محمد محروس لا تكاد البورصة المصرية تستعيد عافيتها من أي حدث سياسي أو أمني حتى يفاجئها حدث آخر يؤثر على نفسية المتعاملين ويدفع المؤشرات نحو التراجع، فمبجرد عودة حالة التفاؤل للمستثمرين بعد ثورة 30 يونيو حتى عاودهم التشاؤم بسبب تداعيات فض اعتصامي رابعة والنهضة. ومع استعادة الهدوء وانحسار التظاهرات الإخوانية بالشوارع والميادين خلال الأسابيع الأخيرة، جاءت التهديدات بالضربة الأمريكية لسوريا لتدفع بالسوق من جديد نحو المنطقة الحمراء..ويرى خبراء ماليون واقتصاديون أن توجيه ضربة لسوريا من شأنه إصابة البورصات العربية ومن بينها مصر بتراجع شديد، لاسيما مع توقعات بامتداد الأزمة لخارج دمشق لتؤثر على اقتصاديات المنطقة برمتها، خصوصًا الاستثمار بشقيه المباشر وغير المباشر، علاوة على ارتفاع تكلفة التأمين الخاصة بالنقل والشحن. وأضافوا، أن البورصة المصرية أنهت تعاملاتها، الثلاثاء الماضى 3 سبتمبر الحالي، الذي تزامن مع تصاعد التهديدات الأمريكية، على انخفاض بنسبة 2.04 ٪ ليفقد مؤشرها الرئيسي "egx30" 111 نقطة مغلقًا على 5338 نقطة، وليخسر رأسمالها السوقى نحو 5.2 مليار جنيه، بعد أن سجل 357.1 مليار جنيه مقارنة ب 362.3 مليار في جلسة التداولات التي تسبقها. ويؤكد محمد النجار، المحلل المالى ورئيس قطاع البحوث والاستثمار بشركة المروة لتداول الأوراق المالية، تأثر البورصة المصرية كغيرها من بورصات المنطقة بالضربة الأمريكية المتوقعة لسوريا، لافتًا النظر أن تلك الضربة سيكون لها متغيرات اقتصادية في مقدمتها التأثير على أسعار النفط والذهب. وهبطت بورصات الشرق الأوسط لأدنى مستوياتها في شهرين، الأربعاء الموافق 4 سبتمبر الحالي، وسط تحركات أمريكية مكثفة لاتخاذ خطوة نحو توجيه الضربة للنظام السوري بسبب الاستخدام المزعوم للغازات السامة التي أسفرت عن مقتل المئات، بجانب تأييد عضوين بارزين في الكونجرس لتوجيه الضربة الأمريكية. وأضاف النجار أنه عند تناول تأثير الضربة الأمريكية لسوريا لابد من الحديث عن ثلاث مراحل، أولاها ما قبل الضربة والثانية تتعلق بالتنفيذ الذي قد يستمر لتسعين يومًا وفقًا للتقارير الأمريكية، والمرحلة الثالثة تتضمن ما بعد الحرب، وبالنسبة للمرحلة الأولى فستعاني خلالها البورصة من حالة تذبذب بالأسعار وانخفاض أحجام التداول، ومخاوف من قبل المستثمرين وترقب لأي تطورات جديدة، بينما تشمل التالية لها انخفاض حاداً وتراجعاً كبيراً بأحجام التداول، وبالنسبة للمرحلة الثالثة فتشهد مرحلة الارتداد وعودة الأمور لما كانت عليه. وأوضح أن مرحلة ما بعد سوريا تشهد عدة متغيرات أولها "اقتصادية" تتعلق بجهود إعادة الإعمار وإعادة تشغيل الاقتصاد، والثانية "سياسية وعسكرية" حيث ترتبط بإعادة تشكيل المنطقة فيما بعد الحرب، خصوصًا إذا تحولت إلى معركة إقليمية دخل فيها أطراف جدد كإيران وروسيا مقابل أمريكا وفرنسا حاليًا. كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد اتهم النظام السوري بقتل المئات بغازات سامة، في هجوم على الغوطة الشرقية بريف دمشق في 21 أغسطس الماضي، قائلاً إن الصمت إزاء ذلك الهجوم قد يؤدي لتصعيد استخدام الأسلحة الكيماوية أو وصولها لمنظمات إرهابية، فإن أوباما عاد وأرسل إلى الكونجرس رسميًا، مشروع قرار يطلب فيه السماح بتوجيه ضربات عسكرية ضد سوريا وإعطائه الضوء الأخضر لما أسماه ب "تجنب" حدوث هجمات كيماوية. وأشار المحلل الفني أن البورصة المصرية كان أداؤها جيدًا بعد ثورة يونيو، فخلال شهر رمضان الذي أعقب