رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    الهلال الأحمر يعلن رفع قدرات تشغيل المراكز اللوجيستية لأعلى مستوياتها    نتنياهو يتحدث عن وكيل إيراني آخر وإبادة إسرائيل.. ما القصة؟    طلاق مكلف وتعويض قضية ينقذه، كم تبلغ ثروة أسطورة المصارعة هالك هوجان؟    بالأسماء.. مصرع وإصابة 5 أشخاص من أسرة واحدة في حادث انقلاب بالبحيرة    هل الجوافة تسبب الإمساك؟ الحقيقة بين الفوائد والأضرار    لحماية نفسك من فقر الدم.. 6 نصائح فعالة للوقاية من الأنيميا    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    بعد عمي تعبان.. فتوح يوضح حقيقة جديدة مثيرة للجدل "فرح أختي"    أكبر من برج بيزا، كويكب يقترب بسرعة من الأرض، وناسا تكشف تأثيره    نقابة التشكيليين تؤكد استمرار شرعية المجلس والنقيب المنتخب    خالد الغندور يكشف مفاجأة بخصوص انتقال مصطفى محمد إلى الأهلي    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 8 مساجد في 7 محافظات    إحباط محاولة تهريب 8000 لتر سولار لبيعهم في السوق السوداء بدمياط    "الجبهة الوطنية" ينظم مؤتمراً جماهيرياً حاشداً لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ بالجيزة    استمرار استقبال طلاب الثانوية العامة لاختبارات العلوم الرياضية بالعريش    حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب كلية العلوم الصحية بجامعة المنوفية.. صور    وزارة الصحة تنظم اجتماعًا لمراجعة حركة النيابات وتحسين بيئة عمل الأطباء    طريقة عمل الآيس كوفي على طريقة الكافيهات    مصدر للبروتين.. 4 أسباب تدفعك لتناول بيضة على الإفطار يوميًا    سليمان وهدان: المستأجر الأصلي خط أحمر.. وقانون الإيجار القديم لم ينصف المواطن    العظمى في القاهرة 40 مئوية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    جوجل تعوّض رجلًا التقط عاريًا على "ستريت فيو"    القبض على طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء في الجيزة    تنسيق الجامعات 2025، شروط الالتحاق ببعض البرامج المميزة للعام الجامعي 2025/2026    أحمد سعد: ألبوم عمرو دياب مختلف و"قررت أشتغل في حتة لوحدي"    «هتفرج عليه للمرة الرابعة».. مي عز الدين تشيد بمسلسل «وتقابل حبيب»    ميريهان حسين على البحر وابنة عمرو دياب مع صديقها .. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    "صيفي لسه بيبدأ".. 18 صورة ل محمد رمضان على البحر وبصحبة ابنته    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    الخارجية الأردنية: نرحب بإعلان الرئيس الفرنسي عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية    بعد تغيبه عن مباراة وي.. تصرف مفاجئ من حامد حمدان بسبب الزمالك    بعد ارتباطه بالانتقال ل الزمالك.. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بلال ولد الشيخ    ترامب ينعي المصارع هوجان بعد وفاته: "صديقًا عزيزًا"    ارتفاع حصيلة القتلى ل 14 شخصا على الأقل في اشتباك حدودي بين تايلاند وكمبوديا    ادى لوفاة طفل وإصابة 4 آخرين.. النيابة تتسلم نتيجة تحليل المخدرات للمتهمة في واقعة «جيت سكي» الساحل الشمالي    إصابة 6 أفراد في مشاجرتين بالعريش والشيخ زويد    سعر المانجو والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 25 يوليو 2025    ما هي عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص؟.. القانون يجيب    «كان سهل منمشهوش».. تعليق مثير من خالد بيبو بشأن تصرف الأهلي مع وسام أبو علي    «العمر مجرد رقم».. نجم الزمالك السابق يوجه رسالة ل عبد الله السعيد    بدأت بفحوصات بسيطة وتطورت ل«الموضوع محتاج صبر».. ملامح من أزمة أنغام الصحية    