ما إن بدأت طبول الحرب تدق ضد النظام السوري على خلفية المجزرة الكيماوية, التي ارتكبها في الغوطة الشرقية بريف دمشق في 21 أغسطس, إلا وتساءل كثيرون عن القدرات العسكرية للرئيس بشار الأسد, وما إذا كانت قادرة على الصمود طويلا أمام الضربات الجوية والبحرية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن. ويبدو أن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن لم يتأخر كثيرا في الإجابة على تلك التساؤلات, حيث كشف عن تراجع قدرات الجيش النظامي السوري إلى النصف منذ بداية الثورة السورية في مارس 2011، لكنه ما زال نظريا واحدا من أقوى الجيوش في العالم العربي. وحسب نسخة 2013 من نشرة "الموازين العسكرية" التي يعدها المعهد المذكور, فإن تعداد الجيش النظامي السوري يبلغ نظريا 178 ألف رجل, منهم 110 آلاف في سلاح البر، وخمسة آلاف في سلاح البحر، و27 ألفا في سلاح الجو، و36 ألفا للدفاع الجوي. وجاء في النشرة أن القدرات النظرية للجيش النظامي السوري قبل الحرب تراجعت بسبب عمليات الانشقاق والفرار والخسائر التي لحقت به, مشيرا إلى أن تعداده في 2009 كان يبلغ 325 ألف رجل ، منهم 220 ألفا في سلاح البر. وأضافت نشرة المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن أن معظم تشكيلات جيش الأسد قد تأثرت, حيث اختفت بعض الألوية، إما لأنها كانت تعتبر غير جديرة بالثقة سياسيا أو بسبب الخسائر الفادحة, التي لحقت بها. وبسبب الفوضى التي تجتاح سوريا، يعتبر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أنه لم يستطع تحديد عدد عناصر القوات الخاصة الموالية للأسد, التي تقوم بدور كبير في المواجهات ضد مسلحي المعارضة. ففي 2009، كان عددهم يقدر ب 108 آلاف، منهم ثمانية آلاف في الدرك, الذي يأتمر بسلطة وزارة الداخلية، ومائة ألف في الميليشيا الشعبية لحزب البعث الحاكم منذ 1963. وتعتبر فعالية القوات الخاصة المؤلفة خصوصا من العلويين "الطائفة التي ينتمي إليها الأسد"، والحرس الجمهوري أكبر من فعالية الجيش النظامي السوري عموما. وبالنسبة إلى قوات الاحتياط، فإن عددهم في سلاح البر كان في 2009 يبلغ 314 ألف رجل، والبحرية أربعة آلاف، وسلاح الجو عشرة آلاف، وقوات الدفاع الجوي عشرين ألفا. وفيما يتعلق بسلاح البر, فإنه يتشكل من سبع فرق مدرعة، وثلاث فرق مشاة تستخدم الآليات وفرقتين للقوات الخاصة، وفرقة للحرس الجمهوري، الذي أنشئ في 1976 ,ومهمته حماية دمشق. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن قوله أيضا في 27 أغسطس إن عدد قوات النخبة, التي يستطيع النظام أن يثق بها يناهز خمسين ألف رجل، إذا ما أضيفت إليها القوات الخاصة والحرس الجمهوري والفرقتان الثالثة والرابعة. وبالنسبة للعتاد, فإن الجيش النظامي مجهز بعتاد روسي، وكان بحوزته قبل الثورة 4950 دبابة. وأوضحت نشرة "الموازين العسكرية" أيضا أن هذا الرقم قد تراجع كثيرا خلال الحرب الأهلية. وأضافت النشرة أن جيش الأسد كان يمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ وقيادتها في حلب شمالي سوريا,. كما كانت البحرية تمتلك في 2009 فرقاطتين, وسلاح الجو 356 طائرة مقاتلة, ومعظمها سوفيتي الصنع, وتراجعت هذه الأرقام بعد الحرب الأهلية. وأكد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن أيضا أن "مستوى قدرة جزء كبير من الأسطول الجوي لجيش الأسد ضعيف على الأرجح". أما قوات الدفاع الجوي, فلم تتأثر كثيرا على ما يبدو بالمعارك، وفي حوزتها آلاف الصواريخ أرض-جو الروسية الصنع، والبعض منها جديد وفعال. وبالنسبة للتحالف الدولي, الذي يتأهب لتوجيه ضربة عسكرية لدمشق, تقوده الولاياتالمتحدة وتشارك فيه دول غربية عدة مثل فرنسا وبريطانيا ويحظى بدعم دول في المنطقة مثل تركيا. وبسبب معارضة روسيا، لن يكون الضوء الأخضر من الأممالمتحدة ضروريا للتدخل عسكريا في سوريا, وبالتالي ستقود العملية بعض الدول المجتمعة تحت راية "تحالف المتطوعين" أو "كواليشن أوف ذي ويلينغ" لتحقيق هدف محدود هو معاقبة نظام الأسد بضربات محددة لاستخدامه السلاح الكيمياوي ضد