولذا فالمطالبون بوجود نص يمنع عمل زوجة الرئيس بالسياسة ليسوا على صواب فهم يطالبون بأمر منهى عنه دستوريا وهو حرمان مواطنة من حقها الدستورى.