4 أبراج «بيشتغلوا على نفسهم».. منضبطون يهتمون بالتفاصيل ويسعون دائما للنجاح    الثقافة المصرية تضيء مسارح جرش.. ووزير الثقافة يشيد بروح سيناء (صور)    الخارجية الأمريكية توافق على مبيعات عسكرية لمصر ب4.67 مليار دولار (محدث)    «دعاء يوم الجمعة» للرزق وتفريج الهم وتيسير الحال.. كلمات تشرح القلب وتريح البال    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    داليا عبدالرحيم تنعى أسامة رسلان متحدث «الأوقاف» في وفاة نجل شقيقته    وكيل النواب السابق: المستأجر الأصلي خط أحمر.. وقانون الإيجار القديم لم ينصف المواطن    فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    محمود محيي الدين: مصر خرجت من غرفة الإنعاش    "كنت فرحان ب94%".. صدمة طالب بالفيوم بعد اختفاء درجاته في يوم واحد    أخبار كفر الشيخ اليوم.. مدرس يهدي طالبتين من أوائل الجمهورية بالثانوية سبيكة ذهبية عيار 24    نتنياهو يزعم أن إعلان فرنسا اعترافها بدولة فلسطين «يكافئ الإرهاب»    وزير الطيران المدني يشارك في فعاليات مؤتمر "CIAT 2025" بكوريا الجنوبية    هل لمبروك عطية حق الفتوى؟.. د. سعد الهلالي: هؤلاء هم المتخصصون فقط    خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأهرام العربى» فى معقل «الأسد» للمرة الثانية.. بشار: الخيانة لم تعد سرًا.. والقاهرة ودمشق تواجهان عدوًا واحدًا!
نشر في الأهرام العربي يوم 18 - 10 - 2013

رسالة دمشق أسامة الدليل
هذه المرة لم أسأل الرئيس السوري بشار الأسد ما كان يتوجب علي أن أسأله، وبرغم ذلك.. وعلى مدار ساعتين و 13 دقيقة استمعت منه إلى الإجابة عن سؤالي المكتوم باستفاضة تامة.. كنت يوم الخميس 3 أكتوبر الماضي في وفد مكون من 21 خبيراً في شئون الإعلام والإستراتيجيات والقانون الدولي وعلم الاجتماع السياسي من 5 دول (مصر والأردن وفلسطين ولبنان وإيران) يتقدمنا وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، ومعنا التوصيات التي خرجنا بها للتو من ورشة عمل استمرت 3 أيام حول (الإعلام الوطني والتحديات الراهنة) لتقديمها إلى رأس السلطة التنفيذية في سوريا إيذانا بتفعيلها.. وقبل أن يبدأ الحوار قال الأسد إنه يحب أن يلتقي بأصحاب الفكر ويرحب بأسئلتهم لأنها تعكس واقعا يحب أن يتعرف عليه عن قرب.. وهكذا أدركت ان الرئيس السوري قرر أن يبحث في أدمغتنا عن صورة الواقع في (دوافع) السؤال بينما نتوهم طيلة الوقت أننا نجد (أهدافه) في الإجابة.. لحظتها تيقنت أن حديثي إليه قد يكشف سري الكبير: هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أمريكا السابقة التي قفزت على ذهني وأنا التقيه للمرة الثانية بعد عام كامل من مقابلتي الأولى معه في ذات المكان!
كانت وزيرة خارجية أكبر دولة في العالم، قد تورطت منذ أكثر من عام في مقامرة غير محسوبة بالمرة، عندما صرحت لوكالات الأنباء في العالم بأسره:«بأن أيام الأسد في حكم سوريا معدودة .. أستطيع أن أراهن على ذلك .. وليتها كانت حددت الرهان فقد كانت هذه العبارة تطن في رأسي وأنا أسمع بأذني وأرى بعيني بشار الأسد، وهو يطرح علينا رؤيته لإعادة إعمار سوريا، وكيف أنه يفضل أن يقوم بذلك السوريون بأنفسهم، وكيف أنه يرى من الأفضل ألا يترك مستثمرا واحدا لبناء مائة بناية، وأن يتم تشجيع السوريين من أصحاب المشاريع الصغيرة على الاستثمار فيتوفر على البناء مائة مستثمر سوري، مع وجود آلية شفافة لطرح المشروعات وضمان وجود آلية قوية لمكافحة الفساد.. وهكذا ومن دون إعلان النصر تجاوز الأسد الحاضر إلى الأمام بخطوات طوال ومن دون تردد أكد دون أن يصرح بأنه باق في المسئولية إلى تمام التجهيز لإعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب.. على الاقل.
