أجواء الاحتفالات التى شهدتها مصر الجديدة، بعد نجاح ثورة 30 يونيو، التى يعتبرها البعض استكمالا وتصحيحا لمسار ثورة 25 يناير 2011، تبدت إلى نحو كبير مع شروق شمس يوم الإثنين 8 يوليو، حيث فقدت مصر بعض أبنائها، فى اشتباكات جرت أمام دار الحرس الجمهوري.. ومع سقوط الدم، كان البكاء والحزن فى البيوت، وفى مساء نفس اليوم، كانت العيون بانتظار هلال شهر رمضان المعظم، الذى لم تثبت رؤية هلاله آنذاك، ولكن وقف المصريون صفوفا متراصة مساء الثلاثاء، فى صلاة التراويح يتضرعون للرحمن أن يحفظ مصر، ومع بدء أيام شهر رمضان يوم الأربعاء كانت دعوات المصريين عند الإفطار "يا رب احفظ مصر". الجميع يسأل خارج مصر قائلا: ماذا يحدث فى أم الدنيا؟، الإجابة تحتاج سرد مجموعة من التفاصيل ليعرف القراء حقيقة الأوضاع فى مصر المحروسة. كل أعداء ومعارضى الإخوان خرجوا معا فى مظاهرات 30 يونيو، والتى كانت هى الأساس فى دفع الجيش المصرى للتدخل، معطيا مهلة 48 ساعة لمرسى، لحل الأزمة فى البلاد حتى لا تنزلق مصر لحرب أهلية، كانت بوادرها – آنذاك- تلوح فى الأفق، ولكن المهلة انتهت وأصر مرسى على الالتزام بالشرعية واستمرار بقائه فى السلطة، فكانت مظاهرات الأربعاء 3 يوليو هى القاصمة، وانحاز الجيش للشعب ضد مرسى، وسط دعم وتأييد من القوى المختلفة ممثلة فى قوى الشباب (حركة تمرد)، والقوى السياسية ممثلة فى الدكتور محمد البرادعى (جبهة الإنقاذ وجبهة 30 يونيو)، وحزب النور السلفى، بالإضافة للقوى الدينية ممثلة فى فضيلة شيخ الأزهر والبابا تواضروس، بعد الاتفاق فى اجتماع طويل على خريطة الطريق التى ستسير عليها مصر الجديدة بعد ثورة التصحيح فى 30 يونيو. وللأسف، فإن هذه الثورة الجديدة لم تستجب لها جماعة الإخوان، وبدأت ثورة مضادة، تعتمد على عدة محاور، أولها وربما أهمها هو المحور الخارجى من خلال الترويج على أن ثورة 30 يونيو ليست ثورة بل انقلاب عسكرى، ولهذا تمت الاستعانة بكل قواها الدخلية والخارجية لترسيخ تلك الفكرة، حيث كان دور النظام التركى وعلى رأسه رجب طيب أردوغان هو رأس الحربة فى تلك الجهود، كما كانت الاستعانة بباقى أعوان مرسى، والذين استطاعوا خلال فترة حكمه نسج علاقات ببعض دول العالم، وفى مقدمتهم عصام الحداد مستشاره للشئون الخارجية، الذى بعث برسائل عديدة لبعض دول العالم لإجهاض ثورة 30 يونيو، والعمل على رفض العالم الاعتراف بالنظام المصرى الجديد، والعمل على إعادة مرسى للسلطة. لكن تلك الهجمة قوبلت بتحركات سريعة وعاجلة من وزارة الخارجية، حيث كانت تكليفات محمد كامل عمرو لسفراء مصر فى دول العالم، على التأكيد أن النظام المصرى الجديد نتج عن ثورة شعبية، وهو نفس ما أكده فى لقاءاته مع السفراء الأجانب لدى مصر. على صعيد آخر، كان المحور الثانى من ثورة الإخوان المضادة تقوم على حشد أكبر عدد ممكن من عناصرها والمتعاطفين معها، ومحاولة كسب الرأى العام المصرى، والتظاهر فى مناطق مختلفة من مصر، خصوصا فى القاهرة حيث مركز الأحداث، مع إلقاء الضوء على المتظاهرين فى مشهد لإيصال رسالة للخارج تفيد بأن هناك من الشعب المصرى من يرفض عزل مرسى ويريد عودته، وهو ما يفسر سر وجود لافتات بالإنجليزية بين المتظاهرين المؤيدين لمرسى فى كل من رابعة العدوية وميدان النهضة بالجيزة. وللأسف فقد كان مناخ الشحن زائدا بدرجة ملحوظة، ولجأت جماعة الإخوان إلى الحديث عن أنهم يخوضون معركة الشريعة والشرعية، متناسين أن فترة حكم مرسى ومن قبله من سيطرة الإخوان على مجلس الشعب ثم مجلس الشورى، لم تشهد أى شىء مفيد بالنسبة للشريعة الإسلامية، كما تناسوا أيضا أننا بصدد صراع سياسى، وأن الحل الآن يستوجب حوارا سياسيا، بعدما بدأ النظام الجديد يرسخ أقدامه ويتلقى التهانى من العالم. أحداث الحرس الجمهورى كانت هى الأكثر سخونة خلال الأسبوع المنصرم، وعلمت "الأهرام العربى" أن الأحداث كان مخططا لها قبل عدة أيام، وكانت تهدف لتحقيق عدة أهداف، وتعتمد بالأساس على الشحن المعنوى لأنصار مرسى، ولهذا كان الحديث قبلها بأيام عن الجهاد والشهادة، وجرى تصوير ما يحدث بأنه صراع من أجل