الثورة، شهدت تحركًا عرضيًا بين "5300 و5450" نقطة، ثم انتقلت إلى منطقة تتراوح بين "5450 و5650" في فترة ما بين رمضان وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ثم وصلت إلى "5300 و5450" نقطة بمرحلة ما بعض الفض، إلا أن أحداث سوريا كان لها التأثير الأقوى على جميع الأسواق المالية، ومن بينها مصر حيث هبط مؤشر الأخيرة لما دون ال 5300 نقطة. وربحت البورصة المصرية نحو 35.3 مليار جنيه، فى الشهر الأول بعد ثورة 30 يونيو، حيث سجل رأسمالها السوقي نحو 356.9 مليار جنيه مقارنة ب321.6 خلال يونيو السابق عليه، وذلك بارتفاع قدره 11 ٪، إلا أنها عادت وخسرت 2.15 مليار جنيه في أغسطس بسبب تداعيات فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ثم 2.4 مليار جنيه في الأيام الأولى لشهر سبتمبر ليصبح صافي ما ربحته منذ ثورة يونيو وحتى الخامس من سبتمبر نحو 30.7 مليار جنيه. وتوقع النجار أن ترتد البورصة المصرية في مرحلة ما بعد الضربة العسكرية إلى سوريا لتتحرك بين "5300 و5450"، مشيراً أن المتغيرات الداخلية ربما تحمل تأثيرًا أيضًا كالدستور الذي تقوم لجنة الخمسين بتعديله حاليًا أو الأوضاع السياسية والأمنية على الأرض، إلا أن الملف السوري سيكون له التأثير الأكبر في المعادلة. ويقول الدكتور أيمن متولي، رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إنه كلما زادت فترة عدم الاستقرار ولاحت نذر الحرب بالمنطقة، يقل دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو غير المباشرة المتمثلة في الاستثمار بسوق المال، مضيفًا أن الحرب السورية تفقد دول المنطقة قدرتها على جذب الاستثمارات، خصوصًا في ظل حالة الضبابية التي نشهدها حول تفاصيل الضربة ومدتها والقوى المشتركة فيها. وأوضح أن مصر توجد بها حاليًا حكومة انتقالية يُفترض أنها ترتب الأوضاع وتهيئ الأجواء والتغييرات اللازمة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي نعاني منها، فإن عدم استقرار الأوضاع بالخارج والداخل بذات الوقت من شأنه أن يزيد الأمور صعوبة..وتراجع رأس المال السوقي لأسهم الشركات المقيدة بالبورصة خلال تعاملات الأسبوع الأول لتعاملات شهر سبتمبر الحالي، الذي شهد تصعيد التهديدات الأمريكية بضرب سوريا، بقيمة 2.4 مليار جنيه ليسجل 352.3 مليار جنيه، مقارنة ب 354.7 مليار جنيه خلال الأسبوع السابق. ولفت متولي النظر إلى وجود حالة تخارج من قبل المستثمرين والمؤسسات الأجنبية بسبب سوء الأوضاع، فلا استثمار دون استقرار وأمن، كما أن البورصة مرآة للاقتصاد الذي يعتبر هو والسياسة وجهين لعملة واحدة، مشددًا على ضرورة توافر الأمن والاستقرار والسياسات الاقتصادية واضحة المعالم التي تساعد على جذب الاستثمارات. وأوضح أن البورصة ليست المتغير الأساسي للاقتصاد لكنها تابع، بمعنى أنه لو تم التغلب على معوقات الأنظمة السابقة كسوء توزيع الدخل والثورة ومراعاة البعد الاجتماعي والقضاء على الفساد الإداري والمالي ستكون مصر رشحة لتحقيق نهضة اقتصادية والتخلص من الوضع الحالي الذي تضطر فيه لدفع فاتورة حكم الإخوان، وبالتالي ستنتعش البورصة. وشدد على أن اقتصاد مصر لديه مقومات النهوض، فهي ليست دولة فقيرة الموارد كما أشيع في الخمسينيات والستينيات، حيث استطاعت أن تحتل مراتب متقدمة في خدمات التعهيد بحكم الموقع المتوسط بجانب امتلاكها قناة السويس وقدرتها على جذب استثمارات أجنبية وصلت إلى 42.2 مليار دولار خلال الفترة مابين عامي 2005 و2009 بما يعادل 8 مليارات دولار سنويًا. أما المحلل المالى مصطفى عادل، مدير عام شركة إيفا لتداول الأوراق المالية، فقال إن الاقتصاد المصرى سيتأثر مع توجيه أول ضربة جوية لسوريا حيث سترتفع أسعار برميل البترول الخام لأكثر من 160 دولارًا بما يحمل مردودًا على أسعار السلع عالميًا، بما فيها السلع الغذائية، كما تتضمن تأثيرًا على دعم الوقود فى مصر..