فكرت: هل يتجاوز بشار الأسد الواقع من حوله كما تتهمه عادة الخارجية الأمريكية ومن ورائها باقي جوقة الإعلام الغربي؟.. ومن دون أن أسأل قال بالحرف: أنا أعتبر الإعلام كسلطة رقابة شعبية سلطة خامسة.. ففي بلادي خمس سلطات أولاها سلطة الواقع ومن بعدها تأتي باقي السلطات بما فيها السلطة التنفيذية التي أرأسها.. وأنا ابني حساباتي غالبا على أسوأ الفروض في هذا الواقع.. هكذا حسم الأسد علنا سؤالا كان يدور في السر لم يكن أحد ليجرؤ على أن يجاهر به: ما نيات رئيس سوريا في مواجهة التصعيد الذي يقوم به مسلحون من 83 دولة يقاتلون الجيش العربي السوري، خصوصا وأن قذائف الهاون قد طالت مناطق تقترب كثيرا من المقر الرسمي للرئاسة .. قصر الشعب ذاته.
إجراءات صارمة
إذن هي سلطة الواقع التي تقود سوريا بعد 30 شهرا من اندلاع الصراع على أراضيها.. هذه السلطة كنت قد تعرفت على بعض ملامحها قبل لقائي والرئيس السوري بأربعة أيام.. أي منذ أن لامست طائرة الخطوط الجوية السورية أرض مطار دمشق الدولي.. الإجراءات في المطار تتم بصرامة وسرعة تسبقها شظايا زجاج متناثر أمام الواجهة الخارجية لصالة الوصول بشكل لا يمكن للعين أن تتجاهله حتى وإن كان العاملون بالمطار قد استبدلوه بنوع من المشمع البلاستيك الشفاف.. الشظايا باتجاه الخارج، أي أن اتجاه الضرب كان من الداخل.. والثقوب التي تمكنت من رؤيتها في الألواح الزجاجية التي لم تنهر، تشير بجلاء تام لحجم القذيفة المستخدمة.. إنها بقايا معركة انتصر فيها رجال الجيش من زمن قريب جدا بحيث لم يسمح الوقت باستبدال الزجاج.. وأقول انتصر لأن جدول الطيران في هذا المطار لم يضطرب وفي كل الرحلات المعلن عنها في لوحة الحركة مكتوب إلى جوارها: في الموعد.
وفي الطريق من المطار إلى قلب العاصمة لم أجد أثرا لأي مدرعة (تماما كما كانت الحال عندما تعرفت على سوريا ببدايات 2012 للمرة الأولى)، لكن نقاط التفتيش تجبر السائقين على التمهل للسير بشكل متعرج بين موانع إسمنتية لنحو 20 مترا ما يسمح للجنود باكتشاف أي حمولة مشبوهة حتى في غياب أجهزة الكشف عن المتفجرات.. وفي وسط البلد تتعايش أصوات الضجيج الصادر عن المقاهي وزحمة السير واصطفاف السيارات في الإشارات مع مزيج العوائق الإسمنتية والشائعات والنكات.. واحدة من هذه النكت روى لي أحدهم أن الرئيس استمع إليها وأنه ضحك منها.. تقول النكتة إنه بعد أن صدر عفو رئاسي عن المقبوض عليهم في أعمال الشغب والتظاهرات، حاول أحد المسئولين أن يقنع المفرج عنهم بالتوقيع على تعهد بعدم المشاركة في أي تظاهرات لمدة 3 سنوات .. فقال أحدهم: هل أفهم من ذلك أن الأسد باق 3 سنوات أخرى.. رجعوني!