المدنيين, وليس إطاحته. وتحرك عسكري محدد لا يتوقع أن يلقى معارضة سياسية كبيرة في الدول الثلاث المعنية، وهي الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا, كما أنه يتجاوب مع مصالح إسرائيل في بقاء نظام الأسد, الذي طالما حافظ على الهدوء في الجولان السوري المحتل, بالإضافة إلى هذا التحرك المحدود يأخذ في اعتباره وقوف إيرانوروسيا مع الأسد, وعدم الرغبة في إشعال حرب إقليمية أو عالمية في حال اتساع نطاق التدخل العسكري ضد الأسد. ويبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قادر وحده على اتخاذ قرار تنفيذ ضربات جوية من دون موافقة الكونجرس, الذي يتوقع أن يستأنف نشاطه في 9 سبتمبر المقبل, لكن على أوباما إطلاع الكونجرس بالأمر. أما في بريطانيا, فقد استدعى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون البرلمان للتصويت في 29 أغسطس على "رد مناسب" على الهجوم بالأسلحة الكيمياوية في الغوطة الشرقية. وفي فرنسا, حيث أيد الرئيس فرانسوا هولاند "ردا مشتركا" للدول الغربية، فإن تحركا عسكريا محدودا لا يستلزم تدخل البرلمان. ولا تنوي ألمانيا المشاركة عسكريا قبل أقل من شهر على موعد الانتخابات التشريعية, لكن وزير خارجيتها غيدو فيسترفيله أكد أن بلاده ستوافق على "تحرك" محتمل للأسرة الدولية ضد سوريا. أما تركيا الدولة المجاورة لسوريا, حيث يقيم أكثر من 400 ألف لاجئ سوري, فقالت إنها مستعدة للانضمام إلى تحالف دولي حتى في غياب إجماع في الأممالمتحدة. كما استشار التحالف الغربي المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة الداعمة للمعارضة السورية، حول عملية عسكرية محتملة ضد الأسد. أما الأردن, الذي يقيم على أراضيه أكثر من 500 ألف لاجئ سوري، فقد قال في العلن إنه لا يريد أن يستخدم قاعدة لإطلاق التدخل العسكري ضد سوريا, إلا أن قادة جيوش التحالف الدولي اجتمعوا على أراضيه قبل أيام للتنسيق للتدخل العسكري, كما توجد على أراضيه قوات أمريكية. وذكرت قناة "الجزيرة" أن الدول المعنية بالتدخل العسكري في سوريا ستركز على وسائل عسكرية جوية وبحرية لمعاقبة الأسد. ويتوقع أن يبدأ التدخل العسكري بتنفيذ هجمات محددة بواسطة صواريخ تطلق من البحر على مستودعات ذخيرة أو بنى تحتية استراتيجية. وللقيام بذلك, تنشر الولاياتالمتحدة أربع مدمرات في البحر المتوسط "يو أس أس ماهان ورماج وباري ويو أس أس غرايفلي" المجهزة بصواريخ توماهوك. ويمكنها الاعتماد على قاعدتي إزمير وإنجرليك الجويتين في تركيا. كما أن عدة سفن تابعة لقوة التدخل السريع ال26 في مشاة البحرية الأمريكية راسية حاليا في ميناء في الإمارات وحاملة الطائرات "ترومان" في شمال المحيط الهندي. وبالنسبة لفرنسا, فإنها تملك غواصات هجومية مع صواريخ عابرة يمكن إطلاقها من طائرات "صواريخ سكالب". وتضم التجهيزات البحرية الفرنسية في البحر المتوسط أيضا فرقاطات حاملة للمروحيات, كما تنشر باريس أيضا طائرات في جيبوتي "سبع طائرات ميراج 2000", وفي أبو ظبي "ست طائرات رافال". وتستطيع بريطانيا أيضا نشر غواصة قاذفة لصواريخ عابرة, ما يشكل أكبر مساهمة لها في العملية العسكرية. وتقوم حاليا سفن بريطانية بمناورات في البحر المتوسط، حاملة مروحيات وفرقاطتان, لكن لا يمكن لأي من هذه السفن إطلاق صواريخ, كما أن لسلاح الجو الملكي البريطاني قاعدة عسكرية في قبرص. وتنشر تركيا أيضا عند حدودها أنظمة باتريوت الدفاعية المضادة للصواريخ التي زودتها بها الجيوش الأمريكية والألمانية والهولندية في إطار حلف شمال الأطلسي "الناتو" لحمايتها من مرمى صواريخ سورية محتملة. وإيطاليا, رغم معارضتها لتدخل من دون تفويض من الأممالمتحدة, لم تستبعد أن تضع في تصرف حلفائها قواعدها الجوية. ويجمع محللون عسكريون أن الضربة المتوقعة ستكون لمعاقبة الأسد على استخدامه "الكيماوي" وليس لإسقاطه، مرجحين التركيز على استخدام الطائرات والصواريخ، لضرب أهداف عسكرية داخل سوريا, انطلاقا من حاملات طائرات في البحر المتوسط. وكانت واشنطن أكدت في 28 أغسطس جاهزيتها لتوجيه ضربة لسوريا, فيما