وأضاف أن كل الشركات الكبرى والتى كانت تمثل الأغلبية المقيدة فى المؤشر الرئيسى "EGX30" خرجت من البورصة وأصبح البنك التجارى الدولى قائدًا للمؤشر، ويتأثر ذلك السهم بتخفيض تصنيفه الدولى مع قطاع البنوك ككل، موضحًا أن القطاع المصرفى المصرى ظل قويًا برغم تخفيض التصنيف الائتمانى له وللاقتصاد المصرى كله بسبب القروض التى منحها للدولة بشراء السندات لأنها آمنة منعدمة المخاطر، علاوة على نسبة الفائدة التى تعدت ال15 ٪ مما جعل قطاع البنوك الأقوى والداعم للاقتصاد المصرى. وشدد عادل على أن القرارات الحكومية الأخيرة لتنشيط عجلة الاقتصاد ومنها دفع مستحقات مقاولى مشروعات القطاع العام مفيدة حال اقترانها بطرح مشروعات حكومية استثمارية جديدة تسهم البنوك العامة فى رأسمالها بجانب طرح أسهمها بالبورصة قبل إعلانها لتسهم فيها أموال المستثمرين بالبورصة فى هيئة اكتتاب عام. ويكتفي أحمد فايق، المحلل الفني ورئيس مجلس إدارة شركة البيت الأبيض لتداول الأوراق المالية، بالتأكيد أن التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا أثر على السوق المصرية، فإن حجم التأثير غير واضح حاليًا في ظل حجم التداول الضعيف الذي تشهدها البورصة بالفترة الأخيرة، والذي لا يمكن أن تعطينا مؤشرات واضحة حول حجم ذلك التأثير. ويوافق أحمد عبدالعال، المحلل الفني، الآراء السابقة، قائلا:ً إنه في أول يوم تداول أعقب إعلان الولاياتالمتحدة عزمها توجيه ضربة لسوريا هبطت البورصات العربية من بينها مصر، إلا أنه استدرك موضحًا أنه حال توجيه أمريكا ضربة سريعة لن يكون التاثير كبيرًا. وأضاف أن خروج الأجانب من السوق مرهون أكثر بالأوضاع المصرية الداخلية، حيث جاء إطاره الزمني قبل التهديدات الأمريكية لضرب سوريا خصوصًا بعد أحداث العف التي تمت بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة خصوصًا أحداث رمسيس، حتى إن الأجانب سجلوا في الأسبوع الأخير لشهر أغسطس الماضي صافي بيعي يبلغ 11 مليون جنيه. وسجل الأجانب مبيعات صافية بقيمة 111.9 مليون جنيه في الأسبوع الأخير لشهر أغسطس الماضي مقابل 11.9 مليون جنيه صافي بيعي للعرب حينها، بينما سجل الأجانب، في الأسبوع الأول لشهر سبتمبر، صافي بيعي 1.85 مليون جنيه مقابل مشتريات صافية للعرب ب 2.17 مليون جنيه. وأضاف عبدالعال أن الفترة الماضية شهدت رغبة من العرب في دخول السوق المصرية بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، حيث سجلوا مشتريات ملحوظة بقطاع "الأقطان" الذي لاتحرك إلا بالعرب الذين يتسمون بمخاطرة من الأجانب، إذ يبحثون عن فرص استثمارية بالمناطق التي تشهد أزمات ويُتوقع استقراها قريبًا من أجل جني المكاسب والأرباح فيما بعد. ووفقًا لعبدالعال، فإن 95 % من العاملين والمستثمرين بالبورصة المصرية يرحبون بعزل مرسي ولديهم رغبة في دولة مدنية، مضيفًا أن أية أحداث تشهدها مصر حاليًا يكون تأثيرها وقتياً والضربات التي تتلقاها البورصة ستكون عرضية، كحادث محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم الذي لم تتأثر به البورصة كثيرًا، حيث لم يحدث سوى هبوط بسيط