النكتة الأهم سمعتها من خبير عسكري سوري قال لي: إن من فاتته أي حلقة من المسلسل السوري يمكنه الآن أن يتابع الإعادة في مصر .. فالمسلسل يعاد من أوله في سيناء، وفيما يبدو أنها لم تكن من بنات أفكاره وحده.. فقد أكد الرئيس السوري أن الجيشان السوري والمصري يقاتلان الآن وبعد 40 سنة من انتصار حرب أكتوبر (تشرين) عدوا واحدا.. وهذه المرة العدو من الداخل.. فهو عربي ومسلم، وأن الخيانة التي كانت تمارس سرا قد باتت الآن خيارا علنيا تمارسه الدول والأفراد.. وبالنظر إلى مجريات الأمور في المنطقة يكتسب كلام الأسد بعدا خطيرا.. فالجيوش العربية في العراق واليمن والأردن ولبنان ومصر وليبيا وتونس .. موضع تصويب التكفيريين الذين يحلو لهم تسمية أنفسهم بالأنصار لا المهاجرين.. فهم أنصار الشريعة في تونس وأنصار بيت المقدس في سيناء وجبهة النصرة في سوريا.. أما داعش (اختصار الدولة الإسلامية في العراق والشام) فهم أنصار الظواهري في أفغانستان، وهم الذين يقاتلون حاليا أنصارا مثلهم: يعني جبهة النصرة والأكراد والجيش الحر وطبعا بخلاف استهداف الجيش العربي السوري وفوق ذلك كل الشعب العراقي الذي تفجرت في عاصمته بغداد في يوم واحد 28 سيارة في ساعة واحدة.. كان يوم وصولي للعاصمة السورية.
في أسواق دمشق التقليدية وفي أحيائها الشعبية لا أثر يذكر لأي اضطراب من أي نوع.. برغم توافر أسباب الرعب.. فالناس يعد 30 شهرا اعتادت على أصوات التفجيرات ورشقات المدافع.. ويظهر سوق صرف العملات صراعا قاسيا ما بين الحكومة وتجار العملة.. فقد تم إغلاق ما لا يقل عن 3 شركات صرافة كبرى كانت تتعامل في الدولار والتحويلات بطرق مشبوهة في أسبوع واحد .. وخلال وجودى هبط الدولار إلى مستويات قياسية يوم الثلاثاء الأول من أكتوبر ليحقق 156 ليرة في السوق السوداء، لكنه عاود الارتفاع الخميس إلى 220 ليرة قبل أن يعلن مصرف سوريا المركزي عن التدخل بطرح 10 ملايين دولار في السوق لأغراض العمليات غير التجارية لكسر شوكة جشع التجار.. ناهيك عن التحذيرات المتوالية في السوق من وجود كميات ضخمة من الدولارات المزيفة.. بعض ذوي الصلة بسوق العملات أكد لي أنها مطبوعة على ورق يصعب تمييزه.. كونه معاد تدويره من ورق العملة العراقية القديمة التي كانت تحمل صورة صدام حسين وألغيت في أعقاب غزو العراق.. صنف جديد من الحرب لتركيع الاقتصاد السوري الذي تكبد خسائر فادحة على مدار الأزمة وهو واقع كشف عنه رئيس الوزراء قبل أن التقي الرئيس بشار بيوم واحد.
كنا في ضيافة الدكتور وائل الحلقي بمقر رئاسة الوزراء الذي لا يبعد 400 متر عن الغوطة الشرقية التي يتهم الغرب الحكومة السورية بأنها ضربت فيها المدنيين بغاز السارين يوم 21 أغسطس الماضي.. رئيس الوزراء قال لي إن اتجاه الريح الغالب في سوريا هو من الجنوب إلى الغرب.. واستخدام الغاز السام في الغوطة كان لابد أن يصيب رئيس الوزراء في مكتبه في ظرف 10 دقائق من إطلاقه.. لكن هذا لم يحدث.. لكن الأهم هو واقع حياة الناس في ظل الاستهداف المتصل للبنية التحتية في عموم سوريا، إذ توقفت الاستثمارات تماما وتخربت نحو ثلثي المستشفيات العامة في البلاد واستهدفت منشآت الكهرباء والنفط والغاز بما يجاوز في خسائره 2900 مليار ليرة سورية (16.5 مليار دولار بسعر الساعة التي كان يتحدث فيها رئيس الوزراء إلينا) وأن هذا الرقم مؤهل للنمو.. وأن عدد السوريين اللاجئين في دول الجوار (الأردن ولبنان وتركيا) هو حوالي 1.2 مليون سوري بخلاف اللاجئين إلى القاهرة الذين عاد منهم 100 ألف لسوريا أخيرا، والتحق أولادهم بالمدارس لأنهم لم يتمكنوا من مواصلة تعليم أبنائهم في مصر.. وأن في سوريا 2.5 مليون عامل بالقطاع العام يتقاضون رواتبهم قبل نهاية الشهر منذ اندلاع الأزمة لليوم دون انقطاع شهر واحد بمن فيهم أولئك الذين تخربت منشآتهم، وبالتالي يلزمون بيوتهم.