أبلغت قوى غربية المعارضة السورية أن موعد الضربة مسألة ساعات أو أيام وقد يكون في 29 أغسطس. وفي مقابلة تليفزيونية مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"أثناء زيارة لبروناي, أكد وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل أن الجيش الأمريكي جاهز لتوجيه ضربة لسوريا فور تلقيه أمرا بذلك من الرئيس باراك أوباما. وتابع هيغل "حركنا قطعا حتى تتمكن من التنفيذ والامتثال لأي خيار يود الرئيس أوباما اتخاذه". وجاءت تصريحات هيغل بعد أن كان البيت الأبيض ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري أكدا في وقت سابق أن أسلحة كيمياوية استخدمت بالفعل في الغوطة الشرقية في 21 أغسطس, ما أسفر عن مقتل 1400 سوري على الأقل, معظمهم من الأطفال, ووجها اتهامات مباشرة لنظام دمشق بالوقوف وراءها. وقد اتسقت تصريحات عدة لقادة غربيين مع هذا الخطاب الأمريكي، لتعلن عن استعدادات غربية جدية باتجاه شن ضربة عسكرية ضد النظام السوري. وقال البيت الأبيض إن الرئيس باراك أوباما أجرى في 28 أغسطس اتصالا هاتفيا ثانيا مع رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون في إطار سلسلة مشاورات دولية حول التطورات على الساحة السورية. وفي السياق ذاته, أعلن متحدث باسم كاميرون أن القوات المسلحة البريطانية تضع خططا لعمل عسكري ضد الأسد. وقال المصدر ذاته ل "رويترز" إن كاميرون شدد على أن أي قرار سيتخذ سيكون في إطار عمل دولي صارم. وكان كاميرون قطع عطلته في 27 أغسطس ليعود إلى لندن، لمتابعة الموضوع السوري، كما دعا البرلمان إلى قطع عطلته الصيفية, لبحث الرد في سوريا. وفي أنقرة, وصف وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو شن هجوم بالغاز السام بريف دمشق بأنه يمثل "جريمة ضد الإنسانية" واختبارا للمجتمع الدولي. كما أكد مصدر مسئول في حلف شمال الأطلسي "الناتو" أن أعضاءه يرصدون عن كثب تطورات الأوضاع في سوريا, وأنه تأكد بوضوح استعمال الأسلحة الكيميائية في هذا البلد, وهو ما يشكل خرقا للقانون الدولي. ومن جانبه, قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 27 أغسطس إن إسرائيل "سترد بقوة" في حال مهاجمة سوريا أو إيران لها، وأضاف في بيان عقب إجراء مشاورات أمنية في تل أبيب "إسرائيل مستعدة لجميع السيناريوهات, نحن لسنا طرفا في الحرب الأهلية في سوريا, ولكن إذا حصلت أي محاولة للاعتداء علينا, فإننا سنرد وسنرد بقوة". وكانت روسيا إلى جانب حليفي نظام دمشق, الصين وإيران, واصلوا التحذير من أي تصعيد عسكري، وقالت موسكو إن له "عواقب كارثية", داعية واشنطن للتحرك ضمن القانون الدولي. كما حذرت إيران الغرب من أن أي هجوم عسكري ضد سوريا، ستكون له عواقب خطيرة على المنطقة، وأن التعقيدات والعواقب المترتبة على الهجوم المحتمل لن تقتصر على سوريا, بل ستشمل المنطقة كلها. وبدورها, قالت الصين إن أي هجوم على سوريا سيكون خطيراً وغير مسئول، وإنه ينبغي على العالم تذكر كيف بدأت حرب العراق بادعاءات أمريكية "زائفة" حول وجود أسلحة دمار شامل فيه. ومن جانبه, أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن بلاده لديها أدوات دفاع ستفاجئ بها الآخرين في حال تعرضها لهجوم غربي، وتحدى الذين يتهمون سوريا باستخدام السلاح الكيمياوي في ريف دمشق أن يقدموا أدلتهم للرأي العام, وأضاف أن "أي عدوان على دمشق سيخدم إسرائيل وجبهة النصرة الإسلامية السورية المتشددة". ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عن المعلم قوله في مؤتمر صحفي بدمشق في 27 أغسطس إنه لا يجزم بحدوث ضربة عسكرية لبلاده، لكن في حال قيامهم بضربة عسكرية, أمام سوريا خياران, إما الاستسلام أو الدفاع عن نفسها. وتابع أن ما يجري في سوريا والعراق هو تنفيذ لسياسية مرسومة من عام 2009 للوصول إلى طهران، وأضاف "لذلك فإننا, والإيرانيين في خندق واحد". ويجمع كثيرون أن الأسد استغل انشغال العالم بالأزمة المتفاقمة في مصر لتنفيذ المجزرة" الكيماوية" في الغوطة الشرقية, خاصة بعد تقدم الثوار بشكل كبير في العاصمة دمشق.