إنقاذ الإسلام من الضياع، ولهذا تعرضت قوات التأمين أمام دار الحرس الجمهورى، من الجيش والشرطة للعديد من الشتائم والسب والقذف بأفظع الشتائم والتكفير، وهو ما كان معبرا عن حالة الاستنفار غير العادية بين صفوف أتباع مرسى. وفى فجر اليوم الدامى كانت ساعة الصفر، حيث خرج بعض أتباع مرسى مرددين الله أكبر مهاجمين أفراد الأمن بالحجارة والمولوتوف وبعض الأسلحة النارية، مما أدى لسقوط عدد من الضحايا بين قتيل ومصاب، وهنا بدأ رد الأمن بإطلاق الأعيرة فى الهواء لتفريقهم، ومع استمرار الهجوم بدأ الأمن بإطلاق النار لمنع المهاجمين. تلك كانت الصورة من بين صفوف قوات الأمن من الجيش والشرطة، أحد الضباط المصابين يحكى ما حدث قائلا: "كنت أصلى الفجر وفى الركعة الثانية سمعت أصوات أعيرة نارية قريبة، وكان بجوارى أحد الضباط ولكنه لم يكن يصلى معى، وكنت أشعر بالأمان وقررت أن أكمل الصلاة، وما إن انتهيت حتى وجدت زميلى مضرجا فى دمائه وقد أصابته رصاصة بالرأس وبدأ سائل المخ فى الخروج من رأسه، وبينما أنا ألتفت وجدت رجلا يمسك بمسدس خرطوش ويستعد لإطلاق النار على، فقلت له: أنا مسلم زيك.. حرام عليك، فرد قائلا: حموِّتك.. وأطلق طلقة خرطوش. المحور الثالث الذى تقوم عليه ثورة الإخوان المضادة يقوم على تشويه صورة قيادة القوات المسلحة، والعمل على إحداث انقلاب داخل الجيش، ولهذا كان الحديث خلال الفترة الماضية عن تشويه صورة الفريق أول عبد الفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، ولهذا انتشرت عملية تشبيهه بالرئيس السورى بشار الأسد. وعلمت "الأهرام العربي" أن خطة اليوم الدامى كانت تهدف إلى اقتحام الحرس الجمهورى فجرا، والقبض على أفراد القوات المسلحة بداخله، وتصوير ذلك على أنه انهيار للمؤسسة العسكرية، ونشر صور وفيديوهات من داخل المقر تذيعها محطات محسوبة على جماعة الإخوان، تفيد بوجود انشقاق داخل الجيش وظهور ما يسمى "جيش مصر الحر"، من خلال قيام مدنيين بارتداء الزى العسكرى وإبرازهم بأنهم أصلا جنود أو ضباط بالجيش انشقوا على السيسى، وهو يأتى استمرارا للعملية التى وقعت أخيرا بإذاعة فيديو على مواقع الإنترنت لشخص يرتدى زيا عسكريا ويهدد المتظاهرين فى 30 يونيو بالقتل، حيث اتضح أنه كادر باللجنة الإعلامية بحزب الحرية والعدالة. كذلك فإن المخطط فى حالة فشل الاقتحام للحرس الجمهورى وقيام قوات الأمن من الجيش والشرطة بصد الهجوم، فإن من سيسقط قتيلا من المهاجمين، سيكون شهيدا فى سبيل الله، وفى سبيل الشرعية، ومن أجل تحرير محمد مرسى، فمن المعلوم أن الهجوم على أى وحدة عسكرية لن تسمح به القوات المسلحة، والتى أعلنت مرارا أن من سيقترب من المنشآت العسكرية سيتم التعامل معه بقوة وحسم إلا أن الإخوان دفعوا أتباعهم للهجوم انتحارا على أبواب الحرس الجمهورى، وفى عملية توحى بوجود غسيل مخ للمتظاهرين من مؤيدى مرسى، وهو ما بدا واضحا فى اعترافات المتهم بالمشاركة فى جريمة إلقاء الشباب من أعلى الأسطح فى الإسكندرية، حيث قال فى اعترافاته بعد إلقاء الضحية الأول: إيه اللى أنا عملته ده. سقوط قتلى فى الهجوم على الحرس الجمهورى، كانت ستفيد الإخوان للترويج بالخارج لاتهامهم للفريق أول عبد الفتاح السيسى بأنه يسير على خطى بشار الأسد، فى قتل المتظاهرين السلميين، وهو ما فضحته شرائط الفيديو التى سجلتها كاميرات القوات المسلحة وتوضح الهجوم على الحرس الجمهوري. وماذا بعد؟ سؤال على ألسنة المصريين جميعا هذه الأيام، فهل سنشهد هدوءا ومصالحة كما تدعو القوات المسلحة، وتعهدها بعدم إقصاء أى تيار أو حزب لطمأنة الإخوان؟ أم سنشهد تزايدا فى حدة الصراع على السلطة؟ للأسف يبدو أن الأوضاع مرشحة للتصعيد، خصوصا أن الإخوان يخوضون الصراع فى مصر باعتبار أن الهزيمة فيه ستكون نهاية لباقى أفرع التنظيم فى بقية دول العالم، ولهذا يتم الحشد مجددا ودعوات الخروج على النظام الجديد، وتأليب الرأى العام ضد القوات المسلحة، والتى تخوض حربا فى سيناء ضد الجماعات المتطرفة الجهادية، والتى عادت لتفجير خط الغاز بعد عزل مرسى، ومهاجمة كمائن ومراكز الشرطة والجيش.