وأضاف أن الحكومة خصصت هذا العام 81.5 مليار ليرة كتعويضات للمتضررين من الأحداث من الذين تخربت بيوتهم أو تضررت سياراتهم، حيث تم رصد 37 ألف سيارة إما دمرت أو خطفت.. أما ما يشاع عن الدعم والمساندة من الخارج فلا أحد سوى إيران يتيح للدولة السورية خطوط ائتمان للسحب وقت الحاجة وأن مديونية سوريا لطهران لم تتجاوز بعد حد المائة مليون دولار .. طبعا بخلاف الإمداد بالوقود.. لكن يظل أخطر ما كشف عنه رئيس الوزراء السوري لنا هو: جزء كبير من الجيش الحر عاد هذا العام وانخرط في صفوف الجيش العربي السوري وقاتل واستشهد في القتال ضد التكفيريين!
أسرار مفاوضات الجيش الحر
هذه المعلومة الخطيرة جاءت بعد أن كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية جانبا من مفاوضات جرت ما بين مسئول رفيع بالحكومة السورية والجيش السوري الحر قبل 45 يوما وأن المفاوضات شملت ضمانات رئاسية بسلامة المفاوضين.. وقتها تذكرت لقاء وقع بيتي وبين رجل سوري، ثاني أيام زيارتي لدمشق في بهو الفندق الذي أقيم فيه جمعتني به صدفة غريبة.. حكى لي أنه كان وراء تسريب المعلومات للكاتب البريطاني روبرت فيسك.. المواطن السوري هو السيد بسام بركات.. وهو رجل أنيق الملبس والعبارة لا يخفي خوفه على بلاده من طول أمد الأزمة كما لا يخفي حنقه على فئة من الناس لا تريد لهذه الأزمة أن تحل، كون أولادهم في أمان بالخارج وكونهم يزدادون ثراء من الأحداث.. قد ذكر لي حرفيا أن 60 ألفا من مقاتلي الجيش الحر يشكلون نحو 90 لواء أغلبهم من المنشقين، عرض إلقاء السلاح مقابل بعض الضمانات باعتقال قائمة محددة من الشخصيات التي يعتبرونها فاسدة.. وأنه تدخل لدى شخصية مهمة بالرئاسة، وأن هذه الشخصية حظيت بموافقة الرئيس على ضمان سلامة المندوبين والاستماع لرغبتهم، خصوصا أن عرضهم جاء في أعقاب تلويح واشنطن بضرب دمشق.. وبعد أن أكدوا أنهم خدعوا من جبهة النصرة ومن الإخوان المسلمين وسيطرتهم على سليم إدريس الذي ينصب نفسه رئيسا لأركان جيش لا يعرف عنه شيئا، حيث تتألف الألوية من بضع عشرات لا تشكل سرية حقيقية وتتكاثر الألوية ليصل عددها إلى ما بين 1200 إلى 2000 مجموعة مستقلة.. وعزمهم على إلقاء السلاح والانضمام للجيش العربي السوري.. خصوصا بعد أن عرفوا أن إدريس ينسب بعض أعمال جبهة النصرة للجيش الحر .. وقال لي السيد بركات إن عريضة كتبوها رفعت للرئيس الأسد، وأنهم في المقدمة أكدوا أن منصب الرئاسة مقدس وأنه ليس موضع جدل من طرفهم.. وأنه يملك صورة ضوئية من ملاحظات الرئيس الأسد على هذه العريضة وكانت بخط قلم أخضر .. إذ كتب عند كلمة (مقدس) إن القداسة لله وحده .. وعند الأسماء التي اقترحوا اعتقالها بتهم فساد، كتب أن الأمر لا يملكه فالقضاء وحده هو من يحدد الفاسد ولابد من احترام القانون والمضي في الشكوى أمام القضاء، وأنه لا سبيل للتستر على فاسد .. وأن الأمر انتهى بأن بعضهم عرض إلقاء السلاح طوعا والاستفادة من العفو لكن البعض الآخر تشكك في نيات الحكومة خصوصا أن الجيش هاجم مناطق تمركزهم أثناء التفاوض.. منتهيا أن هناك من لا يريد للأزمة أن تحل برغم وجود اتجاه لدى الرئيس للعفو والدخول في مصالحة وطنية!!
وقبل أن أغادر مبنى مجلس الوزراء أكد لي الدكتور الحلقي (وهو طبيب توليد أصلا) أن هناك عملية قيصرية في سورية للمستقبل.. وأن حالة الجنين حتى الآن وبرغم الأزمة مطمئنة.. لكنه لم يخف قلقه على مصر.. وسأل عن الفريق أول عبد الفتاح السيسي.. هل يترشح للرئاسة أم لا.. وسأل أيضا عن عبد المنعم أبو الفتوح فهو طبيب مثله ويعرفه منذ كان رئيسا لاتحاد الأطباء العرب .. هل يترشح للرئاسة.. وكانت إجابتي أن المزاج الشعبي يدفع بقوة باتجاه قبول ترشح الفريق أول السيسي.. لكن الانتخابات الرئاسية لن تنعقد قبل البرلمانية وفق خارطة الطريق.
وفي المساء من اليوم ذاته.. ومن باب معايشة الواقع الذي أكد الأسد، أنه السلطة الأولى في البلاد.. كنت والوفد المشارك نتناول العشاء على أنغام عزف العود حول حمام سباحة في مطعم كبير في منطقة المزة الشرقية.. على بعد أمتار قليلة من منطقة داريا ومعضمية الشام الأخطر والأشد سخونة في العاصمة دمشق .. ومن حولنا عشرات العائلات السورية تتناول العشاء وبعضها يحتفي بأعياد ميلاد الصغار .. وبينما كان العاملون يهبطون بالأطباق.. كانت الانفجارات تهز أرجاء المكان .. المثير بالفعل: لا أصابع عازف العود ارتعشت ولا أحد من الصغار صرخ.. و لا امرأة جزعت.. كان الجميع يأكل وكأن الانفجارات من صنع عازف الإيقاع الذي لم يكن موجودا في المكان أصلا!
الحياة شبه طبيعية
ويمكن القول: إن الشعب العربي السوري فقد دهشته وخوفه من الانفجارات وسلطة الواقع باتت أكبر من الجميع الحكومة والمعارضة والمسلحين والتكفيريين وحتى أولئك الذين يحلمون بإزاحة السلطة لإعلان الخلافة.. والشعب العربي السوري كما هو يعيش حياته بنفس الزخم الذي عاش به لعشرات السنين قبل هذه الأزمة.. والأمثلة لا يمكن أن تحصى: الجامعات تزدخم بالطلاب والحديقة العامة مقابل المتحف الوطني تحتضن العائلات والعشاق والشعراء ودار الأوبرا لم تنطفئ أنوارها، وقد دعتنا السيدة لبانة حسن وزيرة الثقافة لحضور عرض لتخت شرقي كله من النساء.. وكلهن من خريجات معهد الكونسيرفتوار، قدمن على مدار ساعة ونصف الساعة رؤية موسيقية متطورة للتراث الغنائي العربي عكست تطور الفكر الموسيقي لدى جيل المبدعين الشاب في سوريا برغم التكفير وتحطيم أعمال النحت بما فيها تمثال الخليفة العباسي هارون الرشيد بمحافظة الرقة في ذات اليوم الذي حضرنا فيه الحفل الفني.. أيضا في واحدة من أسواق دمشق القديمة يسار محطة سكة حديد الحجاز وأمام المقر الجديد المؤقت لمحكمة ريف دمشق، حيث الحارات القديمة تكتظ المطاعم الفاخرة داخل البيوت العربية عالية القيمة الأثرية والمعمارية بعشرات العائلات التي لا تنقطع عاداتها في تناول الغداء والعشاء خارج البيت.. والحجز مقدما.. وفي الشوارع أسواق تشبه في زحمتها وضيق طرقاتها منطقة الموسكي بالقاهرة.. تتعالى فيه أصوات البائعين في الشوارع (السترة بألف ليرة و التي شيرت بستمية).. وعند جسر الرئيس وأمام الجامعة يتزاحم الناس لركوب الميكروسيرفيس.. وفي المحلات يباع كل شيء بعد استشارة من المحمول بشأن سعر الدولار في ساعة البيع، حيث ترتفع الأسعار فجأة مع ارتفاع الدولار، لكن عند انخفاضه يقول التجار إنهم اشتروا البضاعة وفق سعر الدولار القديم وبرغم سخط الناس وتعبيرهم (يعني مانك راحمنا وما راح تخلي رحمة الله تنزل علينا) فإن سلطة الواقع تؤكد أنه لا يوجد حتى وقت كتابة هذه السطور من مات من الجوع في سوريا.. فالناس تموت لأسباب متعددة، لكن لا أحد يبيت جوعاناً إلا المحاصرين في بيوتهم بفعل الاشتباكات.. حتى تتوقف.. وفي الصحف الكبرى كتشرين والثورة والبعث مازالت القصائد الشعرية العاطفية تتصدر الصفحات الأدبية في بلد يقول عنه الشاعر: في الشام تمشي السماء على الطرقات حافية.. فما حاجة الشعراء للوحي للأوزان والقافية.. أما رئيس تحرير صحيفة الوطن فيقول: إن صحيفته تخسر سنويا 2 مليون دولار يفعل ندرة الإعلان.. وكأنه لا يكفي أن العقوبات على سوريا شملت صحيفته وقناة الدنيا الفضائية وهي الحالة الأخطر في العالم لفرض عقوبات على الإعلام.. طبعا ناهيك عن موقف قمر النايل سات المصري من حجب القنوات السورية في زمن الإخوان!!
تلمس سلطة الواقع قادتني إلى مكتب وزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار الذي نجا بأعجوبة من 13 محاولة اغتيال بالسيارات المفخخة ودانات الهاون.. إنه رجل لا يبحث عن التكفيريين الإرهابيين في الجغرافيا وحسب.. وإنما أيضا في التاريخ، وهو صاحب ثقافة موسوعية ومعرفة واسعة بالأدب المعاصر، وقد رفض رؤيتي بأن التطرف الديني هو ابن شرعي للفقر والجهل.. مشيرا أن تجذر ثقافة الانبهار بالغرب والإحساس بالدونية الثقافية هما الأساس الذي تنبني عليه عمارات تخريب الشباب العربي في كل الدول التي شهدت ما يسمى بالربيع العربي الذي كان وبالا على المجتمعات التي شهدته.. وأن بيئة التطرف التكفيري باتت تتخذ من فرص الفوضى مرتعا لها، حتى إن سوريا باتت تشهد وجودا إرهابيا لتكفيريين من ليبيا وتونس والأردن والسعودية وحتى من مصر.
رؤية وزير الداخلية السوري لخلفيات الفوضى، تتطابق ورؤية سماحة المفتي العام للجمهورية السورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون، الذي أكد في أكثر من موضع أنه لا خوف على مستقبل سوريا، لأن شبابها هم من كشفوا زيف الربيع العربي المزعوم.. والواقع أن المسئولين في سوريا على مختلف الأصعدة يستشعرون النصر لمجرد أن المصريين كشفوا أقنعة الإخوان.. وأزاحوهم من السلطة ولا تزال كلمات (مرسي) بشأن توريط الجيش المصري في سوريا.. تؤلمهم.
