دينا ريان جئت يا يوم مولدى، جئت يا أيها الشقى، إلخ!! فى وسط هذا الخضم المتلاطم من الأحداث الدموية والقتل والذبح والسحل قابلته، فتذكرت أغنية فيروزية قديمة، لكنها لا تزال تسبح فى مشاعرها وهى تبحث عن التائه من ماضيها الذى يشبه حاضرها، مملوءا بالقتل والذبح والسحل النفسى كثيرا والأحاسيس والمشاعر دائما من القريب قبل الغريب. ذاك الماضى المملوء بالخداع والخيانة واللطم واللطمات وضياع الأب مقتولا أو شهيدا والله أعلم، هذا السند والفارس الصديق الذى كان يفهم دموعها فيعطيها القدرة على النهوض فى مواجهة الطعنات وإلخ، من الحواديت التى تشبه روايات يوسف السباعى وإحسان عبد القدوس وغيرهما، يقرأها البعض فيظنها مجرد روايات ولا يعلمون أن القدر يرسم ويكتب حواديت أكثر رومانسية فى كل الأزمنة «فشر» عنتر وعبلة، وروميو والست جوليت ومنها «حدوتتها» الخاصة التى كلما قرأتها تبكى وتضحك بكوميديا سوداء مثل كوميديا نجيب الريحانى البكائية حتى انقلبت حياتها الرومانسية الرقيقة إلى كلمات ساخرة تقطر دما. يضحك الآخرون عليها ويتركون ضحيتها أشلاء مثل الطماطم فى مصفاة ست البيت وهى لا تزال تصنع الطبيخ المسبك لبعلها حتى انتفخ كرشه وأصابته أمراض العصر بدءا من الكوليسترول وصولا إلى الكساح والبرى برى. استمرت حياتها من بره كوميدية ومن الداخل رومانسية رقيقة لا يراها أحد، وكيف يراها وهى تغطيها برداء السخرية والمسخرة، وعلى رأى المثل من بره هللا هللا ومن جوه يعلم الله. وفى يوم ميلادها وميلاده نفس الشهر الخريفى وأوراق سبتمبرية رمادية الشكل والإحساس قابلته. وعادت بداخلها النغمات الرومانسية لتكشف عنها لا إراديا فجأة وتسأله بعنوان أغنية فيروز «كيفك أنت؟»، وإذا به يرد قبل أن تسترسل فى بقايا تفاصيل الأغنية ليقول لها: أنا "مفروس منك".! ولأنها تعودت على اللطمات والصدمات وبنفس الأسلوب اللا إرادى، سترت رومانسيتها بسرعة الفيمتو ثانية وبإلحاح، ثم ردت عليه: مفروس منى ليه يا أخى وصديقى وتوأم الأيام والكفاح والعشوائيات والروح من جيلى الذى عاش حياته ظالما لنفسه، مظلوما من الآخرين من القريب والغريب حتى دخلنا فى دوامة الحيران التائه نشك فى أنفسنا لأننا نشك فى بعضنا بعضاً، وأنت منى وأنا منك، واسترسلت تسرد تفاصيل الأغنية الفيروزية السبتمبرية وتقول: كيفك قال عم بيقولوا صار عندك ولاد وأنا والله كنت مفكرتك برات البلاد، شو بدى بالبلاد، الله يخلى الولاد كيفك أنت ما لا أنت، إلخ. لكنه لم يرق ولم يتذكر ولم يشفق ولم يعطف ودخل بها فى تفاصيل الخلاف السياسى والفكرى والمذهبى، رافضا الخلاف والاختلاف الذى لا يجب أن يفسد الود والأيام والمشاعر وسنوات العمر الذى راح واتفرم ثم أشاح بوجهه، تاركا إياها مرددا مصمما على القطع والقطيعة والقضاء على الثوانى المتبقية قائلا:«أنا مفروس منك» فى سرها استعطفته وقالت بعيدا عن الفيروزية واتشقلبت على ماجدة الرومى «كن صديقى»، معلنة العصيان والتمرد الذى طالما رفضه حتى فرقتهم الأيام والأحداث وقالت فى سرها على أمل لن يتحقق «كن صديقى»، ربما الصداقة تحتمل الخلاف والاختلاف الذى لا يفسد الود ولا يقضى على المشاعر الصادقة النادرة فى هذا الزمن، تركتها فى الخريف، تردد صارخة كن صديقى.. كن صديقى.. كن صديقى قبل أن يقبل الشتاء ويقضى على خريف العمر.