لكن الرئيس بشار الأسد لا تبدو عليه المرارة ذاتها، فعندما جاء ذكر مصر في اللقاء أعاد التأكيد على وحدة المصير بين مصر وسوريا.. مشيرا أنه سبق أن حذر من النغمات التي سادت لفترة من الزمن (مصر أولا والعراق أولا والأردن أولا وهكذا ) وقال إنه وقتها أكد أن الأمر سينتهي بأن تكون (إسرائيل أولا) وهو ما شهده الواقع العربي أخيرا، وأنه في سياق الأزمة الأخيرة التي شهدتها سوريا فإن سوريا تقدر الدور الروسي الذي عمل من البداية على منع أمريكا من استخدام القوة.. وفي سياق إدارته للأزمة قال: إن أشد ما يكرهه هو النفاق.. وأن النفاق الغربي والأمريكي صورا لواشنطن انتصارا زائفا، بينما كانت سوريا واضحة في مواقفها منذ 2003 عندما دعت لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح الكيماوي.
وبينما كنت أتابع ما وراء كلمات الرئيس السوري الذي أظهر ثقة بالنصر دون أن يعلن ذلك.. وبينما تتزايد المؤشرات والبراهين على أن الجماعات المسلحة تنتحر بقتال بعضها بعضا دون أن يرى أحد في دمشق أن هذه هي المحطة الأخيرة للهزيمة.. وبينما يطال العنف الجميع في أرض الشام.. وبينما تتزاحم الانطباعات في رأسي عن الرجل الذي أثار ولا يزال يثير الجدل في كل أنحاء العالم.. انتبهت إلى الطاولات ثمانية الأضلاع المتناثرة أمامنا.. إذ كان محفورا عليها من كل الجهات العبارة ذاتها: لا غالب إلا الله.
دمشق تنتصر فى معركة الكيماوى.. وروسيا تتهم السعودية
كان المفتشون الدوليون قد غادروا دمشق يوم وصولى ومن بعدهم وصل صباح الاثنين خبراء الوكالة الدولية من أجل تفكيك السلاح الكيماوى السورى، وبرغم أن هذه الأزمة قد تم تصويرها فى الإعلام الغربى على أنها انتصار لإرادة واشنطن فإن المزاج العام فى دمشق كان على يقين من أن كل ما جرى كان انتصارا سياسيا بارعا للآلة الدبلوماسية السورية للرئيس الأسد شخصيا.
لكن رغم ذلك ظلت هناك مناطق غامضة فى قصة «الكيماوى السورى»، وبالذات التصريحات التى خرجت عن الخارجية الروسية التى تؤكد ضلوع السعودية فى حادث الغوطة الشرقية، وأن المادة تسربت من الأردن ليتم التنفيذ كما لو أن الدولة السورية تزاول الخداع العلنى للعالم، خصوصا أن ما جرى حدث أثناء وجود طاقم للمفتشن الدوليين فى دمشق. ومن المناطق الغامضة التى حدثنى عنها أحد الضباط السوريين السابقين، ما يتعلق بطبيعة المادة المستخدمة، إذ أكد لى هذا الضابط أن المادة لم تكن غاز السارين، وإنما مادة أخرى كيماوية ضارة. غاز الكلور النقى الذى يستخدم فى معالجة مياه الشرب، حيث أشار إلى ملحوظة لم يلتفت إليها أحد.
فالمصابون بالاختناق عادة يتم شق ألبستهم من الصدر لتتمكن الرئة من التنفس بحرية، بحيث يتم تخفيف تركيز الغاز داخل الشعب الهوائية، بينما الضحايا الذين تم تصويرهم تمت تعرية بطونهم لتتمدد بشكل أفضل أثناء الانتفاخ، ما يؤكد أن المادة المستخدمة لم تكن غاز السارين.
الأكثر إثارة أن هناك دلائل لدى شهود عيان على أن الضحايا الذين تم تصوير جثثهم فى الغوطة الشرقية فى دمشق هم أصلا من اللاذقية، ويشاع أن عددا من المواطنين طلبوا من المفتشين أخذ عينة من الحامض النووى للجثث ومطابقتها من أجل تحديد هويتهم، لكن المفتشين رفضوا.
وعندما غادرت دمشق كان الخبراء قد نجحوا فى تدمير رؤوس صاروخية كيميائية لتبدأ عملية تستغرق وفق الخبراء 12 شهرا بتكلفة